logo
#

أحدث الأخبار مع #زيغمونتباومان

في ظلال النسيان: سيمفونية البقاء على أطراف الإنسانية من تقديم مسرحية Déchets
في ظلال النسيان: سيمفونية البقاء على أطراف الإنسانية من تقديم مسرحية Déchets

بديل

timeمنذ 4 أيام

  • ترفيه
  • بديل

في ظلال النسيان: سيمفونية البقاء على أطراف الإنسانية من تقديم مسرحية Déchets

في عالم يتسارع نحو القمم، ثمة سقوط لمن لا تسعفهم الظروف او القدرات، هؤلاء هم ابطال مسرحية ذلك العرض المسرحي الذي لا يكتفي يتقديم حكاية، بل يشرح واقعا موجودا على هوامش المجتمعات الحديثة، مستعينا بقوة المسرح لانطلاق المسكوت عنه في الخطاب الاجتماعي السائد. العرض المسرحي يستحضر اطروحات الفيلسوف 'دورجيو أغاميين' حول الحياة العارية تلك الحياة المجردة من كل قيمة سياسية واجتماعية المختزلة الى مجرد وجود بيولوجي قابل للهدر. شخصيات المسرحية ليست مجرد ضحايا ظروف عابرة بل هي تجسيد لما اسماه الفيلسوف 'زيغمونت باومان' 'البشر المستهلكين' في عصر الحداثة السائلة، أولئك الذين تحولوا الى فائض بشري لا مكان له في العادلة الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، وعبر صراعهم اليومي من اجل البقاء، تطرح المسرحية سؤالا وجوديا صارخا: هل يمكن للإنسان أن يستعيد انسانيته بعد ان يختزل الى مجرد بقايا؟ من مسرح العبث تستعير هذه المسرحية تقنياته الجمالية لتصوير واقع غير منطقي بطبيعته. فعالم الذي تصوره المسرحية هو عالم يخضع لمنطق أخلاقي متماسكن بل لمنطق القوة والمنفعة والقيمة الاستهلاكية، وهنا تكمن الرهبة الحقيقية في العرض ليس المشاهد الدرامية التي يعيشها الأبطال بل في إدراك المتفرج أن هذا العبث ليس خيالا مسرحيا بل انعكاسا لواقع حياة ملايين البشر يوميا. صراع الشخصيات ضد الظروف القاهرة، صراعهم ضد المجتمع الذي لفظهم، وصراعهم الأكثر ضراوة ضد الشعور المتنامي بفقدان الذات والكرامة. وعبر هذه الصراعات المتراكمة، يتحول المسرح من فضاء للترفيه الى منصة للمكاشفة الاجتماعية، حيث يجبر المشاهد على مواجهة التناقضات التي تؤسس لعالمنا المعاصر سوسيولوجيا الاستبعاد والتهميش: الهامش كمرآة للمركز تقدم المسرحية قراءة عميقة لظاهرة الاستبعاد الاجتماعي في المجتمعات الحديثة. فشخصيات المسرحية، أولئك الذين لفظتهم الحياة ليسوا نتاج ظروف فردية استثنائية، بل هم المخرجات الحتمية لمنظومة اجتماعية واقتصادية تقوم على التفاوت الهيكلي والاستغلال المنهجي. فما يميز هذا العرض هو قدرته على تجاوز السرديات التبسيطية. انثربولوجيا الألم: الجسد كأخر ملذات المقاومة عندما تستنفذ كل الموارد الاجتماعية والاقتصادية، يصبح الجسد هو رأس المال الأخير، والملاذ النهائي للمقاومة. وهنا تبرز أطروحة المسرحية الفلسفية الأكثر جرأة؛ في لحظة التجريد القصوى من كل ما هو انساني، يكتشف الانسان أن جسده ببقائه وألمه ومقاومته، هو اخر حصون انسانيته، هذا العرض يستكشف هذه الاطروحة عبر تصوير العلاقة المعقدة بين شخصياته وأجسادهم، تلك الأجساد المنهكة، المستغلة، المهددة، والمقاومة في ان واحد. ما يجعل هذا العرض تجربة مسرحية استثنائية هو رفضه لتقديم حلول سهلة او نهايات سعيدة زائفة، لا تعد بخلاص فردي أو جماعي، بل تكتفي بتسليط الضوء على حقيقة قائمة لكنها حادرة. كانت هذه المسرحية ضمن فعاليات ملتقى فونيكس الذي نظمته جمعية فونيكس للفنون الدرامية، والذي احتضنته مدينة الرباط، بدعم من حكومة امارة موناكو، وبالتعاون مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل-قطاع الثقافة. هذه المسرحية من تشخيص مليكة الدوم، لمياء وهمي، سارة القسيمي، سلمى عزي، أية أمين، حسن احمي، الياس رقيق، فاطمة الزهراء أمطغري، صوفيا الضابي، يوسف بوصوف، أيمن الخندوقي، إسماعيل هاشمي.

