logo
#

أحدث الأخبار مع #ثيودورروزفلت،

الانعزالية الأمريكية
الانعزالية الأمريكية

البيان

time٠٦-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • البيان

الانعزالية الأمريكية

في أواخر القرن التاسع عشر ومع الثورة الصناعية، كانت الولايات المتحدة منشغلة بالوضع الداخلي لإدارة التغيرات الكبيرة التي تشهدها البلاد. ولكن زيادة الإنتاج تطلب البحث عن أسواق خارجية. وقد صرح السيناتور ألبرت بفريدج في العام 1898، بأن التوسع الخارجي للحصول على أسواق جديدة مهم جداً للولايات المتحدة. فالمصانع الأمريكية تنتج أكثر مما تستهلكه البلاد، وأراضي أمريكا تنتج محاصيل أكثر مما يحتاجه الناس. وبذلك قدر لنا أن نتبع سياسة تكون فيها التجارة العالمية لنا. وقد تزعم هذا التوجه ثيودور روزفلت، والذي سيصبح الرئيس السادس والعشرين للولايات المتحدة. وكان روزفلت يروج للتوسع الخارجي والسيطرة على أراضٍ وأسواق ومنتجات دول الجنوب القريبة والبعيدة. وقد شرع من موقعه كمساعد لوزير البحرية لتطوير القدرات البحرية الضرورية للتوسع. وقد شهد ولايته في البحرية بناء سفن وموانئ والاستحواذ على تكنولوجيات حديثة لتحقيق المطامح. وقد استمر على هذا المنوال أثناء رئاسته 1901 - 1909. وقد استمرت الرغبة في التوسع الخارجي إلى انخراط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى لأسباب جيوسياسية وأسباب تجارية. ولكن هذا التورط في الحرب العظمى أدى إلى ردة فعل وأصبحت الولايات المتحدة منعزلة. جذور الانعزال يعود إلى ما قبل هذا التاريخ. فقد حذر الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن في خطبة الوداع من التشابك في تحالفات خارجية أو ما أسماه «التعلق العاطفي» بدولة أجنبية. وفي هذا المنحى، أعلن الرئيس الأمريكي جيمس منرو في 1823 عن مبدأ النأي بالولايات المتحدة عن الشأن الأوروبي. كما أعلن أن الولايات المتحدة لن تسمح بتدخل الأوروبيين في شؤون أمريكا الجنوبية فضلاً عن إنشاء مستعمرات جديدة لها. ولكن وصلت حالة الانعزالية أشدها في الثلاثينات من القرن المنصرم. كانت تلك ردة فعل للحرب العالمية الأولى ولفشل سياسات الرئيس ودروو ويلسون الليبرالية. وعندما لاحت الحرب في أوروبا بصعود التيارات الفاشية المتمثلة في النازية الألمانية والفاشية الإيطالية قبلها. وبدأت الحرب تطل برأسها بين المحوريين الرئيسين، شرع الكونغرس الأمريكي بتمرير قوانين لمنع الولايات المتحدة من التدخل في صراعات أوروبا. وكان أهم التشريعات قانون جونسون للعام 1934، والذي منع تقديم العون للدول الأوروبية المتنازعة، وقوانين الحياد 1935 - 1936، والذي منع المساعدات لهذه الدول في النزاع والذي تطور إلى الحرب العالمية الثانية. ولكن الهجوم على بيرل هاربور في 7 ديسمبر 1941 من قبل اليابان قلبت الموازين. وخرجت الولايات المتحدة من عزلتها وانغمست في الحرب العالمية الثانية بلا هوادة. وقد ظهرت في القرن الماضي فلسفة سياسية أمريكية تسمى «بيليوكونسيرفيتزم» أو المحافظة الأصلية. برزت هذه الحركة في الثمانينات من القرن الماضي مع صعود التيار المساند للرئيس رونالد ريغان كردة فعل للرفاه والإصلاحات الليبرالية التي أسسها فرانكلين روزفلت قبل عقود لمواجهة الكساد العظيم. وتنادي الحركة إلى العودة للقيم المسيحية والتقاليد الأمريكية المحافظة. كما تروج الحركة إلى القومية الاقتصادية ومناهضة الليبرالية الاقتصادية والعولمة. وتدعو الحركة إلى خفض الهجرة ووضع قيود على التنوع الثقافي. ومن أهم النقاط في هذا التيار إعادة هيكلة الفيدرالية الأمريكية وضبط مركزيتها وتقوية المحلي على حساب الاتحادي. والأهم من ذلك تدعو الحركة إلى عدم التدخل في المشاكل الخارجية والتي تستنزف القوة الأمريكية. الانعزالية الأمريكية لها جذور ثقافية وفلسفية واجتماعية في الولايات المتحدة. وما التيار الذي يقوده الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب إلا تجلٍ جديد لفلسفة قديمة. هل سينجح ترامب في تحقيق مآرب الحركة أم أن السياسات الجديدة ستشق المجتمع الأمريكي وتتزايد حدة الاستقطاب. وقد قيل قديماً لكل شيء آفة من جنسه حتى الحديد سطا عليه المبرد.

