#أحدث الأخبار مع #جلاديهمالمدنمنذ 17 ساعاتترفيهالمدنجعفر بناهي يحصد "السعفة الذهبية" عن فيلمه "مجرد حادث"فاز المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، وذلك عن فيلمه "مجرد حادث" الذي صُوّر في السر، ويقدّم قصة أخلاقية حول سعي مجموعة من السجناء السابقين للانتقام من جلاديهم. هنا قراءة في الفيلم. أهم الأحداث في حياة الناس قد تقع صدفة، أو عبر سلسلة من المصادفات. "حادث"، كما يقولون. التقاء شخص ما، الوصول إلى مكان ما في وقتٍ محدد دون غيره، الدخول أو عدم الدخول إلى مكان سيحدث فيه شيء ما لاحقاً. آلاف التفاصيل الصغيرة قد تُغيّر، وعادةً ما تفعل، حياة الناس. في الفيلم الجديد للإيراني جعفر بناهي، "مجرد حادث" (المعروض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كانّ السينمائي في دورته الـ78 وقد فاز بجائزة السعفة الذهبية)، لا علاقة لهذا "الحادث" بالحبكة، لكنه يُطلق العنان لها. وعواقبه لا تُحصى وخطيرة للغاية. عائلة -أبّ وأمّ وابنتهما الصغيرة- تسافر في سيارة عندما يدوس الأبّ بالخطأ على كلبٍ. يتسبّب الاصطدام في تعطّل السيارة، ويضّطرون للتوقّف عند ورشة ميكانيكا. عندما يسمع وحيد (وحيد مبصر)، أحد العاملين هناك، صوت الأبّ ووقع أقدام ساقه الاصطناعية، ينتابه القلق ويكاد يجنّ. لا نعرف السبب في البداية، لكن الرجل يختبئ أولاً، ثم يقرّر اتباع السيارة التي أصلحها لتوّه إلى منزل العائلة إياها، ويقضي الليلة أمام بابهم، وفي صباح اليوم التالي، يتبع الأبّ المعني، وفي منتصف الشارع، يصدمه بشاحنته ويدفعه إلى داخلها. سنفهم المنطق لاحقاً عندما نرى وحيد يحفر قبراً في قلب الصحراء ويلقي بالرجل المقنّع الذي لا يزال حيّاً هناك، مخطّطاً لدفنه دون أي تفسير، حتى يُجبر على تقديم سبب، فيتّهم الرجل بأنه هو نفسه الملقّب بـ"الساق الخشبية" (إبراهيم عزيزي)، حارس السجن الذي عذبّه وأذلّه قبل سنوات. يُقسم الرجل أنه ليس هو، وأن ساقه الاصطناعية حديثة، وأنه لا علاقة له بالشخص الذي يدّعيه الناس خطاً ولأن وحيد كان مُغطى الرأس أثناء التعذيب، لا يستطيع الجزم تماماً بأن الرجل هو مَن يظنّه، إلا من خلال صوت ساقه. ثم يأتي ما سيُحدّد مسار الحبكة من تلك اللحظة: اتباع مبدأ إحسان الظنّ حتى ثبوت العكس. يُركّز "مجرد حادث" على رحلة البطل في سيارته باحثاً عن ناجين آخرين من التعذيب والإساءة على يد "الساق الخشبية" لمساعدته على إثبات هويته الحقيقية. يسافر المتهم في السيارة مُقيّداً ومعصوباً ومُخدّراً، فلا يرى أو يسمع ما يحدث هناك، والمتلخّص في جمع عدة أشخاص يُمكنهم الإقرار بأن الرجل الذي يُريد قتله هو الشخص المنشود. لكن الأمر ليس سهلاً، فجميعهم لديهم نفس شكوك البطل: المصوّرة شِفا (مريم أفشاري)، والعروس (هاديس باكباتن) برفقة زوجها المستقبلي (مهيد بناهي، ابن شقيق المخرج)، وشريك المصوّرة السابق (محمد علي إلياسمهر)، جميعهم عانوا من هذا "الساق الخشبية" ولديهم