#أحدث الأخبار مع #عدالة_الأسواقأرقاممنذ 15 ساعاتأعمالأرقامعدالة الأسواق .. هل هناك فرص متكافئة بين المستثمرين الأفراد والمؤسسات؟غالبًا ما تُوصَف الأسواق المالية بأنها تمتلك أدوات لتحقيق المساواة، ومنصات يمكن لأي شخص، بغض النظر عن خلفيته أو حجم رأسماله، أن يشارك فيها وتتاح أمامه فرص عادلة للنجاح. ورغم رفع أسواق مثل وول ستريت والبورصات الأوروبية لشعارات "تكافؤ الفرص"، تتزايد التساؤلات حول مدى واقعية هذه الفرضية، خصوصًا في ظل التحولات التقنية والهيكلية التي تشهدها الأسواق الحديثة. فبينما يتمتع المستثمرون الأفراد بإمكانية الوصول إلى أدوات تداول متقدمة وتطبيقات استثمارية سهلة الاستخدام، تشير بعض الدراسات والبيانات إلى فجوة متزايدة في الأداء والفرص الفعلية بين الأفراد ونظرائهم من المستثمرين المؤسساتيين. للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام فهل الأسواق بالفعل تُعامل جميع اللاعبين بالحيادية ذاتها؟ أم أن هناك عوامل خفية تُرجّح كفة على أخرى؟ عدالة الأسواق وهم أم واقع؟ نظريًا، تعني عدالة السوق أن جميع المستثمرين يتمتعون بوصول متساوٍ إلى المعلومات، وتُنفّذ الصفقات في بيئة عادلة ومحايدة، وهو ما يتيح توزيع الفرص والمخاطر بشكل عادل. وتعتبر هيئات تنظيمية مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية والهيئة الأوروبية للأوراق والأسواق أن العدالة ركيزة أساسية لنزاهة السوق، ومع ذلك، فإن الواقع العملي غالبًا ما يختلف جذريًا عن هذا النموذج. فعند النظر إلى تفاوت حجم المؤسسات مقابل الأفراد نجد أن المستثمرين المؤسساتيين مثل صناديق التحوّط، وصناديق التقاعد، وصناديق الاستثمار يسيطرون على معظم رؤوس الأموال العالمية. فبحسب بيانات عام 2023، يشكّل المستثمرون المؤسساتيون أكثر من 80% من حجم التداول اليومي في سوق الأسهم الأمريكية، أما في أوروبا، تتجاوز ملكية المؤسسات للأسهم المدرجة نسبة 75%. وتمنح نسب الاستحواذ الضخمة لتلك المؤسسات القدرة على التفاوض للحصول على تكاليف تنفيذ أقل، والوصول إلى الطروحات الخاصة ما قبل الإدراج وصفقات الكتل الكبيرة. كما يمكنها من استخدام تقنيات مثل التداول عالي التردد وغيرها من التقنيات التي توفر لها الحصول على ميزة زمنية من أجزاء من الثانية. في المقابل، يعاني المستثمر الفرد من تحديات عدة من بينها رسوم تداول أعلى، والوصول إلى بيانات متأخرة، وغياب إمكانية الوصول إلى منتجات مالية معقّدة في كثير من الدول. فمثلًا تهدف لائحة "الإفصاح العادل" في الولايات المتحدة إلى منع الإفصاح الانتقائي، إلا أن سرعة الوصول للمعلومة وتفسيرها تظلّ في صالح المؤسسات التي غالبًا لديها القدرة على الاشتراك في خدمات بيانات وتحليلات فورية لا يستطيع الأفراد التمتع بها. ووجدت صحيفة وول ستريت جورنال في 2022 أن الصناديق الكمية قادرة على الاستجابة لنتائج الشركات بعد اعلانها بأجزاء من الثانية أي قبل أن تصل الأخبار إلى الإعلام العام. أما في أوروبا، فبالرغم من تعزيز الشفافية عبر هيئة الأسواق الأوروبية، إلا أن الوسطاء الأصغر