ماجد الفاعوري يكتب: "أن تكون أردنياً .. جريمة غير معلنة"
ماجد الفاعوري يكتب: "أن تكون أردنياً .. جريمة غير معلنة"

سرايا الإخبارية

time١٦-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • سرايا الإخبارية

ماجد الفاعوري يكتب: "أن تكون أردنياً .. جريمة غير معلنة"

بقلم : اليكم الحكاية عن هذه الجريمة في زمن باتت الهوية سلعة قابلة للتأويل والتفكيك لم يعد مستغرباً أن يصبح الأردني غريباً في بلاده غريباً إذا ما أعلن عن انتمائه أو تفاخر بأردنيته وكأن الأصل أصبح تهمة والانتماء شبهة في الوقت الذي تتغنى فيه شعوب العالم بهوياتها وتسعى لترسيخ وجودها في كل شبر من أوطانها نجد أن الأردني يُساق قسراً إلى الزاوية يُطلب منه الصمت حين يُعرّف بنفسه يُلام حين يرفع صوته باسم الأردن وكأن ذكر الوطن أصبح أمراً خارج المألوف هنا لا بد أن نتساءل. لماذا وكيف وصلنا إلى هذه اللحظة من الغربة الداخلية؟ جزء من الإجابة يكمن في التحولات السياسية التي طالت تعريف الهوية الوطنية نفسها ففي كل مرحلة كانت هناك محاولة لإعادة تشكيل الأردني في قوالب تتناسب مع مصالح القوى النافذة تارة باسم العروبة وتارة باسم التحرر وأخرى باسم التوازن الديمغرافي إلى أن أُنهك التعريف ذاته وصار هشاً مشوشاً لا يمسك بجذر ثابت ولا يمتلك سلاحاً دفاعياً أمام التآكل البطيء والمستمر الذي تمارسه منظومات إعلامية وتعليمية مشوهة غابت عنها الرواية الوطنية الجامعة "الهوية ليست وثيقة سفر بل هي وعي متراكم بالذات في سياق سياسي واجتماعي واضح" لكن ماذا تبقى من هذا الوعي ؟ إذا اختلطت المرجعيات وتعددت الولاءات وغابت الرواية الجامعة لصالح روايات فرعية بعضها يتغذى على وهم الضحية وبعضها الآخر على أطماع السلطة إن التيارات الليبرالية العابرة للوطن والرأسمالية الجشعة التي لا تعترف بالحدود ساهمت في تعميق هذه الأزمة فحين يصبح الانتماء للأرباح أقوى من الانتماء للتراب وحين يُنظر إلى الوطن بوصفه فرصة استثمار لا أكثر تبدأ الهوية بالتلاشي قال زيغمونت باومان "في عالم الحداثة السائلة تُصبح الهوية أمتعِة محمولة تُخلع وتُرتدى وفق مقتضى السوق والمزاج" واليوم يشعر الأردني وسط هذه السيولة وكأنه مؤقت على أرضه مؤقت في صوته السياسي واقتصاده وهويته وتماماً كما في نظرية البجعة السوداء أن تلك الأحداث النادرة التي لم يتوقعها أحد لكنها حين وقعت غيّرت كل المعادلات يمكننا أن نرى تحوّل الهوية الأردنية إلى عبء لا رمز مفاجأة لم تكن محسوبة في الوعي الجمعي لكنها وقعت وكانت نتائجها صادمة إذ تحوّل الأردني من مركز الفكرة الوطنية إلى هامشها ومن مصدر الشرعية إلى مستهدف بالاتهام ومن حارس الأرض إلى مشكوك في دوافعه يقول طالب "البجعات السوداء تحدث حين نعتقد أننا نعرف كل شيء عن العالم ثم يصفعنا حدث غير محسوب ليقول: لا شيء كان ثابتاً" وهذا بالضبط ما حدث مع هوية الأردني التي انهارت فجأة بعد عقود من الهشاشة الصامتة ولا يمكن تجاهل الدور الكارثي