logo
#

أحدث الأخبار مع #جدي

نبيه بري... "مارادونا" السياسة اللبنانية
نبيه بري... "مارادونا" السياسة اللبنانية

Independent عربية

timeمنذ 4 أيام

  • ترفيه
  • Independent عربية

نبيه بري... "مارادونا" السياسة اللبنانية

اقترب مني جدي أبوعلي عام 1993 وهمس في أذني، "اذهب وتأنق، سترافقني لرؤية أقوى رجل في العالم". كان مارادونا بالنسبة إليّ الأقوى آنذاك، ولكن كيف وصل جدي إلى دييغو، وما يربطهما، وهل يتكلم جدي أصلاً لغة أجنبية؟ كل تلك الأسئلة لم تعكر فرحتي، فتأنقت ورافقت جدي إلى حافلة في موقف كان يضم عشرات الحافلات المزينة بأعلام خضراء. زاد ارتباكي، فعلم الأرجنتين ليس بأخضر، وما الحاجة إلى كل هذا التأنق لرؤية لاعب كرة قدم. كنت في الـ13 من عمري، ومعلوماتي السياسية بسيطة، ولم أكن متابعاً لأخبار البلد الخارج من حرب أهلية. في الطريق، استمعنا إلى أناشيد حماسية، لم أفهم كثيراً من كلماتها إلا كلمة القائد التي علقت في ذهني. كان مارادونا قائداً لفريقه ومنتخب بلاده، ومعرفتي بأن جدي يحب كرة القدم، طمأنتني قليلاً. في الحافلة، كنت الأصغر سناً، كلهم يغنون ويهتفون "يا قائد الله معك.. الله معك"، وكان جدي الأكثر سعادة. لم تكن المسافة بعيدة بين المنزل والقصر الذي وصلناه. نظم الوفد صفوفه، وألقى أبوقاسم (صديق جدي) بضع كلمات علينا، انتظرنا قليلاً ودخلنا قاعة كبيرة، فيها المئات. نظر إليّ جدي وابتسم "احفظ هذا التاريخ جيداً، اليوم ستصافح أقوى رجل في العالم. تذكر هذا اليوم لتخبر عنه أولادك وأحفادك. تعالَ لنلقي التحية على نبيه بري". ما هذا، ألست هنا لمقابلة مارادونا، ماذا فعلت بي يا جدي؟ بعثر أبوعلي كل أحلامي بمقابلة مارادونا، بطل العالم بالنسبة إليه، يختلف عن بطلي. كان رجلاً عادياً كأي رجل، لا عضلات له ولا طوله فارعاً. لكنه يتمتع بكاريزما مخيفة، وابتسامة آسرة ووجه بشوش، تشعر أنه سيد المكان، والأقوى فعلاً فيه. ينظر في كل الاتجاهات ويوزع التحايا. حين صافحته، ربت بيده اليسرى على كتفي قائلاً "كيفك يا قبضاي"، لم أعرف بما أجاوب، ومن كان خلفي دفعني لأفسح مجالاً له لإلقاء التحية. مشيت وأنا أنظر إليه، إلى أن أخفته الجموع. خرجنا من القصر، وجدي سعيد جداً، وأنا أتحسر على عدم رؤيتي مارادونا. رافقتني هذه الذكرى طويلاً. وارتبط اسم نبيه بري بكثير من مفاصل حياتي، وبحكم عملي، كثيراً ما كانت أخباره تلاحقني في المكتب والبيت والسيارة والنقاشات، نظراً إلى دوره المحوري في الحياة السياسية اللبنانية. وحين تزوجت وأنجبنا يوسف وتاليا. بات للولدين أيضاً قصة مع الرجل، فكلما قصدنا الجنوب من بيروت، يرون صوراً كثيرة للرجل في كل مكان. فيسألاني عنه، إلى أن حفظا اسمه وبات يرافقنا في كل رحلاتنا، ويصرخان كلما رأيا صورة له، كأنه صديقهما منذ زمن. حين كبرت، أدركت أن ثمة تشابهاً كبيراً بين مارادونا وبري. فالأول تفوق على كل المدافعين الذين واجهوه، وتخطاهم وسجل أهدافاً صعبة، وكان معروفاً بمراوغاته، فيما الثاني حريف في تدوير الزوايا السياسية وكسب الوقت والتعطيل لخدمة خطته وتكتيكاته. حضور قوي منذ ثمانينيات القرن الـ20 واسم الرجل حاضر بقوة في السياسة اللبنانية، تجده في السلم والحرب والمفاوضات والتعطيل والانتخاب والتشكيل. يخرج أرانبه في كل معضلة محلية. ثمة ثابت وحيد في هذا العالم لا يتغير هو نبيه بري. سقط بشار الأسد، وانتهت حقبة عائلة الأسد في سوريا وفاز ترمب بولاية أولى وثانية ويقود حرباً جمركية على الصين، وتقطعت أذرع إيران في المنطقة، واغتالت إسرائيل أمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، واندلعت حرب بين روسيا وأوكرانيا، واجتاحنا فيروس كورونا، وخرجت بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وظهر تنظيم "داعش" وشبه اختفى، وقتل أسامة بن لادن، وشهدنا "الربيع العربي"، وانتخب باراك أوباما كأول رئيس أميركي من أصل أفريقي، والأزمة المالية العالمية الكبرى، وتوسع الاتحاد الأوروبي ليضم 10 دول جديدة من أوروبا الشرقية، والغزو الأميركي للعراق وسقوط نظام صدام حسين، وهجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول)، ووفاة الأميرة ديانا، ومجازر رواندا، ونهاية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وانتخاب نيلسون مانديلا رئيساً، ولا يزال نبيه بري حتى الآن، رئيساً لمجلس النواب اللبناني منذ عام 1992. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ كان له دور سياسي كبير في توقيع "اتفاق الطائف" في السعودية عام 1989، الذي نص على وقف إطلاق النار بين الأحزاب المتقاتلة في لبنان. كما كان أبرز وجوه اتفاق الدوحة عام 2008، بعد نشوب معارك مسلحة في شوارع بيروت بين "حزب الله" و"أمل" من جهة، ومناصري "تيار المستقبل" من جهة أخرى. مراحل لكم إذاً، أن تتخيلوا ما مر على الرجل الذي رافق أيضاً خمسة رؤساء للجمهورية اللبنانية (إلياس الهراوي وإميل لحود وميشال سليمان وميشال عون وجوزاف عون) وبقي نبيه بري الناخب الأول لهم في البرلمان. بات بري اليوم الرجل الأول لدى الطائفة الشيعية في لبنان، بعد اغتيال حسن نصرالله، بات "الأخ الأكبر" كما قال عنه الأمين العام الجديد نعيم قاسم. في كتابه "لعنة القصر" بمقدمة حواره مع نبيه بري، يقول غسان شربل، "أنصاره كثيرون وخصومه كثر. وهو في المعادلة اللبنانية الحالية رقم صعب يتعذر شطبه ويستحيل تجاهله". لكن الرجل ليس نبياً، كما يحلو لعشاقه توصيفه "لولا الهاء لكان نبياً". ثمة اتهامات له بتعطيل انتخاب رئيسي الجمهورية والحكومة أكثر من مرة، وقضايا فساد واعتداء على متظاهري حراك "تشرين الأول 2019". إذ اعتدت شرطة المجلس التي هي بإمرة رئيس المجلس خلال الانتفاضة اللبنانية على المتظاهرين السلميين بالضرب وتكسير السيارات، مما أسفر عن إصابات بالغة وسقوط عدد من الجرحى. ومعروف أن عناصر شرطة مجلس النواب بغالبيتهم هم عناصر حزبية من حركة "أمل" يتبعون