#أحدث الأخبار مع #جامعةتوبغنالاتحاد١٠-٠٥-٢٠٢٥منوعاتالاتحادالإمام السيوطي وجمال حمدانالإمام السيوطي وجمال حمدان في القرن التاسع الهجري ولّد الإمام جلال الدين السيوطي في القاهرة، لعائلة تنتمي إلى محافظة أسيوط جنوب مصر. لم يزر السيوطي أسيوط التي يحمل اسمها، ولكنه كتب عنها فصلاً كبيراً بعنوان «تاريخ أسيوط»، وهو الفصل الذي يُعد مرجعاً أساسياً في تاريخ ذلك البلد المهم الذي يتوسّط صعيد مصر. في القاهرة يوجد قبر الإمام السيوطي، وفي أسيوط يزور الناس مسجده ومقامه، ويحتفلون بمولده في صيف كل عام، وفي الأردن أنشأت وقفيّة الملك عبدالله الثاني «الكرسي المكتمل لدراسة فكر الإمام السيوطي» في المسجد الحسيني الكبير، وذلك لتسليط الضوء على تراث الإمام السيوطي وفكره ومؤلفاته، وحسب بيان رسمي أردني: سيتم تدريس كرسي الإمام السيوطي وفق تفسير الجلالين، وتفسير الدر المنثور، والإتقان في علوم القرآن. في أبريل 2025 تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن مكانة الإمام السيوطي، وقال «إنه قدوة».. ثم امتدح علمه الغزير ومؤلفاته الكثيرة وموسوعيته التي لا تزال حاضرة إلى اليوم. وهكذا يعود الإمام جلال الدين السيوطي أكثر حضوراً بعد مرور (520) عاماً على رحيله، وبعد تأثير لا يزال متواصلاً رغم مرور خمسة قرون من البداية. من طرائف تلك البداية أن والدته كانت في آخر أيام حملها به، فطلب والده منها أن تأتي له بكتاب، فلمّا ذهبت إلى المكتبة لتأتي به، جاءها المخاض، فولدته بين الكتب، فكان أن لقبّه البعض بـ «ابن الكتب». لقد أصبح السيوطي ابناً للكتب وأباً لها، فهو القارئ والكاتب، وهو من راح يدرس مؤلفات السابقين، ويجوب ما استطاع من العالم.. من الهند إلى المغرب.. ليزداد اطلاعاً، ثم إنه اعتزل الناس في الأربعين حتى غادرهم بعد الستين، وفي سنوات التفرغ في منزله بالمنيل قدّم لنا إنتاجه الضخم، حتى أن المستشرق الألماني كارل بروكلمان قال إنّه وضع (415) مؤلفاً، وقال ابن إياس تلميذ السيوطي إنّ عدد مؤلفاته تصل إلى (600) مصنف. لم تكن كل هذه المؤلفات كتباً كبيرة الحجم، بل كان بعضها عدة صفحات، ولم تكن كلها تأليفاً.. بل كان كثير منها جمعاً وتلخيصاً وتذييلاً وتحريراً. وقد اشتهر منها «الدر المنثور» وهو (8) مجلدات، «الإتقان في علوم القرآن»، «حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة»، «تاريخ الخلفاء»، «طبقات النُّحاة». ومن اللطائف في هذا المقام أن «تفسير الجلالين» الشهير هو تأليف مشترك بين جلال الدين المحلّى الذي وافته المنيّة قبل أن يكمل تفسير القرآن الكريم، فأكمله السيوطي، ليصبح الجلالان «المحلي والسيوطي» هما مؤلفا التفسير الشهير. كان عُمر السيوطي ممّا يُسمى العمر العريض، حيث إنه لم يكن معمراً في حياته، ولكنه ترك أثراً يفوق المؤلفين المعمرّين. ومنذ حضر طفلاّ مجالس ابن حجر العسقلاني مع والده إلى أن ترك تلاميذ عدة، أشهرهم ابن إياس، طاف السيوطي بأشكال متنوعة من التأليف والتصنيف، فقهاً وتفسيراً