منذ 18 ساعات
النساء يتخلّفن عن ركب الذكاء الاصطناعي.. والفجوة تهدد مستقبلهن
إيزابيل بيريويك
تواجه النساء تحدياً مزدوجاً في سوق العمل المستقبلي، إذ أظهرت دراسات متعددة أنهن أكثر عرضة من الرجال للتهديدات التي تشكلها الأتمتة لعالم الوظائف، كما أنهن يفتقرن في الوقت نفسه إلى المهارات الرقمية الأساسية، بنسبة تقل بـ25 % مقارنة بالرجال.
وتحذّر تقارير صادرة عن منظمة العمل الدولية والأمم المتحدة من تحدٍ عالمي وملحّ يطال النساء على وجه الخصوص، حيث تكشف الثورة الصناعية الجديدة، التي يقودها الذكاء الاصطناعي، عن واقع مغاير لما تعد به من مساعي المساواة في الفرص، إذ تتخلّف كثير من النساء عن الركب.
وفي هذا السياق، كشفت دراسة دنماركية حديثة أُجريت عام 2024 وشملت 100 ألف موظف وموظفة عن «فجوة جندرية صادمة» في استخدام تقنية «شات جي بي تي» لشركة «أوبن إيه آي»، حيث تبيّن أن النساء أقل استخداماً للتقنية بفارق يصل إلى 20 نقطة مئوية مقارنة بزملائهن الرجال. وبيّن الباحثون أن هذه الفجوة ظلت قائمة حتى داخل المؤسسة الواحدة، وحتى بعد احتساب الفروق في طبيعة المهام الموكلة إلى كل منهن.
فكيف يمكن للنساء مواكبة تطورات الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل ضغوط الوقت التي تمنع كثيرات من التفرغ للتدريب، كالعاملات بدوام جزئي أو من لم يدركن بعد عمق التحول الجذري الذي يفرضه الذكاء الاصطناعي على بيئة العمل؟ هذه التحديات تبدو مبررة، ويصعب تحديد نقطة انطلاق واضحة في هذا المجال الشاسع والمعقد.
ويشكل دليل الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل، الصادر عن شركة الأبحاث «تشارتر»، مرجعاً أساسياً، بفضل نهجه العملي الذي يتجاوز التكهنات حول التأثيرات «المحتملة»، ويعرض بدلاً منها دراسات حالة لشركات رائدة دمجت تقنيات الذكاء الاصطناعي بنجاح، ونقلت أفضل الممارسات لموظفيها. غير أن المؤسسات الصغيرة تقف عاجزة أمام شح الموارد المتاحة لها، وهو ما أكدته مراجعة بيساريدس البريطانية حول مستقبل العمل والرفاهية، والتي حذرت من أن «التأثيرات الإيجابية المأمولة - سواء تلك المتعلقة برفع كفاءة العاملين أو أتمتة المهام الروتينية - لن تتحقق تلقائياً، بل تتطلب جهوداً استباقية مدروسة ومخططة بعناية».
وأمام غياب الدعم المؤسسي أو حتى على مستوى فرق العمل، كيف يمكن للأفراد الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي بمبادرات ذاتية؟ تقدم منصة سلاك الرائدة في مجال التعاون المهني الرقمي ما يُعد أفضل النصائح العملية في هذا الصدد، مع التشديد بصفة خاصة على ضرورة تخصيص وقت منتظم للتجريب والتعلم.
والفضول تجاه الذكاء الاصطناعي بمفهومه الأوسع أمر محمود بلا شك، وقد قرأت مؤخراً مقالاً لافتاً بعنوان «الذكاء الاصطناعي سيُعيد تعريف الطبيعة البشرية، فهل نحن على أهبة الاستعداد؟» للاقتصادي تايلر كوين بالاشتراك مع أفيتال بالويت من شركة أنثروبيك الرائدة في تطوير برمجيات الذكاء الاصطناعي.
ولأنني أؤمن بأهمية التجربة العملية، فقد طرحتُ على نسخة فاينانشال تايمز المؤسسية من شات جي بي تي سؤالاً مباشراً حول المعوقات التي تحول دون إقبال النساء على استخدام الذكاء الاصطناعي، فكانت الإجابة بالإشارة إلى دراسة أصدرتها شركة الاستشارات العالمية ديلويت عام 2024 تناولت علاقة النساء بتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي. وتوقع الباحثون أن «تتساوى أو تتفوق نسبة النساء اللواتي يجربن ويوظفن الذكاء الاصطناعي التوليدي في إنجاز المشاريع والمهام المختلفة على نسبة الرجال في الولايات المتحدة مع نهاية عام 2025»، مما يبعث على التفاؤل ويؤكد أن المشهد ليس قاتماً بالكامل.
غير أن التحلي بقدر من الحذر يبقى ضرورياً، فقد كشفت فاينانشال تايمز الشهر الماضي أن روبوتات الدردشة القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل شات جي بي تي وكلود من أنثروبيك، قد تعكس أحياناً «كيف يمكن للتحيزات الكامنة لدى العاملين في شركات الذكاء الاصطناعي أن تتسلل إلى النماذج التي يطورونها». وقد أثبت ذلك أحد صحفيي الجريدة عملياً عندما طرح سلسلة أسئلة حول قادة شركات الذكاء الاصطناعي على روبوتات محادثة مختلفة، فجاءت إجابات كل نموذج منحازة بوضوح لصالح الرئيس التنفيذي لشركته.
وبحسب إحصاءات المنتدى الاقتصادي العالمي، لا تتجاوز نسبة النساء ثلث القوى العاملة في قطاع الذكاء الاصطناعي، وهو ما يجعل الحاجة أكثر إلحاحاً لتعميق معرفتنا بنماذج اللغة الكبيرة والتطبيقات الذكية، والأهم من ذلك، البدء في لعب دور فاعل في تشكيل منظومة المعرفة داخل مؤسساتنا.
ولا شك أن كثيرين منا سمعوا مقولة: «الذكاء الاصطناعي لن يستولي على وظيفتك، بل شخص يجيد استخدام الذكاء الاصطناعي هو من سيفعل»، وهي عبارة تبدو مطمئنة لمن أتقنوا هذه التقنيات وتُبرر جهود من يخوضون غمار التجريب.
ويرى سانجيت بول شودري، الخبير التقني والمؤلف المتخصص، أن هذه المقولة، شأنها شأن كثير من الأفكار التي تدور في فلك الضجة المحيطة بالذكاء الاصطناعي، قد تجاوزها الزمن. ففي نشرته الإلكترونية على منصة سابستاك، يصف هذه الفكرة بأنها «صحيحة، لكنها بلا جدوى على الإطلاق، والمشكلة أنها تحصر تركيزك في نطاق المهام الفردية - بين الأتمتة الكاملة وتعزيز القدرات في المهام التي تؤديها - في حين أن التحول الجذري الحقيقي يجري على مستوى منظومة العمل برمتها». وهو تمييز دقيق يستحق التوقف عنده لإدراك الصورة الشاملة.
لذلك، إذا كنت لم تجرب بعد استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي، فلا مبرر للقلق، فالوقت ما زال في صالحك. فقد كشفت شركة الاستشارات العالمية ماكينزي أنه برغم الضجة الإعلامية الهائلة، فإن 1% فقط من القادة التنفيذيين يؤكدون أن مؤسساتهم وصلت لمرحلة «النضج» في تطبيق الذكاء الاصطناعي. أما نسبة الـ99% المتبقية فهي البيئة التي لايزال يعمل فيها معظمنا.