يعانون من تكاليف الامتثال، ما أدى لتراجع التغطية البحثية للأسهم الصغيرة التي غالبًا ما يهتم بها المستثمرون الأفراد. فجوة في تنفيذ الأوامر والتداول تُجري المؤسسات غالبًا صفقاتها في منصات تداول مظلمة، وهي أسواق خاصة تسمح بتداول كميات كبيرة دون التأثير على الأسعار. ووفقًا لهيئة تنظيم صناعة التمويل في الولايات المتحدة، تحدث أكثر من 40% من تداولات الأسهم الأمريكية خارج البورصات العامة، بعيدًا عن الرقابة. أما أوامر المستثمرين الأفراد، فلا تنفذ غالبًا مباشرة داخل السوق، بل تُوجَّه إلى شركات متخصصة تُعرف بصُنّاع السوق، مثل شركتي سيتادل سيكيوريتيز وفيرتو فايننشال. هؤلاء لا يعملون كوسطاء فحسب، بل يشترون حق تنفيذ الأوامر من تطبيقات التداول مثل روبنهود، في نظام يُعرف باسم الدفع مقابل تدفق الأوامر. ويُستخدم هذا النموذج لتوفير تداول دون عمولة على المستثمر الفرد، حيث تتحمل شركات مثل "سيتادل" تكلفة التنفيذ، ورغم أن المستثمر لا يدفع عمولة مباشرة، إلا أن هناك شكوكًا حول ما إذا كان يحصل بالفعل على أفضل سعر تنفيذ ممكن. وقد أثار نموذج الدفع مقابل تدفق الأوامر جدلًا واسعًا بعد الأزمة الشهيرة التي شهدتها أسهم شركة جيم ستوب في يناير 2021. حينها، تدافعت جموع المستثمرين الأفراد عبر منتديات مثل ريديت وتطبيقات تداول مثل روبنهود لشراء السهم بشكل جماعي. وأدى هذا إلى ارتفاع السهم بشكل جنوني وغير مبرر بالقيمة الأساسية للشركة، وألحق خسائر فادحة بصناديق تحوط راهنت على هبوط السهم، لكن النقطة الحرجة جاءت عندما قامت روبنهود وعدد من الوسطاء الآخرين بتقييد عمليات الشراء على جيم ستوب وأسهم مشابهة. وفُسّر هذا الإجراء على نطاق واسع كخطوة لحماية المؤسسات الكبرى على حساب المستثمرين الأفراد، وهو ما يعكس أن الأفراد لا يملكون نفس الشفافية أو القدرة على توجيه أوامرهم كما هو الحال مع المؤسسات المالية الكبرى. العوامل السلوكية إحدى أبرز الفجوات بين الأفراد والمؤسسات لا تتعلق بالتكنولوجيا أو رأس المال فقط، بل تمتد إلى السلوكيات والتفاعلات النفسية التي تحكم قرارات الاستثمار. وغالبًا ما يقع المستثمرون الأفراد ضحية لانحيازات معرفية وسلوكية مثل الخوف من فوات الفرصة، أو التفاؤل المفرط أثناء الصعود، والهلع أثناء الهبوط، وغالبًا ما تؤدي هذه الأنماط إلى توقيت سيء في قرارات البيع والشراء. مقارنة العوامل السلوكية بين المستثمرين الأفراد والمؤسسات: وأظهر تقرير لشركة "مورننج ستار" في 2023 أن العائدات الفعلية التي يحققها المستثمرون الأفراد تقل بنحو 1.7% سنويًا عن العائدات التي تحققها الصناديق التي يستثمرون بها بسبب القرارات الخاطئة الخاصة بتوقيت الدخول والخروج. في حين وجدت دراسة من جامعة إم أي تي سلوان أن الأفراد يميلون للمبالغة في رد الفعل تجاه الأخبار السلبية مقارنة بالمؤسسات، ويظهر هذا بشكل أوضح في حالات الانهيارات المفاجئة، حيث يميل الأفراد للبيع العاطفي، بينما تعتمد المؤسسات على نماذج تقييم أكثر ثباتًا. على سبيل المثال، في أزمة كوفيد-19 خلال مارس 2020، سحب المستثمرون الأفراد