أحدث الأخبار مع #عبداللهالعروي


صحيفة الخليج
١٦-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- صحيفة الخليج
الفوات التاريخي.. ومقاومة الحداثة
بدأت أولى مقاربات الفوات التاريخي في العالم العربي، انطلاقاً من مقارنة الذات الجمعية مع الآخر الغربي الكولونيالي، وعُمل على تفكيك هذه الظاهرة في مراحل تاريخية مختلفة من عمر الدولة الوطنية العربية، بعد الاستقلال عن الانتدابات، وبقي مجال المقاربة لهذه الظاهرة يتمحور بشكل كبير نسبياً حول الآخر، بوصفه مركزاً للمقارنة، وهو أمر يبدو منطقياً لجهة السيرورة التاريخية، فمنذ انهيار الخلافة العثمانية ونموذجها السلطاني في الدولة والحكم، كان الآخر الغربي حاضراً منذ اللحظة الأولى، بوصفه الفاعل الأساس في صياغة تشكّل المنطقة، خصوصاً عبر اتفاقية سايكس-بيكو. بطبيعة الحال، كانت بدايات تفكيك ظاهرة الفوات التاريخي العربي، تحتوي على كثير من العمومية والتبسيط، إذ خلت إلى حدّ كبير من الاستناد إلى مناهج علم الاجتماع الاقتصادي والسياسي، وقدّمت قراءة وصفية نقدية للظاهرة، من دون أن تتمكّن من الاشتباك مع المنظومات الحاكمة للظاهرة، أو ما يمكن تسميته البنى المتضمنة في منظومة الفوات التاريخي العربية. كذلك، لم تخلُ عملية تفكيك ظاهرة الفوات التاريخي عند التنويرين الأوائل من انبهار بالغرب وقيم الحداثة، من دون أن يكون هناك التقاط واسع لجذور ظاهرة الحداثة، وهو أمر يمكن ردّه إلى ضعف الاطلاع على تجربة الحداثة، نظراً لندرة عملية الترجمة، لكن هذه الحال ستتغيّر في ستينات القرن الماضي لأسباب عديدة، في مقدّمتها صعود المشروع القومي العربي، حيث سيصبح للأيديولوجيا مكانة مهمة في عمل عدد من المفكرين القوميين والماركسيين، الذين أسهموا بدورهم في تحليل الظاهرة. لعبت نكسة حزيران/يونيو عام 1967 دوراً مفصلياً في تركيز عدد من المفكرين العرب على دور الأيديولوجيا في الهزيمة، وللمرة الأولى يذهب علم الاجتماع العربي إلى تقصي بنى المجتمع، والكشف عن الديناميات المتأخرة فيه من مواقع مختلفة، فكتب المفكر المغربي عبد الله العروي «الأيديولوجيا العربية المعاصرة» في عام 1970، ونشر المفكر السوري ياسين الحافظ كتابه «الهزيمة والأيديولوجيا المهزومة» عام 1977، وقد بدأ بتأليفه بعد النكسة مباشرة، كما نشر عالم الاجتماع الفلسطيني هشام شرابي كتابه «مقدّمات في دراسة المجتمع العربي» في عام 1975، وكانت هذه الإسهامات التأسيسية خطوة نحو تقديم قراءة معرفية منهجية لظاهرة الفوات التاريخي، تتناول حقلاً مفاهيمياً واسعاً، من مثل الدولة، النظام السياسي، البنى الأيديولوجية، الإنتاج، السلطة، السلطة الأبوية، الفرد، الجماعة، العادات، التراث. في مواجهة الحداثة، وتعبيرها الدولة/ الأمة الغربي، اختارت معظم الدول