logo
#

أحدث الأخبار مع #ثقافة_مهيمنة

من مكيافيلي إلى ناي: دروس في ثقافة الهيمنة!
من مكيافيلي إلى ناي: دروس في ثقافة الهيمنة!

الميادين

timeمنذ 13 ساعات

  • سياسة
  • الميادين

من مكيافيلي إلى ناي: دروس في ثقافة الهيمنة!

يُعتبر مفهوم الثقافة المهيمنة من المفاهيم الحديثة المستجدة على التفكير الوطني، فهذه القوة ما انفكت تواكب حياة المواطن في العالم العربي، وتشكل جزءاً كبيراً من تاريخه، لجأت إليها العديد من المؤسسات عندما حولت طاقتها الفكرية من شكلها المادي الفظ إلى شكله الرمزي عبر توظيف آليات ودلالات رمزية بهدف التبعية والسيطرة على إنساننا والتأثير عليه ايديولوجياً وعقائدياً، عبر إحباطه ودفعه للإذعان والخضوع وتقديم التنازلات. تفيض الشواهد التاريخية بالممارسات الرمزية. فقد وصل المغول سابقاً إلى هزم العديد من الأمم قبل أن تهزمهم آلتهم العسكرية. وهكذا الولايات المتحدة والغرب عبر توظيف أدواتهم الإعلامية ومؤسسات الدراسات بهدف إذعان الدول والشعوب والسيطرة عليها وإسقاط مقدساتها وقيمها الأخلاقية والثقافية. هذا الأمر يؤكد أن الحرب الناعمة ليست جديدة في جوهرها، فقد استخدمت الإمبراطوريات عبر التاريخ، الثقافة والدعاية من أجل السيطرة، لكنها اليوم تتخذ أبعاداً غير مسبوقة بفضل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي. فهي حرب غير معلنة، لكن آثارها لا تخفى في انهيار القيم، وفقدان البوصلة الخلقية. كما أن التكنولوجيا جعلت "القوة الناعمة" أكثر دقة وتأثيراً، لكنها من جهة أخرى عززت انقسامات العالم العربي، الذي يمتلك ثراء حضارياً عظيماً، خصوصاً في مصر وبلاد الشام وبلاد الرافدين، بدلاً من توحيدها. ذلك أن وسائل التواصل جعلت الشعوب العربية أكثر تعصباً لرواياتهم، فتهاوت فكرة القوة الناعمة كأداة لبناء توافق عالمي. هذا التشظي فى عالم تتصارع فيه الدول على النفوذ، أفقد السياسة بعدها الإنساني، وحولها أداة لإدارة الصراعات وساحة للعبث، تتصارع فيها الخوارزميات على أرواح البشر. يقول الأكاديمي الأميركي، جوزيف ناي (1937- 2025) إن تكنولوجيا المعلومات ربما تجعل القوة الناعمة "أكثر سهولة وأقل فعالية". وهي كانت الركيزة الأساسية للعولمة في اتجاهاتها المختلفة إعلامياً واقتصادياً وسياسياً. فقد أتاحت المعلومات وتقنياتها للشركات متعددة الجنسيات والكيانات الإعلامية الكبيرة أن تبرمج خططها باتجاه اختراق الحدود الوطنية للدول الأخرى وفرض علاقات جديدة، بدأت تعد انتهاكاً لسيادة البلدان الأخرى ولا سيما عندما تستعمل في الاتجاه الذي يخدم مصالح وسياسات البلدان الأخرى. من هنا يأتي السؤال الذي يحتاج إلى إجابات عملية، لكن أيضاً نظرية لا غنى عنها: كيف يمكن لمجتمعاتنا العربية، أن تحصن نفسها ضد هذا العدو الخفي غير المرئي؟ وكيف ينبغي لمطلب الوعي العميق، والإرادة الصلبة، والاستراتيجيات المبتكرة، التي تجمع بين احترام الذات، والتمسك بالجذور ومواجهة التحديات، أن تكون حاضرة بقوة لمواجهة هذه التهديدات غير المسبوقة؟ لا شك في أن المواجهة الثقافية يجب أن تقوم على البصيرة، فلا يمكن لمثقف يواجه العدو أن يعتمد على انفعالات قد تترك أثراً سلبياً في أذهان المخاطبين، أو تمس رمزيات لديه أو تزعزع الثقة بالمشروع الذي يحمله، وإن كان هذا المخاطب في موقع الخصم. هذه القراءة تجعل من المنطقي أن نصنف الثقافة الناعمة باعتبارها قوة ذات طبيعة رمزية، لأنه يعبر عن حراك إنساني يستفيد من الرمز وقدراته من أجل السيطرة على الآخرين، فهو إذاً تطوير في آليات ممارسة العنف والانتقال به من شكله الحسي إلى مستويات أكثر عمقاً، مستفيداً من التركيب النفسي للإنسان. حيث تصبح الضحية قانعة بقدرها (كما هي شعوبنا الآن)، تسير إليه من دون انتباه أو وعي، لأن الجلاد يسعى إلى جعلها تتبنى تصوراته ومسلماته ولغته والصور التي يريد أن يعممها عن نفسه، مما يفقدها القدرة على تسيير نفسها، لقد بنى ناي نظريته السياسية من خلال ركائز عدة منها الجاذبية الحضارية، وقام بتعريف "القوة الناعمة" بأنها القدرة على تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبية بدلاً من القوة، وتعتمد على أثر الجاذبية والإبهار في سلوك الآخرين بدلاً من الإرغام ودفع الأموال، مرتكزاً على أن الثورة الناعمة لبلد ما ترتكز على 3 موارد هي: "ثقافته، وقيمه السياسية، وسياساته الخارجية". وكل ذلك لمواجهة تنامي موجات الكراهية والعداء لأميركا، وتضرر مصالحها في عدة مناطق بالعالم، وقد أسهمت أحداث 11 سبتمبر بتصحيح وجهة النظر الأميركية. يقسّم "ناي" موارد "القوة الناعمة"، فيرجع بعضها إلى ثقافة البلاد وآدابها الملهمة للآخرين مثل أفلام هوليوود وبرامج التلفزيون، واعتبر هذه القوة مناسبة لإيصال رسالة الولايات المتحدة لدول العالم، إلى جانب الطلاب الذين يدرسون هناك، ومنها ما يرجع للقيم السياسة إذا ما تم تطبيقها بكفاءة ونشر مبادئها في بلدان العالم كالديمقراطية وحقوق الإنسان، باعتبارها مصادر جذب قوية، إلى جانب السياسية الخارجية المشروعة التي تميل للانفتاح مع دول العالم، وضرب مثالاً على ذلك بقضايا مثل محادثات السلام ومبادرات الحفاظ على البيئة والمناخ ومكافحة الأوبئة. ويصف الأكاديمي الأميركي "روشتة" من 3 محاور لبناء الإطار العام لتسلل "الثقافة الناعمة" عبر الاتصالات اليومية مع وسائل الإعلام لتوضيح السياسات المحلية والخارجية. كما على وسائل الدعاية المركزة، والتركيز على أحداث وفعاليات كالحملات الإعلامية السياسية الدعائية المركزة، وهذا سيؤدي إلى تحسين صورة أميركا وبيان قوتها. وأخيراً، إقامة علاقات دائمة مع شخصيات سياسية وثقافية واجتماعية عبر حوارات طويلة، وذلك من خلال المنح الدراسية، والتدريب والندوات والمؤتمرات لتكريس القيم الأميركية ونشرها في أنحاء العالم. قبل أكثر من 4 قرون، نصح الداهية الإيطالي، نيكولو مكيافيلي (1469 - 1527) الأمراء بأن يكون المرء مخوفاً أهم من كونه محبوباً، ولكن الأفضل في وقتنا المعاصر أن يكون المرء مالكاً لهاتين الصفتين معاً، مستخدماً أسلوب العصا والجزرة. ذلك أن إذعان القلوب والعقول مهماً على الدوام، لكن الأهمية أخطر في عصر التطورات التكنولوجية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي. إنه عصر التأثير الثقافي الذي يمثل قمة فاعلية القوة المهيمنة التي يمتد تأثيرها إلى كل العقول دون استئذان. إننا أمام استعمار جديد ولكن بقفازات ناعمة!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store