أحدث الأخبار مع #حربنهايةالعالم

المدن
١٨-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- المدن
يوسا وتوطين السحر في العالم
في الكتاب الذي وضعاه عن الثقافة الشعبية في أميركا اللاتينية وهو بعنوان "الذاكرة والحداثة" يشير المؤلفان، ويليام رو وفيفيان شلنج، إلى أن جلّ كتّاب أميركا اللاتينية استوطنوا النص الروائي وشقوا درب هذا النص إلى العالمية عبر ثقافتهم الشعبية وما تحفل به هذا الثقافة من سحَرة وأرواح وجن وشياطين ونفّاثات لاتينية في العُقد، فضلاً عن استنطاق الشتاء للأرض وحكي الشجر مع السماء. قد لا تلبي هذه الثقافة الشعبية حاجة الناس للإنخراط في العالم الحديث، إنما على مستوى الأدب، ترى سحرة هذه البلاد وقد عادوا ليقتحموا العالم من خلال جملة من الأسماء، ومن بينهم بشكل خاص ماريو بارغاس يوسا. فإذا كانت أثينا قد وُلدت من رأس زيوس، فإن أميركا اللاتينية وُلدت عبر أدب يقوم على همهمات الخفاء وترامي العتمات وهسهسة الشياطين وتلصص تلك الآلهة المحلية المعفرة بالتراب وبالغَيم على حد سواء. في "رثائه لكل الموتى" قال خورخي لويس بورخيس، "لقد تقاسمنا كاللصوص الكنز المدهش من الليالي والأيام". إنها ليالي وأيام تلك الثقافة الشعبية التي جعلت للأدب اللاتيني في العالم وقاراً فاق حتى توقعات أولئك الذين كتبوه. في حكيه عن بورخيس، يقول فارغاس يوسا إن بورخيس هو أحد أبرز فناني عصرنا، متبنياً إلى حدّ كبير المقولة الشهيرة لهذا الكاتب الأرجنتيني ومفادها أننا عبر الأدب نعمل على فلش أقدارنا. في هذا السياق، ليس القدر، حسب يوسا الذي فارق عالمنا قبل أيام، هو تلك الواقعة الشريرة أو ذلك المصير الموحش الذي علينا مماشاته إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، كلا. فالقدر كما بيّن يوسا في "الكاتب وواقعه" هو دعوة لتحرير الحدث من مآلاته الفاجرة وذلك يكون عبر الكلمات، عبر تراكم النصوص، أي عبر الأدب بعامة، حيث تلك الحرية المطلقة في عبور الحقب والأزمنة، وفي تفكيك الصلابة التاريخية لقداسة الأمكنة وإعادة النظر في الأسماء والوجوه وإسكانها في نص ناطق... ولنا في "حرب نهاية العالم" شاهد ضخم على هذه الإستراتيجية في معاينة العالم وإعادة كتابته بكلمات تستمدّ وهجها من تعاويذ السحرة وتخاطف نظراتهم. بالنسبة إلى صاحب "حفلة التيس"، فإن فعل الكتابة ليس واقعة محض ذهنية، ففعل الكتابة هو في العمق استدعاء حر للغرائز وللحواس ولطيّات التاريخ المنسي، وصولاً إلى قوله أن الإنكباب على كتابة الأدب هو دعوة لعرض الكاتب لشياطينه وخوفه ومقته وحنينه، وصولاً إلى استياءاته وذنوبه وشوقه إلى كائنات وعرة لطالما تلبّستْ أسلافه ولا تني تطلّ برأسها. وربما هذا ما حدا بيوسا إلى القول أن كتابة الرواية هي بمثابة ضرب من الجنون، وبهذا الصدد ليس الجنون بالأمر المعيب ومن الواجب التبرؤ منه. فأولئك السحرة وتلك النفاثات في العُقد تمدّ الكلمات بوهج مكنوزها وتجعل مآرب الجنون عالية. في "دفاتر دون ريغوبيرتو" يستهجن يوسا تلك الرعاعية التي رتبت العالم الحديث القائم على محض المعادلات العقلية، ونراه في هذا العمل يقول إن الإمساك بالحدّ الأدنى من الحقيقة يستوجب التخلّي عن هذه الرؤية الرعاعية للعالم، وهو تخلٍّ أكثر ما تُستوفى شروطه عبر الجنون، عبر الإنقلاب على كل ما هو مستقرّ في هذا العالم الباهت. فبالنسبة إلى هذا الكاتب المترحّل إن "الحقائق الموضوعية مجرد نقاط للإنطلاق" (الكاتب وواقعه)، وكل فعل انطلاق هو في هذا السياق رمية في المجهول البعيد الغور والمترامي الأطراف، وربما من هذا المنطلق أسّس يوسا لوجهة نظر في الكتابة الأدبية تقوم على لا تناهي الترحال حيث اللاوصول هو المبتغى والبوصلة. قد تتكثّف سُحب الماضي، وقد ينزوي الحاضر في أفق معتم. أما المستقبل، فقد يجهد بتحضير النعوات. إلا أن مقاربة الحياة عبر عيون النص الإفعواني يسهّل الإنقضاض على كلّ جحود العالم وترهلاته المزمنة. إن بعثرة ما قد شبنا عليه هو اللعبة التي يجب أن يجيدها فعل الكتابة، ولعل المقطع الأخير من "رسائل إلى روائي شاب" يجسّد حقيقة هذه البعثرة، حيث يوجّه يوسا العجوز إلى ذلك الشاب الغريب، دعوة لتمزيق كل الرسائل السابقة عن كيفية كتابة الرواية وترك الحرية لمحض الخيال في ملاعبة الكلمات. فتجربة القَصّ بالنسبة إلى يوسا هي على الدوم تجربة فردية تجد مفرداتها في التجربة الشخصية للكاتب... في فظاظته، في بكائه السرّي، في لا مبالاته، وبشكل خاص في تلك المتعة المتأتية عن تداخل الواقعي بالخيال ونسف تلك المسافة التي افتعلها التاريخ بين الكلمة واشتهاءاتها. فبالنسبة إلى هذا الكاتب البيروفي، كل كاتب في العالم هو حالة خاصة، حالة منفصلة، وكل عامل مشترك في تأسيس نصوص الكتّاب هو مجرد وهم شاحب. ذلك أن مفاعيل شيطان كل منا، إزاء هذا الحدث أو ذاك، تختلف عن بعضها البعض، إلى حدود لا يمكن رسم معالمها. والأدب في هذا السياق – وهو أمر شديد الحساسية عند يوسا – يبرر وجود اللغة في العالم، يبرر وجود الكلمات. فنحن في العمق ألسنة شياطيننا وأربابنا، ونحن أيضاً تلك النظرات الغائمة التي يتخاطفها أسلافنا، وليس الأدب بنهاية المطاف إلا محاولة استنطاق العالم عبر هؤلاء... ليس الأدب إلا محاولة إسكان هؤلاء في عالمنا الحديث الخالي إلا من مَلل الإنضباط والإنتماءات الصلبة ودياجير ساعات العمل الطويلة. وفي عالم يجهد لتقزيم المشاعر وتجفيفها، يدعو يوسا إلى الكتابة "بملح الدموع" كما جاء في واحد من عناوين "امتداح الخالة". وفي حضرة الأغبياء الذين يديرون شؤون هذا العالم، علينا ككتّاب – كما يرى يوسا – أن نكون خونة (وهو تصرّف مفتعل من قِبَلي لعبارة رائعة وردت في "حفلة التيس")...