#أحدث الأخبار مع #دميتريغورشاكوف،Independent عربيةمنذ 3 أيامسياسةIndependent عربيةكيف تسعى روسيا إلى السيطرة على مستقبل أفريقيا النووي؟تعقد روسيا شراكات في مجال الطاقة النووية مع ما لا يقل عن 20 دولة أفريقية، وفق تحليل حديث أجرته صحيفة "اندبندنت"، وذلك في إطار سعي موسكو إلى ترسيخ موقعها كأبرز الدول الفاعلة في هذا المجال على مستوى القارة. ويجري تنفيذ هذه الاتفاقات من خلال شركة الطاقة النووية الروسية المملوكة للدولة "روساتوم". وأُعلِن عن أحدث هذه الاتفاقات الشهر الماضي وهو عبارة عن مذكرة تفاهم أبرمتها بوركينا فاسو مع "روساتوم" لبناء محطة نووية. وتشمل الاتفاقات الأخرى اتفاقية وُقعت في يونيو (حزيران) 2024 مع غينيا لتطوير محطات طاقة نووية عائمة، وشراكة عُقِدت الشهر التالي مع الكونغو لتطوير الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية. ومنذ عام 2014، أبرمت روسيا اتفاقات أيضاً مع الجزائر، وإثيوبيا، وكينيا، وجنوب أفريقيا، وتونس، وعدد من الدول الأخرى. من بين الدول الأفريقية الأخرى التي تسعى إلى عقد شراكات نووية مع روسيا، تأتي النيجر، وهي دولة حليفة لموسكو منذ الانقلاب العسكري الذي وقع عام 2023، والتي أعلنت العام الماضي أنها تسعى بنشاط إلى جذب استثمارات روسية إلى احتياطاتها الواسعة من اليورانيوم. وفي الوقت نفسه، أفادت تقارير صدرت الشهر الماضي بأن ناميبيا أجرت كذلك محادثات مع روسيا في شأن تعاون في قطاع الطاقة الذرية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومن بين الدول الكبرى التي توفر التكنولوجيا النووية لأفريقيا– ومنها الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية وكندا وفرنسا– برزت روسيا كقوة مهيمنة بوضوح. وتفخر "روساتوم" بسجل من المشاريع المنجزة حول العالم يعجز منافسوها عن مجاراته، كما أنها تقدم عقوداً وشروط تسديد مغرية للغاية. يقول دميتري غورشاكوف، الخبير النووي الذي غادر روسيا للعمل في مؤسسة "بلونا" البيئية غير الحكومية في فيلنيوس بليتوانيا بعد غزو روسيا أوكرانيا عام 2022، إن "هذه الاتفاقيات ذات أهمية جيوسياسية، لأن المشاريع النووية التزام بعيد الأجل وضخم النطاق، من شأنه أن يربط الدولة المعنية بروسيا لعقود. ومن وجهة نظر موسكو، ليست المسألة تجارية فقط– بل هي أيضاً أداة نفوذ سياسي". ويتابع "في سياق المواجهة الروسية مع الغرب، تُعَد القدرة على إثبات وجود شركاء دوليين أمراً سياسياً ذا أهمية قصوى، ولهذا تبدي روسيا استعداداً إلى تقديم وعود سخية إلى الدول الراغبة في التعاون معها". وفيما تسعى روسيا إلى توسيع نطاق نفوذها من خلال البنية التحتية في قطاع الطاقة، يتخذ الغرب مساراً معاكساً، إذ تعمد الولايات المتحدة إلى سحب تمويلاتها لمشاريع الطاقة في أفريقيا تنفيذاً لقرارات دونالد ترمب بخفض المساعدات الدولية. ومن بين البرامج الأميركية الكبرى التي تقَرر وقفها مبادرة "قوة أفريقيا"، التي أطلقها باراك أوباما عام 2013 لدعم النمو الاقتصادي والتنمية من خلال تحسين الوصول إلى طاقة موثوقة وميسورة ومستدامة في أفريقيا. وخلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، أنفقت مبادرة "قوة أفريقيا" نحو 1.2 مليار دولار (900 مليون جنيه استرليني)، ما أسهم في جذب تمويل إضافي بقيمة 29 مليار دولار من مصادر أخرى