أحدث الأخبار مع #سون_تزو


الشرق الأوسط
منذ 11 ساعات
- سياسة
- الشرق الأوسط
في شأن «القوة الناعمة»؟
مَن يتابع الأحداث الدولية، وقواعد الفكر الاستراتيجي، سيخرج بقناعة أن عواصم مثل واشنطن وبكين وموسكو تتكئ اليوم على نظريات كارل فون كلوزفيتز، الجنرال والمؤرخ الحربي البروسي من القرن الثامن عشر، ونظريات سون تزو، الجنرال والخبير العسكري الصيني من القرن السادس قبل الميلاد؛ وهذا المنحى يسير ضد بعض التنظيرات الفكرية التي أتى بها مفكرون استراتيجيون من أمثال جوزيف ناي، الذي توفي منذ أسابيع، والذي تأسف في مقالاته الأخيرة للطلاق الذي أحدثه الرئيس ترمب مع القوة الناعمة الأميركية؛ حيث نجده يكتب في صحيفة «فاينانشيال تايمز» اللندنيّة: «أعطته خلفيته في العقارات بنيويورك وجهة نظر خاطئة عن السلطة التي تقتصر على الإكراه والصفقات، وستواجه القوة الناعمة الأميركية لذلك وقتاً عصيباً خلال السنوات الأربع المقبلة». ولجوزيف ناي، الذي كان عميداً في جامعة هارفارد، كتابان قيّمان، الأول: «ملزمون بالقيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأميركية - 1990»، نظر فيه قدرة الأمة على الوصول إلى التأثير العالمي من خلال وسائل غير قسرية، وانطلاقاً من الجاذبيّة والإغواء بدلاً من الإكراه السافر والقوة الخشنة والقوة العارية. والثاني: سمّاه «القوة الناعمة: معاني النجاح في السياسات الدولية»، وأكد في أكثر من فصل مزايا الدبلوماسية والقوة الناعمة التي تتأتّى من جاذبيتها الثقافية أو السياسية أو ما سواهما، وهي التي يمكنها أن تحقق الهيمنة الثقافية، فنجده يكتب مثلاً: «إنه، وإن أمكن الوصول إلى الأهداف من خلال القوى الخشنة، ومن خلال استعمال القوة من قبل القوى الكبرى، إلا أنه قد يُشكل خطراً على أهدافها وتطلعاتها الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية»؛ لذا فأميركا: «إن أرادت أن تبقى قوية فعلى الأميركيين أن ينتبهوا إلى قوتهم الناعمة». كان جوزيف ناي يجمع بين التنظير والممارسة؛ لذا كانت كتاباته تتسم بالكثير من الجاذبية، وكان أحد المؤسسين البارزين لكلية كيندي للإدارة الحكومية، وهي بمثابة شركة لإنتاج العقول الاستراتيجية والسياسات العمومية الأميركية، واشتغل مناصب حكومية متعددة في عهد الرئيسين جيمي كارتر وبيل كلينتون. في عز أزمة «كوفيد»، كتب جوزيف ناي مقالة بـ«بروجيكت سانديكيت» عَنوَنها بـ«الجغرافيا السياسية بعد الجائحة»، وذكر فيها أن تقديرات التأثيرات على المدى الطويل للجائحة ليست دقيقة؛ وأضاف أنه لا يوجد تصور مستقبلي واحد مضمون الحدوث حتى عام 2030، وبدلاً من ذلك يتنبأ بإمكانية حدوث خمسة سيناريوهات محتملة كالتالي: 1- نهاية النظام الليبرالي العالمي. 2- استبداد سلطوي يُشبه فترة الثلاثينات. 3 - نظام عالمي تُهيمن عليه الصين. 4 - أجندة دولية خضراء. 5- استمرار الوضع الحالي. ولكن هاته النظريات والسيناريوهات العامة، رغم أهميتها تحتاج إلى شرح وإلى تصويب أكبر... صحيح أن الرئيس الأميركي أخذ قرار إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وخرج من بعض المنظمات الدولية، وقبر مسألة القيم التي هي واحدة من قواعد القوة الناعمة. ولكن هل انتهت مظاهر وتأثيرات القوة الناعمة الأميركية؟ بالتأكيد لا، فهي موجودة مع القوة الخشنة والقوة العارية والقوة الذكية؛ لأن الكثير من تجليات القوة الناعمة الأميركية تظهر في منتوجات المجتمع المدني اللامتناهية والمتشعبة والمتطورة، وتعطيها المقدمة عالمياً في مجالات مثل التكنولوجيا والبحث العلمي والسينما والأغاني واللغة الإنجليزية والإعلام وبعض مظاهر الأكل واللباس... وأفضل مثال يمكن أن نعطيه هنا هو شبكة «نتفليكس» التي وصل عدد المشتركين فيها إلى 301.6 مليون مشترك حول العالم، اعتباراً من عام 2025، وتدفع الصغير والكبير، بل حتى حكومات العالم، للتفاعل مع أعمالها الدرامية والوثائقية... وهذا المثال الذي أعطيه لا تفلح فيه إلا البلدان أو الشركات التي لها صناعة ثقافية كبرى، ويمكنها أن تجلب عدداً وافراً من المستهلكين للثقافة، أي أنها تملك مقاليد القوة الناعمة، وتجعل لغات العالم وثقافات البلدان تحت محك تحديات كبيرة. وصحيح أننا نعيش في استمرار تآكل النظام العالمي الليبرالي وعودة الفاشية في بعض مناطق العالم، ولكن هذا لن يمنع من ولادة جديدة لليبرالية. فالأزمات الكبيرة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج غير متوقعة في العادة، فالكساد العظيم أدّى إلى انبعاث النعرات الانعزالية والقومية والفاشية، وإلى اندلاع الحرب العالمية الثانية. غير أن ذلك الكساد نتج عنه لا محالة إطلاق مجموعة من البرامج الاقتصادية في أميركا، عُرفت باسم «الصفقة الجديدة»، وبروز الولايات المتحدة قوةً عالمية عظمى، وتصفية الاستعمار في نهاية المطاف... وأخيراً إذا سلّمنا خلافاً لما تكهن به ناي، أنه لن يتم تبني أجندة دولية خضراء أكثر واقعية مع الانعزالية الأميركية، وانسحابها من اتفاقية باريس حول المناخ، فإنه في المقابل ربما سنشهد تصاعد النبرات القومية في العديد من دول العالم، مما سيؤدي إلى تفاقم محتمل للصراع الدولي.


الشرق الأوسط
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
«فن الحرب» في ترجمة كاملة عن الصينية
عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، صدرت طبعة جديدة من الكتاب الشهير «فن الحرب» الذي وضعه في القرن السادس قبل الميلاد القائد العسكري الصيني والمفكر الاستراتيجي سون تزو، إذ تعد تلك الطبعة أول ترجمة كاملة ودقيقة عن الصينية مباشرة، وليس عن لغات وسيطة. ويعد الكتاب أقدم المؤلفات العسكرية والاستراتيجية في التاريخ وأول محاولة معروفة لإقامة نظرية منهجية للتخطيط العسكري تصلح لإعداد وتدريب القادة العسكريين على الانتصار في الحروب. وذاعت شهرته في الأوساط العسكرية وبين المتخصصين في علوم الاستراتيجية حتى أطلق عليه «الكتاب المقدس للدراسات العسكرية». وما زال الكتاب يحظى بالاحترام والتقدير في العالم كله نظراً لصلاحية مبادئه وملاحظاته للتطبيق حتى يومنا هذا، فرغم أنه ظهر للنور قبل 2500 عام فإنه أصبح جزءاً من اختبارات القبول