أحدث الأخبار مع #شحرور


Independent عربية
منذ 19 ساعات
- ترفيه
- Independent عربية
قصص من الحرب إلى خشبة المسرح في لبنان
بالتمثيل والرقص، تروي نساء على خشبة مسرح داخل بيروت معاناة عاملات أجنبيات عالقات في لبنان خلال الحرب المدمرة، التي استمرت أكثر من عام بين إسرائيل و"حزب الله". خلال المواجهة الدامية التي اضطرت مئات الآلاف إلى النزوح وحصدت آلاف القتلى ودمرت مناطق كاملة، استوقف مصير العاملات الأجنبيات مصمم الرقص والمخرج علي شحرور فحول قصصهن إلى عرض مسرحي بدأ مطلع مايو (أيار) الجاري. بعد بيروت، سيجول عرض "عندما رأيت البحر" مدناً في أوروبا مثل برلين ومارسيليا وهانوفر وسيعرض خلال مهرجان أفينيون للمسرح في فرنسا. ويقول شحرور (35 سنة) الذي يعمل في المسرح منذ 15 عاماً "ولد هذا المشروع في الحرب، كنا نتمرن ونجري لقاءات وأبحاثاً خلال الحرب"، ويضيف "أنا لا أعرف كيف أقاتل أو أحمل سلاحاً، أعرف فقط كيف أصنع الرقص، هذه هي الأداة الوحيدة التي أعرف كيف أقاوم بها". ممثلات خلال التدريبات على عرض "عندما رأيت البحر" في بيروت (أ ف ب) "المسرح أداة مقاومة" في "عندما رأيت البحر"، تروي ثلاث نساء إحداهن لبنانية لأم إثيوبية وأخريان إثيوبيتان قصصهن، التي تعكس معاناة العاملات الأجنبيات في بلد ترفع فيه منظمات حقوقية باستمرار الصوت للتنديد بانتهاكات عدة تطاول هذه الفئة. تستخدم النساء الكلمات والرقص والموسيقى وأغاني فولكلورية إثيوبية لنقل المعاناة بسبب الهجرة وسوء المعاملة والحرب، والهدف تكريم نساء مهاجرات شُردن خلال الحرب أو فارقن الحياة. خلال الحرب الأخيرة، لجأت مئات العاملات المهاجرات إلى ملاجئ استحدثتها جمعيات أهلية بعدما تخلت عنهن العائلات التي كن يعملن لديها، حين تركت بيوتها هرباً من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان وشرقه وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت، بينما بقيت أخريات من دون مأوى فافترشن طرق بيروت من وسطها حتى البحر، هرباً من الموت. وكان آلاف اللبنانيين باتوا ليالي طويلة في الشوارع أيضاً. يقول شحرور إنه "كان ثمة إصرار" على إنجاز العرض، على رغم الرعب والحرب وصوت القصف المتواصل، مضيفاً "لقائي مع هؤلاء السيدات مدَّني بالقوة والطاقة لنستمر". ويكمل الشاب "المسرح أداة مقاومة لنوصل الصوت ونبقي القصص حية، قصص الذين غادروا ولم ينالوا العدالة التي يستحقونها". الانفصال والتباعد كذلك، هيمنت الحرب على عمل مسرحي للمخرجة والممثلة فاطمة بزي (32 سنة)، كانت استهلت العمل عليه قبل الحرب. وعلى رغم أنها أرغمت على مغادرة منزلها داخل الضاحية الجنوبية لبيروت إلى العراق تحت وطأة القصف خلال أشهر الحرب، فإن بزي أصرت بعد عودتها إلى لبنان إثر بدء تطبيق وقف إطلاق النار خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، على إنجاز عملها "ضيقة عليَّي" الذي عرض على مسرح زقاق في بيروت خلال مايو الجاري. في الأصل، تروي المسرحية قصة امرأة وعلاقتها مع زوجها الذكوري، لكن الحرب تفرض نفسها على العمل لتتحول إلى جزء من القصة. وفي لحظة، يبدو الممثلون الثلاثة وكأنما يؤدون مشهداً، يقطعه فجأة صوت القصف. يعود الممثلون إلى الواقع، يهرعون إلى هواتفهم ليعرفوا أين وقعت الغارة هذه المرة. وتقول بزي لوكالة الصحافة الفرنسية من مسرح زقاق خلال تدريبات على العمل "حاولنا التواصل عبر الفيديو، لكي نتحدث عن المسرحية عندما توقفنا لفترة طويلة" وكانت بزي في العراق، وتضيف "استغللنا هذا الأمر في العرض، أي فكرة الانفصال والتباعد". وسط ضغوط الحرب، تقول بزي إن العمل أتاح "لنا أن نقول الأشياء التي كنا نشعر بها والتي مررنا بها، كان بمثابة مهرب وعلاج". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) "أولاد الحرب" تزخر المسارح اللبنانية أخيراً بعروض عديدة كان بعضها أرجئ بسبب الحرب، وأُنتجت بجهد ذاتي من ممثلين ومخرجين وفرق مسرحية أو بتمويل ودعم من مؤسسات أجنبية. وفاقمت الحرب العراقيل أمام الإنتاج المسرحي داخل لبنان في ظل غياب أي دعم رسمي، بينما تغرق البلاد في أزمة اقتصادية متمادية منذ عام 2019. ويشرح عمر أبي عازار (41 سنة) مؤسس فرقة زقاق التي فتحت أبواب مسرحها لعرض بزي، "أجلنا مهرجاناً بأكمله نهاية العام الماضي بسبب الحرب، وكان يفترض أن تعرض خلاله أكثر من 40 مسرحية من لبنان والخارج"، ومن ضمنها عرض فاطمة بزي، و"الآن بدأنا نعود" تباعاً. وكان أبي عازار أخرج عرضاً خاصاً به مع فرقته بعنوان "ستوب كولينغ بيروت" (Stop Calling Beirut)، كان من المقرر أن يعرض أيضاً نهاية العام الماضي لكن أرجئ إلى مايو الجاري. ويروي العمل قصة فقدان أبي عازار شقيقه قبل أكثر من عقد من الزمن، ويعود من خلاله بالذاكرة إلى طفولتهما خلال الحرب الأهلية في بيروت (1975-1990). وولدت فرقة "زقاق" في حرب أخرى عاشها لبنان، هي "حرب تموز" (يوليو) 2006 بين "حزب الله" وإسرائيل. ويقول أبي عازار "نحن أولاد الحرب، ولدنا وتربينا وكبرنا في قلب هذه الأزمات، وهذا ليس تحدياً بل هو واقعنا، وهذا الواقع لو أراد أن يشدنا للأسفل، لكان شدنا وطمرنا وقتلنا منذ زمن بعيد".


الوسط
منذ يوم واحد
- ترفيه
- الوسط
قصص من الحرب إلى خشبة المسرح في لبنان
بالتمثيل والرقص، تروي نساء على خشبة مسرح في بيروت معاناة عاملات أجنبيات عالقات في لبنان خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان الذي استمر أكثر من عام. خلال المواجهة الدامية التي اضطرت مئات الآلاف إلى النزوح وحصدت آلاف الشهداء ودمرت مناطق كاملة، استوقف مصير العاملات الأجنبيات مصمم الرقص والمخرج علي شحرور، فحول قصصهن إلى عرض مسرحي بدأ في مطلع مايو، وفق وكالة فرانس برس. بعد بيروت، سيجول عرض «عندما رأيت البحر» مدنا في أوروبا مثل برلين ومارسيليا وهانوفر وسيعرض خلال مهرجان أفينيون للمسرح في فرنسا، وفق وكالة «فرانس برس». ويقول شحرور (35 عاما) الذي يعمل في المسرح منذ 15 عاما «وُلد هذا المشروع في الحرب، كنا نتمرن ونجري لقاءات وأبحاث خلال الحرب». ويضيف «أنا لا أعرف كيف أقاتل أو أحمل سلاحا، أعرف فقط كيف أصنع الرقص، هذه هي الأداة الوحيدة التي أعرف كيف أقاوم بها». في «عندما رأيت البحر»، تروي ثلاث نساء، إحداهن لبنانية لأم أثيوبية، وأخريان إثيوبيتان، قصصهن التي تعكس معاناة العاملات الأجنبيات في بلد ترفع فيه منظمات حقوقية باستمرار الصوت للتنديد بانتهاكات عدة تطال هذه الفئة. تستخدم النساء الكلمات والرقص والموسيقى وأغاني فولكلورية إثيوبية، لنقل المعاناة بسبب الهجرة وسوء المعاملة والحرب، والهدف تكريم نساء مهاجرات شردن خلال الحرب أو فارقن الحياة. خلال