#أحدث الأخبار مع #رمزيالغزويالدستور٢٥-٠٤-٢٠٢٥سياسةالدستورالراوي المكسور... حين صار الحبر سلاحا والندم توقيعارمزي الغزوي في زمن ندرت فيه الأصوات التي تكتب بالدم والعرق، برز ماريو بارغاس يوسا كمن لا يكتفي بأن يكون راوياً للألم، بل شاهداً عليه، مشاركاً في صنعه، ثم نادماً عليه. لم يكن الرجل مجرد كاتب متخم بالأفكار، بل كان نسيجاً متشابكاً من الأحلام الثورية والخيبات اليمينية، من الطموح السردي والانكسار السياسي.من «المدينة والكلاب» التي أشعلت أولى ثوراته الأدبية، إلى «حفلة التيس» التي خاض فيها معركة الذاكرة ضد طاغية لاتيني بوجه هتلري وشارب ملوث بالدم، رسم يوسا طريقه بين خرائط الطغيان، وكتب بلغة مشتعلة عن قارة مأزومة بالحروب والجوع والأساطير. لم يكن مجرد كاتب روايات، بل مشروع صدام كامل مع السلطة، أيّاً كان لونها، بل حتى مع أصدقائه السابقين ممن باعوا أقلامهم على قارعة الأيديولوجيا.يوسّا لم يتقن الحياد، وهذا ما جعله حقيقياً. شيوعي ثم نادم، متمرد ثم مرشح للرئاسة، أديب ثم أكاديمي «فرنسي الهوى». جمع بين سارتر وكامو، ثم طلقهما معاً عندما تخلى الأول عن الأدب لصالح الأيديولوجيا، واكتشف في الثاني مخرجاً للكتابة من قلب الغليان الأخلاقي. وبرغم كل ما فعله، لم يستطع أن يتصالح مع بلده، البيرو، ولا أن يكرهه. يقول: «شعرت في الحقيقة بكثير من السخط تجاه بلادي، وفي الوقت نفسه لا أقدر أن أكتب عن سواها».هذا التمزق هو جوهر تجربته. فقد رفض أن يكتب «روايات مشرفة»، وكتب بدلاً منها ما يصفه بـ»الأكاذيب الأدبية» التي تعبر عن الحقائق الأعمق. أكاذيب ترينا ما ينبغي أن يكون عليه العالم، لا ما هو عليه فعلاً. لكنه لم يكتف بالخيال، بل ذهب إلى بغداد، تتبع الخراب بعد الغزو الأميركي، وكتب «يوميات العراق» كأنه يستكمل بحثه عن الطغاة من جمهورية الدومينيكان حتى بلاد الرافدين.في رواياته، الراوي ليس مرآة بل شريك في اللعبة. يتخفى، يتنكر، يتورط، يحكي، يصمت. السرد عنده ليس أداة، بل مصير. ولا عجب أن يصنف ضمن «الكلاسيكية المعاصرة»، لأنه لم يرضَ بالواقع، ولم يستسلم للفانتازيا، بل شق بينهما درباً خاصاً، بوسائله السردية العبقرية، ومقارباته السياسية المعقدة.لكن، هل نجح يوسا في أن يحقق المعادلة المستحيلة؟ أن يكون كاتباً عظيماً وإنساناً صادقاً؟ أم أن تناقضاته، التي أغنته أدباً، أضعفته موقفاً؟ وهل يمكن لكاتب أن يهرب من ماضيه الأيديولوجي بمجرد ندم؟ ثم ماذا تبقى من «الأدب الملتزم» حين يصبح الكاتب نفسه مشتبكاً حتى العظم مع كل ما يرفضه؟أسئلة تفتح جراحاً كثيرة في الضمير الأدبي المعاصر. وأسئلة لن يتوقف يوسا عن إلقائها، حتى لو كانت الإجابات مستحيلة.
الدستور٢٥-٠٤-٢٠٢٥سياسةالدستورالراوي المكسور... حين صار الحبر سلاحا والندم توقيعارمزي الغزوي في زمن ندرت فيه الأصوات التي تكتب بالدم والعرق، برز ماريو بارغاس يوسا كمن لا يكتفي بأن يكون راوياً للألم، بل شاهداً عليه، مشاركاً في صنعه، ثم نادماً عليه. لم يكن الرجل مجرد كاتب متخم بالأفكار، بل كان نسيجاً متشابكاً من الأحلام الثورية والخيبات اليمينية، من الطموح السردي والانكسار السياسي.من «المدينة والكلاب» التي أشعلت أولى ثوراته الأدبية، إلى «حفلة التيس» التي خاض فيها معركة الذاكرة ضد طاغية لاتيني بوجه هتلري وشارب ملوث بالدم، رسم يوسا طريقه بين خرائط الطغيان، وكتب بلغة مشتعلة عن قارة مأزومة بالحروب والجوع والأساطير. لم يكن مجرد كاتب روايات، بل مشروع صدام كامل مع السلطة، أيّاً كان لونها، بل حتى مع أصدقائه السابقين ممن باعوا أقلامهم على قارعة الأيديولوجيا.يوسّا لم يتقن الحياد، وهذا ما جعله حقيقياً. شيوعي ثم نادم، متمرد ثم مرشح للرئاسة، أديب ثم أكاديمي «فرنسي الهوى». جمع بين سارتر وكامو، ثم طلقهما معاً عندما تخلى الأول عن الأدب لصالح الأيديولوجيا، واكتشف في الثاني مخرجاً للكتابة من قلب الغليان الأخلاقي. وبرغم كل ما فعله، لم يستطع أن يتصالح مع بلده، البيرو، ولا أن يكرهه. يقول: «شعرت في الحقيقة بكثير من السخط تجاه بلادي، وفي الوقت نفسه لا أقدر أن أكتب عن سواها».هذا التمزق هو جوهر تجربته. فقد رفض أن يكتب «روايات مشرفة»، وكتب بدلاً منها ما يصفه بـ»الأكاذيب الأدبية» التي تعبر عن الحقائق الأعمق. أكاذيب ترينا ما ينبغي أن يكون عليه العالم، لا ما هو عليه فعلاً. لكنه لم يكتف بالخيال، بل ذهب إلى بغداد، تتبع الخراب بعد الغزو الأميركي، وكتب «يوميات العراق» كأنه يستكمل بحثه عن الطغاة من جمهورية الدومينيكان حتى بلاد الرافدين.في رواياته، الراوي ليس مرآة بل شريك في اللعبة. يتخفى، يتنكر، يتورط، يحكي، يصمت. السرد عنده ليس أداة، بل مصير. ولا عجب أن يصنف ضمن «الكلاسيكية المعاصرة»، لأنه لم يرضَ بالواقع، ولم يستسلم للفانتازيا، بل شق بينهما درباً خاصاً، بوسائله السردية العبقرية، ومقارباته السياسية المعقدة.لكن، هل نجح يوسا في أن يحقق المعادلة المستحيلة؟ أن يكون كاتباً عظيماً وإنساناً صادقاً؟ أم أن تناقضاته، التي أغنته أدباً، أضعفته موقفاً؟ وهل يمكن لكاتب أن يهرب من ماضيه الأيديولوجي بمجرد ندم؟ ثم ماذا تبقى من «الأدب الملتزم» حين يصبح الكاتب نفسه مشتبكاً حتى العظم مع كل ما يرفضه؟أسئلة تفتح جراحاً كثيرة في الضمير الأدبي المعاصر. وأسئلة لن يتوقف يوسا عن إلقائها، حتى لو كانت الإجابات مستحيلة.