الوطنية العربية أن تبني نموذجاً هجيناً، في واجهته مؤسسات حديثة، في المجالات التنفيذية والقضائية والتشريعية والخدمية، لكن هذه الحداثة بقيت برانية شكلية، غير مؤسسة على بناء اقتصادي اجتماعي مطابق لها، في الوقت الذي بقيت فيه بنى الفوات التاريخي، وتمثيلاتها من هويّات فرعية، تلعب الدور المحرك لمجمل العمليات الاجتماعية، وعلاقات القوة في المجتمع والسلطة. في الثقافة السياسية العربية، بقي مفهوم الشعب مفهوماً ملتبساً، وقد شحن بحمولات تاريخية، جعلت منه أقرب إلى جماعة متخيلة، أكثر من كونه صيرورة تاريخية ينبغي العمل على تعيينها في عمليات الإنتاج للواقع، كما شحن مفهوم الشعب أيديولوجياً وفق رؤية السلطة السياسية، من دون أن تكون مؤسسات السلطة ذاتها ممثلة للفئات الشعبية، بقدر ما كانت تعبيرات انقلابية، كما في العديد من دول العالم العربي، التي تشكّل تاريخها السياسي عبر سلسلة من الانقلابات، وليس عبر تطور تاريخي تتطوّر فيه السياسة مع تطور العلاقات الاقتصادية الاجتماعية. في هذا الفضاء السياسي الهجين، حدثت عملية إعادة إنتاج مستمرة للبنى التاريخية المفوّتة، والتي استخدمتها العديد من الأنظمة السياسية كأداة للضبط والمعايرة الاجتماعيين، عبر عمليات الولاء والمحسوبية، وعوضاً من أن تتطوّر الدولة باتجاه الحداثة، أي أن تكون مؤسسة خدمات عامّة، تحوّلت إلى منظومة محسوبيات، أصبحت تسمى في أدبيات الاقتصاد السياسي «دولة المحسوبيات»، حيث تشرف دائرة ضيقة في النظام السياسي على عملية توزيع حصص الإنتاج والأرباح والعمولات، مستفيدة من التناقضات الموجودة في البنى الاجتماعية نفسها. إن اهتراء وتهالك الدولة الوطنية العربية، كما شاهدناه في عدد من دول المنطقة، هو اهتراء متوقّع من جهة استنفاد هذه الدولة لإمكانات استمرارها، فقد عاندت لوقت طويل مستحقّات تحديث وحداثة الدولة ومؤسساتها، في الوقت الذي مضت فيه العولمة خطوات واسعة، عبر ثورتها الصناعية الرابعة، ثورة التقانة والمعلومات، وجرت تحوّلات هائلة في اقتصادات السوق، التي أصبحت تعتمد أكثر فأكثر على اقتصاد المعرفة، بينما بقيت معظم الدول الوطنية العربية تقاوم اقتصاد السوق من جهة، وتقاوم الحاجة إلى فتح أفق التنظيم السياسي والنقابي والاجتماعي من جهة ثانية. مقارنة بفترات سابقة من التاريخ العربي المعاصر، فإن عدداً من الدول التي دخلت في نفق الحرب الأهلية، شهدت انتكاسة كبيرة عن العقود الثلاثة الأولى ما بعد الاستقلال، فمع تدهور الدولة في هذه البلدان، صعدت البنى المفوّتة إلى واجهة السلطة والصراع السياسي الاجتماعي، وهي لا تحمل في جعبتها أي مشروع حديث، بل يبدو أن جلّ اهتمامها أصبح زيادة مقاومة الحداثة في الداخل، وزيادة التبعية للخارج، مع عدم غياب أي تصوّر حديث لمنطق الدولة والمؤسسة.


