logo
#

أحدث الأخبار مع #جورجيتصايغ

جورجيت صايغ.. فراشة الرحابنة التي انسحبت بصمت
جورجيت صايغ.. فراشة الرحابنة التي انسحبت بصمت

الدستور

timeمنذ 16 ساعات

  • ترفيه
  • الدستور

جورجيت صايغ.. فراشة الرحابنة التي انسحبت بصمت

في مشهد فني لبناني كان يضجّ بالأصوات الذهبية، والوجوه المتألقة على مسارح الرحابنة، خرجت جورجيت صايغ كنسمة خفيفة، رقيقة، صافية، دخلت القلب من دون استئذان، وانسحبت منه في لحظة تعب، دون ضجيج ولا وداع. العبور الخاطف من المجد إلى الظل في السبعينيات، كانت جورجيت صايغ واحدة من أكثر الوجوه المحبوبة على الشاشة والمسرح. ليست نجمة بالمعنى التجاري، لكنها كانت 'الروح'، العنصر الذي يمنح أي عمل فني دفئه، عمقه، وأنوثته الذكية. في مسرحية 'سهرية'، رسمت دور 'ياسمين' بحسّ طفولي وشجن داخلي يصعب تمثيله. كانت تمثّل وتغني وترقص كما لو أنها خُلقت للمسرح، وكأن الخشبة امتداد طبيعي لجسدها وروحها. لكن هذه الفراشة، بكلّ ألوانها، لم تدم طويلًا في الضوء. جاء انسحابها مبكرًا، وبدا كما لو أنه قرار داخلي أكثر منه انسحاب قسري. قيل إنها اعتزلت لأسباب عائلية، وقيل إن الفن لم يكن يومًا هاجسها الأول. لكن المؤكد أن غيابها ترك فجوة في ذاكرة الفن اللبناني. صوت كالماء لم تكن جورجيت صايغ من النوع الذي يستعرض صوته. أغانيها كانت تشبهها: هادئة، ناعمة، صادقة. في 'دلوني على العيون السود'، لم تصرخ، لم تتفاخر، بل همست لنا بحنينها. في 'نطرني'، لم تكن تنتظر حبيبًا فقط، بل كانت تنتظر عودة زمن كامل لم يعد. صوتها لم يكن يستعرض قوته، بل كان يربّت على أوجاع المستمع بلطف الأم وصدق العاشقة. في رحاب الرحابنة وزياد عملها مع الأخوين رحباني ثم مع زياد الرحباني في بداياته، يؤكد أنها كانت جزءًا من مرحلة انتقالية في الفن اللبناني: من المسرح الغنائي الكلاسيكي إلى المسرح الواقعي الذكي. زياد لم يمنح الأدوار عبثًا. عندما كتب 'سهرية'، كان يعرف أن جورجيت هي 'ياسمين'، المراهقة الهاربة من واقع مرّ، الباحثة عن وطن صغير اسمه 'الحب'. الغياب الأشد إيلامًا لكن الغياب لم يكن مجرد قرار. مع مرور الزمن، ومع اشتداد العزلة، بدأت جورجيت صايغ تعاني من متاعب صحيّة، حيث فقدت البصر في إحدى عينيها وتعاني من ضعف في الأخرى. لم يعد الضوء يصل إلى عينيها، لكن بقيت ذاكرتها الحيّة تصل إلى قلوب جمهورها. ظهورها الأخير في برنامج 'أحمر بالخط العريض' لم يكن حنينًا بقدر ما كان صرخة وجع، صدى لفنانة ظنّت أن الفن بيت دافئ، قبل أن يتبيّن لها أنه أحيانًا يُغلق أبوابه في وجه الأوفياء. تكريم متأخر.. لكنه مستحق رغم سنوات الغياب الطويلة، عادت جورجيت صايغ لتتصدّر المشهد مجددًا، ليس من باب النوستالجيا فحسب، بل من باب الاعتراف الحقيقي بقيمتها. في حلقة خاصة من برنامج 'ألبوم الأصالة' مع الإعلامي روبير فرنجية، ظهرت جورجيت بكامل حضورها الإنساني والوجداني، فبدت كما عهدها الناس: شفافة، صادقة، حنونة، قوية برغم الألم. وخلال الحلقة، فاجأها وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري بزيارة وتكريم مباشر، حمل في رمزيته الكثير. لم يكن مجرد درع تكريمي، بل كان اعتذارًا صامتًا من الدولة لفنانة كانت يومًا من أعمدة الفن اللبناني النظيف، ثم غابت من دون أن يسأل عنها أحد. ذلك اللقاء أعاد إليها شيئًا من الاعتبار، وأعاد إلينا شيئًا من الإيمان بأن الفن الحقيقي لا يُمحى، وأن المحبة الصافية، ولو تأخرت، تبقى أصدق من كل التصفيق الزائف. جورجيت صايغ، في قلب من عرفها، لا تزال 'ياسمين' المسرح اللبناني. تلك التي غنّت الحبّ بصدق، وابتعدت عنه حين صار زائفًا. هي اليوم لا ترى بعينيها، لكنها ترى بنا. بناسها، بجمهورها، بمن لم ينسَ كيف كانت تشبه الضوء في زمن كانت فيه الأضواء حقيقية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store