logo
#

أحدث الأخبار مع #ديفيدغلانتز

بين كورسك والنورماندي.. معركة تزييف التاريخ وذاكرة الغرب الانتقائية
بين كورسك والنورماندي.. معركة تزييف التاريخ وذاكرة الغرب الانتقائية

وكالة نيوز

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • وكالة نيوز

بين كورسك والنورماندي.. معركة تزييف التاريخ وذاكرة الغرب الانتقائية

العالم – أوروبا من بين أكثر فصول التاريخ عرضة للتحريف في الذاكرة الغربية المعاصرة، يبرز فصل الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا الدور الحاسم الذي لعبه الاتحاد السوفييتي في كسر العمود الفقري للنازية. ف فعلى الرغم من احتلال صور الجنود الأميركيين الذين حرّروا باريس أو هبطوا في النورماندي مركز السردية البصرية السائدة،، تغيب عن المشهد رواية موازية وأكثر كلفة بالدماء: ملايين الجنود السوفييت الذين خاضوا معارك ملحمية على الجبهة الشرقية، كانت هي التي حسمت مصير هتلر. الجبهة الشرقية: قلب الحرب لا هامشها تشير التقديرات إلى أن أكثر من 27 مليون سوفييتي، بين مدنيين وعسكريين، لقوا حتفهم خلال الحرب، وهو ما يعادل نحو نصف ضحايا الحرب العالمية الثانية. ووفقًا لمؤرخين بارزين، مثل البريطاني ريتشارد أوفري في كتابه 'حرب روسيا'، فإن الجبهة الشرقية كانت مسؤولة عن أكثر من 80% من خسائر الجيش الألماني، ما يجعلها مركز الحرب الحقيقي، لا مجرد مسرح ثانوي. ستالينغراد، تلك المدينة التي تحوّلت إلى مقبرة للقوات النازية، لم تكن مجرد معركة؛ كانت لحظة فاصلة غيرت مسار التاريخ. بين شتاء 1942 و1943، وعلى مدى شهور من الحصار والجحيم اليومي، صمد السوفييت أمام آلة الحرب الألمانية، لينتهوا بكسر شوكتها بشكل نهائي. اعتبر وينستون تشرشل المعركة 'أعظم معركة في التاريخ أعادت الأمل للعالم'، فيما وصفها المؤرخ الأميركي جيفري روبرتس بأنها 'أعظم انتصار عسكري في القرن العشرين'. في ستالينغراد وحدها، خسر الألمان أكثر من 850 ألف جندي، مقابل قرابة مليون سوفييتي، إلا أن النصر كان حاسمًا للسوفييت، وأعاد تشكيل موازين القوى. لم تتوقف التحولات عند ستالينغراد. ففي صيف عام 1943، خاض السوفييت معركة كورسك، والتي تُعد من أضخم المعارك المدرعة في التاريخ. شارك فيها أكثر من 6000 دبابة ومليوني جندي، وامتدت من 5 يوليو حتى 23 أغسطس. كانت محاولة ألمانية يائسة لاستعادة زمام المبادرة بعد الهزيمة في ستالينغراد، لكنها باءت بالفشل. تمكن الجيش الأحمر من امتصاص الهجوم، ثم شنّ هجومًا مضادًا كاسحًا دفع الألمان إلى التراجع من الجبهة الشرقية دون رجعة. وصفها المؤرخ العسكري ديفيد غلانتز بأنها 'نهاية الحلم النازي بالهيمنة الشرقية'، مؤكداً أن كورسك كانت بداية المرحلة الهجومية التي أوصلت السوفييت إلى برلين. نورماندي: السردية ناقصة خلافاً للرواية الغربية السائدة التي تحصر 'التحرير من النازية' في إنزال النورماندي، وتتغاضى عن أن أول جندي رفع علم النصر فوق برلين في مايو 1945 لم يكن أميركيًا ولا