الدستور
٢٠-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- الدستور
الترجمة والثقافة والأيديولوجيا
الأستاذ الدكتور مجد الدين خمش/ عميد كلية الآداب الأسبق- الجامعة الأردنية ينظر إلى الأيديولوجيا على أنها علم الأفكار الذي يدرس نشوئها ووظائفها، وتأثيراتها على الوعي الفردي، والمجتمع بمؤسساته المتنوعة، وعلى المجتمعات الأخرى. وبالمعنى السياسي هي عقيدة دولة، أو حزب سياسي، أو مجموعة من الأفراد تتكون من مجموعة القيم والتبريرات والرؤى التي تتبناها هذه البنى الاجتماعية والسياسية. ويرى عبد الله العروي في كتابه (مفهوم الأيديولوجيا) الصادر عن المركز الثقافي العربي في الدار البيضاء، في طبعته الثامنة عام 2012 أن الأيديولوجيا هي «رؤية العالم بحسب رغبات وتفضيلات ومصالح دولة معينة أو فئة معينة، وليس كما هو العالم في ذاته». ويتداخل هذا المفهوم للأيديولوجيا مع مفهوم الثقافة المجتمعية التي هي أيضا رؤية الجماعة للعالم، ولنفسها، وهُويتها، وطريقة حياتها المنسجمة مع هذه الرؤية. وبالتالي، غالبًا ما تكون العلاقة بين الأيديولوجيات، كما هي بين الهُويات، والثقافات المجتمعية علاقة تنافس أو صراع كامن أو مكشوف بهدف الهيمنة على المعلومات والأفكار والرؤى بواسطة وسائل الإعلام الجماهيرية، ووسائل التواصل الاجتماعي، وبرامج الذكاء الاصطناعي، والديبلوماسية السياسية، والصراع العسكري في نهاية المطاف. والأيديولوجيا قد تكون معرفية وإعلامية تتغلغل في ثنايا الآداب والفنون والعلوم ومناهج التعليم تعمد لنشر تحليلات ومعلومات تخدم مصالح من يقدمها بشكل مباشر كما في أدبيات الاستشراق، وفي خطابات الإعلام الإسرائيلية بشكل خاص. أو بشكل غير مباشر كما في ترجمات العديد من الروايات والدراسات الاجتماعية التي توثّق طريقة حياة الطبقة الوسطى الغربية. ومن الأمثلة على ذلك استخدام السرد الروائي في تعليم الفلسفة وتاريخها، والبحث عن الهُوية وتطوير الذات من خلال الفلسفة، كما فعل جوستاين غارود، النرويجي في كتابه (عالم صوفي) الصادر عام 1991، وقد ترجم إلى عدة لغات عالمية من بينها العربية. كذلك فإن ترجمة كتاب ماكس فيبر من الألمانية والإنجليزية إلى العربية (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية) دعم توجهات قيمية ودينية إيجابية مهمة يمكن الاستفادة منها، مثل: الشغف بالعمل، وإتقان العمل وتجويد الصنعة، وعدم الغش، والعقلانية، والسلطة القانونية، والتوجهات الاستثمارية، ودافع تحقيق الربح المعتدل، والمشاركة في تنمية الاقتصاد والمجتمع. معتبرّا إياها من الحسنات التي تشفع للمؤمن يوم القيامة. ولفئة المترجمين أهمية كبيرة، فهم جسور حضارية بين الشعوب يدعمون التواصل بين الأسواق وبين الثقافات والفنون، ويوسّعون الآفاق ويزيدون المعرفة بالثقافات الأخرى خصوصًا قبل ثورة تكنولوجيا الاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد كان للمترجمين القدماء عن اليونانية والفارسية من أمثال يعقوب الزهاوي، وحنين بن إسحق، وعمر ابن فرخان الطبري ابن سينا، والفارابي- وكان أغلبهم ضمن مؤسسة بيت الحكمة في بغداد أيام الخليفة العباسي المأمون- دورهم الكبير في تطور الحضارة العربية والإسلامية. ويتضح في كتاب شوقي ضيف (سلسلة تاريخ الأدب العربي: العصر العباسي الأول) الأثر الكبير لهم في نقل المعارف والعلوم والتقنيات والفنون من اليونانية والفارسية إلى الحضارة العربية والإسلامية مما أسهم في زيادة قوتها ومنعتها العسكرية. وتكررت عملية شبيهة بها فيما بعد في اليابان حيث