فـ"الأغبياء أشدّ ضرراً من الخونة" كما جاء في هذا العمل الرائع حيث بيّن يوسا بشكل لم يسبق له مثيل كيف أن السياسة عبر هؤلاء الأغبياء ليست إلا "شقّ الدروب بين الجثث". في مقابلة مع الناقد الأميركي هارولد بلوم، ردّ بلوم على أحد الأسئلة بما يلي: "نحن نقرأ كثيراً من الكتب لأننا لا نستطيع أن نعرف ما يكفي من البشر" (هارولد بلوم: كيف نقرأ ولماذا). لعلّ هذه العبارة تليق أكثر ما تليق بكتب ماريو بارغاس يوسا، الذي شهد مسخ الإنسان إلى محض فجيعة. فـ"حفلة التيس" ليست حفلة تيس بعينه إنما كل "تيوس" العالم، و"حرب نهاية العالم" ليست مجرد حرب عالمية، لكنها في العمق حرب كل إنسان في هذا العالم بغية "أن يُدفن على نحو لائق"، كما جاء في الرواية، والأمر ينطبق على جلّ عناوين يوسا. عندما سئل هذا الروائي لماذا يكتب، وكان ذلك في تسعينيات القرن المنصرم، رد بالقول: "أنا أكتب لأني حزين. أكتب لأن الكتابة طريقتي المفضلة في محاربة التعاسة". لعلّ الكتابة بهذا المنحى هي محاولة لاقتفاء أثر عالم آخر أو تحسّس طريق آخر. فيوسا، شأن معظم الكتّاب اللاتينيين، ما انفكّ في أعماقه يؤثر أولئك السحرة الذين قد غادروا العالم وقد نجح هذا العالم في القضاء إلا على وجهه القبيح. ينهي يوسا خطاب نيله جائزة نوبل في العام 2010 بالقول: "من الكهف إلى ناطحات السحاب، من الهراوة إلى أسلحة التدمير الشامل، من حياة القبيلة إلى عصر العولمة، ضاعف متخيل الأدب التجارب الإنسانية مانعاً بذلك أن يسقط الرجال والنساء تحت وطأة الخمول... إن الأكاذيب في الأدب تصبح حقائق من خلالنا وقرّاء الأدب يصابون بعدوى التطلعات ليعيدوا طرح الأسئلة على تفاهة الواقع. عبر هذا السحر الذي يهدهد خيالنا... نملك ما لا نملكه ونقتنع بأننا أصبحنا ما لسنا نحن عليه... عبر هذا كله، يُدخل الأدب في أرواحنا التمرد واللاإمتثالية وهما الأمران اللذان يقفان خلف كل الجرأة التي ساهمت في تقليل العنف في العلاقات البشرية... علينا أن نستمر في القراءة والكتابة، فهذا ما يشكّل الطريقة الأكثر فعالية التي أوجدناها لكي نعزي شرطنا الفاني. لننتصر على استهلاك الزمن ولنحيل المستحيل ممكناً"(جريدة السفير العدد 11788 تاريخ 14 كانون الثاني 2011، ترجمة إسكندر حبش). كعربي، لست أدري إذا ما كان بمستطاعي مجاراة يوسا في تفاؤله حيال علاقة الأدب بالعالم. ففي الأسبانية ثمة جذر مشترك بين كلمة "انتظار"espersa، وكلمة "أمل"esperanza. أما بالعربية، فإن الإنتظار هو سيّد الموقف، وقد صُفّدت كل شياطين الكتابة وتمّ لعن تلك النساء الرائعات، أعني النفّاثات في العُقد.


Independent عربية
١٦-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- Independent عربية
بارغاس يوسا تخطى "الواقعية السحرية" وفتح آفاقا روائية جديدة
ليس من السهل الإحاطة بروايات ماريو بارغاس يوسا وقصصه ومسرحياته ونصوصه النقدية ومقالاته الكثيرة، فهو ترك إرثاً كبيراً يتراوح بين مدارس وهويات، سواء في الفن الروائي والقصصي أم في الكتابة المتعددة الأفاق والقضايا والهموم. ينتمي يوسا إلى مدرسة الرواية الأميركية اللاتينية المعاصرة وإلى التراث الروائي الغربي في الحين عينه، وهذا الانتماء المزدوج هو الذي منح عالمه الروائي خصائص لم يعرفها رفاقه الروائيون الأميركيون اللاتينيون. ولعل هذا الانتماء أبعده عن إشراك "الواقعية السحرية" التي رسخها هؤلاء الروائيون وفي مقدمهم غابريل غارسيا ماركيز. ولكن لا يمكن إسقاط أثر هذه المدرسة على يوسا، على رغم بحثه عن أفق روائي فريد، يتجاور فيه التاريخ والمخيلة والالتزام والمفهوم الواقعي الجديد. الصديقان اللدودان ماركيز ويوسا (وكالة البيرو الصحافية) وانطلاقاً من روايته "المدينة والكلاب" التي صدرت في 1963 وكان في السابعة والعشرين من عمره، تمكن يوسا من إضفاء طابع مختلف على الرواية الأميركية- اللاتينية متأثراً بالأدب الفرنسي، العبثي والوجودي في فرنسا، وقد رسخه جان بول سارتر وألبير كامو. ثم تتالت أعماله الأخرى مثل "البيت الأخضر" و "محادثة في الكاتدرائية" و "حرب نهاية العالم" و "حفلة التيس" و "الفردوس أبعد قليلاً" وسواها. وروايته "حفلة التيس" أثارت سجالاً في معظم عواصم أميركا اللاتينية تبعاً لتطرقه فيها إلى شخصية ديكتاتور جمهورية الدومينيك تروخييو. وعلى رغم صداقته مع جان بول سارتر، خصوصاً إبان إقامته في باريس، اختلف مع صاحب "الغثيان" وانقطعت علاقتهما. ورد على سارتر مرة بقسوة، عندما دعا رائد "الوجودية" كتّاب أميركا اللاتينية إلى رمي أقلامهم والنزول إلى حياة الناس الفقراء والمعدمين والنضال ضد الأنظمة الظالمة. ماريو بارغاس يوسا أحد أكثر الروائيين "جاهزية" في جيله وأحد الرواد الطليعيين في الأدب اللاتيني الأميركي. وغدا خير ممثل لروح "الطفرة" في أميركا اللاتينية، وأسهم في التعريف بها وترسيخها مع الجيل الجديد الذي ينتمي إليه. ويتفرد إبداعه السردي بالطابع التجريبي والتقني، وهو ما يُعد فيه "أستاذاً" سلك مسلك الخلاق الذي ابتكر إمكانات سردية وأسلوبية غير معهودة. أفق التنوع عالم