logo
#

أحدث الأخبار مع #خورخيماريوبيرغوليو

هل يعود منصب البابا لبريطانيا بعد نحو 900 عام؟
هل يعود منصب البابا لبريطانيا بعد نحو 900 عام؟

Independent عربية

time٢٧-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

هل يعود منصب البابا لبريطانيا بعد نحو 900 عام؟

لم يكن البابا فرنسيس الذي رحل عن عالمنا قبل أيام مرشحاً للمنصب عندما جاء الفاتيكان عام 2013 كاردينالاً أرجنتينياً يحمل اسم خورخي ماريو بيرغوليو حجز تذكرة سفره ذهاباً وإياباً ليصوت في "المجمع المغلق" على اختيار خليفة لـ"بندكت السادس عشر"، لكن شاءت الأقدار أن يجلس على رأس الكنيسة الكاثوليكية العالمية لأكثر من 12 عاماً. المفاجأة التي جاءت بفرنسيس في مارس (آذار) 2013 قد تتكرر في مايو (أيار) المقبل، حيث لا يوجد مرشح مفضل بين الكرادلة الذين يحق لهم التصويت، واجتماعهم المغلق الذي يتوقع له أن ينطلق في الـ10 من مايو المقبل، لا أحد يعرف كم سيدوم قبل أن يصعد الدخان الأبيض معلناً اختيار خلفية لـ"بابا الفقراء"، الذي شارك في مراسم دفنه في الفاتيكان قبل أيام أكثر من 150 زعيماً وقائداً حول العالم يتقدمهم رئيس أميركا دونالد ترمب. ضبابية المشهد دفعت بشبكة "سكاي نيوز" الإنجليزية إلى التساؤل حول إمكان عودة الباباوية إلى المملكة المتحدة بعد نحو 900 عام، حيث كان آخر بريطاني تولى هذا المنصب هو البابا أدريان الرابع عام 1159 قبل أن يضطرب التاريخ الكاثوليكي في البلاد على يد الملك هنري الثامن الذي تمرد على روما وجعل كنيسة إنجلترا مستقلة وتتبع للتاج فقط. يوجد في "المجمع المغلق" للكاثوليك اليوم 3 كرادلة بريطانيين يحق لهم الترشح والتصويت على اختيار البابا الجديد هم رئيس الكنيسة الكاثوليكية في إنجلترا وويلز الكاردينال فينسنت نيكولز (79 سنة)، والكاردينال تيموثي رادكليف (79 سنة)، والكاردينال آرثر روش (75 سنة)، إضافة إلى رابع هو مايكل فيتزجيرالد (87 سنة)، لم يعد يحق له المشاركة فعلياً، لكنه يستطيع لعب دور كبير في حشد الأصوات ودعم أي من الثلاثة السابقين. فيلم "كونكلاف"، أي "المجمع المغلق" الذي أنتج العام الماضي وحاز في 2025 جائزة "الأوسكار" لأفضل سيناريو مقتبس، شرح عملية اختيار البابا بطريقة جذابة وبسيطة للناس، فأظهر أن الكرادلة لا يخوضون جولة التصويت الأولى استناداً إلى قائمة مرشحين يجب المفاضلة بينهم، لكن الاختيار النهائي يسبقه مفاوضات كثيرة ومعقدة بين المجتمعين. في الفيلم المقتبس من رواية "المجمع الباباوي" للكاتب البريطاني روبرت هاريس الأكثر مبيعاً حول العالم، يلعب دور البطولة الممثل البريطاني رالف فاينس ويجسد شخصية الكاردينال لورانس الذي يقود المفاوضات والتفاهمات لاختيار البابا وإنقاذ الفاتيكان من خطر وجودي، صحيح أن السينما تعبر عن حدس الكتاب والمخرجين فحسب، لكن نبوءات الأفلام لم تكن يوماً مستحيلة التحقق في الواقع، بل ربما أريد لها أحياناً التمهيد له، إن جاز التعبير. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) والمفاجأة التي تنتظرها بريطانيا "العاصية" بعد كل هذه القرون، تحلم بها آسيا وأفريقيا فيكون منهما أول بابا في تاريخ الكرسي الممتد إلى زمن القديس بطرس الذي امتدت ولايته بين سنة 33 إلى 67 ميلادية، ثم تلتها 264 ولاية عرف العالم خلالها 262 رجلاً جلسوا في هذا المكان حتى أبريل 2025، حيث يمنع النساء من تولي هذا المنصب حتى اليوم. المرشح الأوفر حظاً من آسيا هو رئيس أساقفة الفيليبين لويس أنطونيو تاغلي الذي يبلغ من العمر 67 سنة، يليه من ميانمار تشارلز ماونغ بو بعمر 76 سنة، أما في أفريقيا فهناك رئيس أساقفة كينشاسا فريدولين أمبونجو بيسونغو الذي صنع لنفسه اسماً كبيراً قبل أن يبلغ 65 سنة، لكنه في رأي البعض متشدد كثيراً في قضايا مثل المثلية الجنسية وتفاصيلها، وهناك أيضاً الكاردينال روبرت سارة من غينيا، لكنه سيبلغ الـ80 بعد نحو شهرين. الأميركيون أيضاً يأملون في مفاجئة تأتي بشخص منهم إلى كرسي الباباوية، ومن أبرز مرشحيهم الكاردينال رايموند ليو بيرك الذي يحسب على "المحافظين المنتقدين" لانفتاح البابا الراحل فرنسيس، أما الإيطاليون فهم يحلمون باستعادة منصب ظل لهم طوال القرن الماضي تقريباً حتى 1978 عندما انتخب البابا البولندي يوحنا بولس الثاني، ثم خلفه الألماني بندكت السادس عشر عام 2005 وبعدها الأرجنتيني فرنسيس عام 2013، وصولاً إلى اليوم. ما يزيد من تعقيد المشهد هو التنوع الذي لحق بمجمع الكرادلة في عهد البابا فرنسيس، حيث بات يمثل 71 دولة مقابل 48 عام 2013، كذلك زاد عدد الكرادلة إلى 252 بينهم 135 يحق لهم التصويت والترشح للمنصب لأن أعمارهم لم تصل إلى 80 سنة، وهؤلاء ينقسمون بين 23 يتحدرون من آسيا، و53 أوروبياً (17 من إيطاليا وحدها)، 23 ينتمون إلى أميركا الوسطى والجنوبية، و14 من أميركا الشمالية، إضافة إلى و18 أفريقياً و4 أستراليين. الكرادلة هم أصحاب الرتبة الكنسية الأعلى بعد البابا يعينون بمرسوم منه ولا يخضعون لأي ولاية قضائية باستثناء سلطته، يعد انتخاب البابا الجديد المهمة الأبرز لهم عبر اجتماع قد يستغرق أياماً في كنيسة "سيستين"، ولا يسمح لأحد بمغادرته قبل إتمام المهمة وإعلان ذلك للعالم وللحشود في ساحة الفاتيكان عبر دخان أبيض يتصاعد من مدخنة الكنيسة. حشد الأصوات هو كلمة السر في العملية، فالكرادلة في "المجمع المغلق" لا يعرفون بعضهم كثيراً، وهم يتوجهون إلى الفاتيكان في مناسبات نادرة أهمها اختيار البابا كل حفنة من السنوات وقد تصل أحياناً لعقود، توصد عليهم أبواب ليبدأوا المشاورات وتبادل الأحاديث، ثم يختار كل واحد مرشحاً فيكتب اسمه على ورقة بيضاء ويضعها في صندوق اقتراع، قد يحسم الأمر بتصويت واحد أو يحتاج إلى مرات عدة حتى يحصل كاردينال على ثلثي الأصوات. ثمة كثير من الحشد سيُجرى في أروقة الفاتيكان من أجل البابا الجديد بعد أيام، وستدور بعيداً من عدسات الإعلام سجالات كثيرة بين الكرادلة خلال اجتماعهم المرتقب، ولن تكون المهمة سهلة أبداً، ليس فقط بسبب اختلاف الانتماءات الجغرافية للمجتمعين، وإنما أيضاً لانقسامهم بين شخصيات تفضل الانفتاح وأخرى تتمسك بتقاليد الكنيسة وتحفظاتها، إضافة لإشكاليات ترتبط ببعض الأسماء المعروفة تجعل من الصعب الالتفاف حولها والاتفاق عليها.