لماذ العجب؟.. أمريكا قامت على إبادة الهنود الحُمر!!
لماذ العجب؟.. أمريكا قامت على إبادة الهنود الحُمر!!

الدستور

time٢٠-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الدستور

لماذ العجب؟.. أمريكا قامت على إبادة الهنود الحُمر!!

من الواضح أن جميع المستعمرات الاستيطانية، وليست إسرائيل فقط، ارتكبت عمليات تطهير عرقي وتهجير قسري للسكان الأصليين.. فقد كتب الرئيس الأمريكي السادس والعشرون، ثيودور روزفلت، مطلع القرن العشرين، أنه (من وجهة نظر الأخلاق التطبيقية، كان غزو واستيطان البيض للأراضي الهندية ـ التي عُرفت فيما بعد بالولايات المتحدة الأمريكية ـ ضروريًا لعظمة العرق ورفاهية البشرية المتحضرة.. وقد يكون الغزو محفوفًا، إما بالشر أو بالخير للبشرية، وفقًا للقيمة النسبية للشعوب الغازية والمهزومة).. وعلى نحو مماثل، عندما سُئل الزعيم البريطاني، ونستون تشرشل، عام 1937، عن حقوق العرب الفلسطينيين في فلسطين، قال، (أنا لا أعترف بأن الكلب في المِذَود له الحق النهائي في المِذوَد، حتى لو كان قد مكث هناك لفترة طويلة جدًا.. أنا لا أعترف، على سبيل المثال، بأن ظلمًا كبيرًا قد وقع على الهنود الحُمر في أمريكا، أو السود في أستراليا.. أنا لا أعترف بأن ظلمًا قد وقع على هؤلاء الناس، من خلال حقيقة أن عِرقًا أقوى، أو عِرقًا أعلى مرتبة، أو على الأقل عِرقًا أكثر حكمة دنيوية ـ على حد تعبيره ـ قد جاء ليحل محلهم).. و(المِزوَد أو المَعلَّف) في اللغة العربية يعني، وعاءً عميقًا توضع فيه الأعلاف لإطعام الحيوانات.. ويستخدم في الغالب في تربية الماشية، ويتواجد بشكل عام في الاسطبلات والبيوت.. كما أنها تستخدم لإطعام الحيوانات البرية، على سبيل المثال، في المحميات الطبيعية!!.. أرأيتم دونية نظرة المُحتل للشعوب المُحتَلةِ اراضيها؟!. وتطبيقًا لهذه النظرة، قامت الدولة الأمريكية على أشلاء الهنود الحُمر، وإذا توقفنا قليلًا أمام هذه الحقيقة التاريخية الدامية، لأدركنا أن ما يقول به ترامب الآن، عن إفراغ قطاع غزة من سكانه وتهجيرهم إلى مصر والأدن، وربما إلى ألبانيا وإندونيسيا، أو غيرها، يتسق مع العقيدة الأمريكية التي تقوم على سلب أراضي الغير.. وإذا وضعنا هذه الحقيقة التاريخية، إلى جانب ما ذهب إليه ترامب مؤخرًا، من تهديده بالاستيلاء على قناة بنما، وجزيرة جرينلاند التابعة لدولة الدانمارك، ومعهم رغبته في ضم كندا إلى الولايات المتحدة، لعرفنا، أن مبدأ الوطن والأرض، لا يتحقق إلا إذا كان خاصًا بواشنطن فقط، أما فيما عدا ذلك، فكل الأراضي مُباحة للاستيلاء عليها وطرد سكانها الأصليين إلى الشتات.. وكأننا أمام رجل يمسك بمبزان مائل، لا ترجح فيه إلا مصلحة واشنطن وحليفتها إسرائيل، على حساب أيًا كان. ودعونا نعود إلى الماضي، وقت قيام الولايات المتحدة، التي غرقت في بحور من دماء الهنود الحُمر، قبل أن تصبح هذه القوة