ولغة وحديثاً وتاريخاً. مما يلفت الانتباه في سيرة السيوطي كتابته مذكراته، ونشره سيرته الذاتية في كتابه «التحدّث بنعمة الله»، ومخطوطة الكتاب لا تزال في جامعة توبغن في ألمانيا، وكتابة المذكرات أمرٌ غير معتاد في ذلك العصر والعصور السابقة، إذْ لم تزدهر كتابة المذكرات والسير الذاتية إلاّ في التاريخ المعاصر. كان السيوطي كالليث بن سعد في مصر، متأثراً بالثقافة المصرية والحضارة المصرية، ويشير الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف المصري في محاضرة له عن السيوطي إلى أن الإمام المصري كان يطالب بحماية الآثار، ولا يراها أوثاناً أو خروجاً على الدين. وقد ألّف في ذلك كتابه «تحفة الكرام في خبر الأهرام»، كما أنه كان مدافعاً عن البيئة والموارد الطبيعية، وقد ألّف في ذلك كتابه «الجهر بمنع البروز والتعدّي على النهر». إن تجربة الإمام السيوطي في اعتزال العالم عشرين عاماً، لكى يكتب.. قد فعلها لاحقاً المفكر الجغرافي المعاصر جمال حمدان صاحب الكتاب الشهير «شخصية مصر». يا لبؤس المثقف في زمن الإنترنت وعصر الذكاء الاصطناعي. لقد أدت العولمة ثم سطوة الاتصالات ووسائل التواصل وزحام المدن والحياة.. إلى صعوبة التفرغ للإبداع الجاد، أو إنجاز مشروع فكري عميق، وإذا ما استمرت الحياة على هذا النحو من الصخب والامتلاء، وبذلك الفائض الضخم من العرض.. صحافة وتليفزيون وإنترنت وفعاليات.. فقد لا يجد المبدعون في المستقبل.. سوى اعتزال الناس، والحياة خارج العصر. *كاتب مصري
الاتحاد١٠-٠٥-٢٠٢٥منوعاتالاتحادالإمام السيوطي وجمال حمدانالإمام السيوطي وجمال حمدان في القرن التاسع الهجري ولّد الإمام جلال الدين السيوطي في القاهرة، لعائلة تنتمي إلى محافظة أسيوط جنوب مصر. لم يزر السيوطي أسيوط التي يحمل اسمها، ولكنه كتب عنها فصلاً كبيراً بعنوان «تاريخ أسيوط»، وهو الفصل الذي يُعد مرجعاً أساسياً في تاريخ ذلك البلد المهم الذي يتوسّط صعيد مصر. في القاهرة يوجد قبر الإمام السيوطي، وفي أسيوط يزور الناس مسجده ومقامه، ويحتفلون بمولده في صيف كل عام، وفي الأردن أنشأت وقفيّة الملك عبدالله الثاني «الكرسي المكتمل لدراسة فكر الإمام السيوطي» في المسجد الحسيني الكبير، وذلك لتسليط الضوء على تراث الإمام السيوطي وفكره ومؤلفاته، وحسب بيان رسمي أردني: سيتم تدريس كرسي الإمام السيوطي وفق تفسير الجلالين، وتفسير الدر المنثور، والإتقان في علوم القرآن. في أبريل 2025 تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن مكانة الإمام السيوطي، وقال «إنه قدوة».. ثم امتدح علمه الغزير ومؤلفاته الكثيرة وموسوعيته التي لا تزال حاضرة إلى اليوم. وهكذا يعود الإمام جلال الدين السيوطي أكثر حضوراً بعد مرور (520) عاماً على رحيله، وبعد تأثير لا يزال متواصلاً رغم مرور خمسة قرون من البداية. من طرائف تلك البداية أن والدته كانت في آخر أيام حملها به، فطلب والده منها أن تأتي له بكتاب، فلمّا ذهبت إلى المكتبة لتأتي به، جاءها المخاض، فولدته بين