لجماعة الإخوان المسلمين الذين استغلوا القضية الفلسطينية لتحويلها من قضية عدالة وحقوق إلى أداة نفوذ واختراق سياسي داخل الأردن بدل أن تعزز القضية الوعي الجمعي الوطني تم استخدامها كذريعة لتقويض الدولة وتفكيك نسيجها الاجتماعي وقد قال بسام العموش "الإخوان في الأردن ليسوا مشروع إصلاح بل مشروع سلطة بغطاء ديني" وهو توصيف دقيق لدور هذه الجماعة في زعزعة الهوية الوطنية وتحويل الجدل العام إلى معركة نفوذ لا معركة تحرر لقد أُضعف الدور الأردني في السياسة والإعلام والاقتصاد وأصبح الصوت الأردني الرسمي باهتاً مقارنة بصوت الخطاب الشعبوي المنفلت من أي مسؤولية وطنية أو مشروع جامع يقول مروان المعشر في كتابه "النهضة الملتبسة" إن "الأردنيين باتوا يشعرون أن لا دور لهم في صناعة القرار وأنهم مجرد كم مهمل في معادلة لا يفهمون شروطها" وهذا الشعور بالإقصاء هو الذي يغذي الغربة الداخلية ويحوّل الهوية إلى حمل ثقيل بدل أن تكون مصدر اعتزاز أما في الاقتصاد فقد عزف الأردني عن الدخول في عمق الاستثمارات الكبرى تاركاً المجال مفتوحاً لرؤوس أموال خارجية تتحكم بمفاصل الإنتاج والتوزيع وأحياناً حتى في السياسات العامة لا لقصور في الكفاءة بل لغياب بيئة وطنية حاضنة تحمي وتحفز رأس المال الوطني قال فهد الخيطان "نحن نعيش في ظل اقتصاد لا نملكه وسوق لا نديره ومؤسسات لا نمسك بدفتها" وهذه الحقيقة الاقتصادية الصارخة تترجم نفسها في شكل اغتراب داخلي وخوف من الحاضر وفقدان للسيطرة أمام إعلام مأسور بالدعاية والإعلان وأدوات إعلامية بدائية تلهث خلف الإعجابات والمشاهدات بدل أن تحمل همّ الرسالة الوطنية لم يكن هناك من يروي القصة الأردنية على حقيقتها لم يكن هناك من يصدّ الهجمة على الهوية أو يبني وعياً عميقاً بها قال إدوارد سعيد "حين لا تتحكم بسرديتك فإن الآخرين يكتبونك كما يشاؤون" وهذا ما حدث تماماً حين أصبحت صورة الأردني مرهونة بنظرة الآخر لا بروايته الذاتية وإن غياب المشاريع الاقتصادية الوطنية الكبرى هو غياب لمرآة الإنجاز فحين لا يرى المواطن مصنعاً وطنياً ولا بنكاً أردنياً مستقلاً ولا شركة ريادية تُصدّر الأردن إلى العالم فكيف له أن يشعر بالفخر؟ وكيف له أن يقاتل من أجل هوية باتت تبدو له خاسرة في معادلات السوق والسياسة والإعلام؟ يقول المفكر أنطونيو غرامشي "الهيمنة لا تُمارس بالقوة فقط بل بتطبيع العجز" والعجز هنا ليس عجز الجسد بل عجز الروح عن الحلم والانتماء والهوية الأردنية لا تحتاج إلى صناعة بقدر ما تحتاج إلى استعادة تحتاج إلى مشروع نهضوي صريح يعترف بها لا بوصفها خياراً سياسياً طارئاً بل باعتبارها حقيقة تاريخية وجغرافية وبشرية لا يمكن إزاحتها أو التفاوض عليها مشروع يعيد الأردني إلى مقدمة المشهد لا متفرجاً عليه يعيد الاقتصاد إلى جذوره الوطنية ويعيد الإعلام إلى رسالته لا إلى حساباته المادية ويعيد للمواطن صوته ومكانته كما قال فاكلاف هافل "الوطن ليس ما نملكه بل ما يستحق أن نموت من أجله"

