logo
#

أحدث الأخبار مع #شلوموأرغوف

اجتياح 1982: يوم خسرت قضية فلسطين معركة السلاح وربحت الدبلوماسية
اجتياح 1982: يوم خسرت قضية فلسطين معركة السلاح وربحت الدبلوماسية

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • سياسة
  • Independent عربية

اجتياح 1982: يوم خسرت قضية فلسطين معركة السلاح وربحت الدبلوماسية

تنطبق مقولة "التاريخ يعيد نفسه، أولاً كمأساة وثانياً كمهزلة" على لبنان بصورة دقيقة. هذا البلد الذي لم يدفن الماضي تحت التراب، بل خزنه في الزوايا المظلمة من الذاكرة الوطنية ليعود ذلك الماضي إلى الواجهة كلما ظن الناس أنهم طووا صفحته. ولا تمر عقدة سياسية أو هزة أمنية إلا وتتكشف معها ملامح دورة تاريخية مألوفة، انقسام داخلي واستقطاب خارجي ثم انفجار. من الحرب الأهلية التي اندلعت تحت شعارات عديدة مثل الوجود الفلسطيني والقضية الفلسطينية أحد أهم عواملها، إلى الاجتياح الإسرائيلي تحت شعار "السلام للجليل"، إلى الحروب المتكررة التي تخاض بأسماء مختلفة ورايات متبدلة كحرب يوليو (تموز) 2006، إلى "حرب الإسناد" منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والمشهد يعيد نفسه بوتيرة مؤلمة. فلبنان لا يعيد فقط أخطاءه بل يعيد إنتاج بنيته المأزومة، دولة عاجزة وطوائف متوجسة وأحزاب مسلحة وشعب يدفع الثمن دائماً. وبينما يركض العالم إلى الأمام، يبقى هذا البلد يراوح مكانه ويتنقل بين الركام والرهانات الخاسرة، وكأن قدره أن يبقى ساحة لا دولة، ومسرحاً لصراعات الآخرين لا موطناً لمواطنيه. ما أشبه اليوم بالبارحة في مثل هذا اليوم، السادس من يونيو (حزيران) 1982، بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عملية عسكرية أطلقت عليها إسرائيل اسم "السلام للجليل"، سرعان ما تحولت إلى حرب شاملة امتدت إلى قلب بيروت مخلفة دماراً واسعاً وخسائر بشرية جسيمة. وتحت ذريعة الرد على محاولة اغتيال سفيرها لدى لندن شلومو أرغوف من قبل "منظمة أبو نضال"، شنت إسرائيل هجوماً واسعاً استهدف منظمة التحرير الفلسطينية وقوات النظام السوري، وأسفر عن حصار بيروت الغربية لمدة ثلاثة أشهر انتهت بخروج المنظمة من لبنان. اليوم وبعد 43 عاماً على ذلك الاجتياح، تعود الذاكرة اللبنانية إلى تلك الأيام العصيبة، وبخاصة مع التصعيد العسكري والغارات المتنقلة التي تشنها القوات الإسرائيلية على كامل الأراضي اللبنانية، بذريعة القضاء على "حزب الله" وتدمير مخازن ومصانع أسلحته. وأمس عاشت العاصمة بيروت وتحديداً الضاحية الجنوبية فصلاً من نماذج الحرب، بعدما شنت القوات الإسرائيلية ما يقارب 23 غارة من مسيرات وقصفاً من مقاتلات إسرائيلية، بعد وقت قصير من إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء لمبان في الحدث وحارة حريك وبرج البراجنة، تمهيداً لقصف مواقع قالت إسرائيل إن "حزب الله" يستخدمها لتصنيع مسيرات، وأنها تابعة لـ"الوحدة 127" الجوية التابعة للحزب، وأنها أبلغت واشنطن مسبقاً بضرب بيروت. وعاش البيروتيون ليلة جديدة من الإنذار بالإخلاء والنزوح والخوف والهلع، تزامنت مع عيد الأضحى. ما أشبه اليوم بالبارحة، فبعد أكثر من أربعة عقود على اجتياح