الحرب الأخيرة، لجأت مئات العاملات المهاجرات إلى ملاجئ استحدثتها جمعيات أهلية بعدما تخلت عنهن العائلات التي كن يعملن لديها حين تركت بيوتها هربا من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان وشرقه وعلى الضاحية الجنوبية لبيروت، بينما بقيت أخريات دون مأوى، فافترشن طرق بيروت من وسطها حتى البحر، هربا من الموت. وكان آلاف اللبنانيين باتوا ليالي طويلة في الشوارع أيضا. ويقول شحرور «كان ثمة إصرار» على إنجاز العرض، على الرغم من الرعب والحرب وصوت القصف المتواصل، مضيفا «لقائي مع هؤلاء السيدات مدني بالقوة والطاقة لنستمر». ويكمل الشاب «المسرح أداة مقاومة، لنوصل الصوت ونبقي القصص حية، قصص الذين غادروا ولم ينالوا العدالة التي يستحقونها». من بيروت إلى العراق كذلك، هيمنت الحرب على عمل مسرحي للمخرجة والممثلة فاطمة بزي (32 عاما)، كانت استهلت العمل عليه قبل الحرب. وعلى الرغم من أنها أرغمت على مغادرة منزلها في الضاحية الجنوبية لبيروت إلى العراق تحت وطأة القصف خلال أشهر الحرب، إلا أن بزي أصرت بعد عودتها إلى لبنان إثر بدء تطبيق وقف إطلاق النار في نوفمبر، على إنجاز عملها «ضيقة علي» الذي عرض على مسرح زقاق في بيروت في مايو. في الأصل، تروي المسرحية قصة امرأة وعلاقتها مع زوجها الذكوري. لكن الحرب تفرض نفسها على العمل، لتتحول إلى جزء من القصة. وفي لحظة، يبدو الممثلون الثلاثة وكأنما يؤدون مشهدا، يقطعه فجأة صوت القصف. يعود الممثلون إلى الواقع، يهرعون إلى هواتفهم ليعرفوا أين وقعت الغارة هذه المرة. وتقول بزي لفرانس برس من مسرح زقاق خلال تدريبات على العمل «حاولنا التواصل عبر الفيديو، لكي نتحدث عن المسرحية عندما توقفنا لفترة طويلة»، وكانت بزي في العراق. وتضيف «استغلينا هذا الأمر في العرض، أي فكرة الانفصال والتباعد». وسط ضغوط الحرب، تقول بزي إن العمل أتاح «لنا أن نقول الأشياء التي كنا نشعر بها والتي مررنا بها، كان بمثابة مهرب وعلاج». «أولاد الحرب» على لبنان وتزخر المسارح اللبنانية مؤخرا بعروض عديدة كان بعضها أرجئ بسبب الحرب، وأُنتجت بجهد ذاتي من ممثلين ومخرجين وفرق مسرحية أو بتمويل ودعم من مؤسسات أجنبية. وفاقمت الحرب العراقيل أمام الإنتاج المسرحي في لبنان، في ظل غياب دعم رسمي بينما تغرق البلاد في أزمة اقتصادية متمادية منذ العام 2019. ويشرح عمر أبي عازار (41 عاما)، مؤسس فرقة زقاق التي فتحت أبواب مسرحها لعرض بزي، «أجلنا مهرجانا بأكمله نهاية العام الماضي بسبب الحرب. كان يُفترض أن تُعرض خلاله أكثر من 40 مسرحية من لبنان والخارج»، ومن ضمنها عرض فاطمة بزي، و«الآن بدأنا نعود» تباعا. وكان أبي عازار أخرج عرضا خاصا به مع فرقته بعنوان «ستوب كولينغ بيروت« (Stop Calling Beirut»، كان من المقرر أن يعرض أيضا نهاية العام الماضي لكن أرجئ إلى مايو. ويروي العمل قصة فقدان أبي عازار شقيقه قبل أكثر من عقد من الزمن، ويعود من خلاله بالذاكرة إلى طفولتهم في الحرب الأهلية في بيروت (1975-1990). وولدت فرقة «زقاق» في حرب أخرى عاشها لبنان، هي حرب يوليو 2006 بين حزب الله وإسرائيل. ويقول أبي عازار «نحن أولاد الحرب، ولدنا وتربينا وكبرنا في قلب هذه الأزمات، وهذا ليس تحديا بل هو واقعنا، وهذا الواقع لو أراد أن يشدنا للأسفل، لكان شدنا وطمرنا وقتلنا منذ زمن بعيد».


