#أحدث الأخبار مع #دافوسالأمن،النهار١٨-٠٢-٢٠٢٥سياسةالنهارميونيخ 1938... طيفٌ يقض مضاجع أوروبا"لقد خُيّرتَ بين الحرب والعار فاخترتَ العار، وستحصل على الحرب". هكذا، وجّه النائب ونستون تشرشل انتقاده اللاذع لرئيس الحكومة البريطاني المحافظ نيفيل تشامبرلين بعدما وقع اتفاقية ميونيخ في 30 أيلول (سبتمبر) 1938 والتي قضت باقتطاع منطقة السوديت من تشيكوسلوفاكيا ومنحِها لألمانيا النازية. سميت الاتفاقية أيضاً باتفاقية "الخيانة" لأن بريطانيا (ومعها فرنسا) تخلتا عن اتفاقية أمنية وقعتاها في العقد السابق مع تشيكوسلوفاكيا. بالمقابل، حصلت المملكة المتحدة على تعهد من هتلر بأنه لن يتوسع في أوروبا. سرعان ما تبين أن "سلام زماننا"، الخطاب الذي ألقاه تشامبرلين تبريراً لاتفاقيته، تحول إلى حرب زمانه. دار دورته كأن أوروبا عادت إلى الوراء أكثر من 66 عاماً. الطيف الأبرز الذي ساد أجواء أوروبا الأسبوع الماضي، ومن ضمنه أجواء "مؤتمر ميونيخ للأمن"، هو طيف ميونيخ 1938. بالنسبة إلى الأوروبيين، بات ترامب قريباً من توقيع اتفاقية مشابهة مع روسيا تقضي بمنحها جزءاً من الأراضي الأوكرانية. كما كانت غالبية سكان السوديت ناطقة بالألمانية، كانت غالبية السكان في الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا (خصوصاً في دونباس والقرم) تنطق باللغة الروسية. يضاف إلى ذلك أيضاً احتمال التخلي الأميركي عن الضمانة الأمنية المعطاة لأوروبا عبر حلف شمال الأطلسي (ناتو). "الآن هو وقت الاستثمار لأنه لا يمكنكم افتراض أن حضور أميركا سيدوم إلى الأبد"، بحسب ما قاله وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث حين كان يقوم بجولة تفقدية للقوات الأميركية في بولندا. ليس الأمر أن استحضار أجواء ميونيخ 1938 حضر في الإعلام الغربي خلال الأيام الماضية وحسب. في شباط (فبراير) 2024، عرضت "وول ستريت جورنال" تقريراً مصوراً تحت عنوان "فلاديمير بوتين، دونالد ترامب واتفاقية ميونيخ 1938". مجدداً، كان "مؤتمر ميونيخ للأمن"، أو كما يحب البعض تسميته بـ "دافوس الأمن"، مثيراً لهذه المقارنات. حينها، كان المقرب من المرشح الرئاسي دونالد ترامب، والذي سيصبح لاحقاً نائبه جيه دي فانس، حاضراً أيضاً في الفاعلية. لكنه بدا في ذلك الوقت أكثر تفهماً لمخاوف الأوروبيين. قال فانس إن السبب الأساسي لرفض مواصلة مد أوكرانيا بالسلاح هو نفاد المخزونات الأميركية منه. هذه السنة، وإلى جانب أنه بالكاد ذكر أوكرانيا، حملت لهجته حدة أكبر. هو قال إن التهديد لأوروبا "يأتي من الداخل" في انتقاد لسياسات أوروبا المرتبطة بالإعلام واللجوء وغيرها. ثم قابل فانس رئيسة "البديل لأجل ألمانيا" أليس فايدل على أبواب انتخابات تشريعية ألمانية الأسبوع المقبل. وكرر فانس في تصرفه صدى سلوك وزير الكفاءة الحكومية إيلون ماسك الذي دعم أيضاً "البديل من أجل ألمانيا". إذاً، ليست أميركا في وارد التخلي عن أوروبا وحسب، بل هي أيضاً تلقي المواعظ عليها وتتدخل في قضاياها