أحدث الأخبار مع #دوركايم


بديل
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- بديل
التراجيكوميديا الاجتماعية: قراءة سوسيو-فلسفية في دلالات مسرحية 'الضمصة'
في خضم الدينامية السوسيو-اقتصادية المتسارعة التي تشهدها المجتمعات، تبرز مسرحية 'الضمصة' كعمل فني يغوص في أعماق التغيرات البنيوية التي تطال مؤسسة الاسرة- تلك النواة الجوهرية للنسيج الاجتماعي. تقدم المسرحية قراءة سوسيولوجية عميقة لتصدع القيم التقليدية وتزعزع مفهوم الثوابت في ظل تحديات الحداثة. تتمحور أحداث المسرحية حول شخصية محورية، سواء تمثل رب الأسرة أو الأم، تسعى جاهدة للحفاظ على منظومة القيم الأصيلة ووحدة الأسرة، لكنها تصطدم بواقع متغير يتجسد في تمرد الأبناء الذين يرون في هذه القيم عبثا يعيق اندماجهم في العالم المعاصر. هذا الصراع يجسد ما أسماه دوركايم ب 'الأنومي' كحالة الاضطراب القيمي والمعياري تنبع من تفكك الروابط الاجتماعية التقليدية دون ان تحل محلها منظومة جديدة مستقرة. من وجهة نظر فلسفية، تطرح المسرحية إشكالية محورية تتعلق بجدلية الاستمرارية والتغيير، فالشخصية الرئيسية تمثل ما يمكن وصفه ب 'حارس التقاليد'، وتعكس موقفا أنطولوجيا يرى في القيم الموروثة ضمانا للهوية والاستقرار النفسي والاجتماعي. في المقابل يمثل الأبناء تيارا وجوديا يسعى الى تحقيق الذات من خلال التحرر من قيود الماضي والانفتاح على آفاق جديدة للمعنى. تتجلى براعة المسرحية في قدرتها على المزج بين اللحظات الكوميدية والمشاهد الدرامية، مما يخلق مساحة تأملية تسمح للمشاهد بمعاينة التناقضات التي تعتمل داخل المجتمع. هذا التناوب بين الضحك والتفكير يستحضر مفهوم 'المسافة النقدية' الذي طوره الفيلسوف 'برتولت بريشت'، حيث يصبح المسرح فضاءا للتفكير النقدي في الظواهر الاجتماعية وليس فقط وسيلة للترفيه. - إشهار - لا تكتفي 'الضمصة' بتصوير الصراع بين الأجيال، بل تحفر عميقا في أسئلة فلسفية جوهرية: هل يمكن الحفاظ على هوية ثقافية متماسكة في عالم يتميز بالسيولة والتغير المستمر؟ هل المتمسك بالتقاليد يعني بالضرورة الانغلاق أمام متطلبات العصر، أم يمكن تحقيق توازن خلاق بين الأصالة والمعاصرة؟ تكشف المسرحية عن حقيقة سوسيولوجية مهمة، وهي أن الاسرة ليست مجرد كيان منعزل، بل هي مرآة تعكس التحولات الكبرى في البنى الاقتصادية والثقافية للمجتمع. فتغير أنماط الإنتاج وظهور أشكال جديدة من التواصل وانتشار القيم الاستهلاكية، كلها عوامل تضغط على المؤسسة الاسرية وتدفعها نحو إعادة تشكيل ذاتها. في الختام، تقدم مسرحية 'الضمصة' رؤية متعمقة للمأزق القيمي الذي تعيشه المجتمعات المعاصرة، متجاوزة الطرح السطحي لثنائية التقليد والحداثة نحو فهم أكثر تعقيدا للعلاقة الجدلية بينهما. انها ليست مجرد مسرحية ترفيهية، بل هي تأمل فلسفي عميق بين معنى الانتماء والهوية في زمن تتسارع فيه وتيرة التغيير بشكل يفوق قدرة المؤسسات الاجتماعية التقليدية على التكيف والاستيعاب.