الشروق
٢٦-٠٣-٢٠٢٥
- منوعات
- الشروق
الحلقة الثالثة والعشرون: ظلمات بعضها فوق بعض!
يقول شحرور إن الحجَّ مطالبٌ به كل البشر، ولذلك فإننا إذا قلنا إن وقفة عرفات في يوم واحد، فهذا نوع من العبث، ولذلك فهو يرى أن الوقفة تكون في أشهر الحج كلها.. ويقول إننا وقعنا في خدعة كبرى، وهي خدعة 'بُنِيَ الإسلام على خمس'، مكذّبا بذلك رسول الله -صلى اللـه عليه وسلم- بسبب شبهة عرضت له وهي أننا إن قلنا إن هذه هي أركان الإسلام، فقد حكمنا على 80 % من البشر بأنهم يذهبون إلى النار.. وهو بهذا يكذِّب رسول الله -صلى اللـه عليه وسلم- الذي قال: 'بني الإسلام على خمس'، ويكذِّب القرآنَ الذي يقول: ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا))، أو يكذِّب الصحابةَ الذين نقلوا هذا الحديث وأجمعوا عليه. ومن يكذب الصحابة في أحاديثهم، فعليه أن يكذبهم كذلك في نقلهم للقرآن، وكأنه لم يقرأ قط قولَ المولى عز وجل: ((وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين))، في آيات كثيرة، وكذلك قول النبي -صلى اللـه عليه وسلم-: 'أنتم في الناس كالشعرة البيضاء في جنب الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جنب الثور الأبيض'. ثم إن هؤلاء الـ 80 % الذين يشفق عليهم شحرور، لا يبالون بأركان الإيمان، ولا بأركان الإسلام، ولا بالقرآن ولا بالله عز وجل. ويقول إن الحجاب ليس فرضًا، وإنه ليس على ثلاثة مليارات من نساء الأرض أن يلبسن لباس ربيعة ومضر والأوس والخزرج، في تكذيب صريح للقرآن الذي أمر بالحجاب. ويفسر الجَيب بطريقة هبنقية فيقول: 'والجيب كما نعلم هو فتحة لها طبقتان لا طبقة واحدة'، وهو كاذب في قوله كما نعلم، لأن الجيب هو 'جَيْبُ القَميصِ ونحوه، بالفتح: طَوْقُه، ج: جُيُوبٌ' كما أجمع عليه كل علماء اللغة. والمرأة إذا لبست المرأة المايوه، فما عليها –في مذهب شحرور- سوى أن تضم ذراعيها حتى لا يظهر الإبطان، فهما -حسب قوله – الجيب والعورة، مع الصدر والإليتين والفرج. والباقي حلال؟! ويقول إننا نعيش في عصر ما بعد الرسالات، ولم يعد هناك رسل، ولم نعد بحاجة إلى التشريع، وإن الذين يعيشون في عصر ما بعد الرسالات أفضل من الذين كانوا يعيشون في عصر الرسالات، وإن البشرية الآن لم تعد بحاجة إلى أي رسالة أو نبوة، وإنها في مستوى عقلي وتشريعي وأخلاقي أفضل مما كانت عليه في عهود الرسالات. وهذا الكلام قاله في كتاب 'تجفيف منابع الإرهاب'. ويقول إن أئمة المتقين وعباد الرحمن هم أئمة العلم المادي، من أرسطو إلى علماء الغرب المعاصرين.. ويقول محمد شحرور إنه لا يعترف بمصطلحات الشرف والمروءة والعرض والنخوة والكرامة، على أساس أنها مفاهيم بدائية جاهلية لا وجود لها في القرآن، ولا علاقة لها بالإسلام، بل إنها -حسب زعمه- هي التي قهرت الإسلام. والنتيجة العملية لإنكار هذه القيم هي أن شحرور يقول إن المرأة من حقها أن تنجب ولو لم تتزوج، ومن حق البنت أن تتعرى تماما بحضرة أبيها وأخيها! كما يؤوِّل قول الله عز وجل: ((إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما)) تأويلًا فيه سوء أدب مع الله عز وجل.. ويقول إن الزنا بالتراضي سرا ليس فاحشة، والغرض النهائي من ذلك -سواء أدركه شحرور أم لم يدركه- هو أن يسير العالم الإسلامي في دروب الحداثة العاهرة، وما أتت به من مفاهيم المثلية، والجندر، والنسوية، واتفاقيات سيداو، وغير ذلك. هدانا الله وإياكم إلى دينه القويم وصراطه المستقيم!


