أحدث الأخبار مع #رفاعة_الطهطاوي


صحيفة الخليج
منذ 6 أيام
- سياسة
- صحيفة الخليج
أزمة الثقافة والمثقفين.. كلام عند الجذور
لا تنشأ أزمات الثقافة والمثقفين في فراغ تاريخ، أو خارج أي سياق. المراجعة ضرورية من عند الجذور حتى يمكن تبين حقيقتها وطبيعتها من عصر لآخر، أو كيف وصلنا إلى الحديث بسخط عن اضمحلال الدور الثقافي المصري؟ عند تأسيس الدولة الحديثة عام 1805 استند محمد علي إلى ركيزتين أساسيتين: * أولاهما- بناء جيش قوي يستطيع أن يُلبي طموحه في تثبيت حكمه، والتطلع إلى خارج الحدود منازعاً الخلافة العثمانية، وربما وراثتها. * وثانيتهما- إرسال بعثات تعليمية تتلقى العلوم الحديثة من الجامعات الأوروبية، حتى يمكن التطلع إلى تحسين جوهري في أداء المهام العامة. وكان الدور الذي لعبه الشيخ الأزهري رفاعة رافع الطهطاوي في إلهام فكرة الحداثة والتجديد والالتحاق بالعصر والاطلاع على علومه ونظمه بكتابه «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» تأسيساً ل«الإنتليجنسيا» المصرية، التي ولدت من رحم البعثات التعليمية وأدوار الدولة وتولت المناصب في دولابها. بأثر الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) ارتفعت نداءات حق تقرير المصير، نهض المصريون بقيادة سعد زغلول لطلب الاستقلال والدستور في (1919). لم يكن هناك مشروع ثقافي للثورة، لكن الجو العام في البلد ولّد طاقة ثقافية غير مسبوقة في كل مجالات الإبداع والتفكير. ظهرت قامات ثقافية رفيعة من وزن الدكتور طه حسين وعباس محمود العقاد وبرزت ذائقة فنية جديدة بإبداعات سيد درويش ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم في الغناء، ومحمود مختار في النحت. بدت مصر كأنها تولد من جديد وأخذت زمام الريادة الثقافية في العالم العربي. بعد ثورة يوليو (1952) نشأت تجربة مختلفة، اعتماداً على مشروع ثقافي واضح ومحدد وبرعاية الدولة، على عكس ما جرى بعد ثورة (1919). اتسعت مساحة القراءة العامة بما هو جدير بالاطلاع عليه من فكر وأدب وإبداع لكتّاب مصريين. وازدهرت حركة الترجمة لإتاحة ما ينشر من فكر حديث في الغرب أمام القارئ بأرخص الأسعار. جرت ثورة في المسرح المصري ونشأ جيل من المسرحيين العظام مثل يوسف إدريس وسعد الدين وهبة، وألفريد فرج ومحمود دياب، وميخائيل رومان، ونعمان عاشور. أنشئت أكاديمية الفنون في الهرم وأرسلت بعثات إلى عواصم أوروبية، خاصة موسكو، لتعلم الموسيقى الكلاسيكية وفن الباليه والمسرح. انتشرت قصور الثقافة في كل المدن، كأنها تلاحق التوسع في إنشاء المدارس والمستشفيات العامة، لكنها تتعرض للتقويض والإغلاق الآن بذرائع غير مقنعة. كانت تلك ثورة ثقافية متكاملة الأركان أتاحت حرية النقد والاختلاف. كانت تلك مفارقة، حيث سمح في الإبداع القصصي والمسرحي بما لم يكن مسموحاً به على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون من نقد. الثقافة والإعلام قضيتان متلازمتان، كلتاهما تحتاج للأخرى لاستكمال أدوارها. وفيما اتسعت حريات النقد والتعبير في الأولى ضاقت بالثانية. على أوراق صحف جرت عام 1961 مساجلات من مواقع فكرية مختلفة حول ما أطلق عليها أزمة المثقفين. شارك رئيس تحرير الأهرام محمد حسنين هيكل في تلك المساجلات، وضمّن رأيه في كتابه أزمة المثقفين، الذي نشره (1962). ألمع ما في ذلك الكتاب تفرقته بين أهل الثقة وأهل الخبرة. كانت تلك المرة الأولى التي تستخدم فيها هذه التفرقة، التي شاعت واستخدمت على عكس ما قصده. كان تقديره أنه ليست هناك مفاضلة بين العسكريين والمدنيين، أو خطوط فاصلة، فأهل الثقة يمكن أن يكونوا أهل خبرة، كما أن الكثيرين من أهل الخبرة يمكن أن يكونوا محل ثقة. من بين الذين توفرت فيهم الصفتان: محمود يونس، الذي تولى مسؤولية قناة السويس، ومحمود رياض الذي تولى مسؤولية السياسة الخارجية، ومجدي حسنين صاحب مشروع تعمير الصحراء ومؤسس الوادي الجديد. مشكلة السلطة، أي سلطة، في أصحاب المصالح الذين يتصيدون الفرص بزعم أنهم أهل ثقة. كانت إحدى معضلات يوليو، التي عانت