العظمى الوحيدو في العالم، على مبدأ أن الغايات تبرر الوسائل، حتى ولو كانت هذه الوسائل، عنيفة أو دموية.!!. يقول مايكل هولي إيجل، من نشطاء الهنود الحُمر، إن (أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين.. ويا الله، ما أغزر دموعهم فوق دماء ضحاياهم، وما أسهل أن يسرقوا وجودهم من ضمير الأرض!!.. هذه واحدة من الإبادات الكثيرة التي واجهناها، وسيواجهها الفلسطينيون كذلك.. إن جلّادنا المُقدّس واحد). تتناول وسائل الإعلام الأمريكية قيم الولايات المنحدة، بكثير من التفاؤل والتمجيد، فتُظهر هذه الوسائل عادة، جاذبية الأمة الأمريكية وتبشيرها بالحرية والمساواة وحقوق الإنسان، ونبذها للعنف والكراهية والتعصب، وهو ما لا نرى له انعكاسًا واقعيًا على الأرض.. تتبنى الولايات المتحدة هذه القيم من منطلق تفوقها العالمي، وهو ما تُعلق عليه تسيانينا لوماويما، أستاذة التاريخ الأمريكي بجامعة أريزونا، بأن الولايات المتحدة الأمريكية (تؤمن باستثنائيتها، أي بتفوق الأمة الأمريكية على أي أمة أخرى، ولكن هذا أمر لا تدعمه الحقائق أو التاريخ).. لكن ماذا لو عدنا بالتاريخ، إلى نشأة الولايات المتحدة الأمريكية.. إلى القرن الخامس عشر الميلادي تحديدًا، عندما بدأ الأوروبيون باستكشاف أراضي قارة أمريكا الشمالية، لنسأل: ما مدى تطبيق قيم الحرية والعدالة ونبذ العنف على السكان الأصليين للقارة؟.. هل التزم الأمريكيون فعلًا بهذه القيم مع الهنود الحُمر؟.. أم أنهم خالفوها تمامًا معهم؟!. جاءت تسمية الهنود الحُمر بطريقة عشوائية تمامًا، كما يقول إبراهيم السيد.. ففي عام 1492، خرج البحار المسنكشف، كريستوفر كولومبوس من إسبانيا، متجها إلى الهند في قارة آسيا، لكنه ضل الطريق واستقر مُقامه في أمريكا الوسطى.. هناك قابل كولومبوس السكان الأصليين، لكنه لم يكن يعرف أنه كان تائهًا، ومن ثم أطلق عليهم لفظ (الهنود) معتقدًا أنه في آسيا، وأن هؤلاء هم سكان الهند بالفعل.. ولم يمضِ وقت طويل حتى أدرك كولومبوس، أنه ليس في الهند وإنما في أرض (جديدة)، لكن التسمية استمرت كما هي مع إضافة وصف (الحُمر) للهنود، لميل بشرتهم إلى الحُمرة، عوضًا عن البشرة الداكنة للهند الآسيوية.. هذا الإصرار على إعادة تسمية السكان الأصليين، وفقًا للرؤية أوروبية المركز، وكأن كل ما هو ليس أوروبي، فهو آخر تم تعريفه من قِبَل أوروبا سابقًا، وهذا يوضح أن الأوروبيين لم يرتكبوا جرائم بحق شعب بأكمله فحسب، بل أعادوا تسميته وتعريفه بالكلية، وفقًا لرؤية استعمارية بحتة. تنوعت رؤية الأوروبيين المحتلين نحو الهنود الحُمر، لكنها اتفقت جميعًا على تصويرهم، وكأنهم كائنات مُنحطة بالوراثة، (لاحظوا وصف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي للفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية، في الأيام الأولى من حرب غزة)!!