logo
#

أحدث الأخبار مع #ديبسيكDeep

حرب ضروس حول الذكاء الاصطناعي
حرب ضروس حول الذكاء الاصطناعي

الشروق

time١٦-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشروق

حرب ضروس حول الذكاء الاصطناعي

أُسدِل الستار على قمة باريس الدولية حول الذكاء الاصطناعي يوم الثلاثاء 12 فيفري، وتم إصدار بيان ختامي وقّعته نحو 60 دولة، منها بوجه خاص الهند والصين. والهند هي من كبريات الدول المهتمة بهذا الموضوع، ولذا ستحتضن القمة القادمة على ترابها. حضر المؤتمر عدد كبير من رؤساء الدول والحكومات وممثلي كبريات الشركات التكنولوجية في العالم. وقد جال في القمة الرئيس الفرنسي ماكرون وصال لوضع قطار الذكاء الاصطناعي على سكة 'عالمية'. لكنه فشل في ذلك وفشل معه الاتحاد الأوروبي رغم صواب فكرته. التغطرس الأمريكي والسبب الرئيسي لهذا الفشل هو أن الولايات المتحدة تريد أن تكون الرائدة الأولى في هذا المجال أمام منافستها الأولى، وهي الصين الشعبية. ولذلك نجد من بين الموقّعين على بيان المؤتمر الصين بينما امتنعت الولايات المتحدة عن ذلك وسارت على خطاها بريطانيا. ولم يكتف نائب الرئيس الأمريكي الذي مثّل بلاده في القمة بعدم التوقيع على البيان، بل حذّر في خطاب حاد وتهجمي الأوروبيين -وغيرهم من الموقعين الذين يدْعون إلى 'شراكة عالمية من أجل ذكاء اصطناعي مفتوح و'أخلاقي'- من السير وراء الصين في معركة الذكاء الاصطناعي مشيرا إلى نيّة بلاده هي الهيمنة المطلقة على هذا الحقل العلمي. وقبل مغادرة قاعة المؤتمر أصرّ هذا المتحدث الأمريكي على رأيه بالتأكيد على أن الشراكة مع 'الأنظمة الاستبدادية' (وهو يعني بذلك الصين) 'تشبه تشبّث بلدك بقائد استبدادي يسعى إلى التسلل داخل البنية التحتية لمعلوماتك والاستيلاء عليها'! وبهذا القرار الصريح تؤكد الولايات المتحدة عزمها على فرض هيمنتها على الذكاء الاصطناعي. ولتبرير موقفها عندما نأت بنفسها عن بيان القمة، زعمت أن هذا البيان يفرض قيودا كثيرة تحدّ من ازدهار الذكاء الاصطناعي!! ذلك أن القمة دعت إلى إرساء ذكاء اصطناعي 'مفتوح' و'شامل' و'أخلاقي' وإلى تنسيق أقوى لحوكمة الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يتطلب تنظيم 'حوار عالمي' لتصبح الطريق المؤدية إلى هذه التكنولوجيا يسيرة للجميع. ترى أمريكا في هذه الدعوة التي تطالب بها معظم الدول ضربة للاحتكار والهيمنة التي تسعى إليهما حكومتها وشركاتها العملاقة. وفي المقابل، نجد دول الاتحاد الأوربي متخلفة كثيرا في هذا المجال مقارنة بالصين وأمريكا، ولذا فمن فائدتها الدعوة إلى 'ديموقراطية' الذكاء الاصطناعي والعمل الجماعي في هذا الحقل. والجدير بالإشارة أن الولايات المتحدة وضعت مؤخرا خطة استثمار بقيمة 500 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي بالبلاد، كما أعلنت أوروبا في نهاية القمة عن تخصيص مبلغ 200 مليار دولار لدفع هذا المجال في القارة الأوربية يشارك فيه القطاعان العام والخاص محاولة منها لتقليص الفجوة بينها وبين العملاقين الصين وأمريكا. أما رئيس الوزراء الهندي الذي كان نائبا لرئيس قمة باريس (الرئيس ماكرون) فقال إن التحدي الذي ينبغي أن نرفعه هو ألا نترك دول الجنوب 'في معزل عن هذه الثورة التكنولوجية المزدهرة'. لماذا هذا التشنج الأمريكي؟ في عام 1957، عندما أطلق الاتحاد السوفييتي أول قمر صناعي يدور حول الأرض. حدثت صدمة قوية في العالم هزّت الولايات المتحدة، فانكبت على دراسة الفضاء وعلمه لتسابق موسكو. يقول المتابعون إن إطلاق قمر 'سبوتنيك' كان في الواقع يمثل أكثر من مجرّد انتصار تكنولوجي إذ كان تذكيرا صارخا بأن الابتكار يمكن أن ينشأ في أماكن غير متوقعة. لقد تكررت هذه الهزة المرعبة للولايات المتحدة في أواخر جانفي 2025 ليس بسبب صاروخ أطلق في الفضاء بل بسبب ما أنجزته شركة ناشئة بسيطة صينية في مجال الذكاء الاصطناعي. تلك الشركة هي التي ابتكرت برنامج 'ديبسيك' DeepSeek (مثيل 'جي بي تي') الذي يراه الخبراء أعجوبة تكنولوجية لم تنافس ابتكارات الذكاء الاصطناعي الأمريكية الرائدة فحسب، بل تفوّقت على قدراتها في كثير من الجوانب. ومن ثم جُنّ جنون البيت الأبيض لأن هذا الإنجاز لم يظهر في مخابر كبريات شركات البحث التكنلوجي التي تمولها الحكومة الأمريكية والخواص بمئات ملايير الدولارات، بل رأى النور بمقر شركة متواضعة في مدينة داخلية صينية! وما يزيد الأمريكان إيلاما أن هذه الشركة حديثة النشأة لا تملك من الموارد سوى بضعة ملايين الدولارات، لكنها تمتلك براعة لا حدود لها ورؤية استراتيجية لا تضاهى. وما أدهش الغرب بصفة عامة وعمالقة الابتكار التكنولوجي في أمريكا بصفة خاصة ليست براعة شركة 'ديبسيك' التكنولوجية فحسب، بل أيضا تكلفة هذا الإنجاز الزهيدة (بضعة ملايين الدولارات) مقارنة بمئات ملايير الدولارات التي تنفقها أمريكا. ثم إن هؤلاء الشباب المهندسين الصينيين الذين أنجزوا هذا الابتكار لا يتجاوز عددهم 150 شابا متخصصين في الرياضيات والمعلوماتية، وهم جميعا من خريجي جامعات صينية، وكلهم اكتسبوا تجربة لا تصل إلى سنتين، بل منهم ما لا تجربة لديه!! وهذا لا يبشر بخير تكنولوجيّ في أمريكا التي تزعم الريادة وتسعى إليها بكل ما أوتيت من قوة. لقد كان وقع صدمة هذا الابتكار الصيني فوريا وعميقا في الأجهزة الأمريكية سواء على المستوى السياسي أو التكنولوجي إذ أدى إلى حالة من الفوضى في البلاد بمجرد الإعلان عنه، وتفاجأت شركات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا بتمكن هذه الأداة الصينية من القيام بكل ما يقوم به برنامج 'جي بي تي' وزيادة، وهذا بأبخس الأثمان. ونجم عن ذلك في غضون ساعات بعد الإعلان عن الابتكار الصيني، انهيار الأوراق المالية في السوق الأمريكية. يقول الخبراء إن الذكاء الاصطناعي بمثابة سباق وليس هناك جدوى من الركض، بل عليك أن تنطلق انطلاقة سليمة إن أردت النجاح. وقد شعر الخبراء الأمريكيون بأن انطلاقتهم لم تكن كذلك سيما عندما أعلن دونالد ترامب عن مشروعه 'ستارغيت stargate'، وهو 'رافع الرأس، منتفخ الصدر، مثل لاعب البوكر الذي يراهن بكل شيء، عن مشروع بقيمة 500 مليار دولار' معتقدا أنه سيدرك بذلك ذروة الذكاء الاصطناعي… وهو الهدف الذي تسعى إليه واشنطن لسحق المنافَسة من حيث أتت. لعل مخرجات هذه القمة الدولية حول الذكاء الاصطناعي تجعلنا ندرك أهمية الموضوع والسعي بكل قوانا إلى استغلال طاقاتنا المادية والبشرية من الشباب المتخرج من مدارسنا العليا في الرياضيات والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا وكذا جامعاتنا ليكون لنا موقع قدم في هذا الصراع الذي لا يرحم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store