logo
#

أحدث الأخبار مع #جينيفرجراوت

هشاشة القيّم وضعف مناعة الإيمان: حين يُختزل الدين في الفرجة وبتحوّل إلى سلعة..
هشاشة القيّم وضعف مناعة الإيمان: حين يُختزل الدين في الفرجة وبتحوّل إلى سلعة..

إيطاليا تلغراف

time٠٩-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • إيطاليا تلغراف

هشاشة القيّم وضعف مناعة الإيمان: حين يُختزل الدين في الفرجة وبتحوّل إلى سلعة..

إيطاليا تلغراف * د. عَبْدُ اللَّهِ شَنْفَار كيف تحوّلت كيمياء الدِّين إلى سلعة في سوق الفرجة، وصارت الأمة تُقايض هزيمتها الحضاريّة بانتصارات وهميّة على منصات التواصل؟ منذ متى صار الإيمان يُقاس بعدد الإعجابات والتفاعلات وتقاسم التفاهات؟ ومنذ متى صرنا نُكبّر ونهلل فرحًا كلما دخل مغنٍّ أو لاعب كرة قدم، أو غير مسلم، إلى الإسلام وكأننا ننتصر في مباراة رمزيّة؟ في زمن تتحكم فيه خوارزميات المنصات، ويُختطف الدِّين إلى سوق الفرجة، باتت الأمة تُقايض شعورها بالهزيمة بحفنة مقاطع فيديو تتصدر 'الترند'، وبصدى تكبيرات إلكترونيّة تهلل وتكبر لانتصارات وهميّة. لكن خلف هذا الضجيج، يكمن جرح عميق: هشاشة القيّم، وضعف مناعة الإيمان، وانخداع جماعي بمنظومة تُعيد إنتاج استسلامنا، ونحن نظن أننا ننتصر..! فكيف صار الدِّين الذي جاء ليُحرر الناس مجرد فرجة تُستهلك في زمن الهيمنة؟ ولماذا نتوهّم القوة كلما دوى صوت مغنٍّ مرتل، بينما تنهار داخلنا مقومات الفعل الحضاري الحقيقي؟ * من الدين كرسالة إلى الدين كفرجة: صناعة التّديّن الاستعراضي: في زمن العولمة الثقافية ومنظومات الإخضاع الرمزي، لم يعد الدِّين مشروعًا للتحرير وبناء الذات، بل صار مادة للاستهلاك الفُرجي، يُعاد إنتاجها داخل سوق عالمي، حيث يُختزل الإسلام في مقطع مرئي، ويُختبر الإيمان بمدى تفاعل المنصات مع مشهد عابر. حين شاهد الناس المغنيّة الأمريكية (جينيفر جراوت) ترتل آية الكرسي، امتلأت الفضاءات الافتراضيّة بنداءات النصر والتهليل والتكبير، وكأن الإسلام، الذي تهاوت فيه المجتمعات حضاريًا، يُستعاد فجأة في مشهد ترتيلي يصنعه الآخر وتُوزعه خوارزميات المنصات. هكذا، صار المسلم يقيس نصرة دينه بحجم الضجة الإلكترونيّة، لا بحجم المشروع الحضاري الذي يُبنى بعرق المفكرين، ونضال المربين، وعمل المصلحين. * هشاشة القيم: حين يُهزم الوعي الجمعي أمام آلة الهيمنة: ما نشهده ليس انبهارًا عابرًا، بل نتيجة مسار طويل من تفريغ الدِّين من مضمونه التحريري، وتحويله إلى سلعة ثقافية، تُسوّق ضمن اقتصاد الانتباه العالمي. لقد تسللت منظومة الهيمنة إلى عمق المجال الديني، فحوّلت الإسلام من دين يُحرر الشعوب إلى مشهد يُستهلك. وحين يُسلم شخص غربي، تتحول الحادثة إلى منتج فيروسي، يُستثمر في مشاعر استعلاء زائف، يُخدّر الإحساس بالهزيمة الحضاريّة العميقة. وهكذا يُعاد إنتاج تديّن شعبي، فارغ من جوهره، أسير الرموز والمشاهد البصريّة، لا يُنتج قوة اجتماعيّة ولا مشروعًا تحرريًا. * الاستعلاء الزائف: آلية دفاعية تُخفي شعور الهزيمة: الأخطر في هذه الظواهر ليس سطحيّتها، بل كونها تكشف مستوى هشاشة القيم وضعف المناعة الفكريّة