، وأقل منزلة من الإنجليز والإسبان وعموم الأوروبيين.. هذه النظرة الدونية، يمكن اعتبارها الشرط التمهيدي لتجريد السكان الأصليين للأمريكتين من إنسانيتهم، وارتكاب المجازر الوحشية ضدهم.. وكانت أوصاف الأوروبيين للهنود الحُمر تصل إلى درجة أساطير (الزومبي) ومصاصي الدماء، ومثالًا لذلك، تخبرنا عالمة الإنسانيات، مارجريت هدجن، أن أول كتاب إنجليزي عن الهنود الحُمر، نُشر عام 1511ميلادية، (وصف الهنود بالوحوش التي لا تعقل ولا تُفكر وتأكل بعضها، بل إنهم كانوا يأكلون زوجاتهم وأبناءهم)!!.. وفي السياق ذاته، يقول الباحث السوري، أحمد دعدوش، (بعد اكتشاف الأوروبيين للقارة الأمريكية وبدء حركة الهجرة والاستيطان، اقترنت إبادة الهنود الحُمر برؤية توراتية وعلمانية مزدوجة، فسمى المتدينون البيوريتان (إحدى طوائف البروتستانت) أنفسهم عبرانيين، وظنوا أنهم في مهمة مقدسة لتطهير أرض الميعاد من الكنعانيين.. ولم يختلف الأمر كثيرًا لدى العلمانيين، الذين قدِموا لإزاحة ـ الهمج ـ عن طريق العقلانية والتنوير). وقد رسم الفنان البروسي، جون جاست، لوحة فنية عام 1872، أسماها (التقدم الأمريكي)، حيث الفتاة الأوروبية الشقراء البيضاء، وهي تحمل في إحدى يديها كتابًا يرمز إلى التقدم العلمي، وتمسك بأسلاك (التليجراف) ـ وسيلة نقل الرسائل بين المدن في ذلك الوقت ـ باليد الأخرى، في إشارة إلى التقدم التقني، وتتوسط رأسها نجمة السلام والتفوق.. تتجه الفتاة قادمة من الشرق الأوروبي المستنير إلى السكان الأصليين الهمج البدائيين والظلاميين.. ورسم جاست السكان الأصليين وهم يهربون مستسلمين أمام الحداثة الأوروبية التقدمية.. وقد اُستُخدمت هذه الصورة في إطار دعائي أيديولوجي واسع داخل أوروبا وخارجها، للترويج للسياسة الأوروبية الاستعمارية. يقول منير العكش، الأستاذ بجامعة سفولك الأمريكية، تعتبر قصة الإنجليز الذين أسسوا أول مستعمرة، فيما صار يُعرف اليوم في الولايات المتحدة بإنجلترا الجديدة، الأصل الأسطوري لكل التاريخ الأمريكي.. وما يزال كل بيت أمريكي يحتفل سنويًا في عيد الشكر Thanksgiving Day، بتلك النهاية السعيدة التي ختمت قصة نجاتهم من ظلم فرعون البريطاني، و(خروجهم) من أرضه، و(تيههم) في البحر، و(عهدهم) الذي أبرموه على ظهر سفينتهم مع يهوذا، ووصولهم في النهاية إلى (أرض كنعان).. كل تصورات العبرانيين القدامى ومفاهيمهم عن السماء والأرض والحياة والتاريخ، زرعها هؤلاء المستعمرون الإنجليز في أمريكا، التي أطلقوا عليها اسم (أرض الميعاد) و(صهيون) و(إسرائيل الله الجديدة)، وغير ذلك من التسميات التي أطلقها العبرانيون القدامى على أرض فلسطين.. وقد استمد هؤلاء الإنجليز كل أخلاق إبادة الهنود (وغير الهنود أيضًا،) من هذا التقمص التاريخي لاجتياح العبرانيين لأرض كنعان.. كانوا يقتلون الهنود، وهم على قناعة بأنهم عبرانيون، فضّلهم الله على العالمين، وأعطاهم تفويضًا بقتل