منذ 12 ساعات
الليستيريا... الخطر الصامت في طعامك اليومي!
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب
تُشكّل الليستيريا تهديدًا صحيًا حقيقيًا، خاصةً في ظل قدرتها على التسلل إلى غذائنا اليومي والتسبب بعدوى خطرة تُعرف باسم داء الليستريات . تنتمي هذه البكتيريا إلى الكائنات الدقيقة الموجودة في الطبيعة، مثل التربة والماء والنباتات، وقد تجد طريقها بسهولة إلى سلاسل الإنتاج الغذائي. وعلى الرغم من أن الإصابة بها قد تمرّ دون أعراض خطرة لدى الأصحاء، فإنها تمثل خطرًا جسيمًا على الحوامل، وكبار السن، والأشخاص الذين يعانون من ضعف في الجهاز المناعي.
تحدث العدوى عادة عن طريق تناول منتجات غذائية ملوثة، وتشمل الأطعمة غير المطهية جيدًا، أو الأجبان الطرية المصنوعة من حليب غير مبستر، واللحوم الباردة، والمأكولات البحرية المدخّنة. ما يميز الليستيريا عن غيرها من البكتيريا المسببة للأمراض المنقولة بالغذاء هو قدرتها على النمو في درجات حرارة منخفضة، مثل تلك الموجودة في الثلاجات، ما يجعلها خطرة حتى في الأطعمة المحفوظة تحت التبريد.
عند دخول الليستيريا إلى الجسم، تبدأ الأعراض في الظهور بعد فترة حضانة تتراوح بين عدة أيام إلى أسابيع، وقد تتضمن أعراضًا شبيهة بالإنفلونزا مثل الحمى، وآلام العضلات، والغثيان، والإسهال. إلا أن الخطر الحقيقي يكمن في حال انتشار العدوى إلى الجهاز العصبي المركزي، مما يؤدي إلى التهاب السحايا أو التهاب الدماغ، وهي حالات طبية طارئة قد تسبب الوفاة إذا لم تُعالج بسرعة. كما تمثل العدوى خطرًا كبيرًا على النساء الحوامل، حيث قد تؤدي إلى الإجهاض، أو ولادة طفل ميت، أو إصابة الجنين بعدوى شديدة عند الولادة.
تتجلى سلبيات الإصابة بالليستيريا في مضاعفاتها طويلة الأمد، خصوصًا لدى الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة. فقد تؤدي إلى مشاكل عصبية دائمة، أو ضعف في الذاكرة والتركيز، أو تلف في الدماغ. كما أن العلاج غالبًا ما يتطلب دخول المستشفى وتناول مضادات حيوية قوية، مما يشكل عبئًا صحيًا واقتصاديًا على المريض وعائلته.
وفي ظل التهديدات الصحية المتزايدة المرتبطة ببكتيريا الليستيريا، تبرز الوقاية كأداة أساسية لا غنى عنها في كسر سلسلة العدوى قبل أن تبدأ. فالمعركة ضد هذا النوع من البكتيريا لا تُخاض في المستشفيات فقط، بل تبدأ من المطبخ، ومن الوعي الفردي بسلوكيات التعامل مع الطعام. ومن هذا المنطلق، يصبح الالتزام بإجراءات الوقاية اليومية ضرورة لا اختيارًا.
تتضمن هذه الإجراءات مجموعة من الخطوات البسيطة لكنها فعّالة جدا، مثل غسل الخضراوات والفواكه جيدًا بالماء الجاري لإزالة أي شوائب أو بكتيريا قد تكون عالقة على أسطحها. كما أن طهي اللحوم والدواجن والأسماك بدرجات حرارة مناسبة يُعدّ أمرًا محوريًا، نظرًا لأن الحرارة العالية تقتل الليستيريا وتمنع انتقالها إلى الإنسان. إلى جانب ذلك، يجب تجنّب استهلاك الأطعمة المصنعة أو المعلّبة غير المبسترة، وخاصة من قِبل الفئات الضعيفة مثل الحوامل، والمسنين، والمصابين بأمراض مزمنة أو نقص في المناعة.
ولا تقتصر الوقاية على ما يُؤكل فحسب، بل تشمل أيضًا الممارسات اليومية في النظافة الشخصية وسلامة تخزين الأغذية. فالحفاظ على نظافة اليدين، والأدوات، والأسطح المستخدمة في تحضير الطعام يُقلّل من احتمالية انتقال التلوث. كذلك، يُنصح بتخزين الأطعمة المبردة في درجات حرارة مناسبة، وعدم ترك الأطعمة القابلة للتلف لفترات طويلة خارج الثلاجة. والأهم من ذلك، التحقق من مصدر المنتجات الغذائية والابتعاد عن شراء المواد الغذائية من أماكن تفتقر إلى معايير السلامة والرقابة الصحية.
في ضوء كل ما سبق، يمكن القول إن الليستيريا تمثل تهديدًا صامتًا، لا يبدو في ظاهره خطيرًا، لكنه يخفي وراء بساطته عواقب صحية قد تكون مأساوية. فالإهمال في التعامل مع هذا الخطر قد يؤدي إلى نتائج وخيمة، خاصة لدى الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. ومن هنا، تبرز أهمية التوعية العامة ونشر ثقافة السلامة الغذائية كخط دفاع أول، لا يمكن الاستغناء عنه.