#أحدث الأخبار مع #خالدمحيىالدين٢٦-٠٤-٢٠٢٥ترفيهفى محبة بدر الرفاعى .. وسيرتهالسياسيون يلجأون الى كتابة مذكراتهم عادة للدفاع عن تاريخهم، فى مواجهة خصوم ما، دائما يوجد خصوم، ويكتبها رجال الأعمال لكى لا يظن الحقودون أن هذه الثروات لم تكن وراءها قصة كفاح ومعافرة، ويفعل ذلك أيضا الفنانون الكبار الذين يعتقدون أن مسيرتهم فيها شىء ملهم، وأنا واحد من عشاق قراءة السير الذاتية بشكل عام، وخصوصا اذا كانت بمستوى ما كتبه الأستاذ خالد محيى الدين أو لويس عوض وغيرهما فى ثقافتنا العربية، أو ما كتبه شارلى شابلن أو المخرج اليابانى كيروساوا فى الثقافة العالمية، ولكن ما الذى يدفع المترجم بدر الرفاعى لكتابة سيرته الذاتية، التى صدرت مؤخرا عن دار الكرمة تحت عنوان «حنين الى الدائرة المغلقة»؟، التى أراها واحدة من أجمل السير وأصدقها، بعد أن فرغت من الكتاب تنازعتنى مشاعر متباينة، تراوحت بين الشجن والحزن الشفيف والبهجة، حكايات خالية من الشحوم البلاغية وادعاء البطولة، بدر الذى ولد عام النكبة سنة 1948 لأب شيوعى مطارد، يقول صراحة «أنا لا تستهوينى الأفكار العميقة، ليس تعاليا، وإنما كسل وعدم قدرة، عشت الدنيا بعين الطائر، وفاتتنى التفاصيل». هو من جيل السبعينيات، الذى شهد انهيار الحلم فى 5 يونيو سنة 1967 (وكان أول يوم فى امتحانه للثانوية العامة) وهو فى أول العمر، والذى تخرج فى كلية الأداب قسم الصحافة سنة 1971، وشارك فى النضال السياسى، وخدم فى الجيش المصري ضابطا للإحتياط، وتنقل بين الشرقية ومرسى مطروح والأقصر، يتذكر تجربته فى الجيش بشجن ومحبة، ويرصد فى الوقت نفسه التحولات الإجتماعية فى كل مكان ذهب اليه، اشتغل فى الصحافة وهو طالب فى جريدة العمال، وفى أكثر من مكان بعد ذلك، ولكنه وجد نفسه فى الترجمة رغم أنه ترك قسم اللغة الإنجليزية الذى كان يحلم به بسبب متطلباته المالية التى لم تكن متاحة، إلا أنه نقل للمكتبة العربية مجموعة من العناوين المهمة أذكر منها: «مواجهة الفاشية في مصر ــ الديكتاتورية في مواجهة الديمقراطية في الثلاثينيات»، و«التنوير الإسلامي ــ الصراع بين الدين والعقل في العصر الحديث»، و«الصناعات الإبداعية ــ كيف تنتج الثقافة في عالم التكنولوجيا والعولمة؟» (فى جزءين)، و«مصر الخديوية ــ نشـأة البيروقراطية الحديثة (1805 ــ 1879)»، و«ضباط الجيش في السياسة والمجتمع العربي»، و«الحروب العربية الإسرائيلية (1948ــ 1982)»، و«الشركات عابرة القومية»، والتى بسببها حصل على على الجائزة التقديرية من المركز القومي للترجمة بالقاهرة. سنتعرف على مصر وهى تتغير على مدى سبعين عاما، بلغة عطوفة صادقة، تصطاد المشاعر المنسية وترفع من شأنها، عشرات الشخصيات التى تقابلك تشعر معها بصلة قربى، وتنحاز لأشواقها البسيطة والتى لا تطمح فى شىء غير حياة