آراء مختلفة حول ما يجب فعله مع الرجل. لكن ولا واحد منهم يستطيع الجزم بأنه هو. الفيلم إنتاج مشترك بين إيران وفرنسا ولوكسمبورغ. ومرة أخرى، أنجز بناهي، الناقد للجمهورية الإسلامية والذي سُجن عدة مرات، الفيلم من دون إذن تصوير رسمي من السلطات الإيرانية. وكما يقول بناهي الذي شارك شخصياً في مهرجان كانّ للمرة الأولى منذ 15 عاماً: "أنا لا أصنع أفلاماً سياسية، بل أفلاماً إنسانية". هنا ينجز أكثر أعماله إنسانية، مُقدّماً شخصيات قد تختلف ظروفها تماماً عن ظروف مشاهديها، لكن معضلاتها، وخياراتها بين الغفران والقصاص، تغمرهم تماماً. يبني بناهي، كعادته في العديد من أفلامه -وفي معظم السينما الإيرانية- دراما مؤثرة، تتكشّف أحداثها داخل السيارة، وفي المدينة، وعلى الطريق، وفي محطات مختلفة على طول الرحلة. هناك، تبرز الاختلافات بين جميع هذه الشخصيات، الذين يعرفون بعضهم البعض بفضول، باستثناء وحيد، الذي يتعرّف عليهم عبر صلة مشتركة (التعذيب). هناك مَن يعتقد أنه لا ينبغي معاملة الجلّاد كما عُومل ("لسنا مثلهم"، يقول)؛ وهناك مَن يفتقر إلى هذه الشكوك الأخلاقية ويرغب في قتله، بينما ينتقل البطل من شعور أوّلي بالانتقام الفوري إلى مزيد من الشكوك. حتى لو كان الرجل هو الرجل المنشود، فهل الانتقام بقتله مبرَّر؟ بناهي، الذي ذاق السجن عدة مرات وبطرق مختلفة، لديه خبرة في مواقف عنيفة ومربكة ومؤلمة غالباً ما تولّد رغبة في الانتقام. في الواقع، هذه مشاعر يألفها بالتأكيد العديد من السجناء السياسيين عندما يرون في الشارع أشخاصاً أساؤوا معاملتهم أو عذّبوهم. لكن المعضلة الأخلاقية المطروحة في الفيلم تدور حول عدة عوامل في آنٍ واحد: التثبّت من هويّة أحدهم شيء، واتخاذ قرار بشأن ما يجب فعله بشأنه، شيء آخر. ثم، تظهر مسائل متعلقة بالإجراءات الشرطية، مثل الحاجة إلى قتل الرجل لعدم ترك أي دليل على ما حدث، أو الخوف من تحقيق محتمل وأعمال انتقامية. أضف إلى ذلك حقيقة أنهم سيكتشفون قريباً أن الجلّاد المزعوم لديه عائلة، وتصبح الأمور أكثر توتراً وغموضاً. "مجرد حادث" فيلمٌ قوي ومتزايد في حدّته، يملك لحظات كوميدية وخفيفة الظل، حيث تسير العديد من المحادثات والمشاجرات في هذا الاتجاه. لكن شيئاً فشيئاً، يكتسب الفيلم التوتّر والظلام حتى يصل إلى سلسلة من المشاهد النهائية المرعبة، تشكّك حتى في المنطق السائد بين الشخصيات. يبدو أن بناهي لم يعد يخشى الانتقام - أو أنه لا يكترث - لذا يُقدّم ربما أكثر انتقاداته المباشرة للحكومة الإيرانية في مسيرته المهنية، مع أن حبكة القصّة تدور في جوهرها حول نوع من التأمّل الداخلي لمَن عانوا أو ما زالوا يعانون آثار القمع والديكتاتورية. وكما أن ضحية أي نظام ديكتاتوري يُصارع عاطفياً لمجرد رؤية جلّاديه في الشارع، يطرح أبطال بناهي (وربما بناهي نفسه أيضاً) على أنفسهم السؤال ذاته، ويتأمّلونه تدريجياً في خضم رحلة طويلة من النهار إلى الليل. في هذه الحالة، حرفياً.
