logo
#

أحدث الأخبار مع #خالدالصوفي

المعرض الأخير
المعرض الأخير

24 القاهرة

timeمنذ 2 أيام

  • ترفيه
  • 24 القاهرة

المعرض الأخير

تلقيت منذ أيام دعوة كريمة من الخطّاط محمد الشافعي لحضور المعرض الأخير لمقتنيات عائلته التي ورث مهنتها أبًا عن جدّ وصولًا إلى الجدّ الأكبر خالد الصوفي زاده الذي جاء من أنقرة إلى القاهرة في العام 1890 ومنذئذ واسم هذه العائلة يُعدّ مردًّا ومرجعًا لكل المُهتمّين والمُنتمين لفن الخط العربي بأنواعه وأشكاله. بقدر السعادة التي انتابتني لتلقّي هذه الدعوة بقدر ما كانت سعادة مشوبة حين عرفتُ أنه المعرض الأخير في بيت العائلة المُقرر إزالته في إطار سلسلة هدم المنازل والمقابر من منطقة الإمام الشافعي والسيدة عائشة، فبيت عائلة صوفي زاده ملاصق لمسجد الإمام مما جعلني أتساءل عن مصير المسجد نفسه. كنتُ أعرف مُسبقًا أن لعائلة صوفي زاده باعٌ طويل في فنون الخط العربي والزخرفة والرسم وأنهم خطّوا مقابر ومساجد ارتبطت بأسماء شخصيات عامة وشهيرة بل وبأحداث معروفة أيضًا. لكن الوجود داخل هذا البيت ورؤية اللوحات والصور مُعلّقة على الجدران التي يزيد عمرها عن 200 عام، جعلني أتخيّل هؤلاء الفنانين وهم ربما يجلسون في ذات الأماكن يستخدمون تلك الأدوات التي يعرضها الحفيد محمد شافعي بكل فخر كإرثه الأهم من تلك العائلة العريقة. ولد خالد الصوفي زاده في أنقرة في العام 1872 وجاء إلى القاهرة في 1890 والتحق بالأزهر الشريف ثم عُيّن إمامًا لجامع محمد علي باشا. أخذ خالد صوفي علوم الخط عن والده ثم تزوّج في القاهرة من نفيسة أخت الخطاط سليم درويش واتّخذ منزلًا مجاورًا لمسجد الإمام الشافعي، منزلًا ستُهدم جدرانه لكن تاريخه أكبر من الهدم. توارثت عائلة خالد صوفي زاده فنون الخطّ العربي واشتهروا به وسُجِّلت خطوطهم على جدران تُعدّ اليوم مزارات تاريخيّة، ناهيك عن أن بيت العائلة نفسه في إطار آخر كان من المفترض أن يُهيّأ ويُعدّ ليصبح مزارًا تاريخيًا. زيّنت خطوط الابن الأول أحمد بن خالد زاده مقابر أكابر مصر في وقته كمقبرة سعيد باشا ذو الفقار كبير الأمناء في العهد الملكي وصبري باشا أبو علم، وكتب ابنُه حسن بن أحمد خالد زاده مقابر الملك فاروق وقبر الرئيس جمال عبد الناصر وقبر طه حسين وقبر السيدة أم كلثوم وإسماعيل باشا صدقي وفريد الأطرش وغيرهم، كما كان خطاط دار الكُتب المصرية لمدة 40 عامًا كتب خلالها الكتابات الخاصة بدار الكُتب ومُلحقاتها. أستعرِضُ هذه السيرة العائلية بحزن شديد وأنا أقرنُها بقرار الهدم المنتظر تنفيذه في حقّ أحد المباني التراثية التي شهدت حياة صاخبة وإنجازات وأحاديث تخصُّ الحياة العامة المصرية في أزمانٍ مضت، بل وربما لقاءات يجب أن يُدوّن ما دارَ فيها كشهادات على تلك الأزمان. أحيانًا أشعرُ أنني أؤذن في مالطا وأنه لا طائلة من الحديث في واقع لن يتغيّر، ثم ما ألبثُ أن أضبط إيماني وأن أصدّق بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن أغرس ما بيدي من فسيلة وإن قامت القيامة، أغرسها في مصر أو في مالطا. إن كنتَ -قارئي العزيز- وصلتَ إلي هذه الفقرة فإنك بالتأكيد أدركتَ ما أرمي إليه وأنني فقط أتساءل إن كان هناك سبيلٌ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. فإن لم تكن 200 عامًا من الحياة الزاخرة بالفنّ والعِلم والسياسة والثقافة والكتابة والتأريخ كفيلة بأن تشفع لهذه الجدران كي تبقى ولهذه الأحجار أن تُكرم بعد أن أدَّت ما عليها، فإن كلماتي هذه هي الأخرى لا تشفع لخمسة أجيال من الفنانين عاشوا بيننا لأن نترك لهم الذكرى التي ضمّتهم وجمعتهم تباعًا. آملُ ألا يُغلق الباب وآملُ أن تُترك الجدران تستندُ إلى بعضها البعض بعد وَهَن السنوات كأنها تردد صوت من رحلوا: إننا كُنّا هُنا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store