بريطانيًا، بل سوفييتي، تؤكد الحقائق والوثائق والدراسات التاريخية الحديثة والمعاصرة أن الحلفاء لم يهبطوا على شواطئ النورماندي إلا في يونيو 1944، أي بعد أن كان السوفييت قد أجبروا الألمان على الانسحاب من معظم الأراضي التي احتلوها. وحتى حينها، كانت الجبهة الشرقية ما تزال الأكثر دموية. استمر الجيش الأحمر في التقدّم حتى وصل إلى برلين في مايو 1945، حيث رفع العلم السوفييتي فوق مبنى الرايخستاغ. وهو ما أكّده المؤرخ العسكري الأميركي ديفيد غلانتز في كتابه 'When Titans Clashed' حين قال: 'الجبهة الشرقية كانت الجبهة الحاسمة. الغرب ساهم، لكنه لم يكن العنصر الفاصل في هزيمة ألمانيا'. تهميش متعمّد مع نهاية الحرب وبداية الحرب الباردة، بدأ تهميش الدور السوفييتي في الحرب بشكل متعمّد ومنهجي. ساهمت الولايات المتحدة وحلفاؤها في إعادة صياغة السرد التاريخي ليُظهرهم كأبطال مطلقين، فيما تم تجاهل أو تشويه كل ما يمت للاتحاد السوفييتي بصلة. أصبح الاعتراف بتضحيات السوفييت أمرًا غير مستحب. فبدلًا من سرديات متوازنة، ظهرت روايات ثقافية وإعلامية تُهمّش روسيا كخلفٍ مشبوهٍ لإمبراطورية توسعية. لعبت هوليوود دورًا كبيرًا في ترسيخ هذه الصورة، من خلال أفلام شهيرة مثل Saving Private Ryan وThe Longest Day، والتي تجاهلت الجبهة الشرقية أو اختزلتها في خلفية بعيدة. كذلك، ساهمت المناهج التعليمية الغربية في إقصاء هذه الجبهة، ما حوّل الحقيقة التاريخية إلى أسطورة منقوصة.وصف الصحافي الأميركي كريس هيدجز، الحائز على جائزة بوليتزر، هذه الظاهرة قائلاً: 'من دون التضحيات الهائلة التي قدّمها السوفييت، لما كان بإمكان أحد أن يهزم هتلر، لكن الغرب لا يريد الاعتراف بذلك لأنه يُضعف أسطورته عن دوره في إنقاذ العالم'. الأخطر من ذلك، أن هذه الرواية المشوهة تُستخدم اليوم كسلاح سياسي. تم استبعاد روسيا من احتفالات النصر في أوروبا، وجرى تحميلها إرثًا توسعيًا دون الاعتراف بجذورها التاريخية النضالية. في المقابل، بدأت بعض الدول الأوروبية بإعادة تأهيل بعض حلفاء هتلر بدعوى 'مقاومة الشيوعية'، ما يشكل خطرًا على سردية الحرب العالمية نفسها. الذاكرة كمعركة أخيرة إن مقاومة النازية لم تكن مشروعًا غربيًا صرفًا، بل حقيقة كونية كُتبت بدماء ملايين البشر من موسكو إلى لينينغراد، ومن كييف إلى سيبيريا. محو هذه الحقيقة لا يعني فقط تزوير التاريخ، بل يشكل خطرًا داهمًا على الحاضر والمستقبل، خاصة في زمن تتصاعد فيه الحركات اليمينية المتطرفة وتعود الرموز الفاشية إلى الواجهة. في ظل ما يشهده العالم من إعادة تدوير للرموز النازية وتنامي للعداء لروسيا، تبدو معركة الذاكرة أكثر أهمية من أي وقت مضى. استرداد الحقيقة حول الحرب العالمية الثانية لم يعد شأناً أكاديميًا فقط، بل معركة دفاع عن العدالة الدولية، والذاكرة الجمعية، وكرامة الذين سقطوا دفاعًا عن العالم كله. (صحفي ومحلل سياسي سوري)

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store