داخل مجتمعاتنا. لقد نجحت منظومة الهيمنة، بأدوات الإعلام والثقافة والتكنولوجيا، في زرع نمط من التّديّن لا يُنتج الفعل، بل يُستثمر في ترسيخ الاستسلام للفرجة والانبهار اللحظي. من يُكبر ويُهلل اليوم لإسلام فلان أو علان، أو زبد أو عبيد، هو نفسه الذي يتغافل عن الأزمات البنيويّة التي تعصف بأمته: من فساد، وتبعيّة النخب، إلى تآكل التربية والتعليم والصحة والبنيات الاجتماعية والاقتصادية والتحتية والأفقيّة، وانحطاط الخطاب الدِّيني إلى أداة تهييج وتحريض، لا بناء. حين يتحول نص «كنتم خير أمة» إلى شعار للتفاخر، بدل أن يكون دعوة لتحمل مسئولية الشهادة، يكشف ذلك عن آلية نفسية دفاعيّة تُعوض شعورًا دفينًا بالهزيمة والنقص. الاستعلاء الزائف على الآخر، وتفسير الأوبئة كعقاب للأمم، ليس إلا تعبيرًا عن فقدان الثقة بالذات. لقد جرى تعويض الفعل الحضاري الجاد بعداء مجاني للآخر، يخدم في النهاية من يُعيد إنتاج شعوب غارقة في الانفعال الغريزي، بعيدة عن الفعل العقلاني. * مناعة الإيمان بين الاستهلاك الرمزي وبناء الذات: إن الإسلام، حين يُختزل في صور ومشاهد تُسوّق، يتحول إلى رأسمال رمزي هش، لا يصمد أمام رياح العولمة التي تعيد تشكيل العقول. المناعة الإيمانية لا تُبنى من مقاطع ترتيلية ولا لحظات دهشة، بل من مشروع تربوي متكامل، يُعيد الاعتبار للعقل، ويُجدد الصلة بالقيّم، ويشحذ الروح بطاقة التحرر والفعل. أما ربط قوة الإيمان بمصير مغنية أو لاعب، فذلك يُسقط الأمة في وهم التسويق، حيث يتحول الدِّين إلى ملصق دعائي، لا إلى قوة محركة للتاريخ. * الهيمنة الثقافية كراسم لحدود التّديُّن: هذه الظواهر لا تُفهم إلا في سياق منظومة الهيمنة الثقافيّة، التي تُعيد رسم حدود التّديُّن الشعبي بمنطق الاستهلاك لا بمنطق البناء. المنصات التي تُسوق هذه المقاطع وتُضخمها، ليست بريئة؛ إنها تشتغل بمنطق رأسمالي، يرى في الدّين مادة مربحة، شرط أن تُفرغ من طاقتها التحرريّة. لذلك، يُعاد إنتاج الإسلام الاستعراضي بدل الإسلام المقاوم، ويُستثمر في تفاهة التّديُّن بدل الغوص في عمق مقاصده التحريريّة. * أي إسلام نريد في زمن الهيمنة؟ نحن أمام مفترق طرق: إما أن نواصل استهلاك مشاهد التّديُّن كفرجة، ونعيش أوهام الانتصارات الرمزيّة، وإما أن نستعيد الإسلام كمشروع لبناء الذات والمجتمع. نريد إسلامًا يستعيد رسالته الحضاريّة، ويُنتج قدوة جديدة: قدوة الفعل الخيّر، والفكر العميق، والجمال الذي يُغير الحياة، لا الذي يُبهر اللحظة. نريد أن نُنقّب عن المفكرين والعلماء الذين رفضوا لعبة التسويق الدِّيني، وأصروا على بناء خطاب تحريري، يُعيد للمسلم كرامته كفاعل في التاريخ لا كمتفرج على مشاهد مبرمجة بعناية. فهل سنبقى أسرى لمنظومة التّسْطيح التي تستثمر في هشاشتنا؟ إلى متى سندفع ثمن ضعف مناعتنا، في زمن تشتد فيه معارك السيطرة على العقول؟ وهل نملك الشجاعة والجرأة لنُعيد تعريف الدِّين، لا كسلعة، بل كمشروع تحرر شامل، يُحطم قيود الهيمنة ويُعيد ترتيب القيّم لصالح الإنسان لا السوق؟ إيطاليا تلغراف

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store