مباشرة رئيس مجلس النواب ولا يخضعون للمحكمة العسكرية ولا لقرارات المدير العام لقوى الأمن الداخلي ولا لوزير الداخلية، ولا تتخذ إجراءات مسلكية بحقهم، وترقياتهم تتبع للرئيس بري ولا تتبع مباشرة لمديرية قوى الأمن الداخلي، علماً أن رواتبهم وتعويضاتهم تدفع من قبل الدولة اللبنانية. وكثيراً ما وجهت لبري اتهامات بتجميد الاستحقاقات الدستورية، مما أدى إلى شلل مؤسسات الدولة وتعطيل الحلول السياسية. ويَعُد المحلل السياسي المحامي أمين بشير في حديث صحافي، أن "بري يتسم بالقدرة على التكيف مع الظروف، متنقلاً بين أدوار متعددة، من رئيس المجلس النيابي، إلى زعيم الطائفة الشيعية، وصولاً إلى قائد حركة أمل". ويحمل بشير بري مسؤولية استمرار تعطيل تشكيل الحكومات، عبر استغلال مفهوم "الميثاقية" بشكل يتناقض مع جوهرها الدستوري. وزارة المال وبات احتكار الوزارات، لا سيما وزارة المالية، من قبل بري ظاهرة مألوفة، حيث يستخدم هذه الوزارة كأداة للوصاية على قرارات الحكومة ورئاسة الجمهورية، مما أسهم في تعميق الأزمة المالية وتدهور الثقة الدولية بلبنان. ولا بد من التذكير أن بري كان شريكاً أساسياً في حماية المنظومة الاقتصادية والمالية الفاسدة في البلد، كما لعب دوراً في حماية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة حتى اللحظة الأخيرة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) علماً أنه سمح بإقرار قانون رفع السرية المصرفية والتعديلات اللاحقة التي دخلت عليه بعد محاولات منه ليكون هذا القانون خالياً من أي مضمون فاعل، وبعد تدخلات وضغوط أجنبية. وعلى رغم ذلك لا يزال القانون أقل مما هو مطلوب. وسبق أن عبر النائب ميشال معوض، في بيان صادر عن مكتبه عام 2023، عن نظرة المعارضين إلى بري. ووصف معوض يومها بري بأنه "أستاذ في الفساد العابر العهود والحكومات، والشريك الأكبر في المحاصصات منذ عام 1992 وحتى قبل اتفاق الطائف". ومعروف أيضاً داخل الطائفة الشيعية، أن وظائف الفئة الأولى الخاصة بها تعطى للأسماء التي يقدمها بري، وهذا ما يعرف في لبنان بـ"الواسطة"، ويمتد الأمر إلى الدخول للكلية الحربية، فمن دون بركات النبيه، لا يمكن أن تصبح ضابطاً أو تترقى لمراتب أعلى. مما جعل كثيراً من الكفاءات الشيعية تُحجم عن الدخول في القطاع الحكومي، ودفع البعض منها للهجرة بحثاً عن فرص أفضل تعتمد معايير الكفاءة والمهنية. الحس الفكاهي يعرف بري بحسه الفكاهي، وتعليقاته الساخرة في جلسات مجلس النواب، والطريقة التي يدير بها الحوار، وغالباً ما تنتظر وسائل الإعلام المحلية، الأمثلة الشعبية التي يمزجها بأحاديثه السياسية. يكتب كثيراً من خطاباته السياسية، ويتميز بلغة أدبية وصور شعرية لافتة. غنى له مرسيل خليفة قصيدة "يا طير الجنوب" التي كتبها بري في رثاء بلال فحص، قائد العملية الانتحارية ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي في منتصف الثمانينيات. كما يعرف بمهاراته التفاوضية، وحافظ على علاقات ودية مع السياسيين من مختلف الأطياف. واحتفظ برأي رئيس في تعيين الرؤساء وتشكيل الحكومات وإقرار التشريعات. وقد كان مقر إقامته في حي عين التينة الراقي في بيروت مقصداً منتظماً للدبلوماسيين الأجانب وكبار المسؤولين. له كثير من الألقاب فهو "الأخ" و"الأستاذ" و"القائد" و"دولة الرئيس" و"النبيه" و"الأخ الأكبر" و"أبومصطفى". حقبة سابعة عام 2022، أعيد انتخاب السياسي المخضرم رئيساً لمجلس النواب اللبناني للمرة السابعة على التوالي، محافظاً بذلك على رقمه القياسي كأطول رئيس لمجلس تشريعي في العالم. يحتفظ بري بمنصبه بفضل "اتفاق الطائف" عام 1989، الذي أرسى اتفاق تقاسم السلطة بين أكبر الطوائف الدينية في البلاد، المسيحيين والسنة والشيعة. يعرف بري بحسه الفكاهي، وتعليقاته الساخرة في جلسات مجلس النواب، والطريقة التي يدير بها الحوار، وغالباً ما تنتظر وسائل الإعلام المحلية، الأمثلة الشعبية التي يمزجها بأحاديثه السياسية. وبموجب الاتفاق، يتولى المسيحيون رئاسة البلاد، ويتولى السنة رئاسة الوزراء، بينما يحصل الشيعة على رئاسة البرلمان. وكثيراً ما كان بري (87 سنة)، رئيس حركة "أمل"، المرشح الوحيد لهذا المنصب. درس الحقوق في الجامعة اللبنانية التي تديرها الدولة، وتخرج فيها عام 1963 قبل أن يكمل تعليمه العالي في جامعة السوربون بباريس. في مرحلة ما، التقى بري الإمام موسى الصدر، وهو رجل دين شيعي لبناني أسس حركة "المحرومين" التي عرفت في ما بعد باسم حركة "أمل". على الصعيد السياسي حمل أفكاراً قومية، وفي أواسط الستينيات تعرف على الإمام موسى الصدر وتأثر بأفكاره، ونشأت بينهما علاقة قوية حتى بات واحداً من المقربين جداً إلى الصدر وأحد أبرز مساعديه. ارتقى في صفوف الحركة قبل أن يقودها في نهاية المطاف بعد اختفاء الصدر المفاجئ في ليبيا عام 1978، الذي ألقت الحركة باللوم فيه على الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي. في عهد بري لعبت حركة "أمل" دوراً نشطاً في الحرب الأهلية في البلاد التي اندلعت عام 1975. وخلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، انضم بري إلى القوات اليسارية في صد القوات الإسرائيلية. وهو حليف لـ"حزب الله" المدعوم من إيران، كما أنه كان مقرباً من نظام بشار الأسد السوري. خلال مسيرته السياسية الطويلة، تولى ست حقائب وزارية مختلفة في الحكومات اللبنانية المتعاقبة من عام 1984 إلى عام 1988. يحافظ أبومصطفى على علاقات جيدة مع جميع الأحزاب اللبنانية، ويحظى بدعم الشيعة لانتخابه رئيساً لمجلس النواب. كما أنه رئيس حركة "أمل" منذ عام 1980. وطوال الحرب الأهلية اللبنانية، قاد الحركة خلال المعارك مع كثير من الأطراف الرئيسة الأخرى في الصراع. دولياً برز نجم "الأستاذ" على الصعيد الدولي عام 1985 عندما ساعد في التفاوض على إطلاق سراح 39 أميركياً احتجزهم مسلحون شيعة في بيروت رهائن بعدما اختطفوا طائرة تابعة لشركة "TWA". وتعززت مكانته أكثر عندما وقع مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقاً وليد جنبلاط وزعيم ميليشيات القوات اللبنانية المسيحية آنذاك إيلي حبيقة اتفاقاً بوساطة سورية لإنهاء الحرب الأهلية في ديسمبر (كانون الأول) 1985. لكن الاتفاق الثلاثي أجهض عندما أطيح حبيقة بعد فترة وجيزة من ذلك بسبب تمرد في صفوف القوات اللبنانية في شرق بيروت. كانت علاقة بري وحركة "أمل" معقدة مع حلفائهما، فبعد سيطرة الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة "أمل" على بيروت الغربية في فبراير (شباط) 1984، وجه الحزب وحركة "أمل" بنادقهما ضد بعضهما بعضاً في صراع على هذا الجزء من العاصمة. خرج "الأستاذ" من الحرب واحداً من أقوى القادة اللبنانيين، حيث يرتكز نفوذه على علاقاته الوثيقة سابقاً مع دمشق التي هيمنت على بيروت من 1990 إلى 2005، ومع "حزب الله" المدجج بالسلاح والمدعوم من إيران. بعد انسحاب بشار الأسد من لبنان عام 2005، صار بري أحد أبرز صناع لعبة التوازنات اللبنانية، خصوصاً بعد اغتيال رفيق الحريري وما تلاه من توترات سياسية وأمنية في البلاد، إذ أسهم في اجتراح حلول لها. منذ تسلمه رئاسة السلطة التشريعية، نجح في الإمساك باللعبة السياسية داخل البلاد من جوانبها كافة، وصنفه بعضهم برجل المهام الصعبة للأزمات المتعاقبة. على الصعيد السياسي حمل أفكاراً قومية، وفي أواسط الستينيات تعرف على الإمام موسى الصدر وتأثر بأفكاره، ونشأت بينهما علاقة قوية حتى بات واحداً من المقربين جداً إلى الصدر وأحد أبرز مساعديه. ويتميز بري بقدرة على لعب دور الوسيط بين القوى المتصارعة. فمنذ نهاية الحرب، عُد نقطة التقاء بين الفرقاء اللبنانيين، وحتى في أشد الأزمات كان يعول على تدخله لحلحلة العقد. ويكمن سر قوته في أنه لا يقطع مع أي طرف، بل يبقي خطوط التواصل مفتوحة حتى مع خصومه، مما يمنحه مساحة واسعة للمناورة. واحدة من أبرز أدوات "أبومصطفى" في الحياة السياسية، قدرته على التحكم بتوقيت الاستحقاقات. من خلال موقعه في رئاسة البرلمان، يمارس سياسة التأجيل والمماطلة حين تقتضي الحاجة، ويفتح الأبواب حين تنضج الظروف. لعب هذا الدور بمهارة خصوصاً في أزمات تشكيل الحكومات وانتخابات رئاسة الجمهورية، حيث كان ينتظر اللحظة المناسبة لطرح حلول توافقية. من جهة ثانية، يتحرك بري في انسجام سياسي مع الحزب منذ أعوام ويدعم امتلاكه السلاح. وتهيمن حركة "أمل" و"حزب الله" على التمثيل الشيعي في النظام الطائفي بلبنان، حيث يتم تقسيم مناصب الدولة بين الجماعات الطائفية. مارس نفوذاً كبيراً على السياسات المالية للدولة التي تعاني أزمة اقتصادية منذ عام 2019، نتيجة عقود من فساد الدولة وسوء إدارتها. وكان ذراعه اليمنى علي حسن خليل وزيراً للمالية من عام 2014 حتى عام 2020، وكان لبري رأي حاسم في اختيار خلفاء خليل منذ ذلك الحين. وقد دعم بري قرار لبنان بالتخلف عن سداد ديونه السيادية عام 2020، كما دعم حاكم البنك المركزي المخضرم السابق رياض سلامة الذي تعرض لانتقادات شديدة بسبب الأزمة. كانت حركة "أمل" واحدة من عدة فصائل نسفت خطة التعافي المالي التي وضعتها الحكومة عام 2020. كما صوت وزراؤها ضد خريطة طريق التعافي التي وضعتها الحكومة في مايو 2022، على رغم إقرارها. ينسب إليه مؤيدوه في الطائفة الشيعية الفضل في المساعدة على تحسين مكانتهم في نظام كان يميل لمصلحة المجموعات الأخرى بعد الاستقلال عام 1943. ولكن إلى جانب زعماء لبنانيين آخرين، كان بري نقطة محورية لغضب المحتجين خلال تظاهرات غير مسبوقة في جميع أنحاء البلاد عام 2019، مما يعكس الغضب الواسع النطاق من الفساد والطائفية وسوء الحكم. العلاقة مع الثنائي الشيعي على رغم تحالفه الوثيق مع "حزب الله" ضمن ما يعرف بـ"الثنائي الشيعي"، فإنه نجح في الحفاظ على استقلالية نسبية. ففي حين يلتقي الطرفان في الأهداف الاستراتيجية الكبرى، يحتفظ بري بمسافة تكتيكية تتيح له لعب دور المعتدل بين "حزب الله" من جهة، والأطراف اللبنانية والدولية من جهة أخرى. المرفأ في المقابل، يتهم رئيس مجلس النواب من قبل بعض خصومه ومنتقديه بتعطيل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في أغسطس (آب) 2020 وأودى بـ220 شخصاً. وقد رفض الوزيران السابقان علي حسن خليل وغازي زعيتر، وهما من الموالين لبري، استجوابهما من قبل القاضي طارق بيطار الذي لا يزال يحقق في ما حدث. حركة "أمل" و"حزب الله" وحلفاء آخرون اتهموا بدورهم بيطار بالانحياز وتجاوز صلاحياته. ويشير آخرون إلى مسؤولية حركة "أمل" عن الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي يعانيها لبنان منذ عام 2019، التي شهدت انهيار الليرة اللبنانية وتبدد مدخرات الناس. كان خليل وزيراً للمالية بين عامي 2014 و2020. لكن في خطاب ألقاه في مايو 2022، نفى بري أي فساد أو مخالفات وقال، إن حركة "أمل" مستعدة لقبول أي حكم ضدها. لكن كثيراً من اللبنانيين يشككون في صدقية القضاء في بلد معروف بإفلاته من العقاب. بري وشيعة لبنان على مدار عقود من مسيرته السياسية الحافلة بالأحداث، كان بري القوة الدافعة وراء التغييرات بعيدة المدى داخل الطائفة الشيعية في لبنان والتاريخ السياسي للبلاد. فمن خلال قيادته تمرداً مسلحاً ضد الرئيس السابق أمين الجميل عام 1983، رسم مسار السياسة الخارجية اللبنانية لعقود مقبلة. وبدعم من جنبلاط وحلفائه المحليين وسوريا والاتحاد السوفياتي، قضت معارضته العنيفة على معاهدة السلام بين لبنان وإسرائيل في 17 مايو، وقربت بيروت من دمشق. كما مهدت رعايته المقاومة المسلحة ضد إسرائيل وتحالفه الحديدي مع "حزب الله" بعد قتال داخلي الطريق لتحرير جنوب لبنان في مايو 2000. أما بالنسبة إلى الشيعة، فقد قضى على الإقطاعية الشيعية التي تعود إلى قرون من الزمن، مما أدى إلى إضعاف العائلات المتنفذة مثل عائلة رئيس مجلس النواب السابق كامل الأسعد. وناضل من أجل حقوق السكان الشيعة المهمشين في البلاد، وضمن لهم حصة أكبر من السلطة السياسية والوصول إلى الخدمات الأساسية التي كانوا يفتقرون إليها في السابق. وبصفته وزيراً في الحكومة ورئيساً للبرلمان وزعيماً للحزب، خفف من المصاعب الاجتماعية والاقتصادية ببناء المدارس والمستشفيات وخزانات المياه والطرق وغيرها من مشاريع البنية التحتية في الجنوب. لكن بالنسبة إلى لبنانيين آخرين، بدأ بري يشبه جزءاً من النخبة السياسية، من النوع الذي عارضته حركته ذاتها خلال الحرب الأهلية، الذي فشل في إقامة نظام سياسي فعال أو حكومة فعالة قادرة على توفير الخدمات الأساسية. من سيكون خليفة بري؟ لدى بري، وهو الآن في أواخر الثمانينيات من عمره، ست بنات وثلاثة أبناء من زيجتين. وقد أظهر ابنه الأصغر باسل اهتماماً بالسياسة، وغالباً ما يظهر في تجمعات واحتفالات حركة "أمل" في بلد تهيمن فيه السلالات السياسية على الحياة العامة، وقد أثار ذلك تكهنات حول ما إذا كان سيخلف والده. الاستمرارية السياسية يبقى السؤال الأكبر، كيف استطاع نبيه بري البقاء في هذا الموقع طوال كل هذه الأعوام؟ الجواب يكمن في براعة سياسية فريدة، وقدرة على تدوير الزوايا، وموهبة في استخدام الصمت أحياناً كأداة تأثير أقوى من أي خطاب. يعرف جيداً متى يتكلم، ومتى يصمت، ومتى يظهر كطرف، ومتى يقدم نفسه حَكماً. ديميس روسوس للمغني اليوناني الراحل ديميس روسوس قصة مع لبنان ومع رئيس مجلسه النيابي نبيه بري. ففي الـ14 من يونيو (حزيران) 1985، كان روسوس على متن الرحلة 847 التابعة لشركة "TWA"، المتجهة من أثينا إلى روما، عندما اختطفت الطائرة من قبل مسلحين لبنانيين. أجبرت الطائرة على الهبوط في بيروت، حيث بدأت واحدة من أطول وأعقد عمليات اختطاف الطائرات في التاريخ، واستمرت أكثر من أسبوعين. بعد أيام من بدء الأزمة، تدخل نبيه بري زعيم حركة "أمل" ووزير العدل اللبناني آنذاك، للوساطة مع الخاطفين. ولاحقاً في مؤتمر صحافي أعلن بري في عن إطلاق سراح ديميس روسوس إلى جانب خطيبته الأميركية باميلا سميث، ومواطن أميركي آخر، بعد مفاوضات مكثفة. اللافت أن روسوس الذي صادف عيد ميلاده الـ39 أثناء احتجازه، ذكر في المؤتمر الصحافي أن خاطفيه كانوا "لطيفين للغاية"، وأنهم قدموا له كعكة عيد ميلاد وسمحوا له بالعزف على الجيتار والغناء. وتلقى نبيه بري شكراً من الرئيس الأميركي آنذاك رونالد ريغان، على جهوده في الوساطة التي أسهمت في إطلاق سراح بعض الرهائن. سيرة والده مصطفى بري أحد وجهاء بلدة تبنين الشيعية جنوب لبنان، لكنه هاجر إلى أفريقيا وعمل في تجارة الماس في سيراليون. ولد نبيه في سيراليون في الـ28 من يناير (كانون الثاني) 1938. تلقى علومه الابتدائية بعد عودته إلى لبنان في مدرسة تبنين، والمتوسطة في مدرسة بنت جبيل، والكلية الجعفرية في صور، والثانوية في كلية المقاصد ومدرسة الحكمة في بيروت. انتسب إلى كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية، وتخرج فيها محامياً محتلاً المرتبة الأولى عام 1963. تابع دراساته العليا في الحقوق بجامعة السوربون في فرنسا. انتسب إلى نقابة المحامين في بيروت، وتدرج في مكتب الأستاذ عبدالله لحود. وبعد أن أنهى فترة التدريب في مجال المحاماة، بدأ حياته المهنية. ناضل منذ نشأته في الحركة الطلابية، وترأس الاتحاد الوطني للطلاب الجامعيين في لبنان، وشارك في كثير من المؤتمرات الطلابية والسياسية، وكان إلى جانب الإمام موسى الصدر في حركة المحرومين، حيث تولى مسؤوليات إعلامية وسياسية وتنسيقية مع الأحزاب السياسية، ملتزماً مقاومة الاعتداءات الإسرائيلية، والنضال ضد احتلال جنوب لبنان. انتخب عام 1980 رئيساً لحركة أفواج المقاومة اللبنانية "أمل" ولا يزال حتى اليوم. عين: وزير دولة للجنوب والإعمار، ووزيراً للموارد المائية والكهربائية، والعدل، في أبريل (نيسان) 1984، في حكومة الرئيس رشيد كرامي. وزيراً للموارد المائية والكهربائية، والإسكان والتعاونيات، في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989، في حكومة الرئيس سليم الحص. وزير دولة، في ديسمبر 1990، في حكومة الرئيس عمر كرامي. وزير دولة، في مايو 1992، في حكومة الرئيس رشيد الصلح. انتخب بري رئيساً للبرلمان سبع مرات أولها عام 1992. وتنافس على المنصب نفسه في الانتخابات المتتالية في أعوام 1996 و2000 و2005 و2009 و2018 و2022، وفاز بها جميعاً. ترأس لائحة كتلة التحرير النيابية 1992، ثم لائحة التحرير والتنمية في 1996، ثم لائحة المقاومة والتنمية 2000. وفازت اللوائح التي كان يترأسها كاملة (22 عضواً) في جميع الانتخابات النيابية التي جرت منذ 1992 حتى 2005. ترأس منذ عام 1993 اتحاد البرلمانيين المتحدرين من أصل لبناني في 19 بلداً، كما يترأس منذ عام 1999 اللجنة البرلمانية العربية لكشف الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين العرب. انتخب في يونيو 2003 رئيساً للاتحاد البرلماني العربي، وتسلم الرئاسة في دمشق في الأول من مارس (آذار) 2004. وانتخب رئيساً لمجلس اتحاد مجالس الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي في دكار عاصمة السنغال بتاريخ التاسع من مارس 2004. إزاء تفاقم الأزمة اللبنانية بعد صدور القرار 1559 واستشهاد الرئيس رفيق الحريري، أسس بري هيئة الحوار الوطني عام 2006 وأدارها، فخففت جهوده حدة التشنج بين مختلف القوى السياسية. كما قام أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان في يوليو (تموز) 2006 بدور محوري من خلال الاتصالات المحلية والدبلوماسية التي أجريت، للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وإعادة النازحين إلى قراهم وديارهم وإطلاق ورشة البناء والإعمار. وقاد اعتصاماً مفتوحاً للنواب ابتداء من الثاني من سبتمبر داخل المجلس بهدف الضغط على إسرائيل لفك الحصار البحري والجوي عن الأراضي اللبنانية واستمر هذا الاعتصام إلى أن رفع الحصار بتاريخ 8 سبتمبر 2006.