لتطوير أكثر من 150 مشروعاً للطاقة في 42 دولة أفريقية، وتوفير الكهرباء لأكثر من 200 مليون شخص. كذلك ساندت المبادرة شركات أميركية في إبرام صفقات بقيمة 26.4 مليار دولار، وفق تحليل أجراه "مركز التنمية العالمية". وشملت المشاريع المدعومة مزيجاً من مشاريع الطاقة المتجددة ومشاريع تعمل بالغاز. كذلك انسحبت الولايات المتحدة من "شراكات التحول العادل للطاقة"، وهي مبادرة بمليارات الدولارات أُطلِقت عام 2021 لمساعدة الاقتصادات الناشئة في الابتعاد عن الفحم وغيره من مصادر الطاقة غير المتجددة، ما حرم جنوب أفريقيا من منح موعودة بملايين الدولارات واستثمارات تجارية محتملة بقيمة مليار دولار. وأوضح غورشاكوف قائلاً "من دون برامج كهذه، لن تواجه الولايات المتحدة صعوبة في المنافسة في أفريقيا فحسب، بل كذلك في مجرد إيجاد موطئ قدم لها هناك. ولهذا عليها أن تبذل جهداً كبيراً– من دون برامج دعم ممولة حكومياً، سيكون دخول هذه الأسواق شبه مستحيل". جوهرة التاج تُعَد محطة الضبعة للطاقة النووية في مصر، التي تبلغ تكلفتها 28.75 مليار دولار (21.38 مليار جنيه استرليني)، جوهرة التاج في شراكات روسيا النووية مع أفريقيا. ومن المقرر أن تصبح ثاني محطة نووية عاملة في القارة، بعد نحو 40 سنة على إنشاء محطة كويبرغ للطاقة النووية في جنوب أفريقيا، والتي باتت اليوم متقادمة. بدأت أعمال إنشاء المحطة عام 2020، ومن المنتظر أن تبدأ في إنتاج الكهرباء عام 2026. وتبلغ طاقتها 4.8 غيغاوات، أي ما يكفي لتزويد مدينة أميركية كبرى بالكهرباء، وقد مولت روسيا 85 في المئة من تكلفتها الإجمالية، بشروط تسديد مؤاتية للغاية. ويرى السيد غورشاكوف من مؤسسة "بلونا" أن ثمة أسباباً عدة تجعل فكرة محطة نووية مدعومة من روسيا مغرية جداً للدول الأفريقية. في المقام الأول، تكون هذه الصفقات مدعومة من الدولة الروسية، التي تتحمل جزءاً كبيراً من الأعباء المالية والتشغيلية الأولية، وتمنح جداول تسديد تمتد لعقود من الزمن، ومعدلات فائدة متدنية للغاية. وتساعد هذه التسهيلات في جعل المحطات النووية في متناول الدول الأفريقية، وإن كانت تربطها في المقابل بشدة بسلاسل الإمداد الروسية في مجال الوقود النووي والخدمات، وفق السيد غورشاكوف. أما الشركات النووية الغربية، مثل شركة "إي دي أف" EDF الفرنسية، فتعمل وفق منطق تجاري ولا تستطيع تقديم التمويل المدعوم حكومياً أو تقاسم الأخطار أو الدعم الدبلوماسي على غرار ما تفعله "روساتوم". وتواجه هذه الشركات الغربية أيضاً صعوبات في تنفيذ المشاريع من ضمن الجداول الزمنية والموازنات المحددة. مثلاً، ارتفعت التكلفة المتوقعة لمحطة "هينكلي بوينت" التابعة لشركة "إي دي أف" والقائمة في مقاطعة سومرست البريطانية من 18 مليار جنيه استرليني إلى 35 ملياراً. أما مشروع بناء مفاعلين أميركيين من طراز "أي بي 1000"AP1000 في "محطة سامر النووية" الواقعة في ولاية كارولاينا الجنوبية فقد أُلغِي عام 2017، بعد سنوات من التأخير وتجاوز التكلفة، تحمل خلالها دافعو الضرائب فاتورة بقيمة تسعة مليارات دولار. ويضيف السيد غورشاكوف "كذلك تعرقل القيود السياسية والتنظيمية الصادرات النووية الغربية وتجعلها أبطأ، وأكثر بيروقراطية، وأصعب تنسيقاً". ويتابع "علاوة على ذلك، نادراً ما توفر الشركات الغربية حزمة متكاملة تغطي دورة المشروع