الكتب، فكان أن لقبّه البعض بـ «ابن الكتب». لقد أصبح السيوطي ابناً للكتب وأباً لها، فهو القارئ والكاتب، وهو من راح يدرس مؤلفات السابقين، ويجوب ما استطاع من العالم.. من الهند إلى المغرب.. ليزداد اطلاعاً، ثم إنه اعتزل الناس في الأربعين حتى غادرهم بعد الستين، وفي سنوات التفرغ في منزله بالمنيل قدّم لنا إنتاجه الضخم، حتى أن المستشرق الألماني كارل بروكلمان قال إنّه وضع (415) مؤلفاً، وقال ابن إياس تلميذ السيوطي إنّ عدد مؤلفاته تصل إلى (600) مصنف. لم تكن كل هذه المؤلفات كتباً كبيرة الحجم، بل كان بعضها عدة صفحات، ولم تكن كلها تأليفاً.. بل كان كثير منها جمعاً وتلخيصاً وتذييلاً وتحريراً. وقد اشتهر منها «الدر المنثور» وهو (8) مجلدات، «الإتقان في علوم القرآن»، «حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة»، «تاريخ الخلفاء»، «طبقات النُّحاة». ومن اللطائف في هذا المقام أن «تفسير الجلالين» الشهير هو تأليف مشترك بين جلال الدين المحلّى الذي وافته المنيّة قبل أن يكمل تفسير القرآن الكريم، فأكمله السيوطي، ليصبح الجلالان «المحلي والسيوطي» هما مؤلفا التفسير الشهير. كان عُمر السيوطي ممّا يُسمى العمر العريض، حيث إنه لم يكن معمراً في حياته، ولكنه ترك أثراً يفوق المؤلفين المعمرّين. ومنذ حضر طفلاّ مجالس ابن حجر العسقلاني مع والده إلى أن ترك تلاميذ عدة، أشهرهم ابن إياس، طاف السيوطي بأشكال متنوعة من التأليف والتصنيف، فقهاً وتفسيراً ولغة وحديثاً وتاريخاً. مما يلفت الانتباه في سيرة السيوطي كتابته مذكراته، ونشره سيرته الذاتية في كتابه «التحدّث بنعمة الله»، ومخطوطة الكتاب لا تزال في جامعة توبغن في ألمانيا، وكتابة المذكرات أمرٌ غير معتاد في ذلك العصر والعصور السابقة، إذْ لم تزدهر كتابة المذكرات والسير الذاتية إلاّ في التاريخ المعاصر. كان السيوطي كالليث بن سعد في مصر، متأثراً بالثقافة المصرية والحضارة المصرية، ويشير الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف المصري في محاضرة له عن السيوطي إلى أن الإمام المصري كان يطالب بحماية الآثار، ولا يراها أوثاناً أو خروجاً على الدين. وقد ألّف في ذلك كتابه «تحفة الكرام في خبر الأهرام»، كما أنه كان مدافعاً عن البيئة والموارد الطبيعية، وقد ألّف في ذلك كتابه «الجهر بمنع البروز والتعدّي على النهر». إن تجربة الإمام السيوطي في اعتزال العالم عشرين عاماً، لكى يكتب.. قد فعلها لاحقاً المفكر الجغرافي المعاصر جمال حمدان صاحب الكتاب الشهير «شخصية مصر». يا لبؤس المثقف في زمن الإنترنت وعصر الذكاء الاصطناعي. لقد أدت العولمة ثم سطوة الاتصالات ووسائل التواصل وزحام المدن والحياة.. إلى صعوبة التفرغ للإبداع الجاد، أو إنجاز مشروع فكري عميق، وإذا ما استمرت الحياة على هذا النحو من الصخب والامتلاء، وبذلك الفائض الضخم من العرض.. صحافة وتليفزيون وإنترنت وفعاليات.. فقد لا يجد المبدعون في المستقبل.. سوى اعتزال الناس، والحياة خارج العصر. *كاتب مصري