هل يقدّم لاوون الرابع عشر رؤية مختلفة للقيم الأميركية في مواجهة ترامب؟
هل يقدّم لاوون الرابع عشر رؤية مختلفة للقيم الأميركية في مواجهة ترامب؟

القناة الثالثة والعشرون

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • القناة الثالثة والعشرون

هل يقدّم لاوون الرابع عشر رؤية مختلفة للقيم الأميركية في مواجهة ترامب؟

رأت صحيفة "نيويورك تايمس" أن وصول الكاردينال روبرت فرانسيس بريفوست إلى السدة البابوية يعدّ لحظة استثنائية للقيادة الأميركية على الساحة العالمية، في وقت غيّر فيه الرئيس دونالد ترامب سمعة البلاد في الخارج وأثار عدم الثقة بين الحلفاء التقليديين، وفق تعبيرها. وبينما يشغل أميركيان الآن منصبين يتصفان بتأثير عالمي هائل، قد يُقدّم البابا لاوون الرابع عشر للعالم رؤية مختلفة للقيم الأميركية مقارنةً بنهج 'أميركا أولاً' الذي يتبعه ترامب، والذي نفّذه من خلال تعريفات جمركية صارمة، و"تأملات إمبريالية"، وتخفيضات كبيرة في المساعدات الخارجية. عندما قُدّم البابا الجديد للعالم، وهو يتحدث خمس لغات ويحمل الجنسية البيروفية بالتجنس، شدّد على خلفيته التعددية، متعمّداً التحدث بالإيطالية (تمثيلًا لرعيته الجديدة) والإسبانية (رعيته السابقة). لم يتحدث بالإنكليزية ولم يشر إلى الولايات المتحدة، حتى مع رفع بعض الكاثوليك في ساحة القديس بطرس أعلاماً أميركية بحماس. (في يوم الجمعة، تحدث بإيجاز بالإنكليزية عندما ألقى عظته الأولى). وتابعت الصحيفة أن بعض الدلائل تشير إلى أن أول بابا أميركي لا يوافق على بعض مواقف إدارة ترامب المتشددة. فقد أعاد حساب على وسائل التواصل الاجتماعي يحمل اسمه نشر رسائل تنتقد مواقف الرئيس بشأن قضايا مثل الهجرة، والسيطرة على الأسلحة، وتغيّر المناخ. في فبراير/ شباط، شارك الحساب رابطاً لمقال في صحيفة 'ذا ناشيونال كاثوليك ريبورتر' بعنوان 'ج.دي. فانس مخطئ: يسوع لا يطلب منا ترتيب محبتنا للآخرين'. قال تشارلي سايكس، المحافظ المناهض لترامب والكاثوليكي: 'لدينا هذا الصوت الأخلاقي القوي الذي سيكون قادراً على مواجهة الصوت الأميركي القوي الآخر'. وأشار سايكس إلى أن دفاع البابا لاوون عن المهاجرين، على وجه الخصوص، قد يُشكّل تحدياً لترامب، الذي شنّ حملة شرسة لترحيلهم بأسرع ما يمكن. وقال: 'جزء من جاذبية دونالد ترامب هو أنه البطل العظيم للمسيحية، والآن سيتعيّن عليه شرح ذلك لأميركي آخر هو البابا'. وأضاف: 'هناك عدد قليل جداً، إن وجد، من الشخصيات التي تمتلك منصة وصوت الكرسي الرسولي'. وقال جون بريفوست، شقيق البابا، في مقابلة مع صحيفة 'نيويورك تايمس' إنه لا يعتقد أن شقيقه سيتردد في التعبير عن خلافاته مع الرئيس. وأضاف: 'أعلم أنه غير سعيد بما يحدث في ملف الهجرة. أعلم ذلك يقيناً. إلى أي مدى سيذهب في ذلك؟ هذا مجرد تخمين، لكنه لن يظل صامتاً. لا أعتقد أنه سيكون الشخص الصامت'. مع ذلك، يقول محللون في الفاتيكان إن البابا لاوون أكثر تحفظاً من سلفه، وبينما يتوقعون منه الاستمرار في الدفاع عن المهاجرين والفقراء، لا يتوقع البعض أن يفعل ذلك بنفس الطريقة الصريحة التي اتبعها البابا فرنسيس. كما وجد ترامب ومؤيدوه جوانب في خلفية البابا الجديد تثير حماسهم، بما في ذلك دفاعه القوي عن مناهضة الإجهاض ومعارضته لخطة حكومية في بيرو لإضافة تعليمات حول النوع الاجتماعي في المدارس. وقال جون ييب، الرئيس التنفيذي لمنظمة 'كاثوليك فور كاثوليك' الداعمة لترامب: 'لقد قال وفعل بعض الأمور المتناقضة في الماضي. دعونا نرى كيف سيتصرف. لا أريد التسرع في إصدار الأحكام منذ البداية'. في الساعات التي تلت اختيار البابا لاوون، لم يُبدِ ترامب سوى الثناء على القائد الجديد للكنيسة. هنّأ ترامب ونائبه ج.دي. فانس البابا في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي واحتفيا بأصوله الأميركية. واعتبرت الصحيفة أنه من غير الواضح ما إذا كان ترامب أو فانس على دراية بانتقادات البابا لاوون لسياساتهما، لكن بعضاً من أكثر مؤيدي الرئيس تشدداً قد أعربوا بالفعل عن استيائهم. كتبت لورا لوومر، الناشطة اليمينية المتطرفة التي أقنعت ترامب بإقالة بعض مساعديه لعدم ولائهم الكافي، على منصة 'إكس': 'إنه مناهض لترامب، مناهض لحركة MAGA، مؤيد للحدود المفتوحة، وماركسي تماماً مثل البابا فرنسيس. لا يوجد شيء جيد يتطلع إليه الكاثوليك'. وأشادت النائبة نانسي بيلوسي، الرئيسة السابقة لمجلس النواب وكاثوليكية متدينة، بالتزام البابا لاوون بالفقراء وقالت إنها تأمل أن يتمكن من توحيد الكاثوليك الأميركيين عبر الانقسامات الحزبية. وأضافت في مقابلة: 'رؤيته القائمة على القيم للكنيسة تختلف تماماً عما نراه من بعض القادة، إذا جاز تسميتهم بذلك، في بلادنا، لكنني لا أتوقع أن يشارك في نقاش سياسي مع رئيس الولايات المتحدة'. على الرغم من أن البابا لاوون أميركي المولد، فقد قضى معظم حياته البالغة خارج البلاد، والآن كرئيس لدولة أخرى، يبقى أن نرى ما هي العلاقة التي سيقيمها مع الولايات المتحدة. لم يعد البابا فرنسيس، الذي ينحدر من الأرجنتين، إلى مسقط رأسه بعد أن أصبح قائداً للكنيسة. وقال الكرادلة الأميركيون في مؤتمر صحافي يوم الجمعة إن الهوية الأميركية للبابا لاوون لم تكن عاملاً في اختياره. عندما أُعلن عنه، لم يذكر الفاتيكان جنسيته الأميركية، بل قدّمه على أنه البابا الثاني من الأميركيتين. وأشار الكاردينال ويلتون غريغوري، رئيس أساقفة واشنطن العاصمة المتقاعد إلى أنه "لم يُنظر إلى المجمع الانتخابي (الكونكلاف) على أنه امتداد للانتخابات الأميركية'. وأضاف: 'لم يكن مجمعاً انتخابياً، بل كان رغبة في تعزيز الإيمان المسيحي بين شعب الله'. انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

