أحدث الأخبار مع #سيزوستريس


الدستور
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- علوم
- الدستور
قناة السويس.. شريان العالم بين أطماع الماضي وتحديات الحاضر
منذ أن بدأ البشر يتطلعون إلى اختصار المسافات بين القارات، كانت مصر دائمًا في قلب المشهد، لم يكن موقعها الجغرافي مجرد صدفة تاريخية، بل كان نعمة استراتيجية سعت كل الحضارات لاستغلالها. بين ضفاف النيل وسواحل البحرين الأحمر والمتوسط، وُلدت فكرة الربط بين الشرق والغرب عبر الأرض المصرية، فكرة خلدها التاريخ وراودت أعظم القادة عبر العصور وهي فكرة قناة السويس. محاولات مبكرة للربط بين البحرين في العصور الفرعونية، أدرك ملوك مصر أهمية التواصل بين البحر الأحمر ونهر النيل، فكانت قناة "سيزوستريس" الفرعونية أول محاولة معروفة لشق مسار مائي يربط بين البحر والنهر، لتسهيل حركة السفن التجارية. ولم تقتصر هذه الجهود على الفراعنة، بل استمرت المحاولات عبر عصور الفرس والبطالمة والرومان، وحتى وصول عمرو بن العاص إلى مصر. طوال تلك القرون، كانت القوافل تنقل البضائع برًا عبر برزخ السويس، من موانئ البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، ومع دخول الحملة الفرنسية إلى مصر، التفت نابليون بونابرت إلى أهمية هذا الممر، فكلف أحد مهندسيه بدراسة إمكانية حفر قناة تربط بين البحرين. إلا أن المشروع أُهمل، بسبب اعتقاد خاطئ بأن منسوب مياه البحر الأحمر أعلى من المتوسط، مما قد يؤدي إلى غرق الأراضي المصرية. حلم يتحقق بعد قرون من المحاولات القرن التاسع عشر شهد تحول الحلم إلى حقيقة، عندما عرض فرديناند ديليسبس، نائب القنصل الفرنسي في مصر، فكرة إنشاء قناة السويس على محمد سعيد باشا، والي مصر. سرعان ما حصل ديليسبس على امتياز الحفر، وبدأ العمل فعليًا في عام 1859، واستمرت أعمال الحفر عشر سنوات كاملة، حتى جاء افتتاح القناة في حفل أسطوري بمدينة بورسعيد في نوفمبر 1869، حضره كبار الشخصيات والملوك من أنحاء العالم. ورغم عظمة الحدث، إلا أن قصة حفر القناة حملت في طياتها مأساة إنسانية كبرى، حيث قضى أكثر من 125 ألف مصري نحبهم، نتيجة العطش والظروف القاسية أثناء العمل بالسخرة. قناة السويس الآن اليوم، تُعد قناة السويس مصدرًا رئيسيًا للدخل القومي، حيث تدر سنويًا أكثر من 4.8 مليار دولار أمريكي، ما يجعلها من أكبر مصادر العملة الأجنبية. وهي من أبرز الإنجازات الهندسية في مصر والعالم، فهي ممر مائي صناعي يربط بين البحر الأبيض المتوسط شمالًا والبحر الأحمر جنوبًا، ما يتيح حركة السفن التجارية والعسكرية بين أوروبا وشرق آسيا دون الحاجة إلى الالتفاف حول القارة الإفريقية. وتعتبر القناة أقصر الطرق البحرية التي تصل بين القارة الأوروبية والدول الواقعة على حدود المحيط الهندي وغرب المحيط الهادئ، ما جعلها بمثابة القلب النابض للتجارة العالمية وأحد أكثر الممرات المائية ازدحامًا واستخدامًا على مستوى العالم. والآن بفضل قناة السويس، تقلصت المدة الزمنية اللازمة للرحلات البحرية بين أوروبا والمناطق المحاذية للمحيطين الهندي والهادئ، مقارنةً بالمسارات القديمة التي كانت تمر عبر برزخ السويس على مسافة أبعد بنحو 121 كيلومترًا من موقع القناة الحالي. أما عن أبعاد القناة، فقد بلغ طولها اليوم 193 كيلومترًا، ممتدة من ميناء بورسعيد المطل على البحر المتوسط شمالًا، حتى مدينة السويس على البحر الأحمر جنوبًا. وتفوقت القناة بذلك على عدد من الممرات العالمية الشهيرة، مثل قناة كيل الألمانية التي يبلغ طولها 98 كيلومترًا، وقناة بنما التي يصل طولها إلى 77 كيلومترًا فقط، والتي تربط بين المحيط الهادئ ومنطقة البحر الكاريبي. مع تزايد الحركة الملاحية عبر القناة، خضعت القناة لعدة عمليات تطوير وتوسعة لرفع قدرتها الاستيعابية. فقد ازداد طولها من 164 كيلومترًا عند إنشائها إلى 193 كيلومترًا حاليًا، كما تعمق مجراها من 8 أمتار إلى 24 مترًا، وتوسع عرضها من 52 مترًا إلى حوالي 205 أمتار، بما يسمح بمرور السفن العملاقة وناقلات البترول الكبرى. وبينما كانت الملاحة سابقًا تقتصر على ساعات النهار فقط، باتت اليوم متاحة ليلًا ونهارًا بفضل التطويرات التقنية ونظم الملاحة الحديثة، مما ساعد على زيادة حركة العبور وتعزيز مكانة القناة كممر استراتيجي عالمي لا غنى عنه.