بالكامل على غرار ما تقدمه 'روساتوم'– بما في ذلك التكنولوجيا النووية، وتوريد الوقود، والتدريب، وإدارة النفايات، والخدمة البعيدة الأجل– ذلك كله تحت مظلة مؤسسية واحدة". أما الصين، فهي أكثر استعداداً إلى تقديم حزمة دعم متكاملة مع استثماراتها النووية، لكنها، مثل الدول الغربية، لا تمتلك سجلاً كبيراً من المشاريع النووية المكتملة في الخارج، إذ لم تُنجِز حتى الآن سوى محطة واحدة في باكستان. ويقول السيد غورشاكوف "في المقابل، تمتلك 'روساتوم' محفظة نشطة وكبيرة من المشاريع الدولية المكتملة والجارية التنفيذ، ما يسمح لها بأن تعرض نفسها بوصفها شريكاً أكثر موثوقية وخبرة في نظر العديد من العملاء المحتملين". وبالفعل، تشير بيانات صادرة عن مجموعة الضغط المسماة "الرابطة العالمية للطاقة النووية"World Nuclear Association، حللتها صحيفة "اندبندنت"، إلى أن "روساتوم" مسؤولة حالياً عن بناء 26 وحدة رئيسة للطاقة النووية في سبع دول حول العالم: روسيا ومصر وتركيا والهند والصين وبنغلاديش وإيران. يضيف جوناثان كوب من "الرابطة العالمية للطاقة النووية" أن المفاعلات الأربعة الجاري بناؤها في مصر تعتمد كلها على تصاميم "روساتوم" المجربة والموثوقة. ويقول لصحيفة "اندبندنت"، "صحيح أن هناك بعض التحديات المرتبطة ببناء أول محطة في كل دولة، لكن الشركة تستطيع اعتماد نموذج جاهز شبه موحد، مستمد من مشاريع سابقة نفذتها". طاقة استراتيجية بالنسبة إلى الكثير من الدول الأفريقية– في قارة لا يزال 600 مليون شخص فيها يفتقرون إلى إمكانية مأمونة للحصول على الكهرباء– تمثل المحطة النووية الجديدة أملاً في الحصول على كميات كبيرة من الكهرباء المنخفضة الكربون والمستقرة، وهي أمور لا تستطيع مصادر الطاقة المتجددة المتقلبة مثل الشمس والرياح، ولا حتى المحطات الملوثة التي تعمل بالفحم أو الغاز، أن توفرها في شكل مماثل. يعتبر روبرت سوغبادجي، منسق "البرنامج النووي الوطني" في غانا، الطاقة النووية مكملة لخطط بلاده في التوسع في الطاقة المتجددة. ويُؤمَل حالياً أن تكتمل أول محطة نووية كبيرة في البلاد بحلول منتصف العقد المقبل. ويقول السيد سوغبادجي لصحيفة "اندبندنت" "إذا أردنا طاقة أساسية تدعم طموحاتنا في مجال الطاقة المتجددة، فعلينا أن نواصل العمل على برنامجنا النووي بوتيرة هجومية". وقد اختارت غانا الولايات المتحدة لبناء مفاعلات نووية صغيرة معيارية– وهي مفاعلات نووية حديثة وأصغر حجماً يمكن تركيبها في مفاعلات أصغر– لكنها لا تزال بصدد اختيار الجهة التي ستوفر التكنولوجيا لأول محطة كبيرة النطاق، وتشمل الخيارات المطروحة روسيا. وعلى رغم الآمال المعقودة، لا تزال الطاقة النووية مثار جدل بسبب المخاوف المتعلقة بالتخلص من النفايات النووية في الأجل البعيد، ولأن الاعتماد على محطات ضخمة بدلاً من مصادر الطاقة المتجددة الموزعة جغرافياً في البلاد قد يجعل شبكة الكهرباء أكثر عرضة للأخطار، مثل الهجمات السيبرانية أو الظواهر المناخية القاسية. يقول مايك هوغان، من "مشروع المساعدة التنظيمية" Regulatory Assistance Project، وهي مؤسسة بحثية أميركية، لصحيفة "اندبندنت": "من المقلق قليلاً أن نرى هذا العدد من الدول الأفريقية يتجه إلى بناء محطات ضخمة جديدة، في وقت تتجه اقتصاديات صناعة الكهرباء منذ زمن طويل نحو مصادر أقل مركزية، توفر