هل نعيش في عصر نهاية الحب؟
هل نعيش في عصر نهاية الحب؟

الأيام

time١٣-٠٢-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الأيام

هل نعيش في عصر نهاية الحب؟

Getty Images يبدو الحبّ في زمننا متاحاً أكثر من أي وقت مضى: مع انتشار تطبيقات المواعدة ووسائل التواصل الاجتماعي وتزايد الحريات العامة. مع ذلك، هناك شعورٌ عام حول العالم، بأن الحبّ يصبح أبعد عنا يوماً بعد يوم.إذ أصبح السأم والملل يتسللان سريعاً إلى المرتبطين، فيما يتساءل العازبون لماذا يصعب إيجاد الحبّ رغم فائض الإمكانيات التي يوفّرها زمن التواصل المفرط الذي نعيش فيه.في السنوات الأخيرة، ازداد الحديث في أوساط المهتمين بعلم الاجتماع عن "نهاية الحبّ"، والمقصود هو نهاية الحبّ بمفهومه الرومانطيقي الذي ورثناه من القرن التاسع عشر عبر الأدب والفن، والذي لا يزال يشكّل تصوّر غالبيتنا عن الحبّ.فما هي أسباب هذا الشعور العام الذي يصفه البعض بـ"الجائحة العاطفية"، وهل فعلاً نحن نعيش عصر نهاية الحب؟ نظريات "نهاية الحب" واحدة من أوائل النظريات حول "نهاية الحب" ولو أنها لم تستخدم التعبير نفسه، هي أطروحة عالم الاجتماع البولندي زيغمونت باومان عن "الحب السائل" (2003) . كامتداد لأطروحته عن "الحداثة السائلة"، كرّر باومان استخدام استعارة السيولة للحديث عن "ما لا يمكنه الاحتفاظ بالشكل نفسه لمدة طويلة. على عكس المواد الصلبة حيث ترتبط الجزيئات ببعضها بقوة كبيرة". يرى باومان أن الحداثة السائلة (وهو اسم آخر اختار أن يطلقه على فترة "ما بعد الحداثة")، قد أعادت تشكيل العلاقات العاطفية، حيث أصبحت تتسم بالهشاشة وعدم الاستقرار. في المجتمعات التقليدية، كانت العلاقات العاطفية تقوم على روابط قوية ودائمة، مدعومة بمؤسسات اجتماعية صلبة كالأسرة والدين والعادات. أما اليوم، فقد باتت هذه الروابط أكثر مرونة، لكنها أيضاً أكثر هشاشة، حيث أصبح الحب أشبه بسلعة استهلاكية تُستبدل عند أول علامة على عدم الرضا. يرى باومان أنّ الأفراد في المجتمع الحديث يتأرجحون بين رغبتين متناقضتين: الحاجة إلى الارتباط العاطفي والأمان، والخوف من الالتزام وفقدان الحرية الشخصية. ويوضح هنا أنه في عام 1929، اقترح فرويد في كتابه "قلق في الحضارة" أن "العديد من اضطراباتنا النفسية تنبع من دخولنا إلى الحضارة، حيث اضطررنا إلى التخلي عن جزء من حريتنا الشخصية مقابل الحصول على مزيد من الأمان، لحماية أنفسنا من خيبات الأمل الاجتماعية، والأمراض، والحروب، وغيرها". وكأن الحضارة تقوم على مبدأ المقايضة: تتخلّى عن شيء مقابل الحصول على شيء آخر. الحب السائل، بحسب باومان، هو "حب بلا جذور، بلا التزام حقيقي، وهو انعكاس لتحولات أعمق في بنية المجتمع الحديث، حيث لم يعد هناك مكان للروابط الدائمة، بل أصبحت كلّ العلاقات، بما فيها الحب، مجرد تجارب مؤقتة ضمن عالم سريع الزوال". ويقول باومان إن "ما بعد الحداثة" أو "الحداثة السائلة"، هي "الحداثة، ناقص الوهم". وهذا الوهم، هو الاعتقاد بإمكانية وجود حالة نهائية للتاريخ، ثابتة، لا يبقى عندها شيء آخر للقيام به سوى الاستمرار والتكرار. ولعلّ زوال هذا الوهم في المجتمعات المعاصرة، أدى أيضاً إلى النظر إلى الحبّ "الصلب"، بتوجّس، كوهمٍ آخر يقيّد الأفراد ويضع حدوداً أمام احتمالات وإمكانيات يريدونها لا نهائية. الوفرة و"نزع السحر" عن الحب ترى عالمة الاجتماع