برلمان
١٣-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- برلمان
محاكم الشرف في الصحافة والحرف
الخط : A- A+ إستمع للمقال تعيش الصحافة المغربية تحديا، أصبح واضحا لكل المتابعين للشأن الإعلامي والثقافي والسياسي، يتمثل أساساً في الزحف المتواصل للتكنولوجيات الحديثة في التواصل، التي ليست كلها إيجابيات، بل حملت معها سلبيات كثيرة، أخطرها ظهور أشخاص وجدوا في الصحافة ملاذهم، لكن البعض عاث في هذه المهنة النبيلة فسادا، إما عن طريق التشهير والابتزاز، أو عن طريق الإثارة الرخيصة، لشراء المتابعين. مثل هذه الممارسات ليست جديدة على هذه المهنة، كما أنها ليست غريبة على مهن أخرى، لذلك فقد انتظمت العديد منها في اتحادات وغرف وغيرها من الهياكل، التي تسمح لها بحد معين من التحصين، وخلق أجواء من الأخوة والتضامن بين مكوناتها، واعتماد قواعد أخلاقية يحتكم إليها كل من ينتمي للمهنة أو للحرفة التي يمارسها. AdChoices ADVERTISING ويتحدث عالم الاجتماع، إميل دوركايم، في كتابه 'في التقسيم الاجتماعي للعمل'، عن محاولة تغييب القاعدة الأخلاقية بمبرر الدفاع عن الحرية الفردية. يعتبر دوركايم أن هذا تبرير خاطئ، إذ لا يمكن افتعال تناقض بين القواعد المنظمة والحرية الفردية، على العكس، يقول، إن الحرية الفردية هي نتاج قواعد قانونية. وفي هذا السياق يستعرض تاريخ الاتحادات المهنية، منذ القدم، حيث انتظم التجار والحرفيون في اتحادات وأصبحت هذه التنظيمات تقوم بوظائف إدارية، وتحولت إلى جزء من الخدمة العمومية. تطورت هذه الاتحادات إلى تنظيمات أقرب إلى العائلة، وكأن لكل منها إلاهها الحامي، ومقابرها الخاصة، تقدم إعانات لأعضائها، وتنظم احتفالات جماعية… ويخلص دوركايم، إلى أنه بمجرد أن تتشكل مجموعة في المجتمع، تنشأ عنها حياة أخلاقية، إذ من المستحيل أن يعيش الأفراد معاً ويتعاملوا دون أن يشعروا بأنهم يشكلون كيانا موحدا من خلال اتحادهم، يهتمون بمصالحه ويأخذون ذلك بعين الاعتبار في سلوكهم. ومثل هذه التنظيمات ليست غريبة في تاريخ المغرب، حيث أن الحرف ظلت منظمة ولها قواعد مهنية وأخلاقية، تسهر عليها ويتدخل لحمايتها أمناء الحرف. AdChoices ADVERTISING وهذا ما حصل في مهنة الصحافة، حيث أنه ما إن تطورت كمهنة وأصبحت جزءا من الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية، حتى خلقت تنظيماتها المهنية، وتبنت مواثيق أخلاقيّة، التي تحولت إلى ركن أساسي لممارسة الصحافة، بل عمادها الرئيسي. وضمن هذه الصيرورة أحدثت المهنة في العديد من البلدان الديمقراطية ما يسمى بمحاكم الشرف، التي هي عبارة عن قضاء الزملاء، الذي يتم الاحتكام إليه عندما يحصل انتهاك للقواعد الأخلاقية للصحافة. ويوجد حاليا في العالم، عشرات من مجالس أخلاقيات الصحافة، تصدر في كل أسبوع عددا من القرارات ضد مؤسسات صحافيّة وصحافيين، ويتم الامتثال لها، لأنها صادرة عن سلطة مهنية معنوية، هدفها التخليق وليس العقاب. ولا يعرف أبداً أن هناك من الذين طالتهم هذه القرارات، مؤسسات أو أفراداً، تمردوا على هيئات التنظيم الذاتي وتحاملوا على أعضائها ونشروا مراسلاتها ووزعوها بهدف البحث عن التعاطف أو ارتداء عباءة المظلومية. بل على العكس، فإن القرارات الصادرة عن هذه الهيئات يتم التعامل معها بكل احترام، لأنها تأديب وتنبيه أخلاقي، اتخذته العائلة، كما وصفها دوركايم. كما أننا لم نسمع، في المغرب، عن تمرد محامين وقضاة وأطباء وصيادلة وغيرهم، لأن الهيئة ساءلتهم أو اتخذت في حقهم قراراً. وهو الأمر الذي يصح أيضا في الصحافة بالمغرب، حيث تمت مساءلة عشرات المؤسسات والأفراد، وتم اتخاذ عدد لا يستهان به من القرارات، من طرف التنظيم الذاتي، دون أن يثير ذلك أي احتجاج، باستثناء أقلية محسوبة على رؤوس الأصابع، لجأت إلى أسلوب المظلومية والتحامل على أعضاء هذا التنظيم، لأنها سقطت سهوا على هذه العائلة. من بين هؤلاء، صنف لا يمكن أن يغير أسلوبه، لأنه بكل بساطة يتعيش منه، وهو الموضوع الذي تناوله عالم اجتماع آخر، بيير بورديو، في محاضرة ألقاها عند افتتاح مركز الأبحاث بالمدرسة العليا للصحافة في مدينة ليل الفرنسية، سنة 1996. يقول بورديو إنه من الضروري أخذ الظروف الاجتماعية والاقتصادية، الإيجابية والسلبية، لممارسة الأخلاق، بعين الاعتبار، فإذا كنا نريد حقا تحقيق السلوكيات الأخلاقية التي ندعو إليها، علينا ألا نكتفي بالوعظ، بل علينا إرساء الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تضمن فعالية الخطاب الأخلاقي. صحيح ما قاله بورديو، لكن هناك من يبحث عن تجاوز الهشاشة والخصاص بالعمل والمثابرة، وأيضاً بالنضال النقابي، وهناك من فتحت له تكنولوجيات التواصل الحديثة، أبواب البحث عن عدد المشاهدات، التي يستجديها علانية، غير عابئ بأي وازع أخلاقي، وهو ما يعتبره بورديو في كل ما كتبه عن الصحافة والإعلام، آفة حقيقية.