#أحدث الأخبار مع #شركة_كوماكالبيانمنذ 5 أيامأعمالالبيانهل تقلب «كوماك» الصينية موازين صناعة الطيران التجاري؟في الوقت الذي تغمر فيه المنتجات الصينية الأسواق العالمية تظل الطائرات التجارية المصنعة في الصين نادرة الحضور على الساحة العالمية، إذ لا تزال طائرات الركاب، التي تصنعها شركة «كوماك» الحكومية الصينية غائبة عن الأسواق الدولية. وشهد الشهر الماضي تراجع شركة طيران صينية عن تسلم طائرتين جديدتين من طراز بوينغ من الولايات المتحدة، رغم أنهما كانتا جاهزتين للتسليم ومطليتين بألوان الناقلة الصينية، وذلك على خلفية الرسوم الجمركية الانتقامية المرتفعة، التي فرضتها بكين على الواردات الأمريكية، ما جعل من استلام الطائرتين صفقة خاسرة من الناحية الاقتصادية. ورغم التراجع اللاحق عن هذه الإجراءات الجمركية فإن الواقعة تميط اللثام عن معضلة استراتيجية أعمق تواجه بكين: تحوّل اعتمادها شبه الكامل على صناعة الطائرات الغربية من مجرد ضرورة تقنية إلى ورقة ضغط محتملة في أيدي خصومها، وسط مناخ دولي مشحون بالتقلبات الجيوسياسية. وعلى مدار عقود قوبلت مساعي الصين لبناء صناعة طيران مدني وطنية بالتشكيك، بسبب ضعف فرص التصدير وارتهانها للخبرات والتقنيات الغربية، إلا أن هذه القراءة باتت عاجزة عن استيعاب التحولات العميقة الجارية في هذا القطاع الحيوي، فصناعة الطيران – بما تتسم به من احتكار شبه ثنائي وتشابك معقد لسلاسل الإمداد – تتيح للصين زعزعة الوضع القائم دون الحاجة للسيطرة على الأسواق العالمية. وتتمحور جهود الصين في صناعة الطيران المدني حول طائرة «سي 919» – نموذج كوماك المنافس لطرازي بوينغ 737 وإيرباص إيه 320 – وهي طائرة ضيقة البدن تمثل حجر الزاوية في طموحات بكين لكسر الهيمنة الغربية على القطاع، وقد أبرمت شركات الطيران الثلاث الصينية الكبرى المملوكة للدولة اتفاقيات لشراء 100 طائرة من هذا الطراز لكل منها، فيما يجري حالياً تشغيل 17 طائرة دخلت الخدمة منذ أول رحلة تجارية عام 2023. وسجلت «كوماك» أكثر من ألف طلبية، معظمها في السوق المحلية، علاوة على طلبيات من البرازيل وإندونيسيا ولاوس، ما يشير إلى بوادر اهتمام خارج الحدود الصينية، ورغم تواضع هذه الأرقام مقارنة بـ 766 طائرة سلمتها إيرباص العام الماضي فإن هدف كوماك بإنتاج أكثر من 200 طائرة سنوياً بحلول 2029 يبدو أكثر قابلية للتحقيق. وتتمتع «كوماك» بميزة تنافسية فريدة، بفضل الدعم الحكومي الكامل، على عكس بوينغ وإيرباص، إذ تسيطر بكين على أكبر ثلاث شركات طيران وطنية تستحوذ مجتمعة على نحو 43 % من السعة المحلية، ما يوفر لـ«كوماك» قاعدة قوية من العملاء المحتملين، ويتعزز هذا التفوق بحجم سوق السفر الجوي الصيني، المتوقع أن يتفوق على نظيره الأمريكي أكبر سوق عالمي للطيران بحلول 2043 وفقاً لتوقعات إيرباص. وتشير تقديرات بوينغ إلى أن تلبية هذا الطلب ستتطلب أكثر من 8,800 طائرة، أي واحدة من كل 5 طائرات تجارية متوقع بيعها عالمياً. وتعتزم «كوماك» رفع طاقتها الإنتاجية من طراز «سي 919» إلى 50 طائرة هذا العام، وهو ما قد يمنحها حصة سوقية تقارب 6 % من إجمالي تسليمات الطائرات أحادية الممر عالمياً استناداً إلى أحجام 2024، وهو أمر ذو دلالة مهمة لشركة حديثة نسبياً في هذا المجال، مع إمكانية تقليص الحصة السوقية والأرباح طويلة الأجل لكل من بوينغ وإيرباص، لا سيما في السوق الصينية. وتواجه «كوماك» رغم زخمها الحالي تحديات جوهرية، حيث تعتمد طائرة «سي 919» بشكل كبير على المكونات المستوردة، إذ تشير التقديرات إلى أن 40 % على الأقل من أنظمة الطائرة - بما في ذلك المحركات وإلكترونيات الطيران - مصدرها خارجي، والكثير منها من شركات أمريكية، ما يجعل كوماك عرضة لقيود التصدير والمخاطر الجيوسياسية المتصاعدة، ومع استمرار تدهور العلاقات