الفرنسية إيفا إيلوز، أن الندرة والممنوع كانا دائما عنصرين أساسيين في تشكيل الرغبة، لكن في عصرنا الحالي عصر "مجتمع الوفرة"، حيث يبدو أن كل شيء متاح بأعداد كبيرة، تشهد التجربة العاطفية نوعا من الانكماش والتراجع. في كتابها "نهاية الحبّ: سوسيولوجيا العلاقات السلبية"، تقول إيلوز إن الحديث عن "نهاية الحب" هو في جوهره حديث حول "نزع السحر عن الحبّ". فالحبّ الرومانطيقي كما يتصوّره الغرب، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم الحب الإلهي... إنه حبٌّ مطلق، وفريد، ومقدس، وكثيف. ويشير نزع السحر إلى عملية تجريد الأشياء من طابعها المقدّس، إما لأننا بدأنا نراها من خلال منظور العلم، أو لأننا بتنا نتعامل معها كأشياء تُستَخدم إقتصادياً. نزع السحر والعقلانية يعنيان، على سبيل المثال، "عدم القدرة على رؤية هذه الشجرة ككائن إلهي بخصائص فوق طبيعية بإمكانه أن يحميني، بل أراها كموضوع للدراسة العلمية أو كمادة أولية لصناعة الورق فقط". وهذا بالضبط ما حدث مع الحب حيث أنه مع الوقت "فقدت نظرتنا إليه البراءة"، في رأيها. منذ بداية القرن العشرين، وبخاصةٍ مع ظهور التحليل النفسي، أصبح الحب تدريجيا موضوعا للدراسة العلمية، سواء من خلال التحليل النفسي أو علم الأحياء أو علم النفس التطوري. اليوم، يمكن للمراهقين أن يقولوا ببساطة إن "الحبّ ليس إلا تفاعلا هرمونيا لا أكثر". هذا ما يجعل تحويل الحب إلى موضوع للمعرفة والتسويق، هو ما يساهم في نزع السحر عنه. "نهاية الحبّ تعني نهاية الإيمان به، وعندما أقول إيمان، أستخدم هذا المصطلح عن قصد، لأن الحب، في نظري، كان دائماً يشبه إلى حد بعيد إيمانا دينيا"، تقول إيلوز. "تحوّلات السوق" ولأنّ الخاص والحميم هو شأن سياسي أيضاً، يعكس الحديث عن "زوال الحبّ" أزمة ثقافية وحضارية، إذ تتجسّد في العلاقات العاطفية، البُنى الاجتماعية الأخرى، ويتكشّف كيف أنها ليست هياكل مجردة، بل هي أنساق معاشة ومتغيّرة. تقول إيلوز إن مساءلة الأدوار الجندرية والتغيّر الذي شهدته والذي ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة، أدى أيضاً إلى تغيّر في الحب. حتى الحرب العالمية الثانية، كانت الجنسانية والزواج والحب مترابطين بشكل وثيق، وهذا تحديداً ما ورثناه عن الرومانطيقيين الذين نجحوا في تحرير الحبّ والارتباط من هيمنة التقاليد في العصور السابقة، في انتصارٍ للإرادة الحرّة على ما كان في السابق يُفرض من الخارج. لكن بعد ستينيات القرن الماضي، تفجّرت هذه العلاقة وانفصلت هذه الممارسات الثلاث. فأصبح الأفراد في المجتمعات الحديثة، يعيشون مسارات جنسية أو رومانسية لا تتطابق بالضرورة مع مساراتهم الزوجية أو مشاريعهم العائلية. في رأيها، أنه منذ الستينيات مع تنامي الحريات الجنسية، ثم في السبعينيات مع التحولات التي فرضتها الحركات النسوية، بدا وكأن العلاقات أصبحت أكثر تحررا، لكن هذه الحرية "سُلبت وأعيدت صياغتها وفق منطق السوق والاستهلاك". مع تحرير الحبّ والجنسانية من القيود الاجتماعية القديمة وجعلهما يعتمدان على خيارات شخصية وليس على المنطق الاجتماعي كما كان سابقاً، أصبحت المعايير لاختيار الشريك تخضع في الوقت الراهن لسيكولوجية الانترنت – التفضيلات التي تزكّيها الخوارزميات في تطبيقات المواعدة أو وسائل التواصل الاجتماعي – ومنطق السوق. وبالتالي، لم يعد هناك متسع لـ"الوقوع" في