الداخلية على أبواب استحقاقاتها المفصلية. ويبدو أن ترامب يتشابه مع تشامبرلين في صفة خاصة، إذا كان بعض المؤرخين على حق. مديرة "متحف الحرب الإمبراطوري" في لندن كيت كليمنتس تشير إلى أن تشامبرلين امتلك اعتقاداً "عنيداً" بقدرته على تكوين صداقات مع الأوتوقراطيين في الخارج. وهذه إحدى أبرز السمات الشخصية التي يعتز بها ترامب. "بعيدون ولا نعرف عنهم شيئاً" قبل أيام قليلة من توقيعه اتفاقية ميونيخ، وصف تشامبرلين الصراع بين ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا بأنه "شجار في مكان بعيد بين أناس لا نعرف عنهم شيئاً". باستثناء أن تشامبرلين قرأ كتاب "كفاحي" لهتلر لكنه لم يشعر بخطورته كما فعل تشرشل بحسب كليمنتس، ثمة بعض التوازي التاريخي في تلك العبارة. باتت أوروبا "بعيدة" عن الولايات المتحدة في تصور الإدارة الحالية. والبعد هنا جغرافي وثقافي. لم تعد أوروبا حليفة أميركا في قضايا الحريات وحقوق الإنسان بل أضحت "عولمية" و"يقظوية"، كما يُفهم، على سبيل المثال لا الحصر، من كلام فانس. في المنظور نفسه، وحتى لو لم يعترف مسؤولو الإدارة بذلك، يبقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "حليفاً" ضمنياً لبعضهم على الأقل في الحرب على "اليسار الجديد". هذا إلى جانب حب الرئيس الأميركي لـ "الرجال الأقوياء" ولـ "الديكتاتورية" ولو تلك "القصيرة الصلاحية". ("ليوم واحد"). وبالنسبة إلى الجغرافيا، لا يمكن للموضوع أن يكون أكثر وضوحاً. ما تهتم له "الإمبراطورية الأميركية" الجديدة هو منطقة نفوذها الخاصة، أو "النصف الغربي من الكرة الأرضية". من هنا، يمكن فهم لماذا قد يعتقد ترامب أن الحرب في أوكرانيا "بعيدة". وينظر ترامب إلى روسيا باعتبارها "إمبراطورية" أيضاً، على الأقل انطلاقاً من تصور أنها لا تُهزم، كما يكرر دوماً في استحضاره لتاريخ الحرب العالمية الثانية. وهو استحضار ينفي، للمفارقة، دور المساعدة الأميركية الكبيرة التي حظيت بها موسكو عبر قانون الإعارة والتأجير، مما دفع ستالين نفسه إلى القول إن أميركا "دولة آلات". بالمقابل، ما من كلام يوحي بأن ترامب ينظر إلى أوروبا باعتبارها إمبراطورية، على الأقل ليست من النوع الذي يستأهل الكلام معه. "رهيب ومذهل ومدهش" بطبيعة الحال، لا تحمل روسيا الآيديولوجيا النازية، ولا هي اليوم بقوة ألمانيا الهجومية في ذلك الحين، على الأقل بحسب ما يتبين من غزوها لأوكرانيا. مع ذلك، ثمة ما قد يكون "أخطر" في كلام تشامبرلين عن "البعد" وعن طريقة التعامل مع التداعيات الناجمة عن هذا التصور، وسط تنافس القوى الكبيرة على المسرح الدولي. أتى حديث تشامبرلين في مقطع أوسع: "كم من الرهيب والمذهل والمدهش أنه يجب أن نحفر الخنادق ونحاول ارتداء أقنعة الغاز هنا بسبب شجار في مكان بعيد بين أناس لا نعرف عنهم شيئاً". كما يذكّر أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في برينستون هارولد جيمس، بعد عام واحد على تصريح تشامبرلين، كان البريطانيون يحفرون الخنادق ويضعون أقنعة الغاز على أي حال.
