logo
#

أحدث الأخبار مع #ديستوبيا

Black Mirror 7.. عودة الكابوس الرقمي في صورة أكثر إنسانية
Black Mirror 7.. عودة الكابوس الرقمي في صورة أكثر إنسانية

الشرق السعودية

time١٦-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الشرق السعودية

Black Mirror 7.. عودة الكابوس الرقمي في صورة أكثر إنسانية

في موسمه السابع يواصل مسلسل Black Mirror مسيرته، التي تمتد لحوالي 14 عاماً، باستكشافه لتأثير التكنولوجيا الحديثة على حياة الناس نفسيا وعقلياً وبدنياً، وذلك بالمزج بين الفرضيات العلمية وإطلاق الخيال إلى أقصى الحدود، من خلال قصص قصيرة يدور معظمها في مستقبل خيالي كابوسي يميل غالباً إلى نوع الـ"ديستوبيا" أو المدينة الفاسدة. هذه النبرة المتشائمة التي وسمت المسلسل، ساهمت في شعبيته بين هواة الرعب والغموض، وإن كانت، مع مرور الوقت، جعلته ثقيلاً على البعض. المسلسل الذي بدأ عرضه في 2011 من إنتاج القناة الرابعة البريطانية، سرعان ما انتقل إلى منصة نتفليكس في 2016، حيث قامت المنصة بإنتاج المواسم الخمسة التالية، والتي تراوحت درجات نجاحها، ووصلت في الموسم السادس إلى أدنى مستويات هذا النجاح. ربما يكون ذلك ما دفع تشارلي بروكر، مؤلف معظم الحلقات والمشرف على العمل، إلى تغيير النبرة السوداوية هذه المرة وصنع حلقات أقل كابوسية وأكثر إنسانية، نسبياً. يتكون الموسم السابع من 6 حلقات، تتراوح في زمن عرضها بين ساعة إلى ساعة ونصف الساعة، تدور حول الأفكار المعتادة ولكن في مستقبل أكثر قرباً وموضوعات أكثر قابلية للتصديق. الطريف أن المسلسل الذي وصلت حلقاته إلى 33 (بالإضافة إلى فيلم تفاعلي)، يعتمد في كثير من حلقاته على إحالات لأسماء ومعالم وأحداث وأغان من حلقات سابقة، ما يخلق إحساساً بوحدة عالم المرآة السوداء، ويشيع روحاً من المرح لدى المشاهدين المتابعين والملمين بتفاصيله. ليست كل الحلقات على المستوى الفني نفسه، وهي تتراوح في مدى عمقها وجاذبيتها، ولذلك تستحق كل منها تقييماً مختلفاً. Common People.. باقة إنترنت للمخ! هذه أبسط الحلقات وأكثرها ارتباطاً بالواقع والمستقبل القريب، يذهب زوجان متحابان، مايك (كريس دوود) وأماندا (رشيدة جونز)، للاحتفال بعيد زواجهما في فندق متواضع، حيث تعاني من صداع يتحول إلى نزيف يؤدي لفقدانها الوعي تماماً. بما أن الطب عاجز عن إعادتها لوعيها، تعرض شركة تقنيات حديثة خدماتها، التي تتمثل في أخذ شريحة من المخ وعلاجها رقمياً ثم تشغيلها لتعمل عبر الانترنت كبديل لمخ الزوجة. وبالفعل تستعيد الزوجة وعيها وحياتها، ولكن الشركة الاستثمارية الساعية إلى الربح تواصل تحديث باقاتها وخدماتها ورفع أسعارها وإضافة إعلانات تجعل مخ المرأة يتوقف كل برهة (كما يحدث في YouTube) لبث أحد الاعلانات، مما يدفع الزوج إلى العمل نهاراً وليلاً قبل أن يضطر إلى التردد على المواقع المشبوهة على الإنترنت المخصص للرهانات المشينة، ما يؤدي إلى فضيحة وفصله من عمله. لقد تحول معظم الناس، بشكل ما، إلى عبيد تابعين لشركات الجوال والإنترنت