logo
#

أحدث الأخبار مع #خضرالنحفاوي

عُون... حين تمثل شعبا متحضرا
عُون... حين تمثل شعبا متحضرا

الدستور

timeمنذ 4 أيام

  • ترفيه
  • الدستور

عُون... حين تمثل شعبا متحضرا

كانت أولى مهام عملي خارج مصر إلى لبنان وذلك قبل نحو عشرين عاما، ورغم علمي أنني سأتكبد نفقات مالية ضخمة فرضتها طبيعة الحياة في بيروت مع عدم تناسب البدل المخصص مع أسعار الخدمات هناك، إلا أن سعادتي كانت كبيرة رغم كل هذا فقط لأنها لبنان. لبنان التي عرفنا لهجتها وناسها ومعالمها وفيروزها عن طريق الفن قبل العين. قررت أن أكتشف لبنان بنفسي، فيما لا يمكن أن أكتشفه إلا بالتجوال الحر غير المرتبط ببروتوكول أو منهج عمل. وخرجت بنتيجة واضحة هي أن اللبنانيين شعب متحضر مثقف منشغل بقضاياه، وفي نفس الوقت هو شعب "عيّاش" حريص أن يعيش حياته كما يحلو له. وخلال جولاتي ببيروت خاصة ولبنان عامة ركبت التاكسيات ووسائل النقل العامة ، واحتككت بالمواطن اللبناني العادي في الأسواق، وقابلت عددا كبيرا من صفوة المجتمع من الفنانين والإعلاميين وكبار الصحافيين والشعراء والشخصيات العامة. وأسرتني شخصيات مثقفة تعرف من مصر وعنها الكثير ومن بينهم صديقي إلى اليوم خضر النحفاوي عاشق أم كلثوم وجامع تراثها. وخلال تلك الزيارة لفت نظري أن اللبنانيين كانوا يدّونون مواقفهم السياسية في لوحات جرافيتي على حوائط البيوت في الشوارع والميادين، فيما وصفته في مقال حينها عنونته بقولي: أحزان لبنان " منقوشة " ع الجدران. في استعارة واضحة للمناقيش اللبنانية الشهيرة. وبالأمس، تابعت استقبال السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي لضيف مصر الرئيس اللبناني جوزيف عون. استقبال مشرف كعادة مصر مع ضيوفها، وهذا ليس ذلك بغريب، فرجال البروتوكول والمراسم في ديوان الرئاسة وفي مجلس الوزراء أيضا على أعلى مستوى من الخبرة والاحترافية. وحين يتحدث الضيف كلمات تعبر عن المودة والاحترام المتبادل والسعي للتعاون المشترك، فتلك أعراف بروتوكولية تتم على هذا المستوى من الزيارات. أما ما نطق به الرئيس عون خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي تابعته بالأمس باهتمام شديد، فلا يمكن تصنيفه إلا تحت بند المحبة والاحترام الحقيقيين دون مجاملة وبلا أدنى مبالغة، بدأ الأمر باستدعاء الرئيس السيسي للتاريخ القديم والتعاون المشترك بين الفراعنة والفينيقيين. ثم جاءت كلمة الرئيس عُون فرأينا رئيسا مثقفا بحق استدعى التاريخ القديم في كلمته بمفردات بسيطة ولكنها صادقة وفي غاية التعبير والدلالة. ذكر حقيقة أن مصر ام الدنيا وأن بيروت ست الدنيا، فاختصر بلباقة معان كثيرة في عبارة تلغرافية. وحين استدعي نقشا فرعونيا على جدران معبد الكرنك يحكي عن جبيل،فقد أشار إلى علاقات تاريخية متجذرة. وحين قرر حقيقة أن أقلام بيروت فاضت أدبا وثقافة وصحافة وسياسة على ضفاف النيل، حين أُجبرت على السكوت خلال عقود الحرب الأهلية اللبنانية، فقد أقر بالفضل لمصر التي فتحت