الدستور
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الدستور
قناة السويس: ملحمة المصريين التي سبقت ولادة دول كبرى
أثار الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، عاصفة من الجدل حين صرّح، عبر منصته "تروث سوشال"، بأنه يجب أن تمر السفن الأمريكية مجانًا عبر قناتي بنما والسويس، مدعيًا أن "الولايات المتحدة لولاها لما وُجدت هذه القنوات". إلا أن هذا التصريح يفتقد إلى أي سند تاريخي أو واقعي، لا سيما في ما يتعلق بـ قناة السويس، التي تُعد ملحمة من ملاحم الشعب المصري الأصيل، الذي صنع هذا المجد بعرقه ودمه، قبل أن تكون الولايات المتحدة نفسها قد وُلدت على خريطة العالم. متى بدأت قصة قناة الس ويس؟ قصة قناة السويس تبدأ من أعماق التاريخ، أي قبل أن توجد أمريكا على الأرض، وذلك عندما أدرك المصريون القدماء أهمية الربط المائي بين البحرين الأحمر والمتوسط، فقد أنشأ الفراعنة قنوات بدائية مثل "قناة سيزوستريس" (نحو ١٨٧٤ ق.م) في عهد الملك سنوسرت الثالث، مستغلين عبقريتهم الهندسية رغم بدائية الأدوات. أما قناة السويس الحديثة، فبدأ التفكير الجاد في إنشائها في منتصف القرن التاسع عشر، ففي عام 1854، حصل الدبلوماسي الفرنسي فرديناند ديليسبس على امتياز من الخديوي سعيد باشا لحفر القناة، ولكن بشرط واحد حاسم وهو أن يتم الحفر باستخدام العمالة المصرية. وبالفعل، بدأت الأعمال في 25 أبريل 1859 وسط ظروف مأساوية، جُلب عشرات الآلاف من الفلاحين المصريين قسرًا للعمل في الحفر، في طقس قاسٍ وبأدوات بدائية، دون معدات حديثة تذكر. تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 120 ألف مصري فقدوا حياتهم خلال سنوات الحفر نتيجة للأمراض وسوء المعاملة، وهو ما جعل من مشروع القناة رمزًا خالدًا للمعاناة والتضحية في سبيل إنجاز حلم كبير. مراحل الحفر وتحدياتها في البداية تم الحفر يدويًا باستخدام المعاول والرفوش، ولاحقًا تم إدخال بعض الآلات البخارية البسيطة لمساعدة العمال في رفع الأتربة، واستغرق المشروع عشر سنوات كاملة، من 1859 حتى افتتاحه في 17 نوفمبر 1869. الافتتاح الأضخم طوال تلك السنوات، لم يكن للأمريكيين أي دور يُذكر لا في التمويل ولا في التنفيذ، بل كان المصريون هم الحاضر الأكبر بدمائهم وجهودهم، أما حفل افتتاح القناة، فكان حدثًا عالميًا بكل المقاييس، دعا الخديوي إسماعيل قادة وزعماء العالم إلى مصر، وأقيمت احتفالات فخمة أسطورية في بورسعيد، رأس القناة. إمبراطورة فرنسا "أوجيني"، وممثلو الدول الأوروبية الكبرى أبرز الحضور وكان بين أبرز الحضور إمبراطورة فرنسا "أوجيني"، وممثلو الدول الأوروبية الكبرى، وأقيمت عروض عسكرية وفنية مبهرة، وأطلقت المدافع في سماء القناة احتفالًا بالإنجاز المصري العظيم، حتى أن الخديوي إسماعيل أنفق ببذخ على الحفل ليعكس صورة حضارية مشرفة عن مصر الحديثة أمام العالم. لكن رغم البريق الذي غلّف حفل الافتتاح، كان المصريون البسطاء الذين لم يحضروا المراسم ولم تلتقط لهم الكاميرات هم الأبطال الحقيقيون لهذا المشروع، أولئك الذين كتبوا بدمائهم اسم قناة السويس على صفحات التاريخ. وكل ما سبق وأكثر يؤكد أن قناة السويس ليست صنيعة دولة أجنبية، ولا منحة من قوى عظمى، بل هي ثمرة كفاح المصريين الأحرار الذين سبقوا بعزيمتهم دولًا لم تكن قد وُجدت بعد، وهو ما يؤكد في الوقت نفسه أن تصريح ترامب إذن، ليس إلا محاولة يائسة لطمس الحقيقة، لكن التاريخ لا ينسى من صبروا، وكافحوا، وبنوا، وأشرقوا في قلب الدنيا، حتى أخرجوا قناة السويس التي أصبحت ولا تزال علامة النصر المصري على مر العصور.