كريمة وأمان ، الأم هى البطلة التى ربت وكبرت، العاملة فى مصنع للنسيج، الناشطة السياسية، المهتمة بأسر المعتقلين، التى تتمتع بالحكمة، رغم أن تجربتها فى الحياة جعلتها دائما تنتظر الأسوأ وتستعد له، أما الأب الذى خرج من السجن بعد سبع سنوات كاملة فهو شخصية فريدة بامتياز، وحكى خالد محيى الدين فى كتابة «والآن أتكلم» أنه ذهب مع جمال عبد الناصر لزيارة القاضى أحمد فؤاد، وقابلا هناك الرفيق بدر، الذى أبهرهما حديثه ورؤيته الثاقبة، وأثناء نزولهما على السلم يحكى الأستاذ خالد «سألنى: «مين الرفيق بدر ده؟» قلت «السكرتير العام للحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى»، فقال «بيشتغل أيه؟»، قلت السكرتير العام، وكرر السؤال لأكرر الإجابة. وأخيرا سألنى بحدة يعنى كان بيشتغل إيه قبل ما يبقى سكرتيرا عاما؟، قلت ببساطة «ميكانيكى»، وصاح عبدالناصر: ميكانيكى، يعنى انت ممكن تكون عضو فى الحزب ده وتتلقى أوامر من ميكانيكى؟!»، وظلت هذه الحكاية عالقة فى ذهن عبدالناصر، وظل يرددها دوما، أحيانا فى تهكم وأحيانا فى استنكار، وحتى بعد الثورة، وفى اجتماعات مجلس قيادة الثورة قال مرة مشيرا إلى «ده زعيمه ميكانيكى»، الرفيق بدر هذا هو سيد سليمان الرفاعى والد صاحب الكتاب، وتذكر بدر شخصيات روائية بامتياز مثل السجان راشد الذى حمل رسالة من الأب من سجن وادى النطرون، واستعار من الأسرة الراديو يوم خميس لكى يستمع الى حفل أم كلثوم مع زملائه فى مصلحة السجون، وتوجد حكاية فى غاية العذوبة عن زوجته الراحلة المسيحية ، وأم أبنائه، والتى كانت ناجحة فى علاج المرضى بالطب البديل، وحين مرضت رفضت أن تخون مرضاها، حتى لو كانت حياتها هى الثمن، وحكى عن حماته التى فتحت لهما بيتها، والتى لم تكن مرحبة بالزواج فى البداية، ليس بسبب طبقى أو دينى، ولكن لأنه ليس خريج مدارس فرنسية، وبعد موت الدكتورة هدى، ولأن المسيحى لا يورث المسلم، والعكس كذلك، فقد اتفقت مع بقية الأسرة أن يوزع ميراثها لأبنائها هناء وسامى، الجزء الذى هزنى أيضا فى الكتاب تذكره للأسماء التى تعرفت على بدر الرفاعى بينهم فى الثمانينيات، أساتذتى وأصدقائى علاء الديب وحجازى الرسام والمستشار مصطفى عبدالعزيز وجميل شفيق وصلاح عيسى واسماعيل العادلى وغيرهم، حكى عن أزماته النفسية وكيف تجاوزها بصيد الأسماك، الكتاب صعب اختزاله فى مقال، لأنه مزدحم بالتفاصيل، والحكايات الجانبية الذكية، مثل شراء نصر حامد أبو زيد سيارة رغم كرهه للسيارات وقيادتها، ولكن لأنه أراد تحقيق حلم أمه الراحلة التى كانت تتمنى أن ترى ابنها يقود سيارة، أو حكاية صديقه الذى كان يطلق عليه «شعبى العظيم» والذى أراد أن يتحول الى كاتب قصة قصيرة، وذهب يستطلع رأى الأستاذ علاء الديب فيما يكتب، والذى رد عليه « اسمع يا عبده، لو فى ايدك شغلانة مضمونة إمسك فيها جامد».