وداع البابا "الثائر" يفتح "جرح" الكنيسة وصراعاتها
وداع البابا "الثائر" يفتح "جرح" الكنيسة وصراعاتها

Independent عربية

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • Independent عربية

وداع البابا "الثائر" يفتح "جرح" الكنيسة وصراعاتها

في بداية سبعينيات القرن الماضي كان خورخي ماريو بيرغوليو رئيساً إقليمياً للرهبنة اليسوعية في الأرجنتين. يومها وُصم بأنه "متشدد ومحافظ" ودخل في خلاف مع الرهبان اليسوعيين، فكان قرار بنفيه إلى قرطبة ثاني أكبر مدينة في البلاد. عامان مرا وعاد بعدهما إلى بوينس آيرس بشخصية أكثر مرونة وتفهماً، وبعدها بعقود وصل إلى روما ليقود 1.4 مليار كاثوليكي في العالم عبر "ثورة" أسقطت جدراناً بين الكنيسة وأتباعها وأقامت أخرى... إنما داخل أروقة الفاتيكان. "في الكنيسة متسع للجميع، من دون استثناء... ومن أنا لأدين" كرر البابا فرنسيس هذه العبارات في أكثر من لقاء ومقابلة عندما كان يسأل عن قرارات غير اعتيادية اتخذها طيلة نحو 12 عاماً في الفاتيكان، وهو الذي قال عقب اختياره خلفاً للبابا بنديكتوس الـ16 عام 2013 "علينا أن نحذر من مرض روحي يصيب الكنيسة عندما تنغلق على ذاتها، ولو كان علي أن أختار بين كنيسة جريحة تخرج إلى العالم، وكنيسة مريضة منغلقة على ذاتها، لاخترت الأولى". سنوات الحبر الأعظم، الذي توفي قبل أيام عن 88 سنة، أحدثت تغييراً ملموساً وكانت جدلية بامتياز وبخاصة أنها فتحت مرة جديدة وبصورة حادة جرح انقسام الكنيسة الأكبر في العالم بين تيارين متناقضين، بين الإصلاحيين والمحافظين. تساؤلات عما إذا كان خلفه سيكمل بالإصلاحات التي أطلقها أم سيعيد إرساء أسس أكثر تقليدية (ا ف ب) صراع الكرادلة والنفوذ منذ لحظة إعلان وفاة فرنسيس وانطلاق رحلة البحث عن خلف له، دخل أسياد الثوب الأحمر القرمزي الرامز إلى الدم، أي الكرادلة، في صراع مباشر تتداخل فيه عوامل الدين والانتماء والجغرافيا والسياسة والنفوذ العالمي، وحتى العرق واللون، وسط تساؤلات عما إذا كان خلفه سيكمل بالإصلاحات التي أطلقها الراحل أم سيعيد إرساء أسس أكثر تقليدية داخل الفاتيكان، إحدى أكثر المؤسسات سرية وغموضاً في العالم. كما أن اختيار الحبر الأعظم الجديد يأتي في توقيت بالغ الحساسية والأهمية عالمياً مع عودة الرئيس الجمهوري دونالد ترمب إلى البيت الأبيض ومعه إلى ساحة الصراع العالمي، وكذلك تصاعد نفوذ اليمين المتطرف وبخاصة في دول أوروبية. في المقابل فإن مجمع الكرادلة الذي يضم نحو 250 كاردينالاً، ويُرتقب أن ينعقد في بدايات مايو (أيار) المقبل لانتخاب البابا الجديد، شهد في عهد فرنسيس تغييرات جذرية تمثلت، وفق تقارير، بتعيين 163 كردينالاً جديداً على مدار أعوام من 76 بلداً، بينها 25 دولة لم تكن ممثلة في السابق، مما سحب البساط مبدئياً من أوروبا داخل هذا المجمع، باعتبار أن أكثرية ثلثي الكرادلة ليسوا من القارة العجوز. وهنا يقول مؤلف كتاب "المصلح العظيم: فرنسيس وصناعة بابا راديكالي"، أوستن إيفري، إن التعيينات التي قام بها الأخير داخل مجمع الكرادلة قد تؤدي إلى انتخاب بابا يلبي حاجات الكنيسة في هذا العصر. لكن هذا الأمر تحوم حوله شكوك كثيرة، فاختيار الخلف يحتاج إلى ثلثي أصوات الكرادلة المؤهلين للتصويت، فيما لا يحظى المحافظون ولا الإصلاحيون بهذه الأكثرية، مما يعني حكماً اشتداد الصراع قبل خروج الدخان الأبيض أو حتمية إجراء اتفاق بين التيارين اختيار الحبر الأعظم الجديد يأتي في توقيت بالغ الحساسية والأهمية عالمياً (ا ف ب) صراع اليوم يعيد ماضي القرون الوسطى حين انقسمت الكنيسة بين تقدميين وتقليديين، حتى أن مجلة "بوليتيكو" كانت بدورها نشرت مقالاً ذكرت فيه أن مجمع الكرادلة لم يعد راهناً يتمتع بالتماسك السابق نفسه، وهو ما يعود جزئياً إلى تعيينات البابا فرنسيس، إذ عبر التاريخ كان الكرادلة في غالبيتهم إيطاليين أو أوروبيين، لكن التغييرات الأخيرة أعطت 73 كاردينالاً حق التصويت في المجمع وهم من خارج أوروبا، مما قلل من فرص بناء تحالفات داخلية. فيما تقول تقارير إن الجناح المحافظ يقوده أسقف نيويورك الكاردينال تيموتي دولان والألماني غيرهارد مولير، بينما يبرز في الجناح الإصلاحي الكاردينال جان كلود هولريتش من لوكسمبورغ الذي يعدّ صغر سنه (66 سنة) عائقاً في وجه انتخابه، والكندي مايكل زيرني اليسوعي. لماذا أغضب البابا فرنسيس المحافظين؟ من دون مهادنة وبصورة واضحة وعلنية، انتقدت شخصيات دينية محافظة في الفاتيكان تعامل البابا الراحل مع كثير من الملفات، بعضها جوهري وأساس في تاريخ الكنيسة، حتى أن كتباً ومذكرات وتصريحات إعلامية وتقارير صحافية، انتقدته بصورة مباشرة وبعضها سأل عما إذا كان البابا الراحل "كاثوليكياً"، في إشارة إلى خروجه عما هو مألوف. وفي تاريخ الحبرية الممتد على مئات الأعوام، لطالما اعتبر المحافظون إلى جانب الحبر الأعظم، إلا أن ما حصل مع برغوليو كان سابقة، وما رآه مئات آلاف المسيحيين حول العالم انفتاحاً مطلوباً وكنيسة أكثر شمولية، اعتبره التيار المتشدد ابتعاداً عن الجذور والتأسيس... وحتى انقلاب. أيضاً كان البابا الراحل على خلاف واضح مع رموز اليمين المسيحي الأميركي المحسوبين بصورة أو بأخرى على التيار المحافظ ولهم تأثيرهم في عملية انتخاب البابا الجديد، وليس بعيداً انتقاده المباشر المتكرر والعلني لسياسات الرئيس دونالد ترمب المتعلقة بملاحقة المهاجرين غير الشرعيين، داعياً إلى "التأمل في المحبة التي تبني أخوة مفتوحة للجميع من دون استثناء". وفي السياق نفسه، يقول موقع بوليتيكو إن "جماعة ترمب تركوا تأثيرهم في السياسة الأوروبية، ولن تكون لديهم مشكلة في التدخل بالمجمع الانتخابي (لانتخاب بابا جديد)، فيما سيرغب البيت الأبيض ربما ببابا أقل صدامية معهم". فرنسيس الإصلاحي وأحياء الأرجنتين في رحلة البحث عن أسباب اختلاف البابا فرنسيس عن بقية الباباوات أو أقله آخر اثنين منهم، لا يمكن إلا أن نتوقف عند النشأة والطفولة، فالبابا يوحنا بولس الثاني، البولندي الأصل، ولد ونشأ في بلدة هادئة تقليدية طبعت بلا شك شخصيته، كذلك الأمر بالنسبة إلى البابا بنديكتوس الـ16 الذي ولد وعاش في قرية بالريف الألماني. هدوء الريف الأوروبي قابله صخب الأحياء الأرجنتينية الشعبية حيث لا صوت يعلو على صوت رقصة التانغو وضجيج الناس والشوارع، وهذا ما يربطه متابعون بقرب البابا فرنسيس من الشعب وبخاصة الفئات المهمشة والضعيفة. يربط متابعون قرب البابا فرنسيس من الشعب وبخاصة الفئات المهمشة بنشأته وطفولته في الأرجنتين (ا ف ب) واللافت أن خورخي ماريو بيرغوليو كان استثنائياً في أكثر من ناحية وزاوية، فهو أول بابا من أميركا اللاتينية وأول بابا يسوعي، وأول من تم انتخابه وسلفه (بنديكتوس الـ16) على قيد الحياة، وأول من اختار اسم فرنسيس، وأول من زار دولاً لم يطأها حبر أعظم من قبل كالعراق وكورسيكا، وأول من أقام خارج القصر الرسولي مفضلاً البقاء في دير القديسة مارتا المتواضع، ولبس اللباس العادي واختار التنقل في سيارة متواضعة. قد تكون هذه الاستثناءات عادية، لكن أخرى لم تمر مرور الكرام، ومنها أنه كان أول من أسند أدواراً مهمة وأساسية للنساء والعلمانيين في الكوريا الرومانية، وأول من ألغى السر الباباوي في قضايا الاعتداءات الجنسية، وأول من بارك المثليين، وغيره الكثير... مما ترك عواصف عاتية هزت أعمدة الفاتيكان، سندخل في تفاصيلها في الأسطر اللاحقة. توجس المحافظين من فرنسيس الإصلاحي "شاغب" فرنسيس في قضايا خشي كثير من الباباوات السابقين فتح أبوابها المغلقة، كما أثار ريبة التقليديين أو المحافظين داخل الكنيسة الكاثوليكية بقرارات وصفت بالثورية، هي خمسة ملفات كبرى طبعت مسيرة الراحل داخل أروقة الفاتيكان، وصدمت كل واحدة منها مئات ملايين الكاثوليك حول العالم طوال 12 عاماً. أولاً، تخطى البابا فرنسيس تقاليد