يوسا الأدبي متنوع الأجواء ومتناقض أحياناً. لكن تناقضه دليل على ثرائه. عالم تندمج فيه السياسة بالتاريخ، والتقاليد الشعبية بالموقف الثقافي، والإباحية بالفطرة والالتزام بالحرية، والسخرية بالمأساة. ورواياته الكثيرة تختلف في مناخاتها وشخصياتها وإن التقت حول محور واحد هو البيرو. ولعل الرواية الوحيدة التي تخرج عن إطار البيرو هي رواية "حرب نهاية العالم" التي تستوحي ثورة روحية ودموية قادها مزارعو البرازيل في القرن التاسع عشر. يوسا في بغداد خلال الاجتياح الاميركي (أ ف ب) روايات بارغاس يوسا عابقة بالثورات والجرائم والمناظر الأليمة تلك التي نقرأ عنها أو نشاهدها في تاريخ أميركا اللاتينية. رواية "من قتل بالمينو موليرو؟" تبدأ بجريمة شنيعة وتأخذ مواصفات التحقيق. أما رواية "حكاية مايثا" فتستوحي جو الكفاح المسلح لليسار وتحاول أن تكسر أسطورة الماركسية وأوهامها. ويصف الراوي مدينة ليما الرازحة تحت العنف قائلاً: "كي تعيش في ليما عليك أن تعتاد البؤس والقذارة، أو أن تصبح مجنوناً أو أن تنتحر". وفي رواية "المدينة والكلاب" ينتقد يوسا الديكتاتورية العسكرية ويسخر منها. والرواية مستوحاة من سيرته الذاتية ويقول عنها: "في هذه الرواية وصفت من دون تحفظ وبطريقة خاصة فظاظة المعهد الحربي الذي أجبرتني عائلتي على الدراسة فيه. وقد أحدث هذا الكتاب غضباً كبيراً في صفوف العسكر وأُحرقت ألف نسخة منه في احتفال رسمي". في روايات بارغاس يوسا يحضر الراوي ويبرز حضوره على مستوى البنية العامة للرواية وعلى مستوى السرد. وليس غريباً أن يسمي إحدى رواياته "الرجل الذي يتكلم"، فالراوي ينتحل حيناً صفة الكاتب ويختلف عنه أحياناً. يوضح يوسا معنى حضور الراوي لديه وعلاقته بالسرد قائلاً: "لقد اكتشفت شيئاً فشيئاً أن الأدب ليس إلا مقاطعة في ولاية السرد الواسعة، ذلك السرد الذي يتبدّى في طرق عديدة، فالسرد أو القص هو أكثر قدماً من الأدب. وما هو السرد؟ إنه الحاجة إلى الكذب، إلى إضفاء بُعد مزيف على حقيقة الحياة، بُعد ندخله عبر الفانتازيا والفطرية كي نحقق رغباتنا، ويبدو من الصعب أحياناً أن نُفهم الآخرين ذلك لأنهم يوقنون أن أفضل تبرير للأدب هو التعبير عن الحقيقة، لكن الأدب يعبر عن حقيقة هي الكذب، ما نحتاج إليه كي نحيا... لا يبقى إلا الأكاذيب الأدبية التي تعبّر عن حقائق المجتمع: ما ليس يكونه هذا المجتمع بل ما يطمح أن يكونه، ما يقرر أن يكونه لأنه لم يكنه". الحلم والوحل البشري عضو في الأكاديمية الفرنسية (موقع الأكاديمية) يوسا هو في الوقت نفسه الروائي الحالم والممرغ في "الوحل البشري" كما يعبّر، والرجل السياسي المناضل، الهادئ حيناً والمتطرف حيناً، يكره السلطة "كمنبع للعنف والظلم" ويؤثر الكتابة بصفتها حلاً نهائياً. لكنه قادر أن يضحي بالأدب لفترة، في سبيل السياسة ولو كانت "التضحية كبيرة". فالعمل السياسي في نظره عابر بينما الكتابة فعل ثابت وخيار نهائي لا محاد عنه. لم يجتمع الأدب والسياسة في نتاج كاتب كما اجتمعا في نتاج يوسا ولم يجتمعا كذلك في سيرة كاتب كما اجتمعا في سيرته. فالأدب هو الصورة المثالية للواقع السياسي والسياسة هي الصورة الواقعية للمثال الأدبي، وقد اندمجت سيرة يوسا في نتاجه اندماجاً عميقاً وغدت حياته الخاصة والعامة المنبع الأول والأخير لعالمه الروائي وتجربته الأدبية. وعلى رغم تأكيده أن "من الصعب القيام بعمل سياسي وآخر أدبي في وقت واحد"، فهو لم يهجر الأدب ولا السياسة ولم يجرؤ على حسم موقفه، بل تطرّف في الأدب إلى حد كتابة نص فاضح وكأنه كاتب هامشي جداً، وغالى في مواقفه السياسية إلى حد الانتقال من أقصى اليسار إلى أدنى اليمين. وقد أخذ عليه الكثيرون إنكاره ماضيه وتخليه عن تجربته الماركسية وانجرافه في التيار اليميني المعتدل. لكنه يردّ في أحد حواراته على الاتهامات الموجّهة إليه قائلاً: "لم أخفِ يوماً أنني كنت شيوعياً بل أظهرت ذلك في كتاب لي يروي سيرتي الثقافية والسياسية، يحمل عنوان "في وجه الرياح والمد والجزر" وهو مجموعة نصوص ترجع إلى أيام الصبا وتشهد على أفكاري الشيوعي آنذاك. وأقول من دون مواربة: إن دعمي للمعركة المسلحة كان من أكثر أخطائي جسامة. وأنني نادم كثيراً على هذا الخطأ الآن بعد أن أصبحت مقتنعاً بالطابع المرعب للعنف. غير أنني حين كنت فتياً كانت الثورة الكوبية تبدو لنا ثورة تحررية لا دوغماتية ولا توتاليتارية. من هنا نشأت أوهامنا الرائعة. لكننا اليوم بتنا ندرك أن شيئاً لم يكن وأن شيئاً لم يبق. ولا يحق لأحد أن يجهل اليوم أن الأفكار المثالية الماركسية- اللينينية أدت إلى موجات من العنف الشنيع والمنكر". أما النموذج الذي يجسد بحسب رأيه صورة العنف الطالع من النظرية الماركسية فهو حركة "الطريق المضيء" التي كانت تضم عدداً من المثقفين "الماويين الجدد". ومؤسس هذه الحركة الإرهابية المتمردة التي كانت تهدد البيرو وعاصمته ليما، هو أستاذ للفلسفة وصاحب أطروحة جامعية حول "أوضاع الحق لدى هيغل". ويعترف يوسا أن هذه الحركة هي نتيجة محتومة للتشريع الثقافي الأسطوري. وقد ولدتها الثورة الكوبية: سرقة الأثرياء وإعطاء الفقراء، النضال ضد الإمبريالية... لكن العنف الذي بات شرعياً قد تدرّج شيئاً فشيئاً وتحول إلى بحث أيديولوجي عن الصفاء الخالص الذي انتهى في جنون "الطريق المضيء"، في جرائم هذه الحركة وفي مجازرها العمياء. الفائز بجائزة نوبل (موقع