قرابة 300 مليار دولار من السوق الأمريكي في غضون أسابيع، وتعافي السوق لاحقًا بقوة، بعدما استغلت المؤسسات الانخفاضات لزيادة تعرضها للأسهم المباعة، وحققت مكاسب كبيرة لاحقًا. في المقابل، تمتلك المؤسسات أدوات متقدمة لتحليل السوق، واستراتيجيات تداول تعتمد على الخوارزميات مما يقلل من أثر العاطفة، بالإضافة إلى امتلاكها لفرق متخصصة في إدارة المخاطر، ما يعزز قدرتها على التعامل مع التقلبات بثقة ومنهجية. نحو أسواق أكثر عدالة لا تعني العدالة في الأسواق بالضرورة تحقيق نتائج متساوية للجميع، لكنها تقتضي على الأقل توفير فرص متكافئة من حيث الوصول إلى المعلومات، وتكاليف التداول، وإمكانية المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار الاستثماري. وفي هذا السياق، سعت عدة جهات تنظيمية إلى تقليص الفجوة بين المستثمرين الأفراد والمؤسسات، ففي أوروبا أصدرت هيئة الأوراق والأسواق هناك تشريعات تهدف إلى تعزيز الشفافية وحماية المستثمر. لكن هذه التشريعات قادت بشكل غير مباشر إلى تقلص التحليلات المتعلقة بأسهم الشركات الصغيرة، ما أضعف قدرة المستثمر الفرد على اتخاذ قرارات مدروسة في تداول تلك الأسهم. أما مقترحات إصلاح هيكل السوق الأمريكية لعام 2024 فتسعى إلى تشديد معايير تنفيذ أوامر المستثمرين الأفراد، وتوفير شفافية أكبر بشأن الأسعار، وزيادة المنافسة بين صناع السوق، ولكنها تواجه مقاومة من المؤسسات التي تستفيد من الوضع القائم. وتعكس تلك المقاومة نفوذ قوى الضغط التابعة للشركات الكبرى، نظرًا لقدرتها على التأثير في التشريعات التنظيمية بما يخدم مصالحها، حتى ولو تعارض ذلك مع مبدأ العدالة السوقية. ومن أجل تحقيق نموذج أكثر عدالة، يجب إتاحة الوصول الفوري إلى البيانات لجميع المستثمرين، بما يقلل فجوة المعلومات التي تميز المؤسسات. كما يجب تنظيم أو حظر نظام الدفع مقابل تدفق الأوامر، ومنصات التداول المظلمة التي تفتقر للشفافية وتُستخدم غالبًا من قبل المؤسسات الكبرى، إلى جانب تعزيز الثقافة المالية لدى الأفراد، بما يساعدهم على اتخاذ قرارات مدروسة وتجنّب التحيزات السلوكية. ويبقى التنسيق العالمي أمرًا ضروريًا، إذ أن الأسواق مترابطة بشكل كبير، وأي خلل في منطقة ما قد ينعكس على استقرار النظام المالي العالمي. لا شك أن الأسواق المالية تظل من أقوى أدوات تكوين الثروة في العالم، ولكي تواصل هذا الدور لا بد من توفير بيئة متكافئة للجميع تعمل على سد فجوات الوصول للمعلومات، وتجنب الانحيازات السلوكية، التي تصب في الغالب لصالح كفّة المؤسسات. ولا تتحقق تلك الأهداف فقط عبر لوائح جديدة أو تحسينات تقنية، بل يتطلب الأمر تحولًا حقيقيًا لترسيخ مبادئ الشفافية، وتعزيز المساءلة، وتمكين الأفراد عبر التعليم المالي، ومن دون هذا التغيير الجوهري، ستظل عدالة السوق مجرد شعار بعيد المنال. المصادر: أرقام- هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية- الهيئة الأوروبية للأوراق والأسواق- البنك المركزي الأوروبي- صحيفة وول ستريت جورنال- بلومبرج- هيئة تنظيم صناعة التمويل الأمريكية- موقع شركة مورننج ستار