هل يقدّم لاوون الرابع عشر رؤية مختلفة للقيم الأميركية في مواجهة ترامب؟
هل يقدّم لاوون الرابع عشر رؤية مختلفة للقيم الأميركية في مواجهة ترامب؟

النهار

time١١-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • النهار

هل يقدّم لاوون الرابع عشر رؤية مختلفة للقيم الأميركية في مواجهة ترامب؟

رأت صحيفة "نيويورك تايمس" أن وصول الكاردينال روبرت فرانسيس بريفوست إلى السدة البابوية يعدّ لحظة استثنائية للقيادة الأميركية على الساحة العالمية، في وقت غيّر فيه الرئيس دونالد ترامب سمعة البلاد في الخارج وأثار عدم الثقة بين الحلفاء التقليديين، وفق تعبيرها. وبينما يشغل أميركيان الآن منصبين يتصفان بتأثير عالمي هائل، قد يُقدّم البابا لاوون الرابع عشر للعالم رؤية مختلفة للقيم الأميركية مقارنةً بنهج 'أميركا أولاً' الذي يتبعه ترامب، والذي نفّذه من خلال تعريفات جمركية صارمة، و"تأملات إمبريالية"، وتخفيضات كبيرة في المساعدات الخارجية. عندما قُدّم البابا الجديد للعالم، وهو يتحدث خمس لغات ويحمل الجنسية البيروفية بالتجنس، شدّد على خلفيته التعددية، متعمّداً التحدث بالإيطالية (تمثيلًا لرعيته الجديدة) والإسبانية (رعيته السابقة). لم يتحدث بالإنكليزية ولم يشر إلى الولايات المتحدة، حتى مع رفع بعض الكاثوليك في ساحة القديس بطرس أعلاماً أميركية بحماس. (في يوم الجمعة، تحدث بإيجاز بالإنكليزية عندما ألقى عظته الأولى). وتابعت الصحيفة أن بعض الدلائل تشير إلى أن أول بابا أميركي لا يوافق على بعض مواقف إدارة ترامب المتشددة. فقد أعاد حساب على وسائل التواصل الاجتماعي يحمل اسمه نشر رسائل تنتقد مواقف الرئيس بشأن قضايا مثل الهجرة، والسيطرة على الأسلحة، وتغيّر المناخ. في فبراير/ شباط، شارك الحساب رابطاً لمقال في صحيفة 'ذا ناشيونال كاثوليك ريبورتر' بعنوان 'ج.دي. فانس مخطئ: يسوع لا يطلب منا ترتيب محبتنا للآخرين'. قال تشارلي سايكس، المحافظ المناهض لترامب والكاثوليكي: 'لدينا هذا الصوت الأخلاقي القوي الذي سيكون قادراً على مواجهة الصوت الأميركي القوي الآخر'. وأشار سايكس إلى أن دفاع البابا لاوون عن المهاجرين، على وجه الخصوص، قد يُشكّل تحدياً لترامب، الذي شنّ حملة شرسة لترحيلهم بأسرع ما يمكن. وقال: 'جزء من جاذبية دونالد ترامب هو أنه البطل العظيم للمسيحية، والآن سيتعيّن عليه شرح ذلك لأميركي آخر هو البابا'. وأضاف: 'هناك عدد قليل جداً، إن وجد، من الشخصيات التي تمتلك منصة وصوت الكرسي الرسولي'. وقال جون بريفوست، شقيق البابا، في مقابلة مع صحيفة 'نيويورك تايمس' إنه لا يعتقد أن شقيقه سيتردد في التعبير عن خلافاته مع الرئيس. وأضاف: 'أعلم أنه غير سعيد بما يحدث في ملف الهجرة. أعلم ذلك يقيناً. إلى أي مدى سيذهب في ذلك؟ هذا مجرد تخمين، لكنه لن يظل صامتاً. لا أعتقد أنه سيكون الشخص الصامت'. مع ذلك، يقول محللون في الفاتيكان إن البابا لاوون أكثر تحفظاً من سلفه، وبينما يتوقعون منه الاستمرار في الدفاع عن المهاجرين والفقراء، لا يتوقع البعض أن يفعل ذلك بنفس الطريقة الصريحة التي اتبعها البابا فرنسيس. كما وجد ترامب ومؤيدوه جوانب في خلفية البابا الجديد تثير حماسهم، بما في ذلك دفاعه القوي عن مناهضة الإجهاض ومعارضته لخطة حكومية في بيرو لإضافة تعليمات حول النوع الاجتماعي في المدارس. وقال جون ييب، الرئيس التنفيذي لمنظمة 'كاثوليك فور كاثوليك' الداعمة لترامب: 'لقد قال وفعل بعض الأمور المتناقضة في الماضي. دعونا نرى كيف سيتصرف. لا أريد التسرع في إصدار الأحكام منذ البداية'. في الساعات التي تلت اختيار البابا لاوون، لم يُبدِ ترامب سوى الثناء على القائد الجديد للكنيسة. هنّأ ترامب ونائبه ج.دي. فانس البابا في منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي واحتفيا بأصوله الأميركية. واعتبرت الصحيفة أنه من غير الواضح ما إذا كان ترامب أو فانس على دراية بانتقادات البابا لاوون لسياساتهما، لكن بعضاً من أكثر مؤيدي الرئيس تشدداً قد أعربوا بالفعل عن استيائهم. كتبت لورا لوومر، الناشطة اليمينية المتطرفة التي أقنعت ترامب بإقالة بعض مساعديه لعدم ولائهم الكافي، على منصة 'إكس': 'إنه مناهض لترامب، مناهض لحركة MAGA، مؤيد للحدود المفتوحة، وماركسي تماماً مثل البابا فرنسيس. لا يوجد شيء جيد يتطلع إليه الكاثوليك'. وأشادت النائبة نانسي بيلوسي، الرئيسة السابقة لمجلس النواب وكاثوليكية متدينة، بالتزام البابا لاوون بالفقراء وقالت إنها تأمل أن يتمكن من توحيد الكاثوليك الأميركيين عبر الانقسامات الحزبية. وأضافت في مقابلة: 'رؤيته القائمة على القيم للكنيسة تختلف تماماً عما نراه من بعض القادة، إذا جاز تسميتهم بذلك، في بلادنا، لكنني لا أتوقع أن يشارك في نقاش سياسي مع رئيس الولايات المتحدة'. على الرغم من أن البابا لاوون أميركي المولد، فقد قضى معظم حياته البالغة خارج البلاد، والآن كرئيس لدولة أخرى، يبقى أن نرى ما هي العلاقة التي سيقيمها مع الولايات المتحدة. لم يعد البابا فرنسيس، الذي ينحدر من الأرجنتين، إلى مسقط رأسه بعد أن أصبح قائداً للكنيسة. وقال الكرادلة الأميركيون في مؤتمر صحافي يوم الجمعة إن الهوية الأميركية للبابا لاوون لم تكن عاملاً في اختياره. عندما أُعلن عنه، لم يذكر الفاتيكان جنسيته الأميركية، بل قدّمه على أنه البابا الثاني من الأميركيتين. وأشار الكاردينال ويلتون غريغوري، رئيس أساقفة واشنطن العاصمة المتقاعد إلى أنه "لم يُنظر إلى المجمع الانتخابي (الكونكلاف) على أنه امتداد للانتخابات الأميركية'. وأضاف: 'لم يكن مجمعاً انتخابياً، بل كان رغبة في تعزيز الإيمان المسيحي بين شعب الله'.