٢٦-٠٤-٢٠٢٥ترفيهفى محبة بدر الرفاعى .. وسيرتهالسياسيون يلجأون الى كتابة مذكراتهم عادة للدفاع عن تاريخهم، فى مواجهة خصوم ما، دائما يوجد خصوم، ويكتبها رجال الأعمال لكى لا يظن الحقودون أن هذه الثروات لم تكن وراءها قصة كفاح ومعافرة، ويفعل ذلك أيضا الفنانون الكبار الذين يعتقدون أن مسيرتهم فيها شىء ملهم، وأنا واحد من عشاق قراءة السير الذاتية بشكل عام، وخصوصا اذا كانت بمستوى ما كتبه الأستاذ خالد محيى الدين أو لويس عوض وغيرهما فى ثقافتنا العربية، أو ما كتبه شارلى شابلن أو المخرج اليابانى كيروساوا فى الثقافة العالمية، ولكن ما الذى يدفع المترجم بدر الرفاعى لكتابة سيرته الذاتية، التى صدرت مؤخرا عن دار الكرمة تحت عنوان «حنين الى الدائرة المغلقة»؟، التى أراها واحدة من أجمل السير وأصدقها، بعد أن فرغت من الكتاب تنازعتنى مشاعر متباينة، تراوحت بين الشجن والحزن الشفيف والبهجة، حكايات خالية من الشحوم البلاغية وادعاء البطولة، بدر الذى ولد عام النكبة سنة 1948 لأب شيوعى مطارد، يقول صراحة «أنا لا تستهوينى الأفكار العميقة، ليس تعاليا، وإنما كسل وعدم قدرة، عشت الدنيا بعين الطائر، وفاتتنى التفاصيل». هو من جيل السبعينيات، الذى شهد انهيار الحلم فى 5 يونيو سنة 1967 (وكان أول يوم فى امتحانه للثانوية العامة) وهو فى أول العمر، والذى تخرج فى كلية الأداب قسم الصحافة سنة 1971، وشارك فى النضال السياسى، وخدم فى الجيش المصري ضابطا للإحتياط، وتنقل بين الشرقية ومرسى مطروح والأقصر، يتذكر تجربته فى الجيش بشجن ومحبة، ويرصد فى الوقت نفسه التحولات الإجتماعية فى كل مكان ذهب اليه، اشتغل فى الصحافة وهو طالب فى جريدة العمال، وفى أكثر من مكان بعد ذلك، ولكنه وجد نفسه فى الترجمة رغم أنه ترك قسم اللغة الإنجليزية الذى كان يحلم به بسبب متطلباته المالية التى لم تكن متاحة، إلا أنه نقل للمكتبة العربية مجموعة من العناوين المهمة أذكر منها: «مواجهة الفاشية في مصر ــ الديكتاتورية في مواجهة الديمقراطية في الثلاثينيات»، و«التنوير الإسلامي ــ الصراع بين الدين والعقل في العصر الحديث»، و«الصناعات الإبداعية ــ كيف تنتج الثقافة في عالم التكنولوجيا والعولمة؟» (فى جزءين)، و«مصر الخديوية ــ نشـأة البيروقراطية الحديثة (1805 ــ 1879)»، و«ضباط الجيش في السياسة والمجتمع العربي»، و«الحروب العربية الإسرائيلية (1948ــ 1982)»، و«الشركات عابرة القومية»، والتى بسببها حصل على على الجائزة التقديرية من المركز القومي للترجمة بالقاهرة. سنتعرف على مصر وهى تتغير على مدى سبعين عاما، بلغة عطوفة صادقة، تصطاد المشاعر المنسية وترفع من شأنها، عشرات الشخصيات التى تقابلك تشعر معها بصلة قربى، وتنحاز لأشواقها البسيطة والتى لا تطمح فى شىء غير حياة