logo
#

أحدث الأخبار مع #جليدان

"معلم العربية يدفن تلامذته الغرقى في مسرحية "وصية مريم"
"معلم العربية يدفن تلامذته الغرقى في مسرحية "وصية مريم"

Independent عربية

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

"معلم العربية يدفن تلامذته الغرقى في مسرحية "وصية مريم"

حكاية العرض تروي قصة جليدان البكل (محمد حداقي) مدرس اللغة العربية الخمسيني الذي حاول الهرب من بلاده عبر الحدود السورية- اللبنانية بعد اشتداد حمأة المعارك، لكنه بقي عالقاً على طرفي الحدود بسبب عدم تلبيته لشروط العبور إلى البلد الشقيق، فلا هو قادر عل المغادرة، ولا هو يستطيع العودة بسبب خوفه من تكرار سنوات السجن التي عاشها في المعتقل السياسي. من هناك يروي جليدان حكاية مريم التي دهستها سيارة عسكرية، مستعيداً ذكرياته مع أحذية تلامذته الأطفال الذين دفنهم بيديه في قبور متجاورة. محمد حداقي في لقطة من العرض (خدمة المسرحية) ويناقش العرض (مسرح دبا الفجيرة) أحوال اللاجئين السوريين بلغة لا تخلو من السخرية والمرارة، إذ يقتبس كاتبه مقاطع من قصيدة محمد مهدي الجواهري "لم يبق عندي ما يبتزه الألم"، مقارناً بينها وبين قصيدة "سلمت ويسلم البلد" التي كان قد نظمها الشاعر العراقي في مديح الرئيس الراحل حافظ الأسد. حوار يوجهه جليدان لأحذية تلامذته الأطفال الذين قضوا غرقاً أو قصفاً بالطائرات والقذائف والبراميل، منادياً عليهم بأسمائهم الصريحة، إذ اعتمد الديكور (سهى العلي) على حبل غسل توزعت عليه تلك الأحذية في مقدمة الخشبة. حل إخراجي لافت للتعويض عن المخاطب الغائب في عروض المونودراما، والتي غالباً ما تجنح نحو المونولوغية (خطاب الذات)، لكنها هنا أبدلت تلك التقنية بخطاب أحذية الأطفال الموتى، وجعلتها دلالة على فقدان معلم المدرسة لطلبته الصغار في صراع عبثي بين ذات البين. ويوغل العرض في الجرح السوري من خلال الساعة الأخيرة من حياة شخصية معلم المدرسة الذي يستعطف الموت بأن يأتي كي يريحه من ذاكرته المحتشدة بالآلام وصور الضحايا. مقاربة يسوقها "وصية مريم" بأناة وتدرج في سرد أحداث الهرب من ويلات الحرب، فمرة يخاطب طفلاً غرق مع أهله أثناء محاولتهم اللجوء إلى إحدى الدول المتوسطية بوساطة قارب مطاطي، ومرة يعود إلى صور عائلته وصباحات هادئة رافقها صوت السيدة فيروز، لكن كل ذلك لا ينجح في تهدئة خاطر جليدان، وهو الاسم الذي يدل على الجلد والصلابة، لكن هيهات ينفع معنى الاسم ودلالته في مقارعة خطوب الذاكرة وعنف الصور المتدفقة على ساحة المخيلة المترعة بأشباح الموتى والمفقودين. مرافعة درامية بوستر العرض المسرحي (خدمة المسرحية) وحاول مخرج العرض أن يحقق ما يشبه مرافعة درامية يتهم فيها الجميع بما آلت إليه أحوال السوريين، فالجميع في نظر بطل "وصية مريم" متواطئ مع ما حدث في بلاده، وعليه يقول معلم المدرسة "صحيح سقط لكن أنا ما زلت خائفاً". دلالة على سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وصعوبة التخلص من الخوف الذي لازم المواطن السوري طوال الحقبة البعثية التي امتدت لنيف ونصف قرن، لكن جليدان يعود ليقول "لكل منا الحق في الرحيل، وعلى