كانت قائمة منذ مئات الأعوام ووسع دور المرأة في الكنيسة الكاثوليكية، فمنحها حق التصويت في السينودس، الذي نالته الأخت ناتالي بيكوار عام 2021، كذلك عين باربارا جاتا مديرة لمتاحف الفاتيكان عام 2016، ورفع الأخت رافاييلا بيتريني إلى رئاسة حاكمية الفاتيكان. قراراته عبر عنها المؤرخ الكنسي ماسيمو فاجيولي بقوله "جعل ما كان مستحيلاً… قابلاً للتداول". فرنسيس "كسر" الخوف من أية مقاربة طقوسية لدور المرأة في الكنيسة (ا ف ب) فرنسيس الذي "كسر" الخوف من أية مقاربة طقوسية لدور المرأة في الكنيسة، أنشأ أيضاً لجنتين لدراسة الشماسات، لكن في الوقت عينه أبقى تمسكه بالعقيدة في رفض كهنوت النساء، وهو ما يرفضه أيضاً المحافظون بصورة قاطعة. بالأرقام، كشفت صحيفة الديباتي الإسبانية، أنه خلال العقد الأول من حبرية فرنسيس ارتفعت نسبة النساء العاملات في الفاتيكان من 19.2 إلى 23.4 في المئة، إلا أن هذا الارتفاع وعلى رغم أهميته لم يكن بالمستوى الذي أراده التقدميون داخل الكنيسة وخارجها. ثانياً، فتح الحبر الأعظم الراحل واحداً من أخطر وأكثر الملفات غموضاً وسوداوية في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، إنه ملف تحرش رجال الدين واعتدائهم على أطفال وقاصرين، الذي كان مجرد الحديث عنه في الإعلام من المحرمات و"خطيئة"، بل في مراحل سابقة في منتصف القرن الماضي، لم يتم تصديق الضحايا أو الإصغاء إليهم واعتبروا أنهم أسهموا بطريقة أو بأخرى بما حصل لهم. لكن ما الذي فعله البابا؟ ولماذا يؤخذ عليه عدم نجاحه في إقفال هذا الملف؟ عملياً وخلال أعوام حبريته الـ12، تم إصدار نحو 60 مرسوماً لتعديل القانون الكنسي والنظام القضائي الفاتيكاني تضمنت قواعد وإجراءات أكثر صرامة في مكافحة الانتهاكات الجنسيّة، مثال على ذلك الوثيقة التي صدرت عام 2019 ضمن قمة حماية القاصرين في الفاتيكان، وعبرت عن استعداد الكنيسة للعمل بحقيقة وشفافية في موقف تائب، والأهم هو المرسوم الذي صدر ومن خلاله رُفع العمل في ما يعرف بقاعدة "السرية الباباوية" عن قضايا الاعتداءات الجنسية ضد قاصرين. إذ كانت الكنيسة تفرض سابقاً تعتيماً على حالات الاعتداء الجنسي وتحيطها بسرية، وتتعامل مع هذه القضايا وفق قاعدة السرية التي وضعت أساساً لحماية المعلومات الحساسة المتعلقة بالكنيسة، لكنها تحولت لاحقاً إلى أداة للإفلات من العقاب. كذلك وضع البابا فرنسيس إجراءات جديدة للإبلاغ عن التحرش والعنف، وأدخل مفهوم المساءلة، ومن خلاله يرغم الكهنة والرهبان والراهبات على التبليغ عن أية شبهة باعتداء جنسي أو تحرش، وكذلك عن تغاضي مسؤولي الكنيسة عن هذه الأفعال. الحبر الأعظم غير أيضاً تعريف الفاتيكان لاستغلال الأطفال في شكل إباحي، بحيث يشمل تعريف القاصر من هم دون 18 سنة بعدما كان 14. وقبلها كان اعتذر علنياً عام 2018 عن الإساءة إلى الطفولة عبر حوادث التحرش التي قام بها رجال دين. لكن وعلى رغم كل هذه القرارات، طاولته انتقادات علنية وبخاصة من المحافظين بأنه لم يقفل البابا على هذا الملف بصورة تامة، بل بقيت تتكشف حالات تحرش في أعوام حبريته. ثالثاً، قراره بمنح المطلقين المتزوجين مجدداً الحق في تناول القربان المقدس، الذي اعتبر حينها من بين أكثر القرارات إثارة للجدل. في التفاصيل، مضى البابا فرنسيس، ومنذ خلال "الإرشاد الرسولي" الذي تضمن خلاصة ما توصل إليه سينودوس عامي 2014 و2015، في ما كان ينتظره المطلقون الذين تزوجوا مرة ثانية مدنياً خارج الكنيسة، من خلال الدعوة إلى رفض إدانتهم، هذا الملف حسم من خلال وثيقة طويلة مؤلفة من 260 صفحة ومخصصة للعائلة والزواج بعنوان "فرح الحب"، وفيها تم التطرق إلى مسألة المناولة التي تعتبر ذروة الليتورجيا الكاثوليكية، وتعد المطلب الأساس للكاثوليك المتزوجين مدنياً بعد طلاق. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) رابعاً، الخطوة الأكثر إثارة للجدل على الإطلاق في مسيرة البابا فرنسيس بأكملها، الذي منح بموجبها البركة للمتزوجين من الجنس نفسه، وهو قرار وصفه كثيرون بالانقلاب غير المسبوق في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، ففتح المحافظون "نار" الانتقادات. في الوثيقة نفسها المذكورة أعلاه فقرتان تتطرقان إلى ضرورة إحاطة العائلات "التي يظهر أحد أفرادها ميولاً مثلية"، فيما أكد فرنسيس نفسه "على ضرورة احترام كل شخص في كرامته والتعامل معه باحترام بمعزل عن ميوله الجنسية"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن "لا أساس لأي وجوه شبه ولو من بعيد بين زيجات مثليي الجنس ومقاصد الله حول الزواج والعائلة". ليس ذلك فقط، بل أصدرت "دائرة عقيدة الإيمان" في نهاية عام 2023 وثيقة تحمل موافقة البابا رسمياً على السماح للقساوسة بمباركة الأزواج المثليين، مما اعتبر انقلاباً تاريخياً غير مسبوق في سياسة الفاتيكان لناحية التعامل مع المثليين. وفي حين أشارت الوثيقة حينها، إلى أن الزواج "سر مقدس مدى الحياة بين رجل واحد وامرأة واحدة"، فإنها أكدت أن "طلبات الحصول على البركات في زواج المثليين لا ينبغي رفضها تماماً". هذه الوثيقة فجرت بركان انتقادات داخل الفاتيكان وبخاصة من قبل التيار المحافظ، مما دفع الفاتيكان لإصدار بيان توضيحي يؤكد فيه أن عقيدة الزواج لن تتغير ومنح البركة للأزواج المثليين لا تعني أبداً الموافقة على الزواج. أصدرت "دائرة عقيدة الإيمان" عام 2023 وثيقة تحمل موافقة البابا على مباركة الأزواج المثليين (ا ف ب) وبالعودة إلى عام 2013، صدم برغوريو العالم بتصريح قال فيه إن "المثلية خطيئة وليست جريمة" متسلحاً بجواب السيد المسيح قائلاً "ومن أنا حتى أدينهم؟"، ليأتي الموقف التالي عام 2016 عندما قال إنه على الكنيسة الكاثوليكية أن تعتذر للمثليين، بسبب الأسلوب الذي تعاملت به معهم. ولتبيان الفرق الشاسع بين فرنسيس وبنديكت الـ16، كان الأخير وصف زواج المثليين بأنه من الأخطار التي تهدد النظام التقليدي للأسرة وتقوض مستقبل البشرية نفسها. خامساً وأخيراً، التقارب مع الديانات الأخرى وبالتحديد الإسلام بعد أعوام طويلة كانت أشبه بالقطيعة، فعمل الحبر الأعظم الراحل على زيارة الشرق الأوسط ومراكزه الإسلامية مرات عدة، ووقّع وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك مع شيخ الأزهر الإمام الأكبر الشيخ الدكتور أحمد الطيب في أبو ظبي عام 2019. ومن قراراته التي تعتبر "تركة" ثقيلة على خلفه، الاتفاق التاريخي مع الصين، الذي منح بموجبه الحكومة الصينية صلاحيات أوسع في اختيار الأساقفة، وهو مما لم يُعمل به من قبل في تاريخ الكرسي الرسولي. وعلى رغم اعتراض الكثير من التقليديين على هذا التوجه بوصفه تنازلاً من الكنيسة للحكومة الشيوعية في بكين، فإن مؤيديه يقولون إن فرنسيس تنازل عن بعض الاستقلالية في اختيار الأساقفة التي سعى الفاتيكان جاهداً إلى تحقيقها، في سبيل تحقيق مصلحة أشمل. فضائح مالية في الفاتيكان ثورة البابا الإصلاحية لم تقتصر على جوانب دينية واجتماعية وجندرية، بل تعداها إلى ما هو مالي في الكنيسة الكاثوليكية، وقد نجح عقب قرارات عدة في مواءمة قواعد الكنيسة المالية وأجهزتها الرقابية أسوة ببقية الدول، وفق الهيئة الأوروبية لمكافحة غسل الأموال. وفي السياق، أقفل مصرف الفاتيكان الذي يدير كتلة نقدية تفوق الـ6 مليارات يورو، 5000 حساب مشبوه خلال أعوام حبرية البابا فرنسيس، ووفق تقارير صحافية تراجع العجز في موازنة الفاتيكان بنسبة 65 في المئة بعد إخضاعها لهيئة رقابية جديدة. في حين أُحيل عدد من كبار المسؤولين السابقين عن مالية الكنيسة إلى المحاكمة، وعلى رأسهم وزير المالية السابق الأسترالي جورج بيل. كذلك خرجت فضيحة كبرى إلى العلن عام 2023 تتعلق بأحد أقوى الكرادلة فى الفاتيكان ويدعى أنخيلو بيتشو، الذي استقال بعد محاكمته بتهمة الشراء الفاسد لعقار فخم في لندن باسم