قام المترجمون اليابانيون وبشغف قومي عميق بترجمة العلوم وأساليب صناعة التقنيات والمحركات البخارية عن اللغة الهولندية واللغات الأوروبية الأخرى. مما كان له أثره الكبير في نقل التقنيات والعلوم الحديثة، والصناعات الميكانيكية إلى الحضارة اليابانية الإقطاعية وتوطينها يابانيًا في ذلك الوقت مما أسهم في تقدمها السريع إلى الرأسمالية الصناعية. وفي المرحلة الراهنة يتوقع ازدياد أهمية المترجمين المدربين في حقول الذكاء الاصطناعي AI والثورة الصناعية الرابعة في مختلف البلدان العربية. وقد يتم تطوير قاموس جديد لهذا الحقل التقني، إضافة إلى القواميس الكلاسيكية المهمة مثل: قاموس أكسفورد الذي يقدم عدة مرادفات للكلمة باللغة الإنجليزية، وقاموس المورد (إنجليزي- عربي)، وقاموس جوجل الإلكتروني Google Translate الذي يترجم النص إلى عدة لغات بما فيها العربية. وكذلك برامج الذكاء الاصطناعي مثل نموذج ChatGPT الذي طورته شركة Open AI الأمريكية، ونموذج Meta الذي طورته شركة مايكروسوفت، ونموذج Deep Seek الذي طورته شركة صينية، ونموذج Reverso لجميع الاحتياجات اللغوية، وطورته شركة فرنسية متخصصة في الذكاء الاصطناعي. هذا وقد تحولت الترجمة من المبادرات الفردية التي ميزت المترجمين العرب في بدايات عصر النهضة الحديثة إلى مهنة لها قواعدها، وبرامجها التدريبية، ومؤسساتها، وجوائزها التشجيعية والتكريمية، وجمعياتها المتخصصة التي تقوم مقام النقابات في تنظيم المهنة وضمان الالتزام بأخلاقياتها. كما تهتم مجامع اللغة العربية بالترجمة وضبط المصطلحات المتدفقة من البلدان الصناعية المتقدمة. وسواء أكان المترجم يمارس الترجمة الأدبية، أو السياسية، أو القانونية، أو الترجمة الفورية في المنتديات والمؤتمرات، وعلى شاشات القنوات الفضائية فإن عليه أن يتقن بشكل تام العديد من المهارات اللغوية والثقافية، وأن يتحلى بالموضوعية والدقة في نقل الخطاب، خصوصا في مواقف الترجمة الفورية، بدون حذف أو تعديل، ولكن بمرونة بلاغية مناسبة بحيث يهتم بالتشبيهات والاستعارات، ولغة الجسد. إضافة إلى أمثلة التناصّ، وتفاعل الأنظمة الأسلوبية بما يشمل إعادة الترتيب، والتلميح والإيحاءات، والمحاكاة. وعند الاستعانة ببرامج الذكاء الاصطناعي في الترجمة عليه أن ينتبه لميكانيكية الترجمة في هذه البرامج، ويعمل على تداركها. وتقوم مهنة الترجمة على امتلاك المترجم المتدرب والممارس لمهارات أساسية تشمل: الحياد الأيديولوجي، ومعرفة قواعد اللغة العربية وقواعد الترقيم فيها، والتقنيات البلاغية، ودلالاتها اللغوية والثقافية. واعتبار هذه العلامات والتقنيات جزءًا من اللغة تؤثر على المعنى، وقواعد اللغة الأخرى، أو اللغات الأخرى، وعلامات الترقيم فيها ودلالاتها اللغوية والثقافية. وضرورة قراءة النص المراد ترجمته سواء أكان أدبيَا، أم سياسيَا، أم اقتصاديَا، أم دينيَا والتعمق فيه لحسن اختيار المصطلحات والمفاهيم المناسبة لكل حقل من هذه الحقول. إضافة إلى تفهم المعنى الأساسي لكل جملة ضمن سياقاتها الثقافية للوقوف على المعني الصحيح الذي قصده المؤلف الأصلي، ونقل ذلك إلى القارئ. وضرورة عدم الوقوع في شرك الميل للترجمة الحرفية الميكانيكية لإن ذلك يضعف عملية إيصال المعنى الأصلي في النص بما في ذلك إيحاءات وإيماءات المؤلف الأصلي، ويقلل من بلاغة الترجمة ومستواها. ولا شك أن انضمام المترجم لجمعيات الترجمة ومراكزها في المؤسسات الأكاديمية يزيد من كفاءة المترجم، ويعّمق معرفته وامتلاكه لهذه المهارات المهنية. [email protected]