منذ يوم واحد
ازدهار قطاع "المساعدين عن بعد" في الفلبين .. محرك اقتصادي غير تقليدي
شهدت السنوات الأخيرة نموًا ملحوظًا في قطاع المساعدين عن بعد في الفلبين، حيث يعمل أكثر من مليون فلبيني مع عملاء أجانب في مجالات إدارية متنوعة، مثل إدارة الجداول، الفوترة، وتحليل البيانات.
وفقا لصحيفة "نيكاي آسيا"، يعود هذا النمو إلى عدة عوامل، من أبرزها إتقان الفلبينيين للغة الإنجليزية، خبرتهم في العمل بمراكز الاتصال، وتزايد الاعتماد العالمي على العمل عن بُعد بعد جائحة كوفيد-19.
قال جون باولو ريفيرا، باحث بارز في المعهد الفلبيني لدراسات التنمية المدعوم من الدولة: "إنّ المساعدين الفلبينيين العاملين عن بعد يُخفّضون تكاليف العمالة مع الإبقاء على الجودة".
وأضاف: "يعود هذا الارتفاع الكبير في أعداد المساعدين عن بعد إلى القدرة التنافسية من حيث التكلفة، وإتقان اللغة الإنجليزية، وتطبيع العمل عن بُعد، وتحسين البنية التحتية الرقمية. كما يُسهم الطلب العالمي على الموظفين المرنين في هذا الأمر".
لكن للحكومة الفلبينية، يُعدّ ازدهار خدمات المساعدة عن بعد بمثابة نعمة ونقمة في آن واحد. فبينما تُدرّ هذه الخدمات النقد الأجنبي على البلاد وتُوظّف عددًا متزايدًا من العمال في وقت تعاني فيه السوق المحلية ضعفا في توفير وظائف، فإن الطبيعة غير الرسمية لهذا العمل تعني أن جزءًا كبيرًا منها يتم بعيدًا عن أعين السلطات الضريبية، ويصعب تتبعه ومراقبته ماليا. علاوة على ذلك، تخشى بعض الجهات الرسمية من أن يهدد الذكاء الاصطناعي هذه الطفرة.
يحقق العاملون في هذا المجال دخلًا أعلى بكثير من المتوسط المحلي. على سبيل المثال، تشير تقارير إلى أن بعض المساعدين العاملين عن بعد يقبضون من 8 إلى 10 دولارات في الساعة، وهو مبلغ يفوق الحد الأدنى للأجور اليومية في الفلبين، والذي يبلغ نحو 645 بيزو (ما يعادل 11.20 دولارًا).
يعتمد عديد من المساعدين عن بعد على منصات العمل الحر مثل "أب وورك" و"فريلانسر"، إضافة إلى خدمات متخصصة مثل "نانوجلوبالز" التي تعمل على تصفية المتقدمين وفقًا لمتطلبات محددة. وتزدهر مجتمعات دعم العاملين في هذا المجال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ تشارك هذه المجتمعات نصائح حول الحصول على وظائف وضمان الدفع.
في 2024، حققت منصة "أب وورك" إيرادات بلغت 58.5 مليون دولار من العاملين الفلبينيين فقط، بزيادة قدرها 27.5% عن عام 2023، ما جعل الفلبين أكبر مصدر للإيرادات غير الأمريكية للمنصة.
بدأت الحكومة الفلبينية باتخاذ خطوات لدعم هذا القطاع، إذ أطلقت برامج تدريبية وشهادات مهنية عبر هيئة التعليم الفني وتطوير المهارات. ومن بين هذه البرامج، دورة مجانية مدتها 100 ساعة تشمل إدارة المشاريع، المحتوى، البريد الإلكتروني، وتنظيم الجداول الزمنية.
في بلدة ماجسايساي بجزيرة مينداناو، تم توفير أجهزة كمبيوتر وإنترنت عبر "ستارلينك" لتدريب نساء من السكان الأصليين على مهارات العمل مساعدات عن بعد. ويُتوقع أن تسهم هذه المبادرات في الحد من الهجرة الخارجية وتحقيق فوائد اقتصادية طويلة الأجل.
يُطالب الموظفون لحسابهم الخاص بدفع ضريبة دخل. وبموجب القانون، يُمكن لهم الاختيار بين ضريبة موحدة بنسبة 8% على إجمالي الراتب أو ضريبة متدرجة تصل إلى 35% على دخلهم الخاضع للضريبة. كما يُفترض بهم أيضًا المساهمة في صناديق الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي الحكومية.
ورغم النمو الكبير، يواجه هذا القطاع تهديدًا محتملًا من تطورات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل "تشات جي بي تي". ويُتوقع أن تؤثر هذه الأدوات في الوظائف التي تعتمد على مهام متكررة وقابلة للأتمتة. ومع ذلك، يرى مختصون أن بعض المجالات لا تزال بحاجة إلى تدخل بشري، مثل التفاعل العاطفي واتخاذ القرارات المعقدة.
يبرز المساعدون العاملون عن بعد في الفلبين كمحرك اقتصادي غير تقليدي يعكس التحول العالمي نحو العمل المرن والرقمي. وفيما يوفر هذا القطاع دخلاً مجزيًا وفرصًا لتحسين جودة الحياة، فإنه يواجه تحديات تتعلق بالاستدامة، التطوير المستمر للمهارات، والتنظيم القانوني.