أرقاممنذ 15 ساعاتأعمالأرقامعدالة الأسواق .. هل هناك فرص متكافئة بين المستثمرين الأفراد والمؤسسات؟غالبًا ما تُوصَف الأسواق المالية بأنها تمتلك أدوات لتحقيق المساواة، ومنصات يمكن لأي شخص، بغض النظر عن خلفيته أو حجم رأسماله، أن يشارك فيها وتتاح أمامه فرص عادلة للنجاح. ورغم رفع أسواق مثل وول ستريت والبورصات الأوروبية لشعارات "تكافؤ الفرص"، تتزايد التساؤلات حول مدى واقعية هذه الفرضية، خصوصًا في ظل التحولات التقنية والهيكلية التي تشهدها الأسواق الحديثة. فبينما يتمتع المستثمرون الأفراد بإمكانية الوصول إلى أدوات تداول متقدمة وتطبيقات استثمارية سهلة الاستخدام، تشير بعض الدراسات والبيانات إلى فجوة متزايدة في الأداء والفرص الفعلية بين الأفراد ونظرائهم من المستثمرين المؤسساتيين. للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام فهل الأسواق بالفعل تُعامل جميع اللاعبين بالحيادية ذاتها؟ أم أن هناك عوامل خفية تُرجّح كفة على أخرى؟ عدالة الأسواق وهم أم واقع؟ نظريًا، تعني عدالة السوق أن جميع المستثمرين يتمتعون بوصول متساوٍ إلى المعلومات، وتُنفّذ الصفقات في بيئة عادلة ومحايدة، وهو ما يتيح توزيع الفرص والمخاطر بشكل عادل. وتعتبر هيئات تنظيمية مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية والهيئة الأوروبية للأوراق والأسواق أن العدالة ركيزة أساسية لنزاهة السوق، ومع ذلك، فإن الواقع العملي غالبًا ما يختلف جذريًا عن هذا النموذج. فعند النظر إلى تفاوت حجم المؤسسات مقابل الأفراد نجد أن المستثمرين المؤسساتيين مثل صناديق التحوّط، وصناديق التقاعد، وصناديق الاستثمار يسيطرون على معظم رؤوس الأموال العالمية. فبحسب بيانات عام 2023، يشكّل المستثمرون المؤسساتيون أكثر من 80% من حجم التداول اليومي في سوق الأسهم الأمريكية، أما في أوروبا، تتجاوز ملكية المؤسسات للأسهم المدرجة نسبة 75%. وتمنح نسب الاستحواذ الضخمة لتلك المؤسسات القدرة على التفاوض للحصول على تكاليف تنفيذ أقل، والوصول إلى الطروحات الخاصة ما قبل الإدراج وصفقات الكتل الكبيرة. كما يمكنها من استخدام تقنيات مثل التداول عالي التردد وغيرها من التقنيات التي توفر لها الحصول على ميزة زمنية من أجزاء من الثانية. في المقابل، يعاني المستثمر الفرد من تحديات عدة من بينها رسوم تداول أعلى، والوصول إلى بيانات متأخرة، وغياب إمكانية الوصول إلى منتجات مالية معقّدة في كثير من الدول. فمثلًا تهدف لائحة "الإفصاح العادل" في الولايات المتحدة إلى منع الإفصاح الانتقائي، إلا أن سرعة الوصول للمعلومة وتفسيرها تظلّ في صالح المؤسسات التي غالبًا لديها القدرة على الاشتراك في خدمات بيانات وتحليلات فورية لا يستطيع الأفراد التمتع بها. ووجدت صحيفة وول ستريت جورنال في 2022 أن الصناديق الكمية قادرة على الاستجابة لنتائج الشركات بعد اعلانها بأجزاء من الثانية أي قبل أن تصل الأخبار إلى الإعلام العام. أما في أوروبا، فبالرغم من تعزيز الشفافية عبر هيئة الأسواق الأوروبية، إلا أن الوسطاء الأصغر يعانون من تكاليف