الجائزة) كان على بارغاس يوسا أن ينطلق من المعارضة الشعبية الأصلية التي احتدمت وسط الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي رزح البيرو تحتها، وقاد حملة كبيرة تحت شعار "من أجل الحرية" وشارك في إحياء تظاهرة شعبية ضخمة في ليما جمعت مئة ألف مواطن في 21 أغسطس (آب) 1987. وأسس حركة "ليبرتاد" التي انطلقت من مبادئ الإصلاح والديمقراطية، مواجهاً حالة الفساد التي كانت تتآكل البيرو والانهيار الاقتصادي المريع والفوضى العارمة. بين اليسار واليمين لم يكن يوسا يمينياً في المعنى التقليدي ولا كان يسارياً متطرفاً بل يمكن وصف موقعه باليمين المتطور القادر على استيعاب مبدأي العدالة والديمقراطية. ويقول في هذا الصدد: "حين نفصل الحرية عن العدالة ندمر الحرية من دون أن نضمن العدالة. الحرية هي التي تؤلف العدالة وتضمنها". لكنه لم يتوان عن إعلان رفضه الحكم الديكتاتوري ومعاداته للأنظمة التوتاليتارية. وقد نشب نوع من العداء بينه وبين غابريال غارسيا ماركيز من جراء الاختلاف السياسي، إذ وجد في ماركيز صورة للمثقف "المفتون بالسلطة المطلقة". ويقول عنه: "إذا كنت معجباً دوماً بأدبه فإنني لا أؤمن بأي كلمة يقولها في السياسة. وفعلاً إن ما يقوله في السياسة يقوله باللامسؤولية نفسها التي يكتب بها رواياته. لكن النتيجة تؤكد أنه عبقري في الروايات وغير شريف في السياسة". غير أن تجربة يوسا السياسية هي أولاً وأخيراً تجربة حية كتجربته الأدبية تماماً. فقد عانى الكاتب عن كثب مأساة العنف الناجم عن حتمية النظرية التوتاليتارية والحكم الديكتاتوري. وإذا كان قد واجه المد الماركسي وناضل ضده، فهو أيضاً واجه السلطة العسكرية وناضل ضدها أيضاً. فتجربته السياسية لا تنفصل عن البعد الإنساني والعمق الوجداني، وهي طالعة من واقع البيرو ومعاناة شعبه وتناقضاته وتعدديته. فالبيرو حاضر دوماً في رواياته وفي كتاباته السياسية وسيرته الشخصية، البيرو بصفته واقعاً وحلماً أيضاً، وكتاريخ مأسوي وأسطورة بعيدة. حول علاقته بالبيرو موطنه يقول يوسا: "لم تكن لدي علاقة هادئة أبداً مع البيرو. لقد شعرت في الحقيقة بكثير من السخط تجاه بلادي، وفي الوقت نفسه لا أقدر أن أكتب عن سواها، إنني أحمل بلادي فيّ. حين غادرت عام 1958 كنت قد فكّرت بعدم الرجوع. كنت مسحوراً بأوروبا وفرنسا خصوصاً. ولكن هناك أدركت كم أن بلادي مهمة وكيف أن قدرها كان مرتبطاً بدعوتي الأدبية. لم يكن ممكناً تمييز مغزى تجربة البيرو الصلبة. رجعت إلى البيرو، وحين أغيب عنه الآن لا أتوانى عن التفكير به بحنين أكيد، حتى ولو كان بلداً بائساً جداً وعنيفاً من جراء المواجهات بين الأعراق والثقافات والمقاطعات". كان يوسا شاهداً حقيقياً على واقع البيرو الأليم وعلى حاضره الذي يجتاحه العنف والعصبية. فالبيرو بلد مفكك تتقاسمه جماعات مختلفة أبرزها جماعات ثلاث: جماعة المحيط الهادئ (الكوستا)، جماعة جبال الآند (سييرا) وجماعة الأمازون (السيلفا)، غير أن حالة التمزق هذه تؤلف نوعاً من الفسيفساء الحضارية والثقافية التي تدل بوضوح على ثراء البيرو المحتمل وعلى مأساته المتجلية عبر التناقض والعنف. وقد أفاد فارغاس يوسا من هذا الواقع المتناقض وحاول أن يجد له معادلاً روائياً في نتاجه فاضحاً بعض الحقائق والمآسي ومعبّراً عن عمق المعاناة التي يكابدها البيرو وشعبه. الكاتب والمناضل كان ماريو بارغاس يوسا كاتباً ومناضلاً مثقفاً، هامشياً ورصيناً في الوقت نفسه، يحمل شهادة الدكتوراه لكنه يرفض العيش في برج عالٍ منفصلاً عن الشارع: "إذا كان الأدب هو غوايتي الأساسية، فإنني أرفض فكرة الكاتب المنغلق كلياً داخل نتاجه. إنني أحتاج على الأقل أن تكون لي قدم في الشارع وأن أكون على اتصال مباشر مع "الوحل البشري"، الذي لم يكن يعجب بورخيس". وهو مبدأ الالتزام الذي طالما دعا إليه بارغاس يوسا، لكنه الالتزام الإنساني العميق لا الدوغماتي الضيق والموجّه. وقد قرأ ألبير كامو وجان بول سارتر وتأثر بهما وكتب عنهما مقالات طويلة، وكتب عن ماركيز صديقه اللدود وناقش الكاتب الألماني غونتر غراس. غير أنه ما لبث أن اختلف مع سارتر حول جدوى الكتابة في العالم الثالث. ويقول في هذا الصدد: "من الصعب جداً ألا يكون كاتب أميركي لاتيني طوال الوقت، حتى في لا وعيه، منصرفاً إلى التساؤل إن كان للكتابة من معنى في مجتمعات تماثل مجتمعاتنا، جوابي هو نعم من دون تردد. أذكر أن صدمة قوية حلت عليّ حين أعلن جان بول سارتر الذي كان له عليّ أثر كبير، عام 1964 أن كتابه "الغثيان" لا يعني شيئاً أمام طفل يموت جوعاً، وخصوصاً حين أضاف: أن أدباء العالم الثالث ينبغي عليهم حالياً أن يهجروا الكتابة لينصرفوا إلى مهن تربوية أو سياسية. لقد كان كلام سارتر مأسوياً وسرعان ما تلاشى انبهاري به. شعرت أن ذلك الموقف هو بمثابة الخيانة القصوى التي واجهني بها شخص علمني أن "الكلمات هي أفعال"، وأننا عبر الأدب نستطيع أن نؤثر في التاريخ إلى درجة تحويله، لكن الشخص نفسه أعلن أنه لا يحق لي أن أكتب ما دامت بلادي في طور النمو. ذلك لم يجعلني أخيب من الأدب بل من سارتر". عندما فاز يوسا بجائزة نوبل للآداب عام 2010 بدت هذه الجائزة وكأنها وصلت إليه متأخرة، لكنها وصلت وأدرجت اسمه على لائحة الأدباء "الخالدين "التي كان سبقه إليها صديقه "اللدود "غابريل غارسيا ماركيز. إلا أن يوسا فاز بها في الرابعة والسبعين، وقد وصفته