منها، أن الذين تصيدوا الفرص كانوا أول من انقلبوا عليها. في سبعينيات القرن الماضي، جرى انقلاب كامل على إرث يوليو الثقافي. نشأت أزمة مثقفين من نوع آخر، أطلق عليهم الرئيس الأسبق أنور السادات: الأفندية. اضطرت أعداد كبيرة منهم إلى الهجرة الجماعية خارج مصر، التي عرفت لأول مرة في تاريخها الحديث ظاهرة الطيور المهاجرة. في سنوات حسني مبارك تحسنت الأجواء نسبياً، حدثت إنجازات حقيقية لا يمكن إنكارها في البنية الثقافية التحتية، لكنها تصادمت مع طبيعة المرحلة، التي وصفها وزير الثقافة فاروق حسني بسنوات التحاريق. بعد ثورة يناير (2011) ولدت أجيال جديدة من المثقفين والمبدعين دون أن تتوفر أي جسور ممتدة تدعمهم وتفتح الآفاق المسدودة أمامهم. كان الإقصاء عنواناً رئيسياً لأزمة المثقفين في آخر صورها. أثناء احتجاجات 30 يونيو تقدم المثقفون للدفاع عن حلم الدولة المدنية الديمقراطية المجهض، اعتصموا في وزارة الثقافة وأقاموا أمامها عروض أوبرا وباليه، لكنهم وجدوا أنفسهم بعدها في حالة انكفاء إجباري. كانت تلك صورة أخرى لأزمات المثقفين، التي أخذت تتمدد في التعليم والنظرة إليه، نالت من هوية القاهرة وإرثها الحضاري دون اعتداد بآراء أهل الاختصاص. أخطر ما يحدث الآن غياب أي مشروع ثقافي يطلق طاقة البلد في الإبداع والخلق ويصون حرية التعبير والتفكير. أي كلام آخر لف ودوران حول الأزمة الضاغطة.


اليوم السابع
٢٧-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- اليوم السابع
رفاعة الطهطاوى.. كيف كانت حياته فى المنفى؟
كان عصر شرارة النور الأولى في العصر الحديث ، إذ كان له الفضل في إعادة الحركة الصناعية والعلمية في مصر، وقراره في إرسال البعثات العلمية إلى الدول الأوروبية، ساعد على إنعاش الحياة العلمية في مصر، وأصبح هؤلاء الشباب شعلة التنوير في مصر، وكان من بين هؤلاء الشباب، الشيخ رفاعة الطهطاوي ، الذي سافر إلى فرنسا إمامًا للبعثة المصرية، وعاد منها أستاذًا في الترجمة، وكانت أولى إنجازاته، إنشاء مدرسة الألسن عام 1835، ومع مرور الوقت، أُضيف إلى هذه المدرسة بعض الأقسام في علم الإدارة، ليُصبح اسمها مدرسة الإدارة والألسن، لكن كل هذا توقف، ونُفيَ الطهطاوي إلى السودان، فما السبب؟، وكيف أمضى حياته في المنفى؟ في البداية وقبل الإجابة على هذا السؤال، دعونا نسرد شيئًا من نشأته، فقد وُلِد رفاعة الطهطاوي في الـ15 من أكتوبر عام 1801، في مدينة طهطا، أحد مراكز محافظة سوهاج، ويتصل نسبه بنسب الحسين بن علي رضي الله عنهما، لذا يُعد من الأشراف، تلقى العلوم الدينية على يد والده حتى تُوفّي، ففتحت له عائلته صدورها قبل بيوتها، وعمِلوا على إكمال ما بدأه أبوه، حتى ألحقوه بالأزهر الشريف عام 1817. في الأزهر تلقى العلوم على يد نخبة من الشيوخ المتطورين، كان من بينهم الشيخ حسن العطار، الذي رشحه لإمامة البعثة المصرية التي أرسلها محمد علي باشا إلى فرنسا، وهناك درس الترجمة والعلوم الإنسانية، لتضمه البعثة إلى صفوفها، في عام 1831، عاد الطهطاوي إلى مصر، وعمِل مدرسًا في مدرسة الطب، والمارستان، ثم الطوبجية، وأنشأ مدرسة التاريخ والجغرافيا، ثم الألسن، لكن كل هذا توقف بعد وفاة محمد علي باشا، إذ كان الخديوى عباس حلمي الأول رافضًا لسياسة جده الوالي وعمه إبراهيم باشا، فأغلق المدارس، وقصر توزيع الوقائع على الوجهاء والكبار، ونفى الطهطاوي إلى السودان بحجة تعيينه ناظرًا لإحدى المدارس الابتدائية، لكنه لم يستسلم، بل واصل الترجمة والكتابة، فترجم رواية تلايمك، لكنه عانى من الحياة في السودان، إذ إن مناخها لا يناسبه . عاد الطهطاوي إلى وطنه بعد وفاة عباس حلمي، وتولي الخديوى سعيد، فأعاد فتح مدرسة الألسن، وفتح مكاتب محو الأمية، لكن الخديوى انتكس، وأعاد سياسة سالفه.. ثم جاء الخديوى إسماعيل وسعى لإعادة سياسة جده وأبيه، فعاد الطهطاوي بحيوية ونشاط، وأنشأ مجلة روضة المدارس، التي كانت تناقش كل القضايا الثقافية والاجتماعية، واستمر الحال هكذا حتى رحل الطهطاوي عن عالمنا في الـ27 من مايو عام 1873.