عام 1982، تعود بيروت مسرحاً للغارات والدمار في مشهد يعيد إلى الأذهان صور الحصار والنزوح والقلق الذي عاشه اللبنانيون آنذاك. سيناريوهات الماضي الأليم خلال يونيو 1982، شهد لبنان واحدة من أكثر المحطات دموية وتعقيداً في تاريخه الحديث، حين اجتاحت القوات الإسرائيلية أراضيه ضمن عملية عسكرية وصفت بأنها الأوسع منذ نكسة عام 1967. ولم تكن العملية وليدة لحظة أمنية عابرة، بل نتيجة تراكمات سياسية وعسكرية محلية وإقليمية، شملت تمدد نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان، وتحوله إلى ساحة اشتباك مفتوحة مع إسرائيل. وجاءت الحرب تحت ذريعة "ضمان أمن الجليل"، لكنها سرعان ما تجاوزت أهدافها المعلنة وصولاً إلى حصار بيروت واقتحام العاصمة، في مشهد أحدث تحولاً جذرياً في التوازنات اللبنانية الداخلية، وقلب معادلات القضية الفلسطينية ودشن مرحلة جديدة من التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن اللبناني. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) فاجتياح عام 1982 لم يكن مجرد حرب عسكرية، بل لحظة مفصلية أعادت تشكيل خريطة النفوذ في لبنان، وأسهمت في تآكل الدولة المركزية ومهدت لصعود قوى لبنانية مسلحة برعاية خارجية، كان أبرزها لاحقاً "حزب الله". وهذه اللحظة تستحق التذكير، ليس فقط كحدث عسكري بل كشرخ سياسي واجتماعي ما زال لبنان يعيش في ظله حتى اليوم، مما يثير مخاوف من تكرار سيناريوهات الماضي الأليم. وفي ذكرى ذلك الاجتياح، يتجدد التساؤل حول قدرة لبنان على تجنب دوامة العنف، والبحث عن سبل لتحقيق الاستقرار والسلام في منطقة لا تزال تعاني تداعيات صراعات الماضي. تصفية منظمة التحرير لم يكن اجتياح إسرائيل للبنان مجرد رد عسكري على عمليات "فدائية" تنطلق من جنوب لبنان، بل كان عملية سياسية وعسكرية معقدة استهدفت تصفية منظمة التحرير، وإعادة تشكيل النظام السياسي اللبناني بما يتماشى مع الرؤية الإسرائيلية للمنطقة. فتلك الحرب كانت أوسع من مجرد حماية المستوطنات الشمالية، بل كانت حرباً على هوية لبنان وموقعه في المعادلة الإقليمية. وكانت إسرائيل ترى في وجود منظمة التحرير داخل لبنان تهديداً استراتيجياً مزدوجاً، عسكرياً عبر العمليات "الفدائية"، وسياسياً عبر صعود تمثيل المنظمة ككيان شرعي بديل للسلطة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وأرادت إسرائيل كسر هذا الزخم السياسي عبر ضرب بنية المنظمة داخل بيروت وتشتيت قيادتها، في إطار مشروع أوسع لتحييد لبنان سياسياً وإنهاء حال العداء معه، والهدف الإسرائيلي النهائي كان توقيع معاهدة سلام لبنانية-إسرائيلية، مما يوسع من شرعية إسرائيل إقليمياً. وأرادت إسرائيل في ذلك الوقت تقليص حجم النفوذ السوري المتنامي داخل لبنان، بعد دخول القوات السورية عام 1976. وكانت الحرب اللبنانية خلقت فراغاً واسعاً، حاول النظام السوري ملأه تدريجاً. فجاء اجتياح عام 1982 كرسالة إلى دمشق ومقدمة لتقسيم مناطق النفوذ. إعادة تشكيل التوازنات مع دخول الجيش الإسرائيلي إلى قلب بيروت، انهار ميزان القوى الذي فرضته الحرب الأهلية. وصعدت قوى لبنانية كانت متحالفة مع إسرائيل، لا سيما "القوات