المدنمنذ 17 ساعاتترفيهالمدنجعفر بناهي يحصد "السعفة الذهبية" عن فيلمه "مجرد حادث"فاز المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، وذلك عن فيلمه "مجرد حادث" الذي صُوّر في السر، ويقدّم قصة أخلاقية حول سعي مجموعة من السجناء السابقين للانتقام من جلاديهم. هنا قراءة في الفيلم. أهم الأحداث في حياة الناس قد تقع صدفة، أو عبر سلسلة من المصادفات. "حادث"، كما يقولون. التقاء شخص ما، الوصول إلى مكان ما في وقتٍ محدد دون غيره، الدخول أو عدم الدخول إلى مكان سيحدث فيه شيء ما لاحقاً. آلاف التفاصيل الصغيرة قد تُغيّر، وعادةً ما تفعل، حياة الناس. في الفيلم الجديد للإيراني جعفر بناهي، "مجرد حادث" (المعروض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كانّ السينمائي في دورته الـ78 وقد فاز بجائزة السعفة الذهبية)، لا علاقة لهذا "الحادث" بالحبكة، لكنه يُطلق العنان لها. وعواقبه لا تُحصى وخطيرة للغاية. عائلة -أبّ وأمّ وابنتهما الصغيرة- تسافر في سيارة عندما يدوس الأبّ بالخطأ على كلبٍ. يتسبّب الاصطدام في تعطّل السيارة، ويضّطرون للتوقّف عند ورشة ميكانيكا. عندما يسمع وحيد (وحيد مبصر)، أحد العاملين هناك، صوت الأبّ ووقع أقدام ساقه الاصطناعية، ينتابه القلق ويكاد يجنّ. لا نعرف السبب في البداية، لكن الرجل يختبئ أولاً، ثم يقرّر اتباع السيارة التي أصلحها لتوّه إلى منزل العائلة إياها، ويقضي الليلة أمام بابهم، وفي صباح اليوم التالي، يتبع الأبّ المعني، وفي منتصف الشارع، يصدمه بشاحنته ويدفعه إلى داخلها. سنفهم المنطق لاحقاً عندما نرى وحيد يحفر قبراً في قلب الصحراء ويلقي بالرجل المقنّع الذي لا يزال حيّاً هناك، مخطّطاً لدفنه دون أي تفسير، حتى يُجبر على تقديم سبب، فيتّهم الرجل بأنه هو نفسه الملقّب بـ"الساق الخشبية" (إبراهيم عزيزي)، حارس السجن الذي عذبّه وأذلّه قبل سنوات. يُقسم الرجل أنه ليس هو، وأن ساقه الاصطناعية حديثة، وأنه لا علاقة له بالشخص الذي يدّعيه الناس خطاً ولأن وحيد كان مُغطى الرأس أثناء التعذيب، لا يستطيع الجزم تماماً بأن الرجل هو مَن يظنّه، إلا من خلال صوت ساقه. ثم يأتي ما سيُحدّد مسار الحبكة من تلك اللحظة: اتباع مبدأ إحسان الظنّ حتى ثبوت العكس. يُركّز "مجرد حادث" على رحلة البطل في سيارته باحثاً عن ناجين آخرين من التعذيب والإساءة على يد "الساق الخشبية" لمساعدته على إثبات هويته الحقيقية. يسافر المتهم في السيارة مُقيّداً ومعصوباً ومُخدّراً، فلا يرى أو يسمع ما يحدث هناك، والمتلخّص في جمع عدة أشخاص يُمكنهم الإقرار بأن الرجل الذي يُريد قتله هو الشخص المنشود. لكن الأمر ليس سهلاً، فجميعهم لديهم نفس شكوك البطل: المصوّرة شِفا (مريم أفشاري)، والعروس (هاديس باكباتن) برفقة زوجها المستقبلي (مهيد بناهي، ابن شقيق المخرج)، وشريك المصوّرة السابق (محمد علي إلياسمهر)، جميعهم عانوا من هذا "الساق الخشبية" ولديهم آراء