الفاتيكان، على رغم أنه كان من المقربين من البابا فرنسيس. وشكلت محاكمة بيتشو اختباراً للإصلاحات المالية التي سعى الراحل إلى تطبيقها، وقام قبل انطلاقها بإعطاء المحاكم المدنية في الفاتيكان صلاحية ملاحقة الكرادلة والأساقفة بعدما كان الأمر يقتصر على محاكم يترأسها رجال دين. كثيرة هي الترجيحات والسيناريوهات التي يتناقلها متابعون للشأن الكنسي عن خليفة فرنسيس، بين هوية آسيوية أو أفريقية، أو عودة إلى الحبرية الإيطالية، ولا أحد حتى الساعة لديه الاسم اليقين، لكن ما تيقن منه المتابعون هو أن برغوريو شق دروب التغيير في صميم الفاتيكان عبر تحول بنيوي غير عابر أو مرحلي، ولم يعد بإمكان الكنيسة الكاثوليكية العودة إلى مراحل سابقة. توجهات بنديكتوس المحافظة قابلتها رؤى فرنسيس التي تميل إلى اليسار (ا ف ب) عن علاقة راتزينغر المحافظ ببرغوريو الإصلاحي عندما استقال البابا بنديكتوس الـ16 عام 2013، وانتُخب البابا فرنسيس، حصلت سابقة في تاريخ الكنيسة تمثلت بوجود باباوين في الوقت نفسه على قيد الحياة، والأهم أن كلاً منهما ينتمي إلى تيار، فالأول محافظ والثاني تقدمي. بعد عدة أيام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، من وفاة بنديكتوس، صدر كتاب يحوي أدق أسرار حياة الرجل، كتبه تلميذه المقرب وسكرتيره الإداري رئيس الأساقفة جورج غانسوين الألماني الجنسية، وحمل عنوان "لا شيء سوى الحقيقة... حياتي برفقة البابا بنديكتوس الـ16". من دون الدخول في كثير من تفاصيل ما ذكره الكتاب، إلا أنه كشف عن بعض من علاقة الباباوين الراحلين، ومنها مثلاً أن نقطة الخلاف الأول بين فرنسيس وبنديكتوس كانت عندما رفض الأول، وبعد انتخابه مباشرة، الإقامة في شقة القصر الرسولي المخصصة تقليدياً للباباوات. يدخل الكاتب في توجهات بنديكتوس المحافظة، ورؤى فرنسيس التي تميل إلى اليسار، ويتوقف عند "صدمة" بنديكتوس من قرار فرنسيس بإعطاء المناولة المقدسة للمطلقين والمتزوجين من جديد خارج الكنيسة. يترقب العالم مجمعاً انتخابياً متوتراً مرشحاً لأن يتحول إلى ساحة صراع حاد بين التيارات المحافظة والإصلاحية (ا ف ب)​​​​​​​ وعبر صفحات الكتاب عينه نجد قصة أخرى تتصل بتسريب رسالة من بنديكتوس، يعرب فيها عن انزعاجه من تغيير فرنسيس قواعد صلوات القداس اللاتيني القديم، مما اعتبر من جانب التيار المحافظ في الفاتيكان توجهاً يسارياً جديداً يقوده فرنسيس داخل الكنيسة. ويقول جورج غانسوين "إن المشكلة ليست حقيقة وجود اثنين من الأحبار على قيد الحياة، ولكن ولادة وتطور مجموعتين حزبيتين، لأنه بمرور الوقت أصبح من الواضح أن هناك رؤيتين مميزتين للكنيسة، وقد خلقت هاتان المجموعتان توتراً ردده الآخرون الذين لم يكونوا على دراية بالديناميات الكنسية". ترقب لما هو مقبل وقلق من التغيير العكسي "أخرج الباباوية من القصر إلى الشوارع" بهذه العبارة وصفت مجلة "التايم" الأميركية البابا فرنسيس عام 2013 عندما منحته لقب "شخصية العام" ووصفته بأنه "بابا الشعب" كونه عمل على تقريب الكنيسة من الناس، لكن شعبية فرنسيس أزعجت وأقلقت من دون شك المحافظين في الكنيسة الكاثوليكية، الذين طالما رأوا في بعض الآباء السابقين، مثل يوحنا بولس الثاني، رجلاً يتمتع بشعبية جارفة لم تمنعه من الالتزام بالخط الكاثوليكي التقليدي. فيما يؤكد كثيرون أن فرنسيس لم يخرج عن أسس الكنيسة التاريخية، لكنه حاول رسم طريق وسط بين مشروع التقليديين الذي تركه بنديكت، وثورية الإصلاحيين التي تلبي حاجات جيل الشباب والعصر الحديث. واليوم مع وداعه رسمياً بحضور نحو 50 رئيس دولة حول العالم وعشرات القيادات، يقلق أتباع الكنيسة الكاثوليكية من أن يضغط خليفة فرنسيس لإغلاق المجال الذي أسهم في فتحه البابا القادم من الأرجنتين. فيما يترقب العالم مجمعاً انتخابياً متوتراً، مرشحاً لأن يتحول إلى ساحة صراع حاد بين التيارات المحافظة والإصلاحية داخل الكنيسة.

