logo
#

أحدث الأخبار مع #سياسات_الهوية

«شوكولاتة دبي».. برهان الهويات المتصالحة المتآلفة لا المتشظية المتصارعة
«شوكولاتة دبي».. برهان الهويات المتصالحة المتآلفة لا المتشظية المتصارعة

البيان

timeمنذ 12 ساعات

  • سياسة
  • البيان

«شوكولاتة دبي».. برهان الهويات المتصالحة المتآلفة لا المتشظية المتصارعة

العنود سعيد المهيري يجتاح العالم حالياً هوسٌ عز نظيره بـ«سياسات الهوية»، وهي الأنشطة والنظريات السياسية التي تتمحور حول مظلومية وتهميش واضطهاد فئاتٍ معينةٍ من المجتمع، وتتشكل بحسب مظاهرٍ معينةٍ من هوياتهم، مثل جندرهم أو أعراقهم أو أديانهم أو إثنياتهم أو إعاقاتهم أو خلفياتهم الثقافية أو طبقاتهم الاقتصادية، أو حتى فئاتهم العمرية، فنجد «سياسات الهوية» تذود -مثلاً- عن الأقليات الدينية والعرقية والإثنية، والمهاجرين، وذوي الدخل المحدود، وأصحاب الهمم، وغيرهم من الفئات. تحوّل العالم إلى حلبة سباقٍ عريضةٍ من «أولمبياد المظلومية»، ومن سيتوّج بطلاً، ويتقلّد أعلى عددٍ من الميداليات الذهبية، هو من يتفوق في انطباق هذه الهويات المتداخلة عليه. فعلى سبيل المثال، إن امرأةً أوروبيةً سوداء من أصحاب الهمم وُلدت لعائلةٍ مهاجرةٍ ومسلمةٍ، ومن طبقةٍ اقتصاديةٍ مسحوقةٍ، سوف تتقدم في السباق على نظيرتها الأوروبية السوداء من أصحاب الهمم التي وُلدت لعائلةٍ ثريةٍ، وكلتاهما سوف تتفوق على الأوروبية البيضاء من أصحاب الهمم، وهكذا. إنه انتحارٌ كليٌ للعقل والمنطق، وحتى للحكمة والحصافة، حيث تُعطى الأولوية لهوية المالك على حساب جودة الخدمات وإتقان العمل والالتزام الأخلاقي وحسن التعامل ومعقولية الأسعار، وكأن لون بشرته أو ديانته أو خلفيته الاجتماعية سوف تشفع لي في حال أمرضني مطعمه بالتسمم، أو قتلت عيادته البيطرية حيواني الأليف. فعلى الرغم من أن حمودة لم تخفِ يوماً جنسيتها وأصولها، فإنها لم تقاطع الصخب العالمي المحيط بـ«شوكولاتة دبي» لتوضّح بأنها في الواقع «شوكولاتة المرأة المصرية البريطانية المقيمة في دبي»، مثلما أن أومامالين، والذي افتخر كذلك بخلفيته الثقافية وتنشئته المهنية، لم ينتزع الميكروفون ليلقبها بـ«شوكولاتة طاهي الحلويات الفلبيني، والمتدرب في العاصمة الفرنسية باريس». إننا حتى لم ننشغل بتبيان كيف أن بعض الحشوات المستخدمة في «شوكولاتة دبي»، على غرار الكنافة، وبسكويت «بيسكوف»، ومخبوزات «البريتزل»، ليست من المكونات والنكهات الإماراتية التقليدية التي توارثها أهالي دبي أباً عن جدٍ. كان لقب «شوكولاتة دبي» كافياً، وما زال. لقد برهن هذا اللقب وحده على أن دبي هويةٌ وصفةٌ شاملةٌ لنا جميعاً، تسعنا وتتقبلنا وتحبنا، بتنوع أصولنا وقبائلنا وأعراقنا وإثنياتنا ومذاهبنا وأدياننا وطبقاتنا الاقتصادية وأوضاعنا الاجتماعية، فلا نضطر تحت ظلها الوارف إلى التشديد على تبايننا عن بعضنا بعضاً، وابتداع المجموعات الهوياتية بالغة التحديد لأنفسنا، بل نكتفي بالاستمتاع بما يوحدنا. إن ميزة دبي في أنها بوتقةٌ تنصهر فيها التفاوتات والفوارق بين الناس دون أن يفقدوا فيها أنفسهم وهوياتهم وميزاتهم، فنصب منها تسامحاً وتعايشاً نقياً خالصاً. ولكنه على الجانب الآخر مستهلكٌ محايدٌ، متعقلٌ، منصفٌ، موضوعيٌ، صادقٌ، يختار أن يدعم بأمواله وتقييماته الفكرة المثيرة حيثما وُجدت، والمنتج الرائع، والجودة العالية، دون أن يسيطر عليه، ويحركه مثل الدمية الجامدة، أي هاجسٍ بدعم مجموعة هوياتية دون الأخرى. ووجدتني أتيقن من نجاح الإمارات حينما اكتشفت بأن القلة القليلة من الأصوات الشاذة التي تحتج في مواقع التواصل الاجتماعي على لقب «شوكولاتة دبي» تصدر كلها ممن يعيشون خارج حدود دولتنا، فلم يتمازجوا مع مجتمعها، ولم يعرفوا طبيعته، ولا أحسبهم سيستوعبون مطلقاً ما يحدث، زادهم الله بنا جهلاً وحيرةً. ربما هم يتخيلون واهمين بأن المرء منا في الإمارات اعتاد على أن يكترث لديانة مالك البقالة القريبة من منزله، ويصر على معرفة إثنية سائق سيارة الأجرة الذي ينتظره، ويفتّش عن جنسية التقني الذي سيصلح له حاسوبه، أو ينتقي هؤلاء، ويفد إليهم كعميلٍ، ويدعمهم، بناءً على هوياتهم، بينما نحن في الواقع قد تجاوزنا تلك الترهات منذ زمنٍ بعيدٍ، وتسامينا عليها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store