الكنعانيين، وكانت تلك الإبادة للهنود، وهي الإبادة الأكبر والأطول في التاريخ الإنساني، الخطوة الأولى على الطريق إلى هيروشيما وفيتنام. حط كريستوفر كولومبوس قدميه على أراضي القارة الأمريكية عام 1492، ومنذ ذلك الوقت، دارت الحروب بين المحتلين الأوروبيين والسكان الأصليين للبلاد، ولم تتوقف عجلة الدماء، إلا مع بدايات القرن العشرين، فتراكمت الجثث وجرت أنهار الدم.. وبالرغم من أنه لا توجد إحصائية دقيقة حول أعداد السكان الأصليين، الذين كانوا موجودين على أراضي أمريكا الشمالية لحظة قدوم الأوروبيين، فإن بعض الدراسات تشير إلى أن أعداد السكان الأصليين للأمريكتين كانت تتراوح بين عشرة ملايين إلى مائة مليون عام 1500ميلادية.. ويرى الكثير من المتخصصين، أنها كانت نحو خمسين مليونًا، منهم نحو خمسة عشر مليونًا من قبائل وعشائر الهنود الحُمر في أمريكا الشمالية وحدها. ومنذ لحظة قدوم الأوروبيين، بدأت أعداد الهنود الحُمر تتناقص بسرعة خيالية، بسبب الحروب والمجازر الجماعية والمجاعات والأوبئة، حتى وصلت إلى أقل من مائتين وثمانية وثلاثين ألف هندي أحمر فقط، مع انتهاء الحرب الأمريكية ـ الهندية في القرن التاسع عشر، مما يعني أن القوات الأوروبية ذبحت نسبة أكثر من 95% من السكان الأصليين على الأقل، من أجل ما يُعرف بالولايات المتحدة الأمريكية اليوم، رغم أن بعض الباحثين يرى أن مجموع أرقام القتلى الحقيقية في الأمريكتين، قد يصل إلى ثلاثمائة مليون قتيل.. هذه الإبادة الكبرى للهنود الحُمر، لم تكن عشوائية أو محض مصادفة، وإنما كانت عملية مقصودة، خُطّط لها من قِبَل المستعمرين.. فكما يرى كلاوس كونور، الأستاذ بجامعة برينستون، فإن الإنجليز (هم أكثر القوى الاستعمارية الأوروبية ممارسة للإبادات الجماعية، فهدفهم في العالم الجديد، كأستراليا ونيوزيلاندا، وكثير من المناطق التي يجتاحونها، هو إفراغ الأرض من أهلها وتملّكها ووضع اليد على ثرواتها)!!. يقولون (إن تاريخ المنتصر وحش، لا يقوى إلا بلحم الفرائس الآدمية).. وعندما يُذكر لفظ (الإبادات الجماعية) في المدارس الأمريكية، ينصرف ذهن الأمريكيين إلى محرقة الهولوكست، أو إلى مذابح الأرمن، أو السوفييت، أو البوسنة والهرسك، لكن لا يتم التفكير أبدًا في المذابح التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية.. وعندما قرر مجلس الجامعة الأمريكي عام 2012، أن يُضيف موضوع مذابح الأمريكيين ضد الهنود الحُمر في مادة التاريخ الأمريكي لطلاب الثانوي، قوبل ذلك باعتراض واسع في جميع أنحاء الدولة، حتى أصدرت اللجنة الوطنية الجمهورية بيانًا، تطالب فيه الكونجرس بالتحقيق في (المنهج الجديد القائم على رؤية خاطئة وغير دقيقة، لأحداث كبيرة في التاريخ الأمريكي، بما في ذلك دوافع وأفعال المحتلين، بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر).. أما رجال الكونجرس، فقد انضموا إلى