فرنسيس والأخوة الإنسانية
فرنسيس والأخوة الإنسانية

الاتحاد

time٢٣-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الاتحاد

فرنسيس والأخوة الإنسانية

فرنسيس والأخوة الإنسانية عندما تم اختيار خورخي ماريو بيرغوليو في الثالث عشر من مارس 2013 ليعتلي الكرسي الرسولي تحت اسم البابا فرنسيس، لم يكن ذلك انتقالاً شكلياً من موقعه السابق كرئيس لأبرشية بيونس آيرس بل كان إيذاناً بظهور صوت عالمي في الدفاع عن الكرامة الإنسانية وتعزيز ثقافة السلام. ومنذ الأيام الأولى لحبريته، أطلق البابا القادم من بيئة بسيطة خطابًا يلامس القيم الكبرى التي تتقاطع عندها الضمائر: الرحمة، والتواضع، والسلام، وقد برزت في توجهاته ملامح قائد أخلاقي عالمي، يتحدث بلغة إنسانية سامية تجعل من الإنسان القيمة المركزية في بناء الحضارات الحية. ولقد تميزت مسيرته بنهج منفتح على الأديان والحضارات حيث حرص على فتح آفاق جديدة للتعارف والتواصل بين الشعوب، ومَدَ جسوراً صادقة للحوار والتقارب. فمن المغرب ومصر إلى دولة الإمارات، ومن العراق إلى البحرين، مروراً بإندونيسيا، ظل يحمل في كل محطة رسالة الأخوّة الإنسانية، مؤكداً على أن السلام لا يُبنى إلا على أسس راسخة من الاحترام المتبادل، والاعتراف بالآخر كشريك حقيقي في الوجود والمصير. لقد حمل فرنسيس نداء الأخوّة، بوصفه قناعة إيمانية وأخلاقية، مؤمناً بأن الأديان، عندما تصغي إلى جوهرها النقي، تتحول إلى جسور لا جدران، ومرافئ لقاء لا ميادين صراع، وبأن الحوار الصادق هو السبيل الأنجع إلى تجاوز الانقسامات وتعزيز المشترك الإنساني. وتتويجاً لهذا المسار الإنساني المتدرج، جاءت زيارته إلى أبوظبي عام 2019 لتشكّل لحظة تاريخية بالغة الدلالة، ونقطة تحوّل مفصلية في مسار الحوار الديني العالمي، لقد دشّنت هذه الزيارة فصلاً جديداً في العلاقات بين الأديان، وفتحت الباب واسعاً أمام العالم للتأمل الجاد في إمكانيات التقارب الروحي والثقافي بين أتباع الديانات المختلفة. وقد وصف البابا فرنسيس زيارته لدولة الإمارات العربية المتحدة بأنها «ليست مجرد بادرة دبلوماسية، بل انعكاس حي لحوار أصيل والتزام مشترك برؤية إنسانية سامية» وهو وصف يعبّر عن عمق اللحظة وأبعادها الروحية، ويؤكد أن اللقاء لم يكن ظرفياً، بل تأسيسياً، أُريد له أن يكون نموذجاً لعصر جديد في العلاقات بين الأديان. في قلب هذه اللحظة التاريخية، برزت العلاقة الوثيقة والخاصة التي جمعت البابا فرنسيس بسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، حيث قامت هذه العلاقة على أسس من الاحترام المتبادل والرؤية المشتركة لقيم السلام والكرامة الإنسانية، وكانت الحاضنة الحقيقية التي توّجت بإعلان «وثيقة أبوظبي للأخوة الإنسانية». هذه الوثيقة، التي وقّعها البابا إلى جانب الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، لم تكن مجرد إعلان رمزي، بل جاءت ميثاقاً عالمياً للسلام والتعايش الإنساني، يؤكد على أن اختلاف المعتقدات والأعراق لا ينبغي أن يكون سبباً للفرقة، بل دافعا للتفاهم والاحترام. وقد شكلت الوثيقة محاولة جريئة لإعادة تعريف العلاقة بين الأديان في ظل التحديات العالمية المعقدة، ومهّدت الطريق لمرحلة جديدة من العلاقات بين الكاثوليك والمسلمين، وقدّمت رؤية عميقة لمعنى العيش المشترك، تؤسس لمرجعيات أخلاقية وإنسانية متينة. جاءت وثيقةُ الأخوة الإنسانية بوصفها نداءً مُلهِماً مفتوحاً للضمائر الحيّة، ودعوةً شجاعة إلى المصالحة والتلاقي بين بني الإنسان، سواء أكانوا من المؤمنين بالأديان، أم من أصحاب الإرادات الطيبة من غيرهم. لقد أرادت الوثيقة أن تشكل حاجزاً أخلاقياً وفكرياً أمام خطابات الكراهية والتطرّف، وأن تُعيد التذكير بالمبادئ الكبرى التي تشترك فيها الأديان في جوهر دعوتها إلى الرحمة، والتسامح، والإخاء. وفي عمقها الروحي والإنساني، أكدت الوثيقة على مركزية الإيمان بالله الواحد، الذي لا يفرّق بين البشر، بل يجمعهم على قيم الخير، ويوحّد القلوب في سعيها نحو الحق والخير والجمال، رافعةً بذلك منسوب الأمل في عالم يعاني من التشرذم والتصادم. لقد رأت الوثيقة في هذا اللقاء التاريخي لحظة فارقة في مسيرة الحوار الديني، ورسّخت من خلال أبوظبي نموذجاً حضارياً متقدماً، جعل منها عاصمة عالمية للسلام، وواحة أصيلة للتسامح الإنساني والديني. لقد تمثّل إرث البابا فرنسيس في رؤيته العميقة لإعادة بناء مفهوم العيش المشترك، في زمنٍ يشهد تفككاً في القيم، وتراجعاً ملحوظاً في المعاني الأخلاقية والإنسانية. لم يكن فرنسيس مجرد رجل دين أو زعيم روحي فحسب، بل كان ضميراً إنسانياً حيّاً، كرّس حياته للدفاع عن السلام، وصون الكرامة البشرية، وتعزيز الحوار بين الشعوب والثقافات. وبرحيل البابا فرنسيس، لم يخسر العالم زعيماً دينياً، بل خسر صوتاً صادقاً، وثابتاً في مبادئه، ورمزاً عالمياً لحوار الأديان والتلاقي بين الشعوب. لقد كان يؤمن بأن التعدد لا يُقصي، بل يُثري، وأن السلام ليس شعاراً، بل مساراً يبني من القلوب جسراً نحو عالم أكثر رحمة وتفاهماً. *مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية.

