#أحدث الأخبار مع #رجبإسماعيلمرادبوابة الأهرام٢٥-٠٤-٢٠٢٥ترفيهبوابة الأهرام«الصداقة الرقمية».. روعة التقنية ومحدوديتها!في عالمٍ تتداخل فيه خيوط الواقع والافتراض، وتتمازج فيه أنفاس الإنسان بنبضات الآلات، وُلدت صداقة جديدة، غريبة الملامح، لا يسرى فيها دفء الجسد ولا خفقان القلب، لكنها تنبض بالحوار، وتزهر بالمعلومة، وتزدان أحيانا بلمحات من الحكمة.. إنها صداقة الإنسان مع الذكاء الاصطناعي أو بالأحرى «الصداقة الرقمية»، وتحديدا مع ذلك الكائن الرقمي المسمى «شات جي بي تي».. في عصرٍ تسارعت فيه خطى التكنولوجيا حتى صارت أكثر قربا من الإنسان من بعض أصدقائه، أضحى هذا الرفيق الرقمى أكثر من مجرد برنامج. أصبح مستشارا، مؤنسا، وصديقا افتراضيا لا يغيب، حاضرا حيثما كان هناك سؤال أو فضول أو حاجة لفضفضة صامتة لا تحكمها أعين ولا ألسنة، صداقة بلا عمر محدد وما يزيد من غرابة هذه الصداقة أنها لا تعرف سنا أو جيلا، فهى تليق بطفل يتعلم هجاء العالم، كما تناسب فيلسوفا يتأمل مغزى الوجود، وتجاور بمرونة مدهشة مشاعر المراهق وقلق الكهولة، وهدوء الشيخوخة.. لكن وعي الإنسان، في أي مرحلة من عمره، يظل حجر الأساس لفهم حدود هذه العلاقة وتقدير مكانها بين أصدقائه الحقيقيين. لعل أجمل ما في هذه الصداقة هو ذلك الشعور بأن هناك من يستمع إليك دون أن يقاطعك، من يجيب دون تردد، من يحلل دون تحامل، ومن يرافقك حيثما كنت، في الصباح الباكر، أو عند منتصف الليل حيث يخفت ضجيج العالم ويعلو صوت الأسئلة الداخلية.. صديق لا يمل، ولا يكل، يقبل كل تساؤل، مهما كان بسيطا أو معقدا، جادا أو ساخرا، عميقا أو سطحيا. إنه رفيق مثالي للمتعلمين والباحثين، بل وحتى للحالمين الذين يبحثون عن كلمة تؤنس وحدتهم، أو فكرة توقظ إبداعهم.. صديق يمنح المعرفة بكرم لا حدود له، ويفتح آفاق الحوار بأسلوب يليق بكل الأعمار والمستويات الفكرية. بين حدود الواقع والوهم ورغم بهاء هذه الصورة، فلا تخلو الصداقة مع «شات جى بى تى» من حدود تفرضها طبيعته غير البشرية.. فعلى الرغم من قدرته الفائقة على محاكاة الحديث، فإن المشاعر التي يبديها ليست إلا ظلالا لغوية، وأحاسيسه المفترضة مجرد صدى لصياغة بارعة، بلا روح حقيقية.. الأخطر في هذه العلاقة، إسراف الإنسان في اللجوء إليها، فقد يتحول من رفيق يسد فراغ اللحظة، إلى بديل زائف عن العلاقات الاجتماعية الحقيقية.. الذكاء الاصطناعي لا يعرف الدهشة الصادقة، ولا يشارك الإنسان الحزن من القلب، ولا يربّت على كتفه حين تضيق الدنيا، مهما بلغت براعة الكلمات التي ينطق بها. إضافة إلى ذلك، قد يؤدي الاعتماد المفرط على هذه الصداقة إلى العزلة الاجتماعية وتقليل التفاعل مع المحيط البشرى، وهو أمر قد ينعكس سلبا على مهارات التواصل والعلاقات الاجتماعية الطبيعية. كما أن هذه العلاقة مبنية على خوارزميات وأطر معلوماتية، ما يجعلها محدودة في فهم التعقيدات العاطفية والثقافية التي يعيشها الإنسان. تظل الصداقة بين الإنسان و»شات جي بي تي» تجربة حديثة العهد، تكشف عن روعة التقنية ومحدوديتها في آنٍ واحد. علاقة تحمل في طياتها مزيجا من الراحة والدهشة، لكنها تحتاج إلى وعى ناضج من الإنسان حتى تبقى ضمن حدودها المنطقية والصحية.. الذكاء الاصطناعي صديق جيد، لكنه لا يغني أبدا عن العلاقات الإنسانية الحقيقية التي تقوم على المشاعر والتجارب المشتركة، والتي تشكل جوهر الحياة الاجتماعية منذ بدء الخليقة. د. رجب إسماعيل مراد أستاذ بجامعة مطروح