الجهات الرافضة للمنهج الجديد، وأصدروا إدانة لعدم تناول المنهج لمبررات الحرب، والاستثنائية الأمريكية، وحق أمريكا الإلهي في التوسع!!. لم يتوقف الاحتلال الأمريكي عند احتلال التاريخ فقط، بل طال احتلال الثقافة أيضًا.. فحتى هذه اللحظة، يُصور الغرب الهنود الحُمر في مختلف وسائل الإعلام، في صورة ساذجة لا تختلف عن صورتهم التي رسمها الأوروبيون لهم منذ خمسة قرون مضت، ليتم التغاضي عن مذابح الهنود في المناهج والإعلام الأمريكي، في مقابل استمرار نزع إنسانية الهنود الحُمر عند الجماهير الغربية.. وفي هذا السياق، يرى أحمد دعدوش، أن المهاجرين الأوروبيين (رغم أنهم أبادوا عشرات الملايين من السكان الأصليين، فقد استمرت سياسة تنميطهم في الإعلام الأمريكي، حتى التسعينيات من القرن العشرين، بل حملت عشرات الأفلام الكرتونية الموجهة إلى الأطفال، رسائل الإساءة والتنميط التي يبدو فيها السكان الأصليون، على هيئتهم البدائية نفسها التي كانوا عليها قبل أربعة قرون).. لذا، يقول المخرج ستيفان فيراكا، (هؤلاء الهنود الذين خلقتهم سينما هوليوود وألبستهم ريش الطيور، لا يتم اعتبارهم بشرًا.. ولم يكن الهدف من تصويرهم على هذه الشاكلة أن يكونوا بشرًا، لأن معظم الأمريكيين لا ينظرون إليهم كبشر.. وعلينا هنا أيضًا أن نتذكر أن كثيرًا من الأطفال الأمريكيين يعتقدون اليوم، أن الريش ينبت فوق رؤوس الهنود الحُمر)!!. وهكذا تتبيّن أكذوبة بناء الولايات المتحدة الأمريكية على قيم الحرية والعدالة والمساواة.. الحقيقة، أن الدولة الأمريكية بدأت أولى خطواتها بأقسى أنواع الإرهاب، وأبادت الملايين من السكان الأصليين للبلاد، وارتكبت بحقهم أبشع المجازر، وأذاقتهم صنوف التعذيب والمعاناة، ثم بعد ذلك كله، كتموا المذابح وأخفوا الحقيقة التاريخية عن الجماهير، لتبقى صورة الهنود الحُمر، هي ذلك الرجل البدائي الذي لا يفقه شيئًا من الحياة، ليستمر الإجرام الأمريكي بحق هؤلاء الناس حتى اليوم.. لذلك، فليس من المستغرب، أن تقوم حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بدعم إسرائيل، التي ترتكب المذابح في حق الشعب الفلسطيني وتسرق أرضه.. فالمبررات التي يعتمد عليها الكيان الصهيوني، هي المبررات نفسها التي استخدمها المهاجرون الإنجليز من قبل، في سرقة أرض السكان الأصليين لأمريكا واستباحتهم وإبادتهم، وربما لو فهمنا قصة السكان الأصليين لأمريكا وكيف تعاملوا مع الاحتلال الإنجليزي، نستطيع أن نتعلم منها طرقًا فعالة للتعامل مع الصهاينة!!. عطفًا على ذلك، نرى أنه، بعد أسبوع من فوزه بانتخابات 2016، تعهد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بتحقيق السلام في الشرق الأوسط قائلًا، (هذه هي صفقة القرن.. وأنا بوصفي صانع صفقات، أود أن أعقد هذه الصفقة التي صعُبت على الجميع من أجل البشرية جمعاء).. وبعد أقل من أسبوع على عودته للبيت الأبيض، لبدء