الامتثال، ما أدى لتراجع التغطية البحثية للأسهم الصغيرة التي غالبًا ما يهتم بها المستثمرون الأفراد. فجوة في تنفيذ الأوامر والتداول تُجري المؤسسات غالبًا صفقاتها في منصات تداول مظلمة، وهي أسواق خاصة تسمح بتداول كميات كبيرة دون التأثير على الأسعار. ووفقًا لهيئة تنظيم صناعة التمويل في الولايات المتحدة، تحدث أكثر من 40% من تداولات الأسهم الأمريكية خارج البورصات العامة، بعيدًا عن الرقابة. أما أوامر المستثمرين الأفراد، فلا تنفذ غالبًا مباشرة داخل السوق، بل تُوجَّه إلى شركات متخصصة تُعرف بصُنّاع السوق، مثل شركتي سيتادل سيكيوريتيز وفيرتو فايننشال. هؤلاء لا يعملون كوسطاء فحسب، بل يشترون حق تنفيذ الأوامر من تطبيقات التداول مثل روبنهود، في نظام يُعرف باسم الدفع مقابل تدفق الأوامر. ويُستخدم هذا النموذج لتوفير تداول دون عمولة على المستثمر الفرد، حيث تتحمل شركات مثل "سيتادل" تكلفة التنفيذ، ورغم أن المستثمر لا يدفع عمولة مباشرة، إلا أن هناك شكوكًا حول ما إذا كان يحصل بالفعل على أفضل سعر تنفيذ ممكن. وقد أثار نموذج الدفع مقابل تدفق الأوامر جدلًا واسعًا بعد الأزمة الشهيرة التي شهدتها أسهم شركة جيم ستوب في يناير 2021. حينها، تدافعت جموع المستثمرين الأفراد عبر منتديات مثل ريديت وتطبيقات تداول مثل روبنهود لشراء السهم بشكل جماعي. وأدى هذا إلى ارتفاع السهم بشكل جنوني وغير مبرر بالقيمة الأساسية للشركة، وألحق خسائر فادحة بصناديق تحوط راهنت على هبوط السهم، لكن النقطة الحرجة جاءت عندما قامت روبنهود وعدد من الوسطاء الآخرين بتقييد عمليات الشراء على جيم ستوب وأسهم مشابهة. وفُسّر هذا الإجراء على نطاق واسع كخطوة لحماية المؤسسات الكبرى على حساب المستثمرين الأفراد، وهو ما يعكس أن الأفراد لا يملكون نفس الشفافية أو القدرة على توجيه أوامرهم كما هو الحال مع المؤسسات المالية الكبرى. العوامل السلوكية إحدى أبرز الفجوات بين الأفراد والمؤسسات لا تتعلق بالتكنولوجيا أو رأس المال فقط، بل تمتد إلى السلوكيات والتفاعلات النفسية التي تحكم قرارات الاستثمار. وغالبًا ما يقع المستثمرون الأفراد ضحية لانحيازات معرفية وسلوكية مثل الخوف من فوات الفرصة، أو التفاؤل المفرط أثناء الصعود، والهلع أثناء الهبوط، وغالبًا ما تؤدي هذه الأنماط إلى توقيت سيء في قرارات البيع والشراء. مقارنة العوامل السلوكية بين المستثمرين الأفراد والمؤسسات: وأظهر تقرير لشركة "مورننج ستار" في 2023 أن العائدات الفعلية التي يحققها المستثمرون الأفراد تقل بنحو 1.7% سنويًا عن العائدات التي تحققها الصناديق التي يستثمرون بها بسبب القرارات الخاطئة الخاصة بتوقيت الدخول والخروج. في حين وجدت دراسة من جامعة إم أي تي سلوان أن الأفراد يميلون للمبالغة في رد الفعل تجاه الأخبار السلبية مقارنة بالمؤسسات، ويظهر هذا بشكل أوضح في حالات الانهيارات المفاجئة، حيث يميل الأفراد للبيع العاطفي، بينما تعتمد المؤسسات على نماذج تقييم أكثر ثباتًا. على سبيل المثال، في أزمة كوفيد-19 خلال مارس 2020، سحب المستثمرون الأفراد قرابة 300 مليار