وألعاب الفيديو والتقنيات الحديثة، حيث يدفعون نسبة كبيرة من دخولهم مقابل هذه الخدمات. وبشكل أكثر بلاغة أصبحت عقولنا معتمدة بالكامل على هذه الشركات، التي تتحكم في معلوماتنا وطريقة عملنا وتفكيرنا، وحتى آرائنا وميولنا العاطفية. Bête Noire.. اللعب في الدماغ العنوان كلمتين فرنسيتين تعنيان حرفياً "الوحش الأسود"، ولكنها مصطلح يعني الشئ أو الشخص المكروه جداً، والمقصود في الحلقة هو الفتاة الشقراء فيريتي (روزي ماك أوين) التي تعود فجأة من الماضي لتصبح زميلة البطلة ماريا (سينا كيلي) في الشركة التي تعمل بها، ثم يتبين بمرور الوقت أنها عادت لتنتقم ممن تنمرن بها وعكرن صفو حياتها أثناء المدرسة، وعلى رأسهن ماريا. الفكرة عادية ولكن الجديد (المتعلق بمضمون وأفكار المسلسل)، هو أن فيريتي، الموهوبة في الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي، تستخدم تقنيات تكنولوجية شديدة التطور، وهي تحويل الواقع نفسه إلى أي واقع افتراضي تتمناه. إنها تغير الأشياء والناس والوقائع لتثير جنون ماريا، ولكن هل يمكن أن يحدث ذلك بالفعل؟ أن تظهر تقنية يمكنها التحكم في العقول لتعتقد بوجود أشياء ووقائع غير حقيقية؟، الملفت أن التقنية تؤثر على الحاضرين ولكنها لا تؤثر على ماريا التي تظل مشتتة بين ما تعتقده وما تراه. على أية حال هذه أضعف حلقات الموسم كتابة، رغم أنها مسلية وجذابة على مستوى التمثيل والمواقف، وهي تذكر، بشكل ما، بألعاب إثارة الجنون القديمة التي رأيناها في أعمال مثل فيلم "الليلة الأخيرة" وغيرها! Hotel Reverie.. رومانسية الذكاء الاصطناعي تتعاظم التوقعات وتتفاقم المخاوف من تأثير الذكاء الاصطناعي على فن السينما، في بداية العام أثير الجدل حول استخدام صناع فيلم The Brutlaist للذكاء الاصطناعي في تعديل لهجة بطليه أدريان برودي وفليستي جونز لكي تعبر عن أصولهما المجرية. تستعين شركة "كيوورث" الهوليوودية ببرنامج ذكاء صناعي اسمه Redream تأمل من خلاله إعادة إنتاج أفلامها الكلاسيكية القديمة عن طريق الذكاء الاصطناعي بالممثلين القدامى مع الاستعانة بنجم أو أكثر جديد. وعندما يتعذر الاتفاق مع النجوم الجدد تضطر رئيسة الشركة ومساعدتها على الاستعانة بنجمة أفلام أكشن أميركية إفريقية، اسمها براندي فريداي، تؤدي دورها إيسا راي، سئمت من تنميطها في أدوار الحركة، وتبحث عن فكرة جديدة. يتم توصيل لا وعي فريداي بالفيلم فتتحول (افتراضياً) إلى واحدة من شخصيات الفيلم وتتفاعل معهم، ولكن النقطة هي أنها امرأة سوداء تلعب دوراً مكتوبا لرجل أبيض في أربعينيات القرن الماضي! نجد هنا تأثيرات من The Purple Rose of Cairo لوودي آلن، وسلسلة أفلام The Matrix وفيلم The Artist، ولكنها مضفرة بشكل جيد ومؤثر، خاصة عندما تبدأ البطلة، المخلقة بالذكاء الاصطناعي، في التساؤل والشك في حياتها ووجودها، وعندما تبدأ الممثلة المعاصرة في الاندماج مع الشخصيات الافتراضية بشكل يكسر الحدود بين الواقع والخيال. يكمن جمال هذه الحلقة في تعدد طبقاتها وانفتاح استعارتها على معان تتجاوز