الأكاديمية السوريدية بـ "الأديب الملتزم" الذي "رسم خريطة السلطة" و "صمود الفرد وتمرده وفشله". كان لا بد لجائزة نوبل من أن تتوج مسيرة بارغاس يوسا الروائية والسياسية أو النضالية بالأحرى. فهذا الكاتب جعل من الفن الروائي مرآة للواقع المأسوي الذي عاشته الجماعات كما الأفراد، في عالم لا يخلو من الغرابة هو عالم أميركا اللاتينية الضاربة جذورها في عمق التاريخ والأسطورة في آن واحد. ولم يكن انضمام يوسا المبكر إلى الحزب الشيوعي وانخراطه في صفوف اليسار إلا ترسيخاً للمواقف المثالية والأفكار العالية التي كانت تساوره، لكنه عندما اصطدم بجدار الستالينية سرعان ما انسحب، ملتزماً الفكر اليساري الليبرالي. ولئن أعجب يوسا كثيراً بالثورة الكوبية وشخصية كاسترو في مطلع حياته الأدبية والنضالية، فهو ما لبث أن شعر بالخيبة إزاء الأعمال الشنيعة التي نجمت عن الثورة بعد تحولها إلى مؤسسة وأيديولوجيا. وانطلاقاً من هذا الإخفاق الثوري راح يوسا يشتق لنفسه سبيلاً، جامعاً بين الالتزام بمفهومه السارتري والحرية والعدالة. وقد التقت هذه العناصر في صميم عالمه الروائي، المرتكز إلى الواقعية والمنفتح على المخيلة والفانتازيا. ولعله في هذا المسلك لم يكن غريباً عن تيار "الواقعية السحرية" الذي هيمن على الرواية الأميركية اللاتينية، لكنه استطاع في الوقت نفسه أن يبني عالمه القائم على التخوم، تخوم الواقع والتاريخ، تخوم الالتزام والفانتازيا والتخييل. وقد ساعدته ثقافته الواسعة وقراءاته الشاملة على بلورة تجربته ومدها بالنسغ الفكري أو الفلسفي، وبالعمق الوجداني أو الحدسي. فهو قرأ بنهم فلوبير وجوزف كونراد وفرجينيا وولف وهنري ميللر وتوماس مان وأندريه مالرو وسواهم. ولم يكن من المستغرب أن تصنف أعماله ضمن "المدرسة الكلاسيكية المعاصرة"، فهو طمح فعلاً إلى كتابة رواية شاملة تنصهر فيها الأنواع والتيارات والمواقف والرؤى. وعندما نشر يوسا روايته الأولى "المدينة والكلاب" في السادسة والعشرين من عمره استطاع أن يلفت النقاد والقراء، وقد لاحت في هذه الرواية معالم مشروعه الروائي الهادف إلى استعادة صورة وطنه البيرو في تناقضاته الكثيرة، اجتماعياً وسياسياً. ثم توالت أعماله البديعة التي كان ينتظرها القراء في البيرو وفي أميركا اللاتينية، وقد بلغت حتى الآن نحو عشرين رواية، علاوة على الكتب الأخرى. واللافت أن يوسا لا يعتمد نموذجاً روائياً واحداً ولا مقاربة روائية واحدة، بل أن أجواءه متنوعة ومتعددة، وتتراوح بين السرد الذاتي والتأريخ والمذكرات والفانتازيا والهجاء والحفر في الذاكرة الجماعية المجبولة بالأساطير والحقائق. وبدا متأثراً بمدرستين روائيتين، أولاً مدرسة الروائي الفرنسي فلوبير، الذي جسد نموذجاً للأدب بوصفه مهنة، واستخدام الواقع بوصفه منبعاً عميقاً، يتم فيه العثور على قضايا وموضوعات أساسية (رداءة الإنسان، والعنف والجنس)، وجسد أيضاً نموذجاً للروائي الذي يركز على البنية السردية الصارمة والراوي غير المتأثر بالحقائق المروية... وثانياً مدرسة فوكنر، سواء من حيث الموضوعات والإعدادات، والمميزات الشكلية، وخصوصاً تعدد المنظورات، والقفزات الزمنية، واستخدام رواة متعددين بدلاً من الراوي الواحد الكلي العلم، وحجب المعلومات، واستخدام القصص الموازية... يوسا ورواية الديكتاتور كان يوسا واحداً من الروائيين الكبار الذين كتبوا رواية "الديكتاتورية" في أميركا اللاتينية واستوحوا شخصية "الديكتاتور"، ولعل روايته "وليمة التيس" من أجمل الأعمال في هذا الميدان. ففي هذه الرواية يسترجع يوسا عبر ذاكرته وبعض الوثائق ومن خلال مخيلته الرهيبة شخصية الديكتاتور رافايل ليونيداس تروخللو الذي هيمن على جمهورية الدومينيكان قرابة ثلاثين سنة وجعل منها "ملكية" خاصة قبل أن يقتل عام 1961. في عام 1990 ترشح يوسا إلى الانتخابات الرئاسية في البيرو لكنه مني بالفشل، وكانت خسارته تلك أشبه بالهزيمة التي حلت بالمثقفين والمناضلين الليبراليين في أميركا اللاتينية. ولم يلبث يوسا من ثم أن هاجر البيرو وحصل عام 1993 على الهوية الإسبانية التي وجد فيها منفذاً إلى "المواطنية" الأوروبية. ظل ماريو بارغاس يوسا مثابراً على التزامه "الإنسانوي "وعلى يساريته المثالية، وانكب في السنوات الأخيرة على كتابة مقالات سياسية تناصر الأقليات والجماعات المضطهدة في العالم. وزار بغداد وكتب انطباعات بديعة حملت نظرة نقدية إلى الحالة العراقية ما قبل الحرب وما بعدها. بدت رواية يوسا "وليمة التيس" واحدة من أهم الروايات التي تستوحي شخصية رافايل ليونيداس تروخللو ، أحد "الدكتاتوريين" الذين حكموا بلدان القارة الأميركية اللاتينية، فهذه الشخصية النموذجية يصعب استنفادها مهما كثرت الروايات عنها. وإن كان من تشابه بين الشخصيات الدكتاتورية التي عرفها تاريخ القارة الحديث فما يميزها هو إغراقها في الفانتازيا واللاواقعية اللتين تحاذيان واقعيتها أو حقيقتها التاريخية. دكتاتور يوسا، رافايل ليونيداس تروخللو، ليس غريباً عن سائر الطغاة الدكتاتوريين المستبدين الذين حفلت بهم الرواية الأميركية- اللاتينية التي سميت بـ "رواية الدكتاتور" ومن روادها باستوس وكاربنتيه وماركيز واستورياس وفونتس وسواهم. وإن كتب هؤلاء الطغاة أبشع الصفحات في تاريخ القارة وأشدها عسفا وقسوة فالحسنة اليتيمة التي ندت عنهم هي مساهمتهم غير المقصودة في خلق رواية جديدة هي "رواية الدكتاتور" التي يكاد ينفرد بها الأدب الأميركي- اللاتيني الحديث. بعض الآداب عرفت مثل هذا الأدب الذي يستوحي الشخصيات المستبدة، لكن "رواية الدكتاتور" استطاعت في القارة الأميركية- اللاتينية أن تؤسس حركة أو تياراً مستقلاً كنوع أدبي. ولعل تنبؤ سيمون بوليفار القائد والسياسي و "المحرر" قبل أشهر من موته عام 1830 بـ "وقوع أميركا- اللاتينية بين أيدي طغاة من كل الألوان والأعراق "كان حقيقياً وصحيحاً جداً. ولن تمضي أعوام قليلة حتى يصدر الروائي الأرجنتيني إستيبان أشفيريا روايته "المذبحة" التي كتبها بين عامي 1838 و1840 وفيها يصف بوينس آيرس تحت حكم الدكتاتور روزاس. وغدا هذا الروائي أول من جمع بين الواقعية الفجة والفانتازيا ليفضح المنطق العبثي للسلطة المطلقة الذي كان قادراً على تبرير الرعب والقتل والتعذيب. يسترجع ماريو فارغاس يوسا عبر ذاكرته وبعض الوثائق ومن خلال مخيلته الرهيبة شخصية الدكتاتور تروخللو الذي هيمن على جمهورية الدومنيكان قرابة ثلاثين سنة وجعل منها "ملكية" خاصة قبل أن يقتل في عام 1961. وعلى غرار الطغاة الأميركيين- اللاتينيين يبدو الدكتاتور شخصية طريفة بامتياز: طاغ دموي، ذو شارب هتلري، يصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري ويفرض على الإعلام أن يسميه "المفضل". ثم لا يلبث أن يعين ابنه كولونيلاً في التاسعة من عمره ثم جنرالاً في الثانية عشرة في احتفال رسمي حضره سفراء الدول الأجنبية... ولم يكن الدكتاتور ينثني عن فض بكارة الفتيات العذراوات اللواتي كان أهلوهن يقدمونهن له تكرمة. إنها "رواية الدكتاتور" تعيدها إلى الذاكرة رواية فارغاس يوسا "وليمة التيس" معيدة في الحين عينه صورة تلك الشخصية التي ما زال طيفها يتردد وسع القارة الكبيرة. عراق صدام والاجتياح الأميركي في عام 2003 وتحديداً في 25 يونيو (حزيران) قام يوسا بزيارة تاريخية إلى العراق عقب سقوط نظام البعث وغداة الاجتياح الأميركي، وقد رافقته فيها ابنته المصورة مورغانا. ذهب إلى العراق ليكتب سلسلة من الريبورتاجات لجريدة "الباييس" الإسبانية يكشف فيها ما أحدث الاجتياح من فضائح ومساوئ وأضرار، وراح يجمع شهادات حية، وجاب مناطق عدة انطلاقاً من بغداد مثل النجف وكردستان وسواهما. ونجم عنها نص بديع عنوانه "يوميات العراق" لم يترجم إلى العربية على خلاف رواياته التي كان صالح علماني أبرز من نقلها إلى العربية. وفي عام 2006 قام يوسا بزيارة إلى سورية والأردن ولبنان، ملبياً دعوة معهد "ثرفانتس"، وبدت هذه الرحلة مختلفة عن أسفاره الكثيرة التي يقوم بها في أصقاع العالم. هذا الكاتب المتخصص في فضح "الديكتاتوريات" لم يجد في البلدان الثلاثة ما وجد من آثار "الديكتاتور" المخلوع في العراق، لكنه اكتشف ثلاثة نماذج سياسية يختلف واحدها عن الآخر اختلافاً واضحاً تمام الوضوح. وآثر ألا يكتب عن الديكتاتور البعثي حافظ الأسد، علماً أنه وجد فيه ملامح الطاغية. تلك الزيارة كانت شبه شخصية وأقرب إلى الرحلة الاستكشافية للمدن والمناطق، وقلل يوسا خلالها من اللقاءات، خصوصاً الصحافية، مكتفياً بإلقاء محاضرتين أو ثلاث في البلدان الثلاثة. ظل يوسا حتى سنواته الأخيرة على حماسته ونشاطه وعلى التزامه الذي حاول أن يكسبه بعداً آخر من خلال جمعه بين النزعة اليسارية والرؤية اليمينية. فهو الذي ينبذ التطرف، يساراً ويميناً، كان يؤمن بـ "الحرية" و "اليوتوبيا"، وقد شارك في عام 1988 في تأسيس "حركة الحريات" الشهيرة التي رشحته لرئاسة جمهورية البيرو عام 1990. لكنه خسر في معركة الرئاسة ومثلت خسارته خيبة في الأوساط الثقافية في البيرو وأميركا اللاتينية وأوروبا. وبعد تلك الخسارة اعتزل يوسا العمل السياسي في مفهومه المباشر، منصرفاً إلى النضال الفكري والكتابة الروائية. وقد رأى بعض الصحافيين أن خسارته في الرئاسة كانت لمصلحته كروائي، فهو كتب بدءاً من تسعينيات القرن المنصرم أعمالاً مهمة جداً. عضو الأكاديمية الفرنسية في عام 2021 انتخبت الأكاديمية الفرنسية يوسا عضواً من أعضائها "الخالدين"، في مبادرة فريدة خال تاريخها. وقد حاز 18 صوتاً مقابل صوت واحد ناله منافسه الكاتب والمخرج الفرنسي فردريك فينيال. وبدا حينذاك أن أكثر من سبب منح هذه المفاجأة طابعها الفريد، يتمثل الأول في كون يوسا أجنبياً صرفاً وليس فرنكوفونياً، يجيد التكلم بالفرنسية لكنه لا يكتب بها. والسبب الثاني هو بلوغ يوسا الخامسة والثمانين من عمره، مما يعني أنه تخطى العام الخامس والسبعين الذي جعلته الأكاديمية شرطاً يجب أن يلتزم به المرشحون، كحد أقصى، لئلا تتحول الأكاديمية إلى مجمع من المتقدمين سناً. والسبب الثالث أن يوسا هو أول فائز بجائزة نوبل يدخل الأكاديمية بعد مرور أكثر من نصف قرن على رحيل الكاتب الفرنسي فرانسوا مورياك (1970) الذي انتخب عضواً عام 1933 وفاز بنوبل في 1952. غير أن ماريو بارغاس يوسا ليس غريباً البتة عن الأدب الفرنسي، وعلاقته به بدأت منذ أن كان طالباً جامعياً في ليما، العاصمة البيروفية، وراحت تقوى أكثر فأكثر بدءاً من عام 1959 عندما سافر إلى باريس وأقام فيها ودرّس اللغة الإسبانية في معهد بيرليتز، ثم عمل صحافياً ومترجماً في وكالة الصحافة الفرنسية. ولا ينسى ذكرياته الباريسية وسكنه في فندق صغير في الحي اللاتيني الشهير، ثم في "غرفة خادمة" في بناية فخمة كان يقطنها الممثل الشهير فيليب جيرار. ويروي كيف