الأمريكية - الصينية، لا يمكن استبعاد فرض مزيد من القيود على التقنيات الحساسة، هذا بالإضافة إلى افتقار «كوماك» للاعتمادات الدولية من سلطات الطيران الأمريكية والأوروبية. وحتى في حال تحرك «كوماك» لاستبدال الموردين الأجانب ببدائل محلية فإن ذلك سيتطلب عملية إعادة اعتماد طويلة ومكلفة، علماً بأن طائرة «سي 919» حصلت على شهادة الطيران في الصين عام 2022، أي بعد 15 عاماً من الموافقة على خطة تطويرها الأولى، وأي إعادة تصميم جوهرية ستعني مزيداً من التأخير في وقت يواصل فيه الطلب المحلي نموه المتسارع. وتفرض الحاجة الملحة للطائرات في الصين واقعاً لا يحتمل التأجيل، فالطلب الفوري على الطائرات - وخاصة الطرازات أحادية الممر كطائرة إيه 320 - لا يمكنه انتظار توسع خطوط إنتاج كوماك، ما يعني أن إيرباص الأوروبية، التي برزت كونها أكبر مستفيد من توتر العلاقات الأمريكية - الصينية، هي الرابح الأكبر في المرحلة الراهنة، حيث يستحوذ أسطولها العامل في البر الصيني حالياً على أكثر من نصف السوق، وهي حصة مرشحة للنمو مع استمرار معاناة بوينغ من مشكلات مراقبة الجودة. في المقابل يختلف المشهد على المدى البعيد، فتصنيف بكين لقطاع الطيران كونه صناعة استراتيجية، إلى جانب السياسات الصناعية المستدامة، يضع الأسس لسوق يمكن أن يميل تدريجياً لصالح كوماك، والواقع أن الشركة الصينية لا تحتاج للتفوق على بوينغ أو إيرباص على الصعيد العالمي، إذ يكفي أن تستحوذ على حصة مهيمنة من السوق المحلية الصينية، لتعيد تشكيل هيكل صناعة الطيران التجاري برمتها. وفي حين قد لا تحقق طائرة سي 919 الانتشار العالمي، الذي حققته طائرتا 737 أو إيه 320، إلا أن وجودها يمثل نقطة تحول جوهرية نحو عالم لم تعد فيه الدول تثق بوضع مستقبلها الاقتصادي في أيدي الموردين الأجانب. هكذا فإن الطائرة النفاثة، التي كانت رمزاً للعولمة، باتت اليوم مؤشراً على تفككها.
البيانمنذ 5 أيامأعمالالبيانهل تقلب «كوماك» الصينية موازين صناعة الطيران التجاري؟في الوقت الذي تغمر فيه المنتجات الصينية الأسواق العالمية تظل الطائرات التجارية المصنعة في الصين نادرة الحضور على الساحة العالمية، إذ لا تزال طائرات الركاب، التي تصنعها شركة «كوماك» الحكومية الصينية غائبة عن الأسواق الدولية. وشهد الشهر الماضي تراجع شركة طيران صينية عن تسلم طائرتين جديدتين من طراز بوينغ من الولايات المتحدة، رغم أنهما كانتا جاهزتين للتسليم ومطليتين بألوان الناقلة الصينية، وذلك على خلفية الرسوم الجمركية الانتقامية المرتفعة، التي فرضتها بكين على الواردات الأمريكية، ما جعل من استلام الطائرتين صفقة خاسرة من الناحية الاقتصادية. ورغم التراجع اللاحق عن هذه الإجراءات الجمركية فإن الواقعة تميط اللثام عن معضلة استراتيجية أعمق تواجه بكين: تحوّل اعتمادها شبه الكامل على صناعة الطائرات الغربية من مجرد ضرورة تقنية إلى ورقة ضغط محتملة في أيدي خصومها، وسط مناخ دولي مشحون بالتقلبات الجيوسياسية. وعلى مدار عقود قوبلت مساعي الصين لبناء صناعة طيران مدني وطنية بالتشكيك، بسبب ضعف فرص التصدير وارتهانها للخبرات والتقنيات الغربية، إلا أن هذه القراءة باتت عاجزة عن استيعاب التحولات العميقة الجارية في هذا القطاع الحيوي، فصناعة الطيران – بما تتسم به من احتكار شبه ثنائي وتشابك معقد لسلاسل الإمداد – تتيح للصين زعزعة الوضع القائم دون الحاجة للسيطرة على الأسواق العالمية. وتتمحور جهود الصين في صناعة الطيران المدني حول طائرة «سي 919» – نموذج كوماك المنافس لطرازي بوينغ 737 وإيرباص إيه 320 – وهي طائرة ضيقة البدن تمثل حجر الزاوية في طموحات بكين لكسر الهيمنة الغربية على القطاع، وقد أبرمت شركات الطيران الثلاث الصينية الكبرى المملوكة للدولة اتفاقيات لشراء 100 طائرة من هذا الطراز لكل