تأثير الذكاء الاصطناعي، إلى الأسئلة حول الواقع والخيال، حدود التقمص الذي يشعر به الممثلون، والتماهي الذي يشعر به المشاهد مع الأعمال الفنية، واحتماليات أن يكون للشخصيات الافتراضية حياتها الخاصة (ذلك السؤال الوجودي القديم الذي طرحته سلسلة أفلام Toy Story، هذه الفكرة التي تتردد أيضا في الحلقة الأخيرة من الموسم USS Callister: Beyond Infinity. Plaything.. العودة لأفكار التسعينات في 2034 تعتقل الشرطة رجلاً عجوزاً يتبين أنه مطلوب لقضية قتل في تسعينيات القرن الماضي، يروي الرجل حكايته: عندما كان شاباً مهووساً بألعاب الفيديو يحصل بالصدفة على لعبة لا تقوم على القتل والعنف ولكن على تربية كائنات رقمية تتكاثر وتنمو وتطور لغة خاصة بها يستطيع الشاب فهمها. مرة أخرى نحن أمام خيال "إحيائي" من قدم الإنسان، حين كان يعتقد أن الحيوانات تشعر وتتكلم وأن بالإمكان مخاطبتها، والآن يتصور أن ذلك ممكن مع الكائنات الرقمية الافتراضية. هذه أضعف حلقات الموسم كتابة وتنفيذاً، ويبدو الخيال فيها ساذجاً ولا علمياً، رغم أنها الأكثر شبهاً بالمواسم الأولى في قتامتها ونظرتها المتشائمة، وهي تحمل، بطريقة ما، شبها بفيلم Se7en الشهير: المجرم المجنون، والضابط الحكيم، والضابط الغضوب! Eulogy.. البحث عن الحب المفقود في هذه الحلقة يلعب النجم بول جياميتي بملامحه المميزة واحدا من أدواره التي توحي بالشجن والغرابة، لرجل يأتيه خبر وفاة واحدة من معارفه القدامى، ومكالمة تطلب منه كلمة تأبين تضم ذكرياته مع المرأة. عندما يتردد يتم ارسال روبوت له يساعده على التذكر. وعن طريق عدد من الصور الفوتوغرافية القديمة والممزقة، يسعى الرجل لتذكر وجه المرأة التي يتبين أنها كانت حبيبته، دون جدوى. لكن الروبوت الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي يواصل مساعدة الرجل لتتوالى المفاجآت. تشتغل الحلقة على استخدام التقنيات الرقمية في فهم عمل الذاكرة واستدعائها، وبناء ما يعرف بقصر الذاكرة. وبشكل علمي هي أكثر الحلقات اقتراباً من الواقع. USS Callister: Beyond Infinity.. فيلم قصير للختام هي آخر وأطول حلقات الموسم حيث يصل زمنها إلى 90 دقيقة ما يعادل فيلماً كاملاً. الحلقة هي تكملة لحلقة سابقة من الموسم الرابع حملت اسم Uss Calister كانت تناقش تأثير ألعاب الفيديو، هنا يلعب جيسي بليمونز دور مصمم ألعاب يعوض تسلط شريكه بعمل نسخة افتراضية منه، ونسخ افتراضية من موظفي الشركة، حيث يقضون الليل داخل اللعبة التي تدور في الكواكب الأخرى على طريقة Star War و Star Trek. مرة أخرى نحن أمام فرضية كانت سلسلة أفلام "الماتريكس" أول من تخيلتها، وهي أن يكون للمرء نسخة افتراضية تعيش على الإنترنت، ولكنها تؤثر على حياته الفعلية، وبتضح ذلك من خلال نهاية الحلقة، حيث يتداخل الافتراضي والنسخة بالحقيقي والأصلي.. في إشارة لمستقبل تزداد فيه باستمرار صعوبة التمييز بين الأصل والصورة. في النهاية يواصل Black Mirror إثارة فضولنا ومخاوفنا بشأن مستقبل أصبح أقرب مما نتصور. * ناقد فني