أخوال والدي من الزحالقة
أخوال والدي من الزحالقة

معا الاخبارية

time٠٥-٠٥-٢٠٢٥

  • منوعات
  • معا الاخبارية

أخوال والدي من الزحالقة

أنا من السنديانة، التي لم اولد فيها ولم أعرفها ولم آكل من أشجارها ولم العب في حاراتها، أنا من قرية لم تعد على الخارطة أبداً، بل هي موجودة فقط في ذاكرتي وذاكرة أبنائي، السنديانة الآن هي مجرد حكاية يتناقلها الآباء والأبناء والأحفاد، أولادي الذين لا يعرفون شيئاً عن السنديانة هم أيضاً من السنديانة، ويعرفون بستان "قواريط عوض" الذي فوجئت بالدكتور مصطفى كبها يحدثني عنه ذات ليلة ماطرة، كما كتب الراحل الصديق نمر سرحان عنه أيضاً، أولادي الذين ولدوا في رام الله ويعبد يعرفون أيضاً أن جدهم رفيق كان دبيكاً رائعاً في أعراس أم الزينات وقنير وقاقون، وأنه وأشقاؤه الثلاثة الآخرون كانوا مطلوبين في الأعراس لمهارتهم وأجسامهم الطويلة الرشيقة، أما أنا فقد ولدت في يعبد ورغم بلوغي الخامسة والستين من عمري إلا أنني أعيش كمولود في السنديانة هذا بالضبط احساس كل من يرى شواهد القبور في مقبرتي رام الله والبيرة حيث يكتب على تلك الشواهد أن المتوفى من العباسية أو اللد أو الرملة رغم أنه لم يرها أبداً. والدي، رفيق، ولد في السنديانة، كانت أمه عائشة عبد الرحمن من الزحالقة في كفر قرع، وقد استشهدت تحت الأنقاض في العام 1948 عندما رفضت الخروج من منزلها الذي لا تعرف غيره من العالم. والدي رفيق حدثني عن السنديانة بعد أن هجر منها اثر رصاصة تلقاها في رأسه كشطت جزءاً منه كان يكشف عنه كلما حدثني عن ذلك اليوم العصيب الذي هجر فيه من بلده، قال لي أنهم عرفوا ، هو وأشقاؤه ، بأنهم قواريط عوض أي أبناء عوض اليتامى ، وعوض هو جدي الذي هرب من يعبد ابان الحرب العالمية الأولى رافضاً للتجنيد الإجباري الذي فرضه الأتراك على شباب بلاد الشام للانخراط في الحرب ضد روسيا القيصرية ، هرب جدي عوض إلى كفر قرع وتزوج من آل الزحالقة ، وانتقل إلى السنديانة لدواعي العمل أو التخفي كما يبدو. ولكن جدي توفي في ريعان شبابه وترك وراءه أربعة أطفال وبنت واحدة، عاشوا هكذا يتامى يصارعون من أجل البقاء، فأطلق عليهم اسم قواريط عوض، ويبدو أن الاسم كان من الشهرة بحيث كتب عنه كل من د. كبها أطال الله في عمره والمرحوم نمر سرحان الذي التقيته في عام 1996 في هيئة الاذاعة والتلفزيون الفلسطينية برام الله، والراحل نمر كان أيضاً من السنديانة وكتب عنها كلاماً جميلاً ورائعاً. والدي الذي عاش في السنديانة حتى عام 1948 حدثني عن الحارة الفوقا والحارة التحتا، وعن الشجارات والأعراس وقصص الثأر والثورة ، حدثني عن "فرد البرابير" أي مسدس البرابولا الشهير في تلك الفترة وعائلة نزال المسيطرة ، وفي العام 1982 تعرفت على زميلة في جامعة اليرموك من آل نزال، فحاولت أن استثير فيها ذكريات السنديانة وأمجاد الأيام الخالية ولكن الحاضر كان أقوى على ما يبدو، حدثني والدي عن الحياة في ثلاثينيات القرن الماضي واربعينياته وكيف تعامل الشعب الفلسطيني مع "الكوبانية" ومع البوليس الإنجليزي ومع العائلات التي كانت تقود العمل الوطني آنذاك، ولست هنا بصدد التقييم، ولكن لا بد من القول إن الثورة الفلسطينية ورغم أنها تعرضت للحصار والخديعة من قبل أطراف عربية متعددة، إلا أنها كانت تعاني أيضاً قصوراً بنيوياً تمثل في التنظيم العائلي الهش والانتهازي وقصير النظر وكذلك في سطحية التعامل مع المحتل البريطاني في تصديقه أو التعاون معه ، ولا ننسى محاولات الحركة الصهيونية في التفكيك والاغراء والاغواء والاسقاط والتجنيد والتحييد. الحركة الوطنية الفلسطينية في تلك الفترة كانت تمتلك خزاناً من الشجاعة والجرأة لا مثيل