مرونة أكبر للأنظمة الكهربائية". ويضيف "هذه المشاريع الضخمة والرمزية تعطي أصحاب السلطة شعوراً بأنهم يفعلون شيئاً مهماً، لكنها في الواقع حل يعود إلى القرن العشرين لمشكلة تخص القرن الحادي والعشرين". وتسعى روسيا، التي تواجه عقوبات غربية قاسية بسبب ضمها غير القانوني شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، ثم غزوها الواسع لأوكرانيا عام 2022، إلى توسيع نفوذها، ولذلك تُعَد الدول الأفريقية غير المنحازة في خصوص النزاع الروسي- الأوكراني، والتي عانت طويلاً من نقص الاستثمارات، هدفاً منطقياً لصناعتها النووية. وتجعل شراكات روسيا في هذا القطاع دولاً كثيرة تلتفت إليها– إذ شاركت 49 دولة أفريقية من أصل 54 في القمة الاقتصادية الروسية- الأفريقية التي عُقِدت في سان بطرسبرغ عام 2023، على رغم الضغوط الأميركية الشديدة بغرض مقاطعتها. لا تزال اتفاقات نووية كثيرة وقعتها دول أفريقية في مراحلها الأولية، وتُعَد مجرد خطوة أولى في مسار طويل ومعقد لتطوير مشاريع نووية. ومع ذلك، تكتسب هذه الاتفاقات أهمية رمزية كبيرة لروسيا في ظل عزلتها الجيوسياسية الحالية، بحسب السيد غورشاكوف من مؤسسة "بلونا". ويُقدر أن صادرات روسيا النووية بلغت نحو 16 مليار دولار عام 2023– وهو رقم لا يُقارن بعوائد صادرات الوقود الأحفوري الروسية التي سجلت قبل الحرب 300 مليار دولار– لكن موسكو تعتبر هذا القطاع "فخراً وطنياً"، وفق السيد غورشاكوف الذي يضيف "بالنسبة إلى موسكو، ليست هذه الاتفاقات مسألة أعمال تجارية فقط: هي أيضاً أداة نفوذ سياسي". هذه المادة جزء من سلسلة تقارير تعدها "اندبندنت" بعنوان "إعادة تفكير في المساعدات العالمية"
Independent عربيةمنذ 3 أيامسياسةIndependent عربيةكيف تسعى روسيا إلى السيطرة على مستقبل أفريقيا النووي؟تعقد روسيا شراكات في مجال الطاقة النووية مع ما لا يقل عن 20 دولة أفريقية، وفق تحليل حديث أجرته صحيفة "اندبندنت"، وذلك في إطار سعي موسكو إلى ترسيخ موقعها كأبرز الدول الفاعلة في هذا المجال على مستوى القارة. ويجري تنفيذ هذه الاتفاقات من خلال شركة الطاقة النووية الروسية المملوكة للدولة "روساتوم". وأُعلِن عن أحدث هذه الاتفاقات الشهر الماضي وهو عبارة عن مذكرة تفاهم أبرمتها بوركينا فاسو مع "روساتوم" لبناء محطة نووية. وتشمل الاتفاقات الأخرى اتفاقية وُقعت في يونيو (حزيران) 2024 مع غينيا لتطوير محطات طاقة نووية عائمة، وشراكة عُقِدت الشهر التالي مع الكونغو لتطوير الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية. ومنذ عام 2014، أبرمت روسيا اتفاقات أيضاً مع الجزائر، وإثيوبيا، وكينيا، وجنوب أفريقيا، وتونس، وعدد من الدول الأخرى. من بين الدول الأفريقية الأخرى التي تسعى إلى عقد شراكات نووية مع روسيا، تأتي النيجر، وهي دولة حليفة لموسكو منذ الانقلاب العسكري الذي وقع عام 2023، والتي أعلنت العام الماضي أنها تسعى بنشاط إلى جذب استثمارات روسية إلى احتياطاتها الواسعة من اليورانيوم. وفي الوقت نفسه، أفادت تقارير صدرت الشهر الماضي بأن ناميبيا أجرت كذلك محادثات مع روسيا في شأن تعاون في قطاع الطاقة الذرية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومن بين الدول الكبرى التي توفر التكنولوجيا النووية لأفريقيا– ومنها الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية وكندا وفرنسا– برزت روسيا كقوة مهيمنة بوضوح. وتفخر "روساتوم" بسجل من المشاريع المنجزة حول العالم يعجز منافسوها عن مجاراته، كما أنها تقدم عقوداً وشروط تسديد مغرية للغاية. يقول دميتري غورشاكوف، الخبير النووي الذي غادر روسيا للعمل في مؤسسة "بلونا" البيئية غير الحكومية في فيلنيوس بليتوانيا بعد غزو روسيا أوكرانيا عام 2022، إن "هذه الاتفاقيات ذات أهمية جيوسياسية، لأن المشاريع النووية التزام بعيد الأجل وضخم النطاق، من شأنه أن يربط الدولة المعنية بروسيا لعقود. ومن وجهة نظر موسكو، ليست المسألة تجارية فقط– بل هي أيضاً أداة نفوذ سياسي". ويتابع "في سياق المواجهة الروسية مع الغرب، تُعَد القدرة على إثبات وجود شركاء دوليين أمراً سياسياً ذا أهمية قصوى، ولهذا تبدي روسيا استعداداً إلى تقديم وعود سخية إلى الدول الراغبة في التعاون معها". وفيما تسعى روسيا إلى توسيع نطاق نفوذها من خلال البنية التحتية في قطاع الطاقة، يتخذ الغرب مساراً معاكساً، إذ تعمد الولايات المتحدة إلى سحب تمويلاتها لمشاريع الطاقة في أفريقيا تنفيذاً لقرارات دونالد ترمب بخفض المساعدات الدولية. ومن بين البرامج الأميركية الكبرى التي تقَرر وقفها مبادرة "قوة أفريقيا"، التي أطلقها باراك أوباما عام 2013 لدعم النمو الاقتصادي والتنمية من خلال تحسين الوصول إلى طاقة موثوقة وميسورة ومستدامة في أفريقيا. وخلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، أنفقت مبادرة "قوة أفريقيا" نحو 1.2 مليار دولار (900 مليون جنيه استرليني)، ما أسهم في جذب تمويل إضافي بقيمة 29 مليار دولار من مصادر أخرى لتطوير أكثر من 150 مشروعاً للطاقة في 42 دولة أفريقية، وتوفير الكهرباء لأكثر من 200 مليون شخص. كذلك ساندت المبادرة شركات أميركية في إبرام صفقات بقيمة 26.4 مليار دولار، وفق تحليل أجراه "مركز التنمية العالمية". وشملت المشاريع المدعومة مزيجاً من مشاريع الطاقة المتجددة ومشاريع تعمل بالغاز. كذلك انسحبت الولايات المتحدة من "شراكات التحول العادل للطاقة"، وهي مبادرة بمليارات الدولارات أُطلِقت عام 2021 لمساعدة الاقتصادات الناشئة في الابتعاد عن الفحم وغيره من مصادر الطاقة غير المتجددة، ما حرم جنوب أفريقيا من منح موعودة بملايين الدولارات واستثمارات تجارية محتملة بقيمة مليار دولار. وأوضح غورشاكوف قائلاً "من دون برامج كهذه، لن تواجه الولايات المتحدة صعوبة في المنافسة في أفريقيا فحسب، بل كذلك في مجرد إيجاد موطئ قدم لها هناك. ولهذا عليها أن تبذل جهداً كبيراً– من دون برامج دعم ممولة حكومياً، سيكون دخول هذه الأسواق شبه مستحيل". جوهرة التاج تُعَد محطة الضبعة للطاقة النووية في مصر، التي تبلغ تكلفتها 28.75 مليار دولار (21.38 مليار جنيه استرليني)، جوهرة التاج في شراكات روسيا النووية مع أفريقيا. ومن المقرر أن تصبح ثاني محطة نووية عاملة في القارة، بعد نحو 40 سنة على إنشاء محطة كويبرغ للطاقة النووية في جنوب أفريقيا، والتي باتت اليوم متقادمة. بدأت أعمال إنشاء المحطة عام 2020، ومن المنتظر أن تبدأ في إنتاج الكهرباء عام 2026. وتبلغ طاقتها 4.8 غيغاوات، أي ما يكفي لتزويد مدينة أميركية كبرى بالكهرباء، وقد مولت روسيا 85 في المئة من تكلفتها الإجمالية، بشروط تسديد مؤاتية للغاية. ويرى السيد غورشاكوف من مؤسسة "بلونا" أن ثمة أسباباً عدة تجعل فكرة محطة نووية مدعومة من روسيا مغرية جداً للدول الأفريقية. في المقام الأول، تكون هذه الصفقات مدعومة من الدولة الروسية، التي تتحمل جزءاً كبيراً من الأعباء المالية والتشغيلية الأولية، وتمنح جداول تسديد تمتد لعقود من الزمن، ومعدلات فائدة متدنية للغاية. وتساعد هذه التسهيلات في جعل المحطات النووية في متناول الدول الأفريقية، وإن كانت تربطها في المقابل بشدة بسلاسل الإمداد الروسية في مجال الوقود النووي والخدمات، وفق السيد غورشاكوف. أما الشركات النووية الغربية، مثل شركة "إي دي أف" EDF الفرنسية، فتعمل وفق منطق تجاري ولا تستطيع تقديم التمويل المدعوم حكومياً أو تقاسم الأخطار أو الدعم الدبلوماسي على غرار ما تفعله "روساتوم". وتواجه هذه الشركات الغربية أيضاً صعوبات في تنفيذ المشاريع من ضمن الجداول الزمنية والموازنات المحددة. مثلاً، ارتفعت التكلفة المتوقعة لمحطة "هينكلي بوينت" التابعة لشركة "إي دي أف" والقائمة في مقاطعة سومرست البريطانية من 18 مليار جنيه استرليني إلى 35 ملياراً. أما مشروع بناء مفاعلين أميركيين من طراز "أي بي 1000"AP1000 في "محطة سامر النووية" الواقعة في ولاية كارولاينا الجنوبية فقد أُلغِي عام 2017، بعد سنوات من التأخير وتجاوز التكلفة، تحمل خلالها دافعو الضرائب فاتورة بقيمة تسعة مليارات دولار. ويضيف السيد غورشاكوف "كذلك تعرقل القيود السياسية والتنظيمية الصادرات النووية الغربية وتجعلها أبطأ، وأكثر بيروقراطية، وأصعب تنسيقاً". ويتابع "علاوة على ذلك، نادراً ما توفر الشركات الغربية حزمة متكاملة تغطي دورة المشروع بالكامل على غرار ما تقدمه 'روساتوم'– بما في ذلك التكنولوجيا النووية، وتوريد الوقود، والتدريب، وإدارة النفايات، والخدمة البعيدة الأجل– ذلك كله تحت مظلة مؤسسية واحدة". أما الصين، فهي أكثر استعداداً إلى تقديم حزمة دعم متكاملة مع استثماراتها النووية، لكنها، مثل الدول الغربية، لا تمتلك سجلاً كبيراً من المشاريع النووية المكتملة في الخارج، إذ لم تُنجِز حتى الآن سوى محطة واحدة في باكستان. ويقول السيد غورشاكوف "في المقابل، تمتلك 'روساتوم' محفظة نشطة وكبيرة من المشاريع الدولية المكتملة والجارية التنفيذ، ما يسمح لها بأن تعرض نفسها بوصفها شريكاً أكثر موثوقية وخبرة في نظر العديد من العملاء المحتملين". وبالفعل، تشير بيانات صادرة عن مجموعة الضغط المسماة "الرابطة العالمية للطاقة النووية"World Nuclear Association، حللتها صحيفة "اندبندنت"، إلى أن "روساتوم" مسؤولة حالياً عن بناء 26 وحدة رئيسة للطاقة النووية في سبع دول حول العالم: روسيا ومصر وتركيا والهند والصين وبنغلاديش وإيران. يضيف جوناثان كوب من "الرابطة العالمية للطاقة النووية" أن المفاعلات الأربعة الجاري بناؤها في مصر تعتمد كلها على تصاميم "روساتوم" المجربة والموثوقة. ويقول لصحيفة "اندبندنت"، "صحيح أن هناك بعض التحديات المرتبطة ببناء أول محطة في كل دولة، لكن الشركة تستطيع اعتماد نموذج جاهز شبه موحد، مستمد من مشاريع سابقة نفذتها". طاقة استراتيجية بالنسبة إلى الكثير من الدول الأفريقية– في قارة لا يزال 600 مليون شخص فيها يفتقرون إلى إمكانية مأمونة للحصول على الكهرباء– تمثل المحطة النووية الجديدة أملاً في الحصول على كميات كبيرة من الكهرباء المنخفضة