فترة حكمه الثانية، في العشرين من يناير الماضي، قال ترامب إنه أبلغ العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في اتصال هاتفي، أنه يريد أن تستقبل بلاده فلسطينيين من قطاع غزة، كما قال إنه يتوقع أن يقدم طلبًا مماثلا للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إذ يتصور إمكانية نقل مليون أو مليون ونصف المليون فلسطيني إلى خارج القطاع، وهو ما رآه مساعد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق لشئون الشرق الأوسط، والخبير بالمجلس الأطلسي، السفير ديفيد ماك، أنه (مقترح يفتقر إلى المسئولية، ويرقى إلى درجة من التطهير العرقي، غير المقبولة لشعب غزة، وحكومتي مصر والأردن).. وشكك خبير ملف سلام الشرق الأوسط، والأستاذ بالجامعة الأمريكية بواشنطن، جريجوري أفتانديليان، في قدرة واشنطن على فرض هذا الأمر على مصر أو الأردن، لأن (واشنطن لديها قدرة ضئيلة على جعل مثل هذه الخطة حقيقة واقعة، لأنه لا يوجد دعم لها من المجتمع الدولي، وإذا حاولت إسرائيل القيام بذلك من جانب واحد، فلن تدعمها أي دولة أخرى). وقد اتسمت صياغة الرؤية الترامبية بنبرة استعمارية وصائية، ظهرت من كونها تتبنى السردية الإسرائيلية حرفيًا، بما في ذلك الرواية التوراتية، وكأنها قانون دولي ووثيقة سياسية معاصرة وصك ملكية.. ولم تتطرق بكلمة واحدة إلى الرواية الفلسطينية، والإشارة تكون دائمًا إلى معاناة الإسرائيليين.. وتسرد رؤية ترامب الادعاءات الإسرائيلية لانسحابها من الأرض وتنازلاتها، من دون ذكر أي إشارة إلى كلمة (النكبة) ولا معاناة الفلسطينيين بسبب الاحتلال.. كما أنها لا تُذكر معاناة الفلسطينيين، إلا بالإشارة إلى أنها ناجمة عن سلوك القيادة الفلسطينية وفسادها، أو (إرهاب) الفلسطينيين.. وتتجاهل أن المعاناة الفلسطينية تأتي بسبب إسرائيل والاحتلال. ولم تكن دعوة ترامب إلى إخلاء قطاع غزة من سكانه، الأولى من نوعها، إذ سبق أن عبّر عنها عديد من أركان إدارته وأفراد عائلته.. إذ قال جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب، في أبريل الماضي، خلال فعالية بجامعة هارفارد، إن على إسرائيل ترحيل المدنيين لتطهير قطاع غزة من المقاومة الفلسطينية، إلى صحراء النقب، أو مصر، إن (الواجهة البحرية في غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، ويمكن استغلالها، إذا ركز الناس على بناء سبل العيش).. ولم يأبه ترامب بأن التطهير العرقي لغزة، سيقتل أي سعي لديه، ليصبح إرثه متعلقًا بالسلام، كما قال في خطاب تنصيبه، وإذا حدث ذلك، فسيؤدي إلى زعزعة استقرار مصر والأردن، مع تداعيات وخيمة على المنطقة ككل.. فهل يعقلها ساكن البيت الأبيض.. أم أن جينات الأجداد تطفح دائمًا على سلوكيات الأحفاد؟!. حفظ الله مصر والأمة العربيةمن كيد الكائدين.. أمين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store