كريمة وأمان ، الأم هى البطلة التى ربت وكبرت، العاملة فى مصنع للنسيج، الناشطة السياسية، المهتمة بأسر المعتقلين، التى تتمتع بالحكمة، رغم أن تجربتها فى الحياة جعلتها دائما تنتظر الأسوأ وتستعد له، أما الأب الذى خرج من السجن بعد سبع سنوات كاملة فهو شخصية فريدة بامتياز، وحكى خالد محيى الدين فى كتابة «والآن أتكلم» أنه ذهب مع جمال عبد الناصر لزيارة القاضى أحمد فؤاد، وقابلا هناك الرفيق بدر، الذى أبهرهما حديثه ورؤيته الثاقبة، وأثناء نزولهما على السلم يحكى الأستاذ خالد «سألنى: «مين الرفيق بدر ده؟» قلت «السكرتير العام للحركة الديمقراطية للتحرر الوطنى»، فقال «بيشتغل أيه؟»، قلت السكرتير العام، وكرر السؤال لأكرر الإجابة. وأخيرا سألنى بحدة يعنى كان بيشتغل إيه قبل ما يبقى سكرتيرا عاما؟، قلت ببساطة «ميكانيكى»، وصاح عبدالناصر: ميكانيكى، يعنى انت ممكن تكون عضو فى الحزب ده وتتلقى أوامر من ميكانيكى؟!»، وظلت هذه الحكاية عالقة فى ذهن عبدالناصر، وظل يرددها دوما، أحيانا فى تهكم وأحيانا فى استنكار، وحتى بعد الثورة، وفى اجتماعات مجلس قيادة الثورة قال مرة مشيرا إلى «ده زعيمه ميكانيكى»، الرفيق بدر هذا هو سيد سليمان الرفاعى والد صاحب الكتاب، وتذكر بدر شخصيات روائية بامتياز مثل السجان راشد الذى حمل رسالة من الأب من سجن وادى النطرون، واستعار من الأسرة الراديو يوم خميس لكى يستمع الى حفل أم كلثوم مع زملائه فى مصلحة السجون، وتوجد حكاية فى غاية العذوبة عن زوجته الراحلة المسيحية ، وأم أبنائه، والتى كانت ناجحة فى علاج المرضى بالطب البديل، وحين مرضت رفضت أن تخون مرضاها، حتى لو كانت حياتها هى الثمن، وحكى عن حماته التى فتحت لهما بيتها، والتى لم تكن مرحبة بالزواج فى البداية، ليس بسبب طبقى أو دينى، ولكن لأنه ليس خريج مدارس فرنسية، وبعد موت الدكتورة هدى، ولأن المسيحى لا يورث المسلم، والعكس كذلك، فقد اتفقت مع بقية الأسرة أن يوزع ميراثها لأبنائها هناء وسامى، الجزء الذى هزنى أيضا فى الكتاب تذكره للأسماء التى تعرفت على بدر الرفاعى بينهم فى الثمانينيات، أساتذتى وأصدقائى علاء الديب وحجازى الرسام والمستشار مصطفى عبدالعزيز وجميل شفيق وصلاح عيسى واسماعيل العادلى وغيرهم، حكى عن أزماته النفسية وكيف تجاوزها بصيد الأسماك، الكتاب صعب اختزاله فى مقال، لأنه مزدحم بالتفاصيل، والحكايات الجانبية الذكية، مثل شراء نصر حامد أبو زيد سيارة رغم كرهه للسيارات وقيادتها، ولكن لأنه أراد تحقيق حلم أمه الراحلة التى كانت تتمنى أن ترى ابنها يقود سيارة، أو حكاية صديقه الذى كان يطلق عليه «شعبى العظيم» والذى أراد أن يتحول الى كاتب قصة قصيرة، وذهب يستطلع رأى الأستاذ علاء الديب فيما يكتب، والذى رد عليه « اسمع يا عبده، لو فى ايدك شغلانة مضمونة إمسك فيها جامد».