الحبّ. الحب "المجنون" الذي كنّا نقرأ ونسمع عنه في السابق، أصبح أكثر ندرةً اليوم، فيما باتت تطغى على الأفراد نزعة إلى عدم الالتزام، أو ما تسمّيه إيلوز تحديداً "خيار عدم الاختيار". الحب كـ"مرآة نجاح" من جهته، يرى الفيلسوف الألماني ذي الأصول الكورية الجنوبية، بيونغ-تشول هان، أن أزمة الحب اليوم ليست ناتجة عن "وفرة" الآخرين، كما هو رأي إيفا إيلوز، بل عن "تآكل" الآخر نفسه. ففي عالم يتمحور حول الذات، يقول إن الآخر لم يعد موجودا كموضوع رغبة، بل كمرآة لنجاح الفرد، كأداة لتأكيد الذات بدلاً من أن يكون تجربة تقود إلى الانفتاح على الآخر. في ظلّ هذا التحول، يقول هان إن الجنس أصبح مجرد وسيلة لتخفيف التوتر، معادلة حسابية للمتعة، وحين تُنزع الآخرية من الآخر، لا يعود الحب ممكناً بل يتحوّل إلى مجرد استهلاك. في كتابه "مجتمع الاحتراق الوظيفي"، يرى هان أنّ الهوس بالإنجاز وبالتحقيق المستمر للأهداف، في زمن تتفشى فيه "نرجسية الذات"، أدى إلى انتشار الإرهاق الجماعي والاكتئاب. ويقول: "لم نعد بحاجة إلى قوى خارجية تضغط علينا لزيادة إنتاجيتنا، فقد استبطنّا قيم الأداء الأمثل والإنجاز الفردي لدرجة أننا أصبحنا نستغل أنفسنا بأنفسنا. لم يعد هناك سيّد خارجي يفرض علينا العمل، بل تحوّلنا إلى سيّد وعبد في آنٍ واحد، حيث أصبحنا نخوض صراعاً طبقياً ضد ذواتنا". في المجتمعات الحديثة، انتقلنا من مجتمعات تقوم على الانضباط والقمع الخارجي (النموذج الفرويدي للسلطة الأبوية) إلى مجتمعات تقوم على الإنجاز، حيث لم يعد الضغط مفروضاً من الخارج، بل أصبح داخلياً، نابعاً من ذات تسعى بلا توقف إلى تحقيق المزيد. وهنا، تشير عالمة الاجتماع والمحللة النفسية السلوفينية، ريناتا ساليكل، إلى أنه في مواجهة هذه "الإتاحة المطلقة"، بات الأفراد "يبتكرون ممنوعات جديدة بأنفسهم". هذا السعي المحموم وراء النجاح والسعادة والإنتاجية المطلقة يبتلع كل القيم والعلاقات الإنسانية، مؤدياً إلى تلاشي "الآخر"، برأي هان. فمع استحواذ الفرد على ذاته وانشغاله الدائم بتحقيق ذاته، لم يعد هناك مكان للحب أو للروابط العميقة، بل أصبحت كل العلاقات خاضعة لمنطق الإنجاز. في كتابه "محنة إيروس"، يشير هان إلى أن المجتمع المعاصر أصبح محكوماً بالنرجسية والانغلاق على الذات، مما أدى إلى فقدان الرغبة واختفاء القدرة على الانفتاح على الآخر. يشرح ذلك قائلاً: "لم يعد الفرد قادراً على الالتفات إلى الآخر أو للغريب أو لمن هو خارج ذاته، بل بات يدور حول نفسه في حلقة مغلقة، غير قادر على بناء علاقات حقيقية". هل هناك أمل؟ بالنظر إلى هذا الواقع الذي قد يبدو للوهلة الأولى قاتماً، هل لا يزال هناك ضوء ما يحثّنا على عدم فقدان الأمل بالحبّ؟ لعلّ الإصرار على بناء علاقة عميقة بالآخر، خارج منطق الإشباع الفوري والمنفعة السريعة، يشكّل مقاومة لهذا الواقع. يرى هان أيضاً، أن الحلّ للخروج من هذا المأزق، يكمن في استعادة القدرة على التأمل والترحيب بـ"الملل العميق" كحالة ضرورية لاستعادة الذات وفهمها، بعيدا عن دوامة الإنتاجية القسرية التي "تبلعنا" في الوقت الراهن. قد يكون الحبّ كما عرفناه انتهى فعلاً، ولكن لا داعي للخوف. لعلّه علينا الآن أن نكرّر مع الشاعر الفرنسي آرتور رمبو جملته الشهيرة: "الحبّ، علينا أن نُعيد اختراعه".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store