قلبها لفناني لبنان ومبدعيها ليصدحوا من القاهرة بلهجتهم وثقافتهم. تتبعت سيرة العماد عون بعد كلمته تلك فوجدت أن بلاغته وتمكُنه من لغة الخطاب السياسي والبلاغي كانت موضع اهتمام أكاديمي، فقد نال باحث درجة الماجستير في اللغة العربية عن خطب عون العسكرية من الجامعة اللبنانية. والعماد ميشيل عون شخصية عسكرية لبنانية بامتياز، ولديه دورات متخصصة في مكافحة الإرهاب وترقى حتى صار قائد لواء منذ عام 2013، حتى تولى قيادة الجيش اللبناني منذ 2017، إلى أن تم انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية بأغلبية كاسحة. ومنذ تولى المهمة الدستورية رئيسا للبلاد أعلن عون في خطاب القسم تلك الثوابت التي ستقوم عليها رئاسته للبنان، ولعل أهمها تأكيده على فصل السلطات وحرصه على استقلال القضاء، والتأكيد على حق الدولة والجيش اللبناني وحده في احتكار السلاح، وفي هذا الشأن أكد على إمكانية إلحاق منتسبي الميليشيات بالجيش اللبناني بعد تخليهم عن حمل السلاح. أما على المستوى الخارجي فقد أكد حرصه على تعزيز العلاقات وبناء الشراكات مع الدول العربية، مع الانفتاح شرقا وغربا. الأمر الذي شرع عون في تنفيذه بزيارة المملكة السعودية والقاهرة، ثم استقباله لاحقا للرئيس الفلسطيني في بيروت. وهو ما وصفه السيد أحمد أبو الغيط بعهد جديد بدأ في لبنان وانطلاقة في علاقة لبنان بمحيطه العربي. في كلمته بحضور الرئيس السيسي خلال استقباله له بالقاهرة أمس الاثنين كان عون واقعيا حين طالب بضرورة قيام نظام " المصلحة " العربية المشتركة، والذي يقوم على إنشاء هيئة جدية ناظمة للمصالح المشتركة، وإقامة سوق عربية مشتركة، وكان عمليا إذ طالب ببدء تلك السوق، ولو بين بلدين اثنين فقط، ثم التوسع التدريجي. طموح كبير يتطلب استقرارا ثابتا مبنيا على سلام دائم مرتكز على عدالة تمنح كل الحقوق لأصحابها، أو ما أسماه عون سلام العدالة. وهذا طرح عملي يمكن أن يعيد بلورة العلاقات العربية - العربية في إطار ما يواجهها من تحديات انعكست في مستوى الحضور الرئاسي لقمة بغداد المنتهية منذ أيام. وأعود لأسجل إعجابي بالرئيس اللبناني جوزيف عون والذي شد انتباه المتابعين للشأن العربي منذ كلمته عقب حلف اليمين رئيسا للبنان، بلغة عربية سليمة وعبارات واضحة وتعهدات حاسمة ألزم نفسه فيها بأن لا يقبل مافيات أو بؤر أمنية أو تبييض أموال أو حمل سلاح خارج مؤسسات الدولة أو فساد أو تهريب أو تجارة مخدرات أو تدخل في القضاء أو محسوبيات أو حماية لمجرمين فاسدين. طموحات مشروعة ليس للرئيس اللبناني وحده، بل لكل اللبنانيين الذين عاشوا عقودا طويلة من الخوف والقلق والاحتراب الأهلي الذي عطّل مسيرة التنمية ودمّر وطنا كان يعرف فيما مضى بجنيف الشرق، لكن اللبنانيين قادرون لا محالةعلى استعادة بريق وطنهم ومكانته بهذه الروح وهذه العدالة التي يسعى عون اليوم إلى نشرها بين كل المواطنين بكل طوائفهم وانتماءاتهم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store