النهار١٨-٠٢-٢٠٢٥سياسةالنهارميونيخ 1938... طيفٌ يقض مضاجع أوروبا"لقد خُيّرتَ بين الحرب والعار فاخترتَ العار، وستحصل على الحرب". هكذا، وجّه النائب ونستون تشرشل انتقاده اللاذع لرئيس الحكومة البريطاني المحافظ نيفيل تشامبرلين بعدما وقع اتفاقية ميونيخ في 30 أيلول (سبتمبر) 1938 والتي قضت باقتطاع منطقة السوديت من تشيكوسلوفاكيا ومنحِها لألمانيا النازية. سميت الاتفاقية أيضاً باتفاقية "الخيانة" لأن بريطانيا (ومعها فرنسا) تخلتا عن اتفاقية أمنية وقعتاها في العقد السابق مع تشيكوسلوفاكيا. بالمقابل، حصلت المملكة المتحدة على تعهد من هتلر بأنه لن يتوسع في أوروبا. سرعان ما تبين أن "سلام زماننا"، الخطاب الذي ألقاه تشامبرلين تبريراً لاتفاقيته، تحول إلى حرب زمانه. دار دورته كأن أوروبا عادت إلى الوراء أكثر من 66 عاماً. الطيف الأبرز الذي ساد أجواء أوروبا الأسبوع الماضي، ومن ضمنه أجواء "مؤتمر ميونيخ للأمن"، هو طيف ميونيخ 1938. بالنسبة إلى الأوروبيين، بات ترامب قريباً من توقيع اتفاقية مشابهة مع روسيا تقضي بمنحها جزءاً من الأراضي الأوكرانية. كما كانت غالبية سكان السوديت ناطقة بالألمانية، كانت غالبية السكان في الأراضي الأوكرانية التي تحتلها روسيا (خصوصاً في دونباس والقرم) تنطق باللغة الروسية. يضاف إلى ذلك أيضاً احتمال التخلي الأميركي عن الضمانة الأمنية المعطاة لأوروبا عبر حلف شمال الأطلسي (ناتو). "الآن هو وقت الاستثمار لأنه لا يمكنكم افتراض أن حضور أميركا سيدوم إلى الأبد"، بحسب ما قاله وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث حين كان يقوم بجولة تفقدية للقوات الأميركية في بولندا. ليس الأمر أن استحضار أجواء ميونيخ 1938 حضر في الإعلام الغربي خلال الأيام الماضية وحسب. في شباط (فبراير) 2024، عرضت "وول ستريت جورنال" تقريراً مصوراً تحت عنوان "فلاديمير بوتين، دونالد ترامب واتفاقية ميونيخ 1938". مجدداً، كان "مؤتمر ميونيخ للأمن"، أو كما يحب البعض تسميته بـ "دافوس الأمن"، مثيراً لهذه المقارنات. حينها، كان المقرب من المرشح الرئاسي دونالد ترامب، والذي سيصبح لاحقاً نائبه جيه دي فانس، حاضراً أيضاً في الفاعلية. لكنه بدا في ذلك الوقت أكثر تفهماً لمخاوف الأوروبيين. قال فانس إن السبب الأساسي لرفض مواصلة مد أوكرانيا بالسلاح هو نفاد المخزونات الأميركية منه. هذه السنة، وإلى جانب أنه بالكاد ذكر أوكرانيا، حملت لهجته حدة أكبر. هو قال إن التهديد لأوروبا "يأتي من الداخل" في انتقاد لسياسات أوروبا المرتبطة بالإعلام واللجوء وغيرها. ثم قابل فانس رئيسة "البديل لأجل ألمانيا" أليس فايدل على أبواب انتخابات تشريعية ألمانية الأسبوع المقبل. وكرر فانس في تصرفه صدى سلوك وزير الكفاءة الحكومية إيلون ماسك الذي دعم أيضاً "البديل من أجل ألمانيا". إذاً، ليست أميركا في وارد التخلي عن أوروبا وحسب، بل هي أيضاً تلقي المواعظ عليها وتتدخل في قضاياها الداخلية على