كتاب "قصة جريمة قتل" يبعث أدب الجريمة من مرقده
كتاب "قصة جريمة قتل" يبعث أدب الجريمة من مرقده

Independent عربية

time٠٩-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

كتاب "قصة جريمة قتل" يبعث أدب الجريمة من مرقده

ينشأ بعض الأنواع الأدبية من حاجتنا إلى تنظيم الفوضى، استجابة لرغبة العقل في استيعاب ما يبدو عصياً على الفهم. فكما برز أدب ما بعد الكولونيالية في أعقاب انهيار الإمبراطوريات، وازدهرت الـ"ديستوبيا" مع صعود الأنظمة الشمولية، خرج أدب الجريمة الحقيقية (True Crime) من هوس الإعلام بالعقلية الإجرامية، فقامت الصحافة الشعبية خلال القرن الـ19 بدور محوري في صعود هذا النوع، وفتحت الباب أمام أدب يتغذى من الوثائق الرسمية والسجلات الجنائية وشهادات الشهود، وهو بعد أن يهضمها، يعيد ترتيب مسرح الجريمة في تلك المساحة الغائمة بين الحقيقة والتخييل. يعد كتاب "بدم بارد" (1966) لترومان كابوتي بمثابة البداية لهذا النوع الهجين، إذ يعيد سرد جريمة قتل مروعة وقعت في ولاية كانساس، بعد أن قضى كابوتي وقتاً طويلاً مع القتلة الحقيقيين في السجن ودرس شخصياتهم بدقة متناهية. وعلى رغم أن الكتاب يوثق الوقائع بتفاصيل دقيقة، فإنه يُقرأ كعمل روائي بامتياز، مما يثير سؤالاً مهماً، هل يمكن للوثائق والمستندات أن تتحول إلى قالب روائي، حتى إن وافقنا على اصطلاح كابوتي الجديد "الرواية غير الخيالية"؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فهل يظل هؤلاء الرواة، في سياق التشويق والدراما، أوفياء للحقيقة؟ "قصة جريمة قتل" (أمازون) مثل هذه الأسئلة وغيرها يعيد طرحها كتاب "قصة جريمة قتل: الزوجات والعشيقة والدكتور كريبن" لهالي روبنهولد، الصادر حديثاً عن دور نشر بريطانية وأمريكية، إذ إنه يتناول قضية "الدكتور هاولي هارفي كريبن" الذي اتهم بقتل زوجته وإخفاء جثتها في منزله عام 1910، وكانت واحدة من أكثر جرائم القتل إثارة للجدل في بريطانيا وتحولت إلى ظاهرة إعلامية هزّت الرأي العام آنذاك. مطاردة في المحيط الأطلسي تبدأ القصة مساء الـ31 من يناير (كانون الثاني) عام 1910، عندما استضاف الدكتور كريبن وزوجته المغنية بيلا إلمور صديقين في منزلهما الكائن بهيلدروب كريسنت في لندن. وليس هناك شيء مهم يُروى عن تلك الأمسية عدا أن بيلا لم تظهر بعدها مطلقاً. في البداية، قال كريبن إن زوجته غادرت إلى أميركا على عجل، ثم ادعى أنها مرضت هناك وماتت. لكن شيئاً من الريبة تسلل إلى قلوب أصدقائها، بخاصة بعدما ظهرت عشيقته إثيل لو نيف ترتدي مجوهرات الزوجة وتعيش مكانها. في هذا النوع من الأدب، ليس الكاتب بحاجة إلى خلق التشويق، فالواقع يملك بالفعل عناصره المثيرة التي تتولد من بطء انكشاف الحقيقة. ومع الأخذ في الاعتبار أن أحداث قصته معروفة سلفاً، يضطلع ترتيب الأحداث وتراكم الأدلة بالدور الرئيس في تحريك السرد، لتبدو لحظة العثور على بقايا جسد مقطع الأوصال مدفوناً في قبو المنزل، وعلى أنسجته آثار سم الهيوسين الذي كان الطبيب اشتراه قبل أسابيع، إلى جانب قصاصة من بيجامته، إحدى أكثر اللحظات إثارة في كتاب هالي. الكاتبة البريطانية هالي