الشروق
٢٢-٠٣-٢٠٢٥
- منوعات
- الشروق
الحلقة العشرون: التراث والكسروية!
نحن حين نفرق بين الوحي والتراث، بين القرآن والسنة كوحي، وبين الاجتهاد البشري الإسلامي الذي نسميه التراث بمعناه الواسع: الديني واللغوي والأدبي والفني والثقافي (المادي وغير المادي) والتاريخ والجغرافيا والعلوم… وغيره كثير؛ حين نفرق بين الوحي والتراث، فإن ذلك لا يعني أن نسلّم للحداثة العربية أن تنتقد التراث كما شاءت. صحيح أن هذا التراث منتوج بشري لا يملك قداسة الوحي، ولكنه يملك سمو الغاية وشرف الانتماء وعمق التاريخ وأصالة الهوية وجلالة العلم وبذاخة العطاء. نحن نعتز بالتراث ولا يمكن أن نفرط فيه أو أن نسلمه لمعتوهين يهدرونه ليستفردوا بالوحي. فبينما يفخر الغرب بكل خزعبلاته ويبيض وجه منتجه الثقافي ويضخمه مهما كان صغيرا ويبيضه مهما كان أسود ويبرزه مهما كان خفيا مستترا، نستحل نحن تراثنا بالإزهاق والتصغير والإهدار والسخرية! لقد مارس المسلمون نقد تراثهم منذ القِدم، بل منذ عصر النبوة، وكان هذا النقد جزءا من تراثنا وسر ثرائه وليس للعلماء عقدة في ذلك. لكننا نرفض النقد الذي الغرض منه الإهدار والتسطيح والتجني والإلغاء والتحقير. إن الهزيمة النفسية معدية، وليس لهؤلاء الذين يريدون أن يجلدوا تراثنا من غاية سوى زرع أسباب الهزيمة في أمتنا. إن الفرنسيين يسخرون من مواطنهم الذي يفخر بثقافة الإنجليز أو الأمريكان، ويعدونه خائنا رغم أن الثقافتين تنتميان إلى دائرة واحدة، والعكس صحيح بالنسبة للإنجليز والألمان وسائر الأمم. بينما نحن يُستنكر علينا أن نستنكر على من يريد أن يصغّر أمجادنا الثقافية ويعوضها بثقافة هي جسر احتلال واستعمار تريد أن تهدم هويتنا وشخصيتنا وتريد أن تكون معبرا للاحتلال الثقافي والاقتصادي والسياسي. التراث الأوروبي ثقافة وضعها الرجل الأبيض للرجل الأبيض ولا يروقه أن يعتنقها غيرهم من الأمم إلا في إطار التبعية والتغريب الذي هو أداة من أدوات النيوكولونيالية. والحداثيون العرب يدركون كل هذا. لكن الأيديولوجيا تمنعهم من تصحيح المسيرة، وبغضهم لأمتهم ولتاريخهم غلب شعورهم بالذل والصغار حين ينخرطون في التبعية للآخر. واعجب معي من التسطيحية العبثية التي ينظر بها الدكتور شحرور إلى أحاديث الطاعة، أي الطاعة السياسية لولي الأمر اتباعا للمستشرقين الذين يرون أن الطاعة السياسية في الأحاديث النبوية وافدة كلها من التراث الفارسي، لأن التراث الفارسي هو الذي يكرس الكسروية، أي الطاعة الشاملة العمياء لكسرى الذي يملك الأجساد والأرواح. والأمر ليس كذلك أبدا! الطاعة السياسية في الإسلام منهج وسط بين الكسروية التي هي الطاعة العمياء والفوضى والتمرد على الحكام، فالمناهج السياسية ثلاثة: إما فوضوية وتمرد، وإما ملكية مطلقة، وإما نظام سياسي يقوم على طاعة الحاكم ما أطاع الله وما أمر بالمعروف، وهو النظام السياسي الذي يستخلص من مجمل الأحاديث النبوية والآيات القرآنية كما نص عليه العلماء في كتب الفقه السياسي. وبهذا لم ينظر الحداثويون الذين يدعون الإسلام بإيجابية إلى تراثهم الإسلامي، ومارسوا العضينية -كما يحلو لبعضهم أن يقول- أو الطعنة الغبية في التراث اتباعا للطعن الذكي الخبيث للمستشرقين! ولنا أن نتساءل في نهاية هذا المقام من هو المعاصر؟ هل علماء الإسلام الذين استخرجوا نظرية سياسية كاملة من مجموع الآيات والأحاديث النبوية تتوافق -بل تفوق- النظريات السياسية المعاصرة، أم هؤلاء الحداثيون الذين ينكبون على حديث واحد ثم يرمون الوحي بالكسروية ويمارسون قراءات ماضوية بعيدة عن البحث والاستقصاء والجدية؟ لكن الهوى يعمي، والتعصب يصم!