منها، فيما يجري حالياً تشغيل 17 طائرة دخلت الخدمة منذ أول رحلة تجارية عام 2023. وسجلت «كوماك» أكثر من ألف طلبية، معظمها في السوق المحلية، علاوة على طلبيات من البرازيل وإندونيسيا ولاوس، ما يشير إلى بوادر اهتمام خارج الحدود الصينية، ورغم تواضع هذه الأرقام مقارنة بـ 766 طائرة سلمتها إيرباص العام الماضي فإن هدف كوماك بإنتاج أكثر من 200 طائرة سنوياً بحلول 2029 يبدو أكثر قابلية للتحقيق. وتتمتع «كوماك» بميزة تنافسية فريدة، بفضل الدعم الحكومي الكامل، على عكس بوينغ وإيرباص، إذ تسيطر بكين على أكبر ثلاث شركات طيران وطنية تستحوذ مجتمعة على نحو 43 % من السعة المحلية، ما يوفر لـ«كوماك» قاعدة قوية من العملاء المحتملين، ويتعزز هذا التفوق بحجم سوق السفر الجوي الصيني، المتوقع أن يتفوق على نظيره الأمريكي أكبر سوق عالمي للطيران بحلول 2043 وفقاً لتوقعات إيرباص. وتشير تقديرات بوينغ إلى أن تلبية هذا الطلب ستتطلب أكثر من 8,800 طائرة، أي واحدة من كل 5 طائرات تجارية متوقع بيعها عالمياً. وتعتزم «كوماك» رفع طاقتها الإنتاجية من طراز «سي 919» إلى 50 طائرة هذا العام، وهو ما قد يمنحها حصة سوقية تقارب 6 % من إجمالي تسليمات الطائرات أحادية الممر عالمياً استناداً إلى أحجام 2024، وهو أمر ذو دلالة مهمة لشركة حديثة نسبياً في هذا المجال، مع إمكانية تقليص الحصة السوقية والأرباح طويلة الأجل لكل من بوينغ وإيرباص، لا سيما في السوق الصينية. وتواجه «كوماك» رغم زخمها الحالي تحديات جوهرية، حيث تعتمد طائرة «سي 919» بشكل كبير على المكونات المستوردة، إذ تشير التقديرات إلى أن 40 % على الأقل من أنظمة الطائرة - بما في ذلك المحركات وإلكترونيات الطيران - مصدرها خارجي، والكثير منها من شركات أمريكية، ما يجعل كوماك عرضة لقيود التصدير والمخاطر الجيوسياسية المتصاعدة، ومع استمرار تدهور العلاقات الأمريكية - الصينية، لا يمكن استبعاد فرض مزيد من القيود على التقنيات الحساسة، هذا بالإضافة إلى افتقار «كوماك» للاعتمادات الدولية من سلطات الطيران الأمريكية والأوروبية. وحتى في حال تحرك «كوماك» لاستبدال الموردين الأجانب ببدائل محلية فإن ذلك سيتطلب عملية إعادة اعتماد طويلة ومكلفة، علماً بأن طائرة «سي 919» حصلت على شهادة الطيران في الصين عام 2022، أي بعد 15 عاماً من الموافقة على خطة تطويرها الأولى، وأي إعادة تصميم جوهرية ستعني مزيداً من التأخير في وقت يواصل فيه الطلب المحلي نموه المتسارع. وتفرض الحاجة الملحة للطائرات في الصين واقعاً لا يحتمل التأجيل، فالطلب الفوري على الطائرات - وخاصة الطرازات أحادية الممر كطائرة إيه 320 - لا يمكنه انتظار توسع خطوط إنتاج كوماك، ما يعني أن إيرباص الأوروبية، التي برزت كونها أكبر مستفيد من توتر العلاقات الأمريكية - الصينية، هي الرابح الأكبر في المرحلة الراهنة، حيث يستحوذ أسطولها العامل في البر الصيني حالياً على أكثر من نصف السوق، وهي حصة مرشحة للنمو مع استمرار معاناة بوينغ من مشكلات مراقبة الجودة. في المقابل يختلف المشهد على المدى البعيد، فتصنيف بكين لقطاع الطيران كونه صناعة استراتيجية، إلى جانب السياسات الصناعية المستدامة، يضع الأسس لسوق يمكن أن يميل تدريجياً لصالح كوماك، والواقع أن الشركة الصينية لا تحتاج للتفوق على بوينغ أو إيرباص على الصعيد العالمي، إذ يكفي أن تستحوذ على حصة مهيمنة من السوق المحلية الصينية، لتعيد تشكيل هيكل صناعة الطيران التجاري برمتها. وفي حين قد لا تحقق طائرة سي 919 الانتشار العالمي، الذي حققته طائرتا 737 أو إيه 320، إلا أن وجودها يمثل نقطة تحول جوهرية نحو عالم لم تعد فيه الدول تثق بوضع مستقبلها الاقتصادي في أيدي الموردين الأجانب. هكذا فإن الطائرة النفاثة، التي كانت رمزاً للعولمة، باتت اليوم مؤشراً على تفككها.