الوطن أن يقنعنا بالبقاء". إسقاط يطل على الأمس القريب من عذابات السوريين، لكنه يعود ويفتح الباب موارباً لهجرات متجددة في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة، وما جرته 14 عاماً من الاقتتال والموت والدمار على مختلف نواحي الحياة. وتميز أداء الفنان محمد حداقي لمسرحية الممثل الواحد بقدرته على إيهام المتفرج بالانتقال من مكان إلى آخر، ومن شخصية إلى أخرى. تعدد أصوات لافت على لسان هذا الممثل ساندته في ذلك إضاءة ماهر هربش عبر تنويعات الضوء ومنابعه المتعددة، فلم يلجأ الممثل السوري في أدائه إلى مبالغات صوتية أو جسدية، بل أصر على التمثيل الشخصي، وهو أسلوب يعتمد فرضية وضع الممثل نفسه في ظرف الشخصية التي يقوم بأدائها. وانتصر "وصية مريم" لشروط مسرحية الممثل الواحد كأصل من أصول نشأة الفن المسرحي في العالم، إذ كانت المسرحية عند الإغريق القدماء تؤدى من قبل رئيس الكورس (الجوقة)، وكان يطلق عليه اسم هوبوكريتيس (المجيب)، أو الشخص الذي يعبر عن آراء غيره، ويظهر على غير حقيقته، فهو الممثل الذي كان يجري على لسانه كلام الشخصيات المختلفة، وكان يؤدي هذا الدور الشاعر نفسه، فيغير ملابسه وقناعه في خيمة قريبة من مكان العرض بما يتفق مع الشخصية المراد تجسيدها، وبقيت الدراما على هذه الحال كما أوجدها الشاعر ثسبيس (القرن السادس قبل الميلاد) إلى أن أضاف أسخيلوس (525-456 ق. م) الممثل الثاني، وإليه يعزى اختراع فن التراجيديا. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويحيل العرض السوري إلى مقاربات عديدة للحرب في البلاد عبر خاتمة مؤثرة يموت فيها بطل العرض أكثر من مرة، حتى يقع في النهاية صريعاً من البرد والخوف والوحشة، يموت وهو محاصر بأصوات ومؤثرات (رضوان النوري) مدافع ورشاشات المهربين على طرفي الحدود اللبنانية- السورية، وكأن الحرب هنا شخصية إضافية في هذه المونودراما، فالمعلم الخمسيني لا يجد ملاذاً للاحتماء من رصاص طائش إلا بطانية المعونات التي وزعتها الأمم المتحدة، مثلما لا يجد مساحة في ذاكرته ليواري فيها الأحداث التي مرت به، وعليه تصبح أصوات تلامذته وأحذيتهم الصغيرة بمثابة مشانق تلوح له مع كل رشقة رصاص في الجوار. أجواء صورها كل من كاتب العرض ومخرجه بحس تسجيلي لا يخلو من القتامة وانعدام الأمل، لكن في العمق يمكن التقاط أنفاس الضحايا وأغنياتهم وصباحات الذهاب إلى المدرسة. ويأتي "وصية مريم"، (إنتاج دائرة الثقافة في الفجيرة) كامتداد لمسيرة طويلة من تجارب مسرح المونودراما في سوريا، الذي كان قد أطلقه كل أسعد فضة وممدوح عدوان وزيناتي قدسية ومها الصالح وآخرون منذ سبعينيات القرن الماضي، وجاء كرد فعل على قلة الموارد الإنتاجية، وما يتيحه هذا النوع من العروض من مساحات للتجريب واختبار أدوات الممثل كفن شخصي أقرب إلى الرسم والنحت والتصوير منه إلى العروض الجماعية. مما جعل من هذا المسرح الفردي طريقاً مختصراً لمشاركة صناعه في المهرجانات العربية والدولية، وأداة ضاربة في انتقاد عسف الأنظمة الشمولية، والإطلالة على قضايا العنف ضد النساء.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store