اللبنانية"، في مقابل تراجع التيارات الوطنية واليسارية. وظهر كأن الكيان اللبناني في طريقه لأن يعاد بناؤه على أساس طائفي جديد مدعوم إسرائيلياً، لكنه سُحق لاحقاً باغتيال الرئيس بشير الجميل، وبعدم قبول شرعية هذا التوجه من قبل غالبية اللبنانيين، مما دفع إلى نهاية وهم "الحياد اللبناني"، إذ أثبت الاجتياح أن لبنان لم يعد قادراً على لعب دور "الوسيط" أو "المنطقة العازلة" في الصراع العربي-الإسرائيلي، وأصبح رسمياً ساحة تصفية حسابات إقليمية، وانهار الخطاب الرسمي اللبناني حول الحياد والسيادة، مما أسهم لاحقاً في شرعنة وجود قوات أجنبية على أراضيه (سوريا وإسرائيل وإيران عبر "حزب الله")، ذلك أنه وبسبب الاجتياح دخلت القوى الدولية بصورة أوسع على خط الأزمة اللبنانية، من إرسال قوات متعددة الجنسيات إلى بيروت إلى تدخل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي حينها، عبر وساطات مختلفة. وعلى رغم أن هذا الحضور الدولي كان يهدف لإنهاء الحرب، فإنه زاد من تعقيدها وربطها بالصراعات الكبرى داخل المنطقة. بروز المقاومة اللبنانية دفع ذلك الاجتياح إلى ولادة شكل جديد من "المقاومة" لم يكن فلسطينياً بل لبنانياً. ووُلد "حزب الله" من رحم الاحتلال، وبدأت مرحلة جديدة من الصراع عنوانها "مقاومة إسلامية" ذات بعد إقليمي، إيراني هذه المرة، أدت إلى انسحاب إسرائيلي لاحق من الجنوب عام 2000، وإن بثمن سياسي باهظ. ولكن كيف غير اجتياح عام 1982 البوصلة السياسية لمنظمة التحرير؟ لم يكن الاجتياح الإسرائيلي في ذلك العام، مجرد حملة عسكرية تهدف إلى إبعاد مقاتلي منظمة التحرير من الحدود الشمالية لإسرائيل، بل شكل نقطة تحول استراتيجية في مسيرة المنظمة، من الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة للتحرير إلى اعتماد الدبلوماسية كأداة رئيسة لنيل الاعتراف والحقوق الوطنية. مثَّل الوجود الفلسطيني في بيروت قبل الاجتياح أحد أهم مكاسب المنظمة منذ تأسيسها، إذ كانت تسيطر على أجزاء واسعة من لبنان وبخاصة في الجنوب، وأطلقت عملياتها ضد المستوطنات الإسرائيلية الشمالية مما دفع إسرائيل للتدخل في لبنان ضمن عملية محدودة استغرقت أياماً خلال مارس (آذار) 1978 فيما عرف بـ"عملية الليطاني"، وذلك في محاولة لوقف الهجمات الفلسطينية. خلال ذلك الزمن تحولت العاصمة اللبنانية إلى منصة إقليمية ودولية لصوت المقاومة الفلسطينية، ومع اجتياح القوات الإسرائيلية ووصولها إلى مشارف بيروت، ثم خروج القيادة الفلسطينية إلى تونس، خسرت المنظمة ملاذها الجغرافي الأخير الذي كانت تدير منه عملياتها العسكرية والسياسية بحرية نسبية. هذا الخروج الجبري أضعف قدرة المنظمة على تنفيذ عمليات عسكرية واسعة النطاق، وفتح الباب أمام مراجعة شاملة لاستراتيجيتها. مراحل الاستسلام أو مغادرة بيروت ابتداء من أواخر يونيو 1982، فرضت إسرائيل حصاراً خانقاً على بيروت الغربية دام أكثر من شهرين، واستخدمت فيه أساليب القصف المدفعي والجوي المكثف لإجبار منظمة التحرير على الاستسلام أو الخروج. وهذا الحصار خلق مأزقاً إنسانياً وسياسياً حاداً، وأثار موجة إدانات دولية خصوصاً مع سقوط آلاف المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين بين قتيل وجريح. وتحت الضغط الأميركي والدولي، وتحديداً بوساطة المبعوث الأميركي فيليب حبيب، تُوصل إلى اتفاق خلال الـ20 من أغسطس (آب) يقضي بخروج منظمة التحرير من بيروت تحت إشراف قوات متعددة الجنسيات، ضمن خطة منظمة لنزع فتيل الأزمة. وبالفعل، بدأت عملية الإجلاء خلال الـ21 من الشهر نفسه، واستمرت حتى الأول من سبتمبر (أيلول) من العام ذاته، حين غادر ياسر عرفات المدينة في مشهد رمزي على متن سفينة "أتلانتس" اليونانية، وقال أحد معاونيه إنه بكى على متن تلك السفينة وهي تغادر مرفأ بيروت، في لحظة ضعف نادرة من الختيار (لقب عرفات)، مودعاً آخر قاعدة عسكرية للمنظمة على مقربة من فلسطين. وغادرت قوات المنظمة المدينة في قوافل بحرية إلى دول عربية عدة، منها اليمن والجزائر والسودان والعراق، لكن الوجهة السياسية والعسكرية الرئيسة كانت تونس العاصمة، حيث انتقلت القيادة العامة للمنظمة بما في ذلك رئيسها ياسر عرفات، وأصبحت تونس مقراً رئيساً لها حتى توقيع اتفاق أوسلو خلال سبتمبر عام 1993، وهو أول اتفاق رسمي مباشر بين إسرائيل ممثلة في وزير خارجيتها آنذاك شمعون بيريز ومنظمة التحرير ممثلة في الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. وشكل إعلان المبادئ والرسائل المتبادلة نقطة فارقة في صورة العلاقة بين المنظمة وإسرائيل. لم تكن بيروت مجرد مدينة لجوء للفلسطينيين، بل كانت بمثابة العاصمة السياسية والرمزية البديلة لفلسطين. منها كانت تدار العمليات العسكرية وتصاغ الخطابات، وتُستقبل الوفود العربية والدولية. وكان الفلسطينيون للمرة الأولى يملكون موقعاً سياسياً وعسكرياً شبه سيادي، لا يخضع لهيمنة الدولة المستضيفة بالكامل. ومع الخروج القسري إلى تونس انتهى هذا الامتياز، وانقطعت آخر صلة مباشرة بالأرض الفلسطينية من حيث الجوار الجغرافي والرمزية الثورية، وبذلك دخلت القضية الفلسطينية مرحلة الاغتراب السياسي، ولم يعد هناك وجود جغرافي فعال للقيادة الفلسطينية في جوار فلسطين. فتونس، وعلى رغم كونها دولة داعمة كانت بعيدة جغرافياً ونفسياً من الأرض، وهو ما أضعف الحس الفوري بقرب التحرير وأصبح القرار الفلسطيني أكثر عزلة وأقل ارتباطاً بالشارع الفلسطيني والعربي. ففي بيروت، كانت المنظمة تصنع الفعل وتطلق الرصاصة، أما في تونس باتت تصدر البيانات وتعقد المؤتمرات. النكبة الفلسطينية الثانية لم يكن خروج منظمة التحرير من بيروت خلال خريف عام 1982 مجرد نتيجة لعملية عسكرية إسرائيلية ناجحة، بل كان حدثاً مفصلياً أعاد تشكيل الوعي الفلسطيني والعربي تجاه القضية الفلسطينية. فإذا كانت نكبة عام 1948 أسفرت عن ضياع الأرض، فإن نكبة بيروت مثلت ضياع الموقع واغتراب القرار، وتفكك الجغرافيا الثورية التي كانت تشكل الامتداد الحي للنضال الفلسطيني. ومثَّل هذا الخروج نهاية مرحلة الوجود الفلسطيني المسلح داخل لبنان، وبداية مرحلة جديدة من النضال السياسي والدبلوماسي، فرضته الجغرافيا والوقائع الإقليمية. وكانت تلك النقلة أشبه بـ"نكبة ثانية"، إذ فقدت منظمة التحرير قاعدتها الأقرب إلى فلسطين، واضطرت إلى مواصلة الكفاح من المنفى البعيد في ظل