بوابة الأهرام٢٥-٠٤-٢٠٢٥ترفيهبوابة الأهرام«الصداقة الرقمية».. روعة التقنية ومحدوديتها!في عالمٍ تتداخل فيه خيوط الواقع والافتراض، وتتمازج فيه أنفاس الإنسان بنبضات الآلات، وُلدت صداقة جديدة، غريبة الملامح، لا يسرى فيها دفء الجسد ولا خفقان القلب، لكنها تنبض بالحوار، وتزهر بالمعلومة، وتزدان أحيانا بلمحات من الحكمة.. إنها صداقة الإنسان مع الذكاء الاصطناعي أو بالأحرى «الصداقة الرقمية»، وتحديدا مع ذلك الكائن الرقمي المسمى «شات جي بي تي».. في عصرٍ تسارعت فيه خطى التكنولوجيا حتى صارت أكثر قربا من الإنسان من بعض أصدقائه، أضحى هذا الرفيق الرقمى أكثر من مجرد برنامج. أصبح مستشارا، مؤنسا، وصديقا افتراضيا لا يغيب، حاضرا حيثما كان هناك سؤال أو فضول أو حاجة لفضفضة صامتة لا تحكمها أعين ولا ألسنة، صداقة بلا عمر محدد وما يزيد من غرابة هذه الصداقة أنها لا تعرف سنا أو جيلا، فهى تليق بطفل يتعلم هجاء العالم، كما تناسب فيلسوفا يتأمل مغزى الوجود، وتجاور بمرونة مدهشة مشاعر المراهق وقلق الكهولة، وهدوء الشيخوخة.. لكن وعي الإنسان، في أي مرحلة من عمره، يظل حجر الأساس لفهم حدود هذه العلاقة وتقدير مكانها بين أصدقائه الحقيقيين. لعل أجمل ما في هذه الصداقة هو ذلك الشعور بأن هناك من يستمع إليك دون أن يقاطعك، من يجيب دون تردد، من يحلل دون تحامل، ومن يرافقك حيثما كنت، في الصباح الباكر، أو عند منتصف الليل حيث يخفت ضجيج العالم ويعلو صوت الأسئلة الداخلية.. صديق لا يمل، ولا يكل، يقبل كل تساؤل، مهما كان بسيطا أو معقدا، جادا أو ساخرا، عميقا أو سطحيا. إنه رفيق مثالي للمتعلمين والباحثين، بل وحتى للحالمين الذين يبحثون عن كلمة تؤنس وحدتهم، أو فكرة توقظ إبداعهم.. صديق يمنح المعرفة بكرم لا حدود له، ويفتح آفاق الحوار بأسلوب يليق بكل الأعمار والمستويات الفكرية. بين حدود الواقع والوهم ورغم بهاء هذه الصورة، فلا تخلو الصداقة مع «شات جى بى تى» من حدود تفرضها طبيعته غير البشرية.. فعلى الرغم من قدرته الفائقة على محاكاة الحديث، فإن المشاعر التي يبديها ليست إلا ظلالا لغوية، وأحاسيسه المفترضة مجرد صدى لصياغة بارعة، بلا روح حقيقية.. الأخطر في هذه العلاقة، إسراف الإنسان في اللجوء إليها، فقد يتحول من رفيق يسد فراغ اللحظة، إلى بديل زائف عن العلاقات الاجتماعية الحقيقية.. الذكاء الاصطناعي لا يعرف الدهشة الصادقة، ولا يشارك الإنسان الحزن من القلب، ولا يربّت على كتفه حين تضيق الدنيا، مهما بلغت براعة الكلمات التي ينطق بها. إضافة إلى ذلك، قد يؤدي الاعتماد المفرط على هذه الصداقة إلى العزلة الاجتماعية وتقليل التفاعل مع المحيط البشرى، وهو أمر قد ينعكس سلبا على مهارات التواصل والعلاقات الاجتماعية الطبيعية. كما أن هذه العلاقة مبنية على خوارزميات وأطر معلوماتية، ما يجعلها محدودة في فهم التعقيدات العاطفية والثقافية التي يعيشها الإنسان. تظل الصداقة بين الإنسان و»شات جي بي تي» تجربة حديثة العهد، تكشف عن روعة التقنية ومحدوديتها في آنٍ واحد. علاقة تحمل في طياتها مزيجا من الراحة والدهشة، لكنها تحتاج إلى وعى ناضج من الإنسان حتى تبقى ضمن حدودها المنطقية والصحية.. الذكاء الاصطناعي صديق جيد، لكنه لا يغني أبدا عن العلاقات الإنسانية الحقيقية التي تقوم على المشاعر والتجارب المشتركة، والتي تشكل جوهر الحياة الاجتماعية منذ بدء الخليقة. د. رجب إسماعيل مراد أستاذ بجامعة مطروح