اسمه الحقيقي خورخي ماريو بيرغوليو... لماذا اختار البابا اسم فرنسيس؟
اسمه الحقيقي خورخي ماريو بيرغوليو... لماذا اختار البابا اسم فرنسيس؟

النهار

time٢١-٠٤-٢٠٢٥

  • منوعات
  • النهار

اسمه الحقيقي خورخي ماريو بيرغوليو... لماذا اختار البابا اسم فرنسيس؟

قبل أن يعتنق الكهنوت ويتبنى اسم فرنسيس، كان البابا يحمل اسم خورخي ماريو بيرغوليو. ولد في 17 كانون الأول/ديسمبر 1936 في بوينس آيرس، الأرجنتين، وكان الطفل الأول لماريو خوسيه بيرغوليو وريجينا ماريا سيفوري. كان والده ماريو محاسبًا من إيطاليا، بينما كانت والدته ابنة مهاجرين إيطاليين؛ وكان لخورخي ماريو بيرجوليو أربعة أشقاء. في 13 كانون الأول/ديسمبر 1969، رُسم كاهنًا ضمن الرهبانية اليسوعية. واستمر في قيادة النظام في الأرجنتين كرئيس إقليمي خلال الدكتاتورية التي شهدتها البلاد في السبعينيات. قبل وقت طويل من صعوده لقيادة الكنيسة الكاثوليكية، شغل البابا فرانسيس مجموعة متنوعة من الوظائف المتواضعة. أثناء حديثه في كنيسة في روما عام 2013، كان يتذكر تنظيف الأرضيات، والعمل في مختبر كيميائي، والتدريس في مدرسة ثانوية، وحتى العمل كحارس في الأندية للتعامل مع الجامحين، وفقًا لتقرير نشرته "تايمز أوف انديا". مع ذلك، لم يُفصح البابا فرنسيس عن تفاصيل فترة عمله كحارس أمن أو كيف أثرت تلك التجارب على قيادته للكنيسة الكاثوليكية الرومانية. بل ركز على كيف أن عمله اللاحق - تدريس الأدب وعلم النفس - "علّمه كيفية إعادة الناس إلى الكنيسة"، حسبما ذكرت صحيفة الفاتيكان "لوسيرفاتوري رومانو". درس الكيمياء وحصل على ديبلوم تقني في هذا المجال، قبل أن يصبح كاهنًا. ولكن ما الذي غيّر رأيه ودفعه إلى السعي وراء الروحانية؟ في حديثه عن ذلك، روى ذات مرة أن اعترافًا غيّر حياته مع كاهن لم يلتقِ به من قبل، واكتشف دعوته إلى الكهنوت. بابا ذو تجارب سابقة كان البابا فرنسيس، شخصيةً رائدةً متعددة، أول بابا من الأميركيتين، وأول من اتخذ اسم فرانسيس - مستوحىً من القديس فرنسيس الأسيزي، الراهب المحبوب المعروف بتفانيه للفقراء والمهمشين. أكاليل وإضاءة الشموع (أ ف ب) قبل انتخابه التاريخي للبابوية عام 2013، شغل منصب رئيس أساقفة بوينس آيرس باسمه الحقيقي، الكاردينال خورخي ماريو بيرغوليو. ورمز اختياره لاسم "فرانسيس" إلى التزامه بالتواضع والرحمة والخدمة. وكان البابا فرانسيس أيضًا أول بابا غير أوروبي منذ قرون، حيث سار على خطى البابا غريغوري الثالث السوري، الذي قاد الكنيسة من عام 731 إلى عام 741.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store