له ولكنها كانت برؤوس كثيرة وأجندات معارضة وسذاجة في معالجة الأمور، ولكن ذلك لا يقلل أيضاً من قوة العدو أصلاً . عدونا قوي جداً وما يزال. ويجب أن لا ننسى هذه الحقيقة . تعدد الرؤوس وقلة التنظيم وتعارض الأجندات وغياب خطة موحدة وانهيار التاريخ باندلاع الحرب العالمية الثانية ، كل ذلك جعل المشروع الصهيوني ينتصر، ليس لأنه ذكي أو قوي فقط، بل لأن العالم الغربي الاستعماري كان يرغب أيضاً بمكافأة الصهاينة بعد انتصار هذا الغرب على غرب آخر لا يقل عنه عنصرية وتوحشاً. يمكن القول هنا أن نكبة 48 كانت ليس فقط بسبب الضعف وقلة الحيلة وقلة الإمكانات وغياب الحلفاء، ولكن بسبب انعطافة التاريخ الكبرى، هناك تحولات في التاريخ لا تفيد معها الشجاعة أو الحكمة أو الكفاءة أيضاً. أعود إلى والدي، الذي كان يفخر بأخواله من الزحالقة، فهم حكماء وأغنياء ولهذا لم يدخلوا في شجار قط، فأسأله لماذا؟! فيقول لي بفخر شديد: أن خاله كان يقول له أن من كانت "مصارينه" تحت الأرجل فعليه أن يتجنب العراك وأن يقبل بالتسوية، فأقول لوالدي مشاغباً: يعني هذا منطق تجار. فيقول بما شبه الغضب : هذه هي الحكمة. - فلماذا اشتريت فرد البرابير وأنت مجرد مزارع حينها؟! فيقول بذلك الصوت العالي العريض : وكيف أحمي قواريط عوض من شباب عائلة نزال وأبو العسل والجوابرة. - طيب وهل زرت أخوالك في كفرقرع بعد عام 1967 - ألا تذكر عندما زرناهم بعد الحرب بأشهر قليلة. - لا أذكر . فلماذا لا تكرر الزيارات لنتعرف على اخوالك الذين تحب. يقول بما يشبه اللوعة: مات من نعرف.. وهناك أجيال متعجلة ومشغولة. كل شيء يدعو إلى الصراخ من قحف الرأس. في العام 1985 ، وبعد أن طردت من التعليم الحكومي بسبب دخولي المعتقل، عملت في المفاحم بالقرب من المسمية الصغرى، وهناك تعرفت على شخص من كفر قرع اسمه العبد القرعاوي، أنا أحب كفر قرع التي لم أدخلها بسبب حكايات أبي عن أخواله، العبد القرعاوي هذا كان شخصاً كريماً صاحب جثة ضخمة، كان يشتري لنا اللحم والخبز ويقول أن اللحم ضروري للإنسان حتى يعمل ويفرح، ولأني كنت الوحيد المتعلم هناك، فقد سلمني الحسابات وطلب مني أن لا أعمل مثل البقية، وصار يأخذني معه في سيارته المرسيدس البيضاء ويحدثني عن أحلامه ومشاريعه، قلت له أن أخوال والدي هم الزحالقة فقال إنهم أناس طيبون، كان العبد القرعاوي في الأربعينيات، مقبلاً على الحياة بكل نهم ونشاط ، وعندما جاء بعمال آخرين من كفرقرع حاولت أن اتصادق معهم ولكنهم كانوا في عالم آخر. بدا وكأننا من عالمين مختلفين ، كانوا يتحدثون مع بعضهم في بعض الأحيان باللغة العبرية التي لم أكن أتقنها حين ذاك، وعندما تشاجرنا لسبب ما نعتونا بأننا "ضفاوية" وكأنها شتيمة تتعلق بالشرف. النكبة لعينة تضع حدوداً أيضاً لا أدري أين العبد القرعاوي الآن ولكني أتمنى له كل خير اذا حياً والرحمة ان كان غير ذلك. حكايتان أخيرتان عن أخوال والدي ، فعندما اعتقل شقيقي عدنان في مركز كركور للشرطة، تدخل أبناء الأخوال لإخراجه، وكان ذلك مدعاة لفرح والدي بشكل عجبت له، كان ذلك في العام 76، أو 77، أما الحكاية الأخيرة فقد التقيت بالدكتور جمال زحالقة، ولم يكن دكتوراً حينها، بل كان عضو كنيست ، فقلت له ممازحاً : أنت من عائلة أخوال أبي. رد بلهجة المزاح ذاتها: ولهذا أنت"طلعت " علينا. لا أدري اذا كان الدكتور جمال يتذكر ذلك أو لا ولكنه حصل ذات يوم. النكبة، أخيراً، تشكل شئنا أم أبينا مرتكزاً وجدانياً للهوية التي يعمل كثيرون لتفكيكها أو تبهيتها أو تذويبها. لم يتبق إلا الحكاية والخيال . إنها قوى التاريخ الخفية القادرة على تشكيله من جديد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store