الشروق
١٧-٠٣-٢٠٢٥
- منوعات
- الشروق
الحلقة السادسة عشرة: فكر المتعة!
يقول الدكتور شحرور إن الزنا على نوعين: سري وعلني، أما السري فهو الذي يكون بالتراضي وهو حلال، وأما الزنا العلني فهو حرام! وله في ذلك دليل طريف أخذَه من طريقته السخيفة في التعامل مع اللغة العربية، فكلمة 'الزنا' تحيل عنده إلى الصراخ لأن أهل الشام يقولون: 'أنت ليه بتزنّ على راسي!'، والصراخ يحيل إلى أمر معلن مشاع، وهكذا فإن الزنا المعلن المشاع حرام والزنا السري المستور حلال! لكننا حين نرجع إلى معاجم اللغة العربية لا نجد هذا المعنى تماما. ففي معجم مقاييس اللغة لابن فارس الذي يحبه الدكتور شحرور ويحب أن يرجع إليه كذا وحين نرجع إلى المعاجم الأخرى تقول كذا والناس يعلمون أن الزنا لا يؤتى إلا سرا، ولم تعرف البشرية الزنا العلني إلا في سنواتها الأخيرة. ولا ندري كيف يفعل الدكتور شحرور وهو الحريص على الترتيل الذي هو في مفهومه ليس الترسل في القول والتمهل في قراء الآيات لكنه جمع الآيات القرآنية في موضع واحد وتدبرها. لا ندري كيف سيفعل أتباع شحرور مع قول المولى عز وجل: ((ولا تقربوا الزنا))، فقد جاء النهي عن القرب، والقرب ينسحب على الزنا السري والعلني على السواء، لكن شحرور سيجد لذلك مخرجا فيقول إن كلمة (لا تقربوا ) لا تدل على التحريم وهو بذلك يصادم سياق الآيات الذي ابتدأ بقوله تعالى: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ))، ما يدل على أن كل ما بعدها داخل في التحريم لا محالة، وذكر القرب حتى يفهم القارئ أن الحرمة تشمل الفعل ومقدماته. ولا ندري كيف يفعل مع حديث النبي -صلى الله عليه وسـلم- الذي يقول فيه: 'إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُه'، وقد سمى نظر العين زنا ولا صخب فيه ولا جلبة، وسمى أماني النفس زنا وهي كلها سر خفي مدفون؟! وماذا يفعل بقصة الصحابي الجليل ماعز الذي جاء إلى النبي -صلى الله عـليه وسلم- معترفا بذنبه حيث لم يره أحد. كان على النبي -صلى الله عـليه وسلم- أن يقول له إن ما أتيت حلال ما دام سرا! لكنه أقام عليه الحد وكذلك أقامه على المرأة الغامدية التي جاءت معترفة تحمل وليدها. وقال -صلى الله عـليه وسلم- عن ماعز بن مالك الإسلامي: 'لَقَدْ تَابَ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتْهُمْ'، وقال -صلى الله عـليه وسلم- عن المرأة الغامدية: 'لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبل منه'. فمن أتى فاحشة ثم تاب منها فإن الله يتوب عليه، ومن اتّبع مهرطقا يحل الحرام ويحرّم الحلال فقد اتخذه ربا من دون الله. قال الله عز وجل: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ))، قال عدي بن حاتم وكان نصرانيا فأسلم: فقلتُ له: إنَّا لسنا نعبدُهم، قال: 'أليسَ يحرمونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمونَه، ويحلُّونَ ما حرَّمَ اللهُ فتحلُّونَه'، قال: قلتُ : بلى، قال: 'فتلك عبادتُهم'.. وصح فطوركم!