مختلفة حول ما يجب فعله مع الرجل. لكن ولا واحد منهم يستطيع الجزم بأنه هو. الفيلم إنتاج مشترك بين إيران وفرنسا ولوكسمبورغ. ومرة أخرى، أنجز بناهي، الناقد للجمهورية الإسلامية والذي سُجن عدة مرات، الفيلم من دون إذن تصوير رسمي من السلطات الإيرانية. وكما يقول بناهي الذي شارك شخصياً في مهرجان كانّ للمرة الأولى منذ 15 عاماً: "أنا لا أصنع أفلاماً سياسية، بل أفلاماً إنسانية". هنا ينجز أكثر أعماله إنسانية، مُقدّماً شخصيات قد تختلف ظروفها تماماً عن ظروف مشاهديها، لكن معضلاتها، وخياراتها بين الغفران والقصاص، تغمرهم تماماً. يبني بناهي، كعادته في العديد من أفلامه -وفي معظم السينما الإيرانية- دراما مؤثرة، تتكشّف أحداثها داخل السيارة، وفي المدينة، وعلى الطريق، وفي محطات مختلفة على طول الرحلة. هناك، تبرز الاختلافات بين جميع هذه الشخصيات، الذين يعرفون بعضهم البعض بفضول، باستثناء وحيد، الذي يتعرّف عليهم عبر صلة مشتركة (التعذيب). هناك مَن يعتقد أنه لا ينبغي معاملة الجلّاد كما عُومل ("لسنا مثلهم"، يقول)؛ وهناك مَن يفتقر إلى هذه الشكوك الأخلاقية ويرغب في قتله، بينما ينتقل البطل من شعور أوّلي بالانتقام الفوري إلى مزيد من الشكوك. حتى لو كان الرجل هو الرجل المنشود، فهل الانتقام بقتله مبرَّر؟ بناهي، الذي ذاق السجن عدة مرات وبطرق مختلفة، لديه خبرة في مواقف عنيفة ومربكة ومؤلمة غالباً ما تولّد رغبة في الانتقام. في الواقع، هذه مشاعر يألفها بالتأكيد العديد من السجناء السياسيين عندما يرون في الشارع أشخاصاً أساؤوا معاملتهم أو عذّبوهم. لكن المعضلة الأخلاقية المطروحة في الفيلم تدور حول عدة عوامل في آنٍ واحد: التثبّت من هويّة أحدهم شيء، واتخاذ قرار بشأن ما يجب فعله بشأنه، شيء آخر. ثم، تظهر مسائل متعلقة بالإجراءات الشرطية، مثل الحاجة إلى قتل الرجل لعدم ترك أي دليل على ما حدث، أو الخوف من تحقيق محتمل وأعمال انتقامية. أضف إلى ذلك حقيقة أنهم سيكتشفون قريباً أن الجلّاد المزعوم لديه عائلة، وتصبح الأمور أكثر توتراً وغموضاً. "مجرد حادث" فيلمٌ قوي ومتزايد في حدّته، يملك لحظات كوميدية وخفيفة الظل، حيث تسير العديد من المحادثات والمشاجرات في هذا الاتجاه. لكن شيئاً فشيئاً، يكتسب الفيلم التوتّر والظلام حتى يصل إلى سلسلة من المشاهد النهائية المرعبة، تشكّك حتى في المنطق السائد بين الشخصيات. يبدو أن بناهي لم يعد يخشى الانتقام - أو أنه لا يكترث - لذا يُقدّم ربما أكثر انتقاداته المباشرة للحكومة الإيرانية في مسيرته المهنية، مع أن حبكة القصّة تدور في جوهرها حول نوع من التأمّل الداخلي لمَن عانوا أو ما زالوا يعانون آثار القمع والديكتاتورية. وكما أن ضحية أي نظام ديكتاتوري يُصارع عاطفياً لمجرد رؤية جلّاديه في الشارع، يطرح أبطال بناهي (وربما بناهي نفسه أيضاً) على أنفسهم السؤال ذاته، ويتأمّلونه تدريجياً في خضم رحلة طويلة من النهار إلى الليل. في هذه الحالة، حرفياً.