روبنهولد (صفحة الكاتبة - فيسبوك) تتصاعد دراما الواقع حين يفرّ كريبن مع إثيل متنكرة في هيئة صبي، لكن القبطان هنري كيندال شك في أمرهما، وبفضل التلغراف اللاسلكي، ذلك الاختراع الثوري خلال العصر الإدواردي، أرسل برقية إلى سكوتلاند يارد، لتبدأ ما وصفته الصحف بـ"مطاردة المحيط الكبرى"، حيث لحق بهما المفتش ديو، متنكراً في زي طيار. وعندما صعد على متن السفينة، خلع قبعته وقال بهدوء "صباح الخير يا دكتور كريبن. هل تعرفني؟"، فردّ كريبن مستسلماً "الحمد لله انتهى الأمر. لقد بلغت الإثارة في هذه القضية حداً لم أعد أتحمله". كان كريبن هو أول مجرم يُعتقل باستخدام هذه التقنية، في واقعة بدت كما لو أنها خرجت من رواية بوليسية، مؤكدة من جديد أن الواقع، أحياناً، يفوق الخيال، وأن هناك دوراً حقيقياً للتكنولوجيا في تعقب الجريمة. تبديل زاوية الرؤية منذ لحظة اختفاء إلمور وحتى لحظة شنقه، تحولت الجريمة إلى بث مباشر احتل القاتل فيه بؤرة الضوء بلا منازع، فركزت الصحف على تفاصيل حياة الدكتور كريبن كافة ودوافعه وهروبه وماضيه الغامض، بل صُنع له تمثال شمعي في متحف مدام توسو. أما في كتاب هالي، فإن الكاميرا تتحرك في الاتجاه المعاكس لترصد بيلا إلمور، المغنية المسرحية التي خذلها الحظ، من مسافة قريبة وتمنحها المساحة الأكبر من السرد، فتُعاد صياغة القصة من منظورها، مما ينسجم مع نهج هالي في كتابها السابق'The Five' 2019، حين أعادت الاعتبار لضحايا "جاك السفاح" اللواتي اختُزلن لأعوام في صورة "عاهرات مجهولات". وتقول هالي في حوار مع صحيفة "ذا غارديان"، "أردت أن أحول التركيز عن القاتل، وأن أسأل، ما الذي نعرفه حقاً عن الأشخاص الذين خسروا حياتهم؟". من هذا المنظور تعيد هالي رواية واحدة من أشهر القضايا الجنائية خلال القرن الـ20، لتكشف عما جرى تجاهله عمداً أو عفواً، وتعطي صوتاً للغائبين عن المشهد. فهل كانت بيلا "امرأة صعبة المراس" كما قيل، أم فنانة محدودة الموهبة قادها الشطط إلى حتفها؟ وهل كانت إثيل لو نيف مجرد شابة مخدوعة، أم شريكة في الجريمة؟ ويفحص الكتاب حياة الزوجين من أقرب مسافة ممكنة، ليكشف عن أن الطبيب لم يكُن مجرد زوج مأزوم، بل كان محتالاً محترفاً تنقل بين المدن، مختبئاً خلف هويات مزيفة، فباع الأدوية المقلدة ونسج الأكاذيب، إلى أن جاءت الليلة التي قرر فيها أن يتخلص من زوجته إلى الأبد. المحاكمة وصناعة الرأي العام ألهبت عودة الدكتور كريبن لإنجلترا خيال الرأي العام، وسرعان ما تحولت محاكمته في أولد بيلي إلى وقود يومي للصحافة والإعلام ومحبي الإثارة والتشويق، وتقول هالي "كان الصحافيون في ذلك الوقت لا يقدمون التفاصيل التي تهمنا حول الجريمة، بل يركزون على إثارة الفضول حول القاتل وماضيه الغامض". لكن كتاب "قصة قاتل" لا يقتصر على نقد الإعلام في الماضي فحسب، بل يوجه كذلك أصابع الاتهام إلى الإعلام المعاصر الذي لا يزال يعزز الأساطير حول القتلة، مما ينبهنا إلى أهمية الرواية غير الخيالية في الكشف عن الحقيقة، بعيداً من التغطيات الإعلامية السريعة. وربما لهذا تتبنى الكاتبة أسلوباً استفزازياً في سردها، يعمد إلى طرح التساؤلات باستمرار حول "من المسؤول؟" و "ما الذي نعرفه حقاً؟"