الكربون والمستقرة، وهي أمور لا تستطيع مصادر الطاقة المتجددة المتقلبة مثل الشمس والرياح، ولا حتى المحطات الملوثة التي تعمل بالفحم أو الغاز، أن توفرها في شكل مماثل. يعتبر روبرت سوغبادجي، منسق "البرنامج النووي الوطني" في غانا، الطاقة النووية مكملة لخطط بلاده في التوسع في الطاقة المتجددة. ويُؤمَل حالياً أن تكتمل أول محطة نووية كبيرة في البلاد بحلول منتصف العقد المقبل. ويقول السيد سوغبادجي لصحيفة "اندبندنت" "إذا أردنا طاقة أساسية تدعم طموحاتنا في مجال الطاقة المتجددة، فعلينا أن نواصل العمل على برنامجنا النووي بوتيرة هجومية". وقد اختارت غانا الولايات المتحدة لبناء مفاعلات نووية صغيرة معيارية– وهي مفاعلات نووية حديثة وأصغر حجماً يمكن تركيبها في مفاعلات أصغر– لكنها لا تزال بصدد اختيار الجهة التي ستوفر التكنولوجيا لأول محطة كبيرة النطاق، وتشمل الخيارات المطروحة روسيا. وعلى رغم الآمال المعقودة، لا تزال الطاقة النووية مثار جدل بسبب المخاوف المتعلقة بالتخلص من النفايات النووية في الأجل البعيد، ولأن الاعتماد على محطات ضخمة بدلاً من مصادر الطاقة المتجددة الموزعة جغرافياً في البلاد قد يجعل شبكة الكهرباء أكثر عرضة للأخطار، مثل الهجمات السيبرانية أو الظواهر المناخية القاسية. يقول مايك هوغان، من "مشروع المساعدة التنظيمية" Regulatory Assistance Project، وهي مؤسسة بحثية أميركية، لصحيفة "اندبندنت": "من المقلق قليلاً أن نرى هذا العدد من الدول الأفريقية يتجه إلى بناء محطات ضخمة جديدة، في وقت تتجه اقتصاديات صناعة الكهرباء منذ زمن طويل نحو مصادر أقل مركزية، توفر مرونة أكبر للأنظمة الكهربائية". ويضيف "هذه المشاريع الضخمة والرمزية تعطي أصحاب السلطة شعوراً بأنهم يفعلون شيئاً مهماً، لكنها في الواقع حل يعود إلى القرن العشرين لمشكلة تخص القرن الحادي والعشرين". وتسعى روسيا، التي تواجه عقوبات غربية قاسية بسبب ضمها غير القانوني شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، ثم غزوها الواسع لأوكرانيا عام 2022، إلى توسيع نفوذها، ولذلك تُعَد الدول الأفريقية غير المنحازة في خصوص النزاع الروسي- الأوكراني، والتي عانت طويلاً من نقص الاستثمارات، هدفاً منطقياً لصناعتها النووية. وتجعل شراكات روسيا في هذا القطاع دولاً كثيرة تلتفت إليها– إذ شاركت 49 دولة أفريقية من أصل 54 في القمة الاقتصادية الروسية- الأفريقية التي عُقِدت في سان بطرسبرغ عام 2023، على رغم الضغوط الأميركية الشديدة بغرض مقاطعتها. لا تزال اتفاقات نووية كثيرة وقعتها دول أفريقية في مراحلها الأولية، وتُعَد مجرد خطوة أولى في مسار طويل ومعقد لتطوير مشاريع نووية. ومع ذلك، تكتسب هذه الاتفاقات أهمية رمزية كبيرة لروسيا في ظل عزلتها الجيوسياسية الحالية، بحسب السيد غورشاكوف من مؤسسة "بلونا". ويُقدر أن صادرات روسيا النووية بلغت نحو 16 مليار دولار عام 2023– وهو رقم لا يُقارن بعوائد صادرات الوقود الأحفوري الروسية التي سجلت قبل الحرب 300 مليار دولار– لكن موسكو تعتبر هذا القطاع "فخراً وطنياً"، وفق السيد غورشاكوف الذي يضيف "بالنسبة إلى موسكو، ليست هذه الاتفاقات مسألة أعمال تجارية فقط: هي أيضاً أداة نفوذ سياسي". هذه المادة جزء من سلسلة تقارير تعدها "اندبندنت" بعنوان "إعادة تفكير في المساعدات العالمية"