أبواب استحقاقاتها المفصلية. ويبدو أن ترامب يتشابه مع تشامبرلين في صفة خاصة، إذا كان بعض المؤرخين على حق. مديرة "متحف الحرب الإمبراطوري" في لندن كيت كليمنتس تشير إلى أن تشامبرلين امتلك اعتقاداً "عنيداً" بقدرته على تكوين صداقات مع الأوتوقراطيين في الخارج. وهذه إحدى أبرز السمات الشخصية التي يعتز بها ترامب. "بعيدون ولا نعرف عنهم شيئاً" قبل أيام قليلة من توقيعه اتفاقية ميونيخ، وصف تشامبرلين الصراع بين ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا بأنه "شجار في مكان بعيد بين أناس لا نعرف عنهم شيئاً". باستثناء أن تشامبرلين قرأ كتاب "كفاحي" لهتلر لكنه لم يشعر بخطورته كما فعل تشرشل بحسب كليمنتس، ثمة بعض التوازي التاريخي في تلك العبارة. باتت أوروبا "بعيدة" عن الولايات المتحدة في تصور الإدارة الحالية. والبعد هنا جغرافي وثقافي. لم تعد أوروبا حليفة أميركا في قضايا الحريات وحقوق الإنسان بل أضحت "عولمية" و"يقظوية"، كما يُفهم، على سبيل المثال لا الحصر، من كلام فانس. في المنظور نفسه، وحتى لو لم يعترف مسؤولو الإدارة بذلك، يبقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "حليفاً" ضمنياً لبعضهم على الأقل في الحرب على "اليسار الجديد". هذا إلى جانب حب الرئيس الأميركي لـ "الرجال الأقوياء" ولـ "الديكتاتورية" ولو تلك "القصيرة الصلاحية". ("ليوم واحد"). وبالنسبة إلى الجغرافيا، لا يمكن للموضوع أن يكون أكثر وضوحاً. ما تهتم له "الإمبراطورية الأميركية" الجديدة هو منطقة نفوذها الخاصة، أو "النصف الغربي من الكرة الأرضية". من هنا، يمكن فهم لماذا قد يعتقد ترامب أن الحرب في أوكرانيا "بعيدة". وينظر ترامب إلى روسيا باعتبارها "إمبراطورية" أيضاً، على الأقل انطلاقاً من تصور أنها لا تُهزم، كما يكرر دوماً في استحضاره لتاريخ الحرب العالمية الثانية. وهو استحضار ينفي، للمفارقة، دور المساعدة الأميركية الكبيرة التي حظيت بها موسكو عبر قانون الإعارة والتأجير، مما دفع ستالين نفسه إلى القول إن أميركا "دولة آلات". بالمقابل، ما من كلام يوحي بأن ترامب ينظر إلى أوروبا باعتبارها إمبراطورية، على الأقل ليست من النوع الذي يستأهل الكلام معه. "رهيب ومذهل ومدهش" بطبيعة الحال، لا تحمل روسيا الآيديولوجيا النازية، ولا هي اليوم بقوة ألمانيا الهجومية في ذلك الحين، على الأقل بحسب ما يتبين من غزوها لأوكرانيا. مع ذلك، ثمة ما قد يكون "أخطر" في كلام تشامبرلين عن "البعد" وعن طريقة التعامل مع التداعيات الناجمة عن هذا التصور، وسط تنافس القوى الكبيرة على المسرح الدولي. أتى حديث تشامبرلين في مقطع أوسع: "كم من الرهيب والمذهل والمدهش أنه يجب أن نحفر الخنادق ونحاول ارتداء أقنعة الغاز هنا بسبب شجار في مكان بعيد بين أناس لا نعرف عنهم شيئاً". كما يذكّر أستاذ التاريخ والعلاقات الدولية في برينستون هارولد جيمس، بعد عام واحد على تصريح تشامبرلين، كان البريطانيون يحفرون الخنادق ويضعون أقنعة الغاز على أي حال.