في الكليات العسكرية بدول عديدة. اللافت في «فن الحرب» أحد أشهر الكلاسيكيات الصينية على الإطلاق، أنه تعرض لتشويه كبير في معظم ترجماته. لم يُترجم عن اللغة الصينية مباشرة، بل عبر لغات وسيطة، أشهرها النسخة الفرنسية التي أنجزها الأب جان ماري أميوت وهي ترجمة تقريرية تشبه «الملخص» للكتاب. وعليها اعتمدت معظم الترجمات سواء الإنجليزية أو الألمانية أو العربية. وللقارئ أن يتخيل مقدار التشوه الذي طال الكتاب فضلاً عن الزيادات التي ليست من أصله، لذا فإن من مميزات تلك الطبعة الجديدة أنها اعتمدت على نسخة «دار النشر للعلوم العسكرية الصينية» التي ترجمها فريق من الخبراء الصينيين المتخصصين ممن هم على درجة عالية من فهم اللغة العربية والإحاطة بها، وبطبيعة الحال الإلمام والدراية التامة باللغة الصينية وثقافتها. وقد أسهمت هذه العوامل في خروج الكتاب على أقرب ما يكون من المعنى الذي أراده المؤلف متلافية النقص والسقط والزيادات التي طالت النسخ الأخرى. يقول سون تسي في كتابه الشهير إن فن الحرب مسألة ذات أهمية حيوية بالنسبة للدول، فهي تتعلق بحياة أفراد الجيش والشعب وموتهم، وأيضاً هي الطريق إلى بقاء الدولة أو هلاكها لذا لا بد من إجراء دراسات وبحوث جادة حولها. ويشير إلى أن هذا الفن تتحكم فيه خمسة عوامل ثابتة تتمثل في السياسة والسماء والأرض والقائد والنظام، فالسياسة هي جعل الناس على وئام تام مع حاكمهم فيسيرون وراءه غير عابئين بما يهدد حياتهم من مخاطر، في حين أن السماء تشير إلى تأثير الليل والنهار والصفاء والمطر والبرد والحرارة وتغير المواسم. وتعني الأرض ساحة القتال، وهي تشمل التلال والأودية والمسافات، بعيدة أم قريبة، والطرق، خطيرة أم آمنة، ضيقة أم واسعة، صالحة للحياة أم مهددة بالموت حسب تضاريس الأرض. ويجب أن يجسد القائد مناقب الحكمة والإخلاص والرحمة والشجاعة والصرامة، أما النظام فيعني تنظيم الجيش في تشكيلات مناسبة وتوزيع الرتب بصورة عادلة والسيطرة القوية على إدارة الإمدادات. ويشدد المفكر الصيني على هذه العوامل الخمسة قائلاً: «يجب أن يطلع عليها كل قائد، فمن فهمها كان النصر حليفه ومن لم يفهمها باء بالفشل». كما يؤكد سون تسي على أن الحرب تقوم على الخداع، لذلك يجب أن نبدو عاجزين إذا ما كنا قادرين على الهجوم. ويجب أن نبدو متراخين إذا ما أردنا استخدام القوة، ويجب أن نوهم العدو أننا بعيدون عنه إذا ما اقتربنا منه. وإذا كان العدو يرغب في الحصول على فائدة فلنقدم طعماً لإغرائه. وإذ اختلط الحابل بالنابل في أوضاعه نهاجمه باغتنام الفرصة، وإذا كان على استعداد تام فلنركز اهتمامنا بالدفاع عن أنفسنا. وإذا كانت معنوياته عالية فلنزعجه، وإذا كان حذراً في العملية فلنجعله متغطرساً. وإذا كان متحداً داخلياً فلنغرس بذور الشقاق بين صفوفه. يجب أن نهاجم العدو من نقطة ضعفه الدفاعية ونفاجئه بتوقيت هجومنا عليه ومكانه. هذه هي البراعة التي يجب أن يتمتع به الاستراتيجي العسكري في العمليات الميدانية، وأيضاً هي السر في كسب النصر، الذي لا يمكن إفشاؤه قبل ربح المعركة مهما حدث.