، فضلاً عن إثارة الشكوك بشهادات الشهود، والروايات الشائعة التي قد تكون مشوهة أو غير مكتملة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتظهر براعة هالي في بناء شبكة معقدة من الشخصيات والأحداث التي ترتبط بصورة وثيقة بمقتل بيل إلمور. فإلى جانب تسليط الضوء على حياة بيلا وكريبن وإثيل، تدمج الأصدقاء المقربين والزملاء في مجال الموسيقى والمسرح، إضافة إلى أفراد العائلة الذين تأثروا بالجريمة. وليس هذا فحسب، إنما تغطي أيضاً الخلفية الاجتماعية والطبية التي شكلت سياق تلك الفترة، فهي تأخذ القارئ إلى أوائل القرن الـ20، فترة التحولات الكبرى في المشهد الاجتماعي، خصوصاً في ما يتعلق بمكانة المرأة داخل المجتمع، والتفاعلات المعقدة بين الطب والمجتمع، إلى جانب التطورات في ممارسات الطب الشرعي واستخدامه كأداة لتفسير وتحليل الجرائم. لا يفوتها أن تستعرض في "قصة قاتل"، مشهد المسرح في لندن، حين كان الفن والموسيقى يشكلان جزءاً رئيساً من حياة بيل إلمور، مغنية الأوبرا، والذي استُغل من قبل الصحافة في تصوير حياتها وأحداث الجريمة بصورة خاصة. وكان هذا الحقل الفني في تلك الفترة مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمفهوم "المرأة الجديدة" الذي بدأ يشق طريقه خلال تلك الحقبة. لكن المفاجأة الكبرى في كتاب هالي هو قلبها لحقيقة العشيقة التي ظهرت أمام القضاة والجمهور في ثوب البراءة، كيف يمكن لمخلوقة بهذه النعومة أن تتواطأ في جريمة قتل بشعة؟ هكذا تساءلت الصحافة وهكذا اقتنعت هيئة المحلفين، ليُدان كريبن وحده ويشنق في سجن بنتونفيل، بينما يطلق سراح إثيل. وفي مقارنة غريبة، تشير هالي إلى "الجمعة السوداء" التي وقعت بعد ثلاثة أسابيع فقط من تبرئة إثيل، حين خرجت نساء بريطانيا للمطالبة بحقهن في التصويت، فقوبلن بالضرب والسحل، بل الاعتداء الجنسي من الشرطة والمارة، وكأن النظام يكشف عن وجهه الحقيقي الذي لا يرى في المرأة المتمردة إلا تهديداً يجب القضاء عليه. تختتم هالي كتابها بما يشبه مشهداً من رواية بوليسية كلاسيكية، في عشرينيات القرن الماضي، أجرت إثيل عدداً من المقابلات الصحافية لتبريء نفسها، لكنها من دون أن تدري فتحت باباً للشك على مصراعيه، إذ إنها عاشت حياة جديدة تحت اسم مستعار، تزوجت وأنجبت وماتت عام 1967 من دون أن يعرف أبناؤها شيئاً عن حقيقتها. حتى جاء يوم تلقى فيه أحدهم اتصالاً من كاتب جرائم حقيقية، ليكتشف فجأة أن والدته هي نفسها الشابة التي شغلت إنجلترا قبل نصف قرن. وعلى رغم أنها لم تثبت براءتها يوماً، فإنها أتقنت أداء هذا الدور ببراعة. لعل اكتشاف أبناء إثيل لماضيها يضيف بعداً جديداً إلى أدب الجريمة الحقيقية، فهو سلاح ذو حدين، من جهة يحقق العدالة ويقتص للمغدورين، ومن جهة أخرى يعكس مفهوم "الذنب الموروث"، فلا تقتصر الجرائم على فاعليها وحدهم، بل تمتد كذلك إلى الأجيال المقبلة، كما لو أن للتاريخ ظلاً ثقيلاً، يظل كامناً في مكان ما، متحيناً الفرصة ليتلبس أبناء القتلة عملاً بمبدأ "الذنب الموروث".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store