انفعل عندما شاهد جان بول سارتر الذي كان يعده أستاذاً له، في إحدى التظاهرات واقترب منه ولم يجرؤ على التكلم معه. قرأ يوسا سارتر في الجامعة وتأثر به وتابع أعداداً من مجلة "الأزمنة الحديثة" التي كان يصدرها. وتعلم منه، كما يقول، أن الكلمات هي أفعال وأن الأدب قادر على تغيير الحياة. لكنه لم يفهم "جولات" سارتر السياسية اليسارية بين الشيوعية السوفياتية والماوية وسواهما، ما جعله يتجه نحو ألبير كامو ليصبح "كاموياً" بامتياز. وردّ في ما بعد على سارتر بقسوة، عندما دعا رائد الوجودية الجديدة، كتّاب أميركا اللاتينية إلى رمي أقلامهم والنزول إلى حياة الناس الفقراء والمعدمين والنضال ضد الأنظمة الظالمة. وقد ألف كتاباً صغيراً في هذا الصدد عنوانه "من سارتر إلى كامو". كان الأدب الفرنسي أكثر الآداب حضوراً في حياة يوسا وفي مساره الثقافي، حتى ليمكن القول إنه "فرنكوفوني الهوى". فهو قرأ باكراً جول فيرن وألكسندر دوما وفيكتور هوغو وفلوبير وسواهم. ثم اكتشف لاحقاً أندريه مالرو الذي يعده واحداً من كبار كتاب القرن العشرين، ويصنف روايته "الوضع البشري" في مرتبة الروايات العظيمة الصادرة في هذا القرن. قرأ رولان بارت وتوقف عند كتابه "لذة النص" آخذاً بهذه المقولة التي اكتشفها بنفسه مرات ومرات، خلال قراءاته أو في لحظة الكتابة... ولعل بارغاس هو الروائي الأجنبي الوحيد الذي تصدر أعماله الكاملة مترجمة إلى الفرنسية في سلسلة "لا بلياد" الشهيرة خلال حياته وليس بعد مماته، كما درجت عادة دار غاليمار ناشرة السلسلة. والتحاقه بهذه السلسلة التي تضم "الأدباء الخالدين" يعد بذاته تكريماً كبيراً له.


الجزيرة
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- الجزيرة
أيقونة الأدب اللاتيني.. وفاة أديب نوبل البيروفي ماريو فارغاس يوسا
توفي أمس الأحد الكاتب الإسباني-البيروفي ماريو فارغاس يوسا الحائز جائزة نوبل للآداب عن 89 عاما في العاصمة البيروفية ليما حيث كان يعيش منذ أشهر قليلة بعيدا عن الحياة العامة، على ما ذكرت عائلته في رسالة عبر منصة اكس. ولد ماريو فارغاس يوسا في بيرو عام 1936 وأقام في بوليفيا وليما قبل أن ينتقل إلى إسبانيا لدراسة الآداب. كما عاش فترة معينة في باريس، وعدّ مدريد بلده، لكنه احتفظ بجنسيته ونفوذه في بيرو حيث كتب لصحف بيروفية عن الأحداث الراهنة وترجمت أعماله إلى أكثر من 20 لغة. وجاء في رسالة كتبها نجله البكر ألفارو ووقعها شقيقه غونزالو وشقيقته مورغانا "بحزن عميق نعلن وفاة والدنا ماريو فارغاس يوسا في ليما بهدوء محاطا بعائلته". وسرت في الأشهر الأخيرة شائعات كثيرة حول تدهور وضع الكاتب الصحي. وقال نجله ألفارو في تشرين الأول/اكتوبر الماضي "شارف على التسعين وهو عمر ينبغي فيه التحفيف من نشاطاته" من دون أن يوضح وضع والده الصحي. كان يوسا واحدا من بين 4 كتاب، وصفوا في القارة اللاتينية بأنهم الكبار، من بينهم الأرجنتيني خوليو كورتاثار، والمكسيكي كارلوس فوينتس، والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، وأخيرا البيروفي ماريو فارغاس يوسا. وقد جاء صعودهم في تلك القارة، والانطلاق منها إلى بقية بلدان العالم، اعتبارا من بدايات الستينيات، بالتزامن مع ما بات يُعرف بطفرة الرواية التي شهدتها أميركا اللاتينية، وكان هؤلاء الأربعة، من بين أبرز ممثليها. في حين كان مجرد ذكر أسمائهم، يستدعي اسم خورخي لويس بورخيس، الكاتب الأرجنتيني الذي كان له الفضل، في تشكيل خريطة الأدب اللاتيني خلال القرن الـ20. كانت رواية " حرب نهاية العالم" هي التي فتحت الطريق أمام فارغاس يوسا، الأمر الذي كان له أثر واضح في وصول جائزة نوبل إليه في عام 2010، تلك الرواية التي يزيد عدد صفحاتها المترجمة إلى العربية عن 700، يتناول فيها الكاتب أحداث الحرب الأهليّة، التي اندلعت في شمال البرازيل، أواخر القرن الـ19، ويروي فيها قصة حرب "كانودوس"، وكأنه يرسم لوحة جدارية مدهشة، ويستعرض فيها تطلعات الإنسان، في عالم لم تغادره تلك المفاهيم التي تتعلق بالمدينة الفاضلة. كان يوسا قد بدأ حياته مثل عديد من مثقفي أميركا اللاتينية، متعاطفا مع أهداف اليسار، لكنه مع حلول الثمانينيات، أصبح يدعو بحماس لقيم التجارة الحرة والليبرالية السياسية. ولم يكتف بذلك، بل انتقل إلى مرحلة أخرى عندما شارك كمرشح رئاسي عن تيار يمين الوسط، في الانتخابات الرئاسية البيروفية التي جرت عام 1990، لكنه لم ينجح في حصد النجاح. وفي أعقاب ذلك، واصل يوسا إبداء حماسه الشديد، وميله الواضح نحو اليمين، وعندها أعلن انضمامه في عام 2014، إلى جمعية مونت بيليرين، المعروفة باحتضانها لليبرالية الجديدة. لم يكن يوسا كما بات معروفا عنه، يتردد في التصرف، إذا ما رأى أن الأمر يستوجب ذلك، وفي هذا الإطار يمكن تفسير تقدمه لترشح إلى منصب رئاسة بلاده. بعد أن بات مؤمنا أن من واجبه الأخلاقي أن يكون ناشطا فعّالا في الحياة العامة، واتخاذ موقف لشجب ما يصدر عن الحكومات الشمولية أينما وجدت. كما يمكن في هذا الإطار، تفسير صعوده إلى خشبة المسرح، لأداء أحد الأدوار التمثيلية، بدافع ميله الشديد للتمثيل المسرحي. منعطف فكري كانت أفكار يوسا قد تغيرت في أعقاب القراءات التي انشغل بها، والتي كانت لمفكرين كبار، من أمثال آدم سميث، وكارل بوبير، وأورتيغا إي غاسيت. وفي كتابه الذي أصدره تحت عنوان "نداء القبيلة"، أكد على