انكشاف متزايد أمام الضغوط الإسرائيلية والدولية. وعلى رغم البطولات الفردية شكل الاجتياح هزيمة سياسية ونفسية للمنظمة، مشاهد الدمار والمجازر (وبخاصة صبرا وشاتيلا) وغياب القدرة على التصدي للآلة العسكرية الإسرائيلية، أعادت تساؤلات داخل القيادة الفلسطينية حول جدوى استمرار "البندقية وحدها" في ظل ميزان قوى مائل بالكامل. وبدأ الإدراك يتنامى بأن كسب الرأي العام العالمي قد يصبح أداة أكثر تأثيراً من السلاح، وصولاً إلى نقطة التحول في خطاب ياسر عرفات داخل الأمم المتحدة عام 1988، بعد ستة أعوام من ترك بيروت، إذ أعلن القبول بالقرار 242 والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والدعوة إلى دولتين. ولم يكن ذلك الخطاب ممكناً لولا تداعيات اجتياح عام 1982. فالإبعاد من الميدان العسكري خلق حافزاً للبحث عن شرعية سياسية جديدة تكسب المنظمة مكاناً على الطاولة بدل ساحة المعركة. فالمفاوض الفلسطيني الذي جلس في مدريد ثم في أوسلو، كان فقدَ عمقه الميداني وانحسر عنه الدعم العسكري والشعبي الذي كانت توفره له المخيمات والجبهات القريبة. وهذا ما أضعف أوراقه التفاوضية وجعله أقرب إلى موقع "طالب دولة" منه إلى "حامل حق وشرعية نضال". صعود السياسة وانحسار "العمل الفدائي" بعد الاجتياح، دخلت منظمة التحرير في مسار طويل من التفاوض السياسي، تخلله مؤتمر مدريد (1991) واتفاق أوسلو (1993). وحتى داخل المنظمة، بدأ الصعود التدريجي للنخب الدبلوماسية على حساب القيادات العسكرية، خصوصاً في ظل ابتعاد الساحة اللبنانية وتراجع دور المخيمات كمصدر تعبئة رئيسي. ويمكن القول إن الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 لم ينه فقط مرحلة من العمل الفلسطيني، بل أطلق تحولاً استراتيجياً في هوية منظمة التحرير. فبعدما كانت الثورة ترتكز على البندقية، باتت تبحث عن الاعتراف الدولي عبر المنابر السياسية. ودفع الخروج من بيروت المنظمة إلى الدخول في بيروقراطية السياسة الدولية، والاقتناع بأن الشرعية لا تنتزع فقط من فوهة البندقية بل من منصة الخطاب والدبلوماسية أيضاً. في المحصلة لم يكن خروج منظمة التحرير من بيروت مجرد انسحاب تكتيكي، بل نكبة ثانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقدَ الفلسطينيون آخر نقطة ارتكاز في محيط وطنهم، وتحولت قضيتهم من مشروع تحرر له أدواته إلى ملف سياسي تبحث عنه العواصم الكبرى وتقرره التوازنات الدولية. نكبة عام 1982 كانت أكثر من هزيمة عسكرية، كانت فقداناً للبوصلة الجغرافية التي لا تزال فلسطين تعاني ارتباكها حتى اليوم. أما بالنسبة إلى لبنان فإن اجتياح عام 1982 كان أكثر من معركة عسكرية، كان مشروعاً سياسياً هدف إلى إعادة رسم خريطة لبنان وتفكيك ما تبقى من الهوية العربية له. أما داخلياً، فقد زعزع هذا الاجتياح توازن الطوائف وعمَّق الصراعات، وأخرج لبنان من نطاق "الدولة" إلى مشروع "الساحة". وعلى رغم انسحاب إسرائيل لاحقاً فإن تداعيات هذا الاجتياح لا تزال تؤثر في صورة الدولة اللبنانية وفي بنية وشرعية "مقاوماتها"، وفي موقعها ضمن النظام الإقليمي حتى اليوم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store