دولار من السوق الأمريكي في غضون أسابيع، وتعافي السوق لاحقًا بقوة، بعدما استغلت المؤسسات الانخفاضات لزيادة تعرضها للأسهم المباعة، وحققت مكاسب كبيرة لاحقًا. في المقابل، تمتلك المؤسسات أدوات متقدمة لتحليل السوق، واستراتيجيات تداول تعتمد على الخوارزميات مما يقلل من أثر العاطفة، بالإضافة إلى امتلاكها لفرق متخصصة في إدارة المخاطر، ما يعزز قدرتها على التعامل مع التقلبات بثقة ومنهجية. نحو أسواق أكثر عدالة لا تعني العدالة في الأسواق بالضرورة تحقيق نتائج متساوية للجميع، لكنها تقتضي على الأقل توفير فرص متكافئة من حيث الوصول إلى المعلومات، وتكاليف التداول، وإمكانية المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار الاستثماري. وفي هذا السياق، سعت عدة جهات تنظيمية إلى تقليص الفجوة بين المستثمرين الأفراد والمؤسسات، ففي أوروبا أصدرت هيئة الأوراق والأسواق هناك تشريعات تهدف إلى تعزيز الشفافية وحماية المستثمر. لكن هذه التشريعات قادت بشكل غير مباشر إلى تقلص التحليلات المتعلقة بأسهم الشركات الصغيرة، ما أضعف قدرة المستثمر الفرد على اتخاذ قرارات مدروسة في تداول تلك الأسهم. أما مقترحات إصلاح هيكل السوق الأمريكية لعام 2024 فتسعى إلى تشديد معايير تنفيذ أوامر المستثمرين الأفراد، وتوفير شفافية أكبر بشأن الأسعار، وزيادة المنافسة بين صناع السوق، ولكنها تواجه مقاومة من المؤسسات التي تستفيد من الوضع القائم. وتعكس تلك المقاومة نفوذ قوى الضغط التابعة للشركات الكبرى، نظرًا لقدرتها على التأثير في التشريعات التنظيمية بما يخدم مصالحها، حتى ولو تعارض ذلك مع مبدأ العدالة السوقية. ومن أجل تحقيق نموذج أكثر عدالة، يجب إتاحة الوصول الفوري إلى البيانات لجميع المستثمرين، بما يقلل فجوة المعلومات التي تميز المؤسسات. كما يجب تنظيم أو حظر نظام الدفع مقابل تدفق الأوامر، ومنصات التداول المظلمة التي تفتقر للشفافية وتُستخدم غالبًا من قبل المؤسسات الكبرى، إلى جانب تعزيز الثقافة المالية لدى الأفراد، بما يساعدهم على اتخاذ قرارات مدروسة وتجنّب التحيزات السلوكية. ويبقى التنسيق العالمي أمرًا ضروريًا، إذ أن الأسواق مترابطة بشكل كبير، وأي خلل في منطقة ما قد ينعكس على استقرار النظام المالي العالمي. لا شك أن الأسواق المالية تظل من أقوى أدوات تكوين الثروة في العالم، ولكي تواصل هذا الدور لا بد من توفير بيئة متكافئة للجميع تعمل على سد فجوات الوصول للمعلومات، وتجنب الانحيازات السلوكية، التي تصب في الغالب لصالح كفّة المؤسسات. ولا تتحقق تلك الأهداف فقط عبر لوائح جديدة أو تحسينات تقنية، بل يتطلب الأمر تحولًا حقيقيًا لترسيخ مبادئ الشفافية، وتعزيز المساءلة، وتمكين الأفراد عبر التعليم المالي، ومن دون هذا التغيير الجوهري، ستظل عدالة السوق مجرد شعار بعيد المنال. المصادر: أرقام- هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية- الهيئة الأوروبية للأوراق والأسواق- البنك المركزي الأوروبي- صحيفة وول ستريت جورنال- بلومبرج- هيئة تنظيم صناعة التمويل الأمريكية- موقع شركة مورننج ستار