ذلك، كما أنه كان قد عاش في فرنسا لمدة 7 سنوات، وتأثر خلالها بأفكار ألبير كامو، وفي عدة حوارات تناولت تلك الفترة، أكد يوسا أن إقامته في فرنسا، شكلت منعطفا جوهريا في حياته. كما أن انتقاله من الماركسية إلى الليبرالية، كان وراء تلك القطيعة التي حدثت في علاقته مع خوليو كورتاثار، وكارلوس فوينتس، وغابرييل غارثيا ماركيز. من بعد هذا تحول الذي كانت لافتا في مسار فارغاس يوسا، راح يصف الزعيم الكوبي فيديل كاسترو بأنه دكتاتور، ويعتبر نظامه من أبشع الديكتاتوريات في أميركا اللّاتينيّة، في حين أن ماركيز وفوينتس وكورتاثار كانوا يعبرون في كل وقت، عن دعمهم التام لكاسترو ونظامه. خلال ذلك، انتهت العلاقة الوثيقة بين يوسا وماركيز، بسبب ذلك الخلاف الشخصي الذي راح يتطور، إلى أن بلغ الحد الذي اندفع فيه الكاتب البيروفي إلى توجيه لكمة إلى وجه غارسيا ماركيز، وهو ما تسببت له بكدمة دكناء تحت العين اليسرى. وقبل حدوث ذلك بوقت، كان فارغاس يوسا، قد تحدث في العاصمة الإسبانية مدريد، عن طبيعة العلاقة الشخصية والمهنية التي كانت تربطه بغارسيّا ماركيز، والتي بدأت بالتدهور بسبب اختلاف في المواقف السياسية التي تبناها كل منهما تجاه الثورة الكوبية، وانتهت تماما، إثر مواجهة حامية. وقعت في بهو قصر الفنون الجميلة في مدينة مكسيكو سيتي، عندما اقترب غارسيا ماركيز للترحيب بيوسا فاتحا له ساعديه، لكن فارغاس يوسا ومن دون أن ينبس بكلمة، سارع إلى توجيه لكمة قوية لوجه الكاتب الكولومبي. قوة الأدب ظل يوسا في كتاباته يواصل الاهتمام بإسقاط الماضي على الحاضر، فطبيعة الإنسان ثابتة دائما مهما بدت البيئة متحولة. وبجرد بسيط للشخصيات يمكن توضيح لعبة يوسا السياسية لإيصال رسائل معينة ضمن إطار أدبي، فهو يتحكم في الشخصيات، فيجعل منها فاعلا مؤثرا في الأحداث وناتجا عنها في الوقت ذاته. وعندما تلقى سؤالا أثناء مقابلة أُجريت معه في عام 1990 عن الأسباب التي تدعوه للكتابة، سارع يوسا للقول "أكتب لأني غير سعيد. ولأن الكتابة طريقة لمحاربة التعاسة، كما أن قوة الأدب تكمن في أنه يسمح لنا بأن نحيا حيوات عديدة، وهذه واحدة من أعظم ميزاته.. إذ ينتشلنا من واقعنا ويجعلنا ندخل إلى عوالم رائعة، نعيش حيوات غنية بكل ما هو مثير، ونغوص مغامرات في عوالم غير عالمنا، ونحن نتقمص شخصيات كثيرة، نختبر نفسيات مختلفة وعقليات متباينة. إنه إغناء مذهل للحياة. لكن الأدب في الوقت ذاته ليس شيك ضمان على السعادة، بل العكس ما يحدث أحيانا، بطريقة ما، فهو يحولك إلى شخص حزين لأن من خلاله تفهم أن هناك حيوات أغنى من حياتك. فأنت تصبح واعيا بحقيقة أنك قليل الأهمية". وفي حواره مع صحيفة لوفيغارو الفرنسية، قال يوسا "نحن نؤلف روايات ليس فقط لنحكي واقعا موجودا بل لنغيره مضيفين له شيئا ما"، وتابع قائلا إن "الأدب هو يوتوبيا الواقع" فهو لا يحكي لنا واقعا متوارثا محققا، ودرسا تاريخيا أكاديميا، بل يفتش بدقة حاويا محترفا، على إسقاطات تجمع الماضي بالحاضر، في توليفة سردية، غالبا ما تخرج بنتائج تنعكس على المستقبل. مؤكدا أن "الأزمنة تمر على المواقف السياسية البليدة، لكن الرواية العظيمة تبقى مؤثرة وخالدة على مرّ الزمن'. مشددا على ضرورة أن على المرء أن يتقبل الحرية بوصفها عنصرا أساسيا للتمتع بثقافة غنية وإبداعية. ولا يمكن أن تُحبَس الثقافة، في سجن أخلاقي أو ديني أو لائق سياسي، إذ يجب أن ندافع عن الحرية. لأن الأعمال الأدبية العظيمة لم تكن أبدا لائقة من الناحية السياسية، وفي كثير من الحالات، كان الأدب يأتي في صدارة العديد من الأشياء التي بدت رهيبة في بادئ الأمر، ثم صارت مقبولة على اعتبار أنها تمثل طفرات وتقدما اجتماعيا وثقافيا. وفي هذه المقابلة لخص يوسا مفهومه لعملية الكتابة، قائلا "أعتقد أن ما أحبه ليس الكتابة نفسها، بل إعادة الكتابة، الحذف والتصحيح.. وأعتقد أن ذلك، هو أكثر أجزاء العمل، إبداعية". وانتُخِب الكاتب البيروفي الإسباني في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عضوًا في الأكاديمية الفرنسية وهي هيئة حكومية تأسست عام 1634 لتطوير وتقعيد اللغة الفرنسية. وليس فارغاس يوسا أول أجنبي يحصل على عضوية الأكاديمية الفرنسية، إذ سبقه إليها الأميركي جوليان غرين عام 1971، والكندي من أصل هاييتي داني لافريير عام 2013. الخبرة والحكاية وتستند أعمال فارغاس يوسا إلى خبرته في الحياة في بيرو منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي والتي توجت بخوضه لانتخابات الرئاسة عام 1990، لكنه خسر لصالح ألبرتو فوجيموري الذي اضطر في نهاية المطاف للفرار من البلاد وأدين بعد ذلك بعدة جرائم وكتب عن ذلك في مذكراته الصادرة عام 1993 بعنوان "السمكة في الماء"، وفي روايته "زمن البطل" استعرض فترة مراهقته في أكاديمية عسكرية في ليما. ومن خلال أكثر من 30 رواية ومسرحية ومقالا صحفيا، طوّر فارغاس يوسا أسلوب سرد الحكاية الواحدة من عدة أوجه يفصلها أحيانا المكان أو الزمان. وتجاوزت أعماله الأشكال الأدبية المعروفة ووضعته في مكانة رفيعة بين أبناء جيله الذي قاد بعث الآداب في أميركا اللاتينية في الستينيات من القرن الماضي. وباختلاف خبراته تنوعت كتاباته، فنوّع كثيرا في الأشكال والرؤى والموضوعات، وكانت روايته "شيطنة الطفلة المشاغبة" أولى محاولاته لكتابة قصة حب وأشيد بها باعتبارها من أفضل ما كتب في هذا النوع.