#أحدث الأخبار مع #عدنان_الشيخ_عثمانصحيفة الخليج٠٥-٠٦-٢٠٢٥نمط الحياةصحيفة الخليجالثلث الجلي..الحرف يطمئن النفسالشارقة: رضا السميحيين برز العديد من الخطاطين العرب والمسلمين في استخدام خط «الثلث الجلي»، الذي يعد من أبرز الأقلام الستة المستخدمة في الكتابة وصناعة الأشكال الحروفية الجمالية ذات المعاني السامية، والثلث الجلي لا يقتصر على كونه وسيلة للكتابة، بل يتجاوز هذا الدور الوظيفي ليفتح أمام المشاهد أبواباً لعوالم روحانية مليئة بالدهشة والألق البصري والبهاء والصفاء الروحي. يعتبر الخطاط عدنان الشيخ عثمان، أحد الوجوه البارزة في الخط العربي المعاصر، مقدماً في لوحاته عرضاً مميزاً للبراعة التقنية، التي تنم عن موهبة وإلمام بقواعد وأسس الخط العربي، وأتقن ممارسة هذا الفن الأصيل إلى أن اختط لنفسه أسلوباً مبتكراً له مكانته في فضاء «القصبة» والحبر. في اللوحة التي أبدعتها أنامل عثمان، والتي خط فيها الآية القرآنية: {ورحمتي وسعت كل شيء} - سورة الأعراف:156، يرى المتأمل فيها الرحمة بإحساس روحاني عميق، يتسلل من حروف ذات تكوين جمالي متدرج ومتزن، واسع الآفاق تماماً كما تشير إلى ذلك معاني الآية الكريمة، ينطق فيها الحرف لتطمئن النفس، جاعلاً من «الثلث» مدارج لرؤية كونية تكتفي بصرياً. *تكوين تعتمد اللوحة على خط «الثلث الجلي» أساساً لتكويناتها الكبرى، وهو الخط الأكثر هيبة وحضوراً في تراث الخط العربي، ويعد اختباراً حقيقياً لمهارة الخطاط، لكن ما يميز هذه اللوحة ليس فقط نوع الخط، بل طريقة توزيع الكتلة الحروفية والفراغ، إذ جاءت الكلمة الأساسية «ورحمتي وسعت» مكتوبة بخط الثلث الجلي، بأحجام متدرجة تنحني وتتمدد بانسيابية كأنها تتنفس، بينما نفذت كلمة «كل شيء» بخط ثلث دقيق بلون أزرق، داخل دائرة صغيرة صنعت من استطالة واستدارة فنية لحرف«التاء» في كلمة «وسعت»، في تركيب جاء فيه الحرف ضخماً، والألوان هادئة من دون أن تكون باهتة، والتكوين واسعاً من دون أن يضيع فيه المعنى، في مشهد بصري يفيض بتجليات إيمانية تدور في فلك المعنى القرآني. استند الخطاط إلى التوازن بين الكتلة والفراغ في التكوين العام، وقد نجح في بنائه على أساس هرمي بصري يبدأ من القاعدة كلمة «ورحمتي»، ويمتد صعودًا بانسياب محسوب نحو كلمة «وسعت»، ثم يدور في قوس عريض ليحتضن في الأعلى الدائرة التي كُتبت فيها عبارة «كل شيء»، ليحقق بهذا القوس ذروة تنفيذية تشير إلى براعة هندسية بالغة، إذ يتطلب رسمه اتزاناً دقيقاً في قياس الزاوية، وانسياباً ناعماً للمداد دون انقطاع في السماكة أو الانحراف، ليكسب العين راحة بصرية، كما يوحي بأن المعنى «الرحمة» يتمدد ويتسع تدريجياً ليشمل «كل شيء»، في توافق رمزي مع المعنى القرآني نفسه. تباين اعتمد الخطاط عثمان على تباين لوني هادئ بين اللونين الأسود الصارم والأزرق السماوي، اللون الأسود يمنح الحروف ثقلها الجمالي، وجلال حضورها، بينما قدم اللون الأزرق المستخدم في كتابة «كل شيء»، إشارة رمزية من وحي الثقافة الإسلامية، والذي غالباً ما يرتبط بالسماء والروحانية والسكينة، حيث يتجلّى الاتزان بين التكوين الجمالي العام والمعنى القرآني، ويبرز من خلالها الخطاط مقدرته على إحياء الحرف العربي وتفعيله في سياق معاصر دون أن يفقد قدسيته أو تراثه. استخدام التنقيط الأحمر أسفل الدائرة كان له تفصيل تشكيلي لافت، يربط بين الكتلتين اللغويتين من خلال الإيقاع اللوني، ويكسر صمت المساحة الباهتة في الجهة اليسرى من اللوحة، هذا التباين اللوني الدقيق أضفى على اللوحة إيقاعاً داخلياً مدهشاً، تتحول فيه الحروف إلى أصوات بين الجهر والهمس، وبين الحضور المكثف للكلمة وثنايا معناها، كل حرف يؤدي وظيفته الشكلية والمعنوية، حيث الجمال لا ينفصل عن الوظيفة، ليتحقق التأويل البصري للكلمة بكل لطف ودقة. ولد الخطاط عدنان الشيخ عثمان عام 1959، شارك في مسابقات الخط العربي التي أقامها مركز اﻷبحاث للتاريخ والثقافة اﻹسلامية (إرسيكا) منذ عام 1987 وحتى عام 2004، والملتقى الأول للخطاطين العرب في بيروت عام 2000، وملتقى الجزائر الدولي للخط العربي عام 2009، وأحرز في مجموعها 13 جائزة دولية في مختلف أنواع الخط، وهو أستاذ فن الخط العربي في جامعة دمشق كلية الفنون الجميلة (سابقاً)، ومحكم في المسابقات الدولية لفن الخط العربي التي أقيمت في الجزائر والعراق وماليزيا وإيران وسلطنة عمان، وألقى العديد من المحاضرات العلمية في فن الخط العربي في عدد من الدول العربية والإسلامية، وله بحوث عن رحلة القلم بين المحاكاة والابتكار.
صحيفة الخليج٠٥-٠٦-٢٠٢٥نمط الحياةصحيفة الخليجالثلث الجلي..الحرف يطمئن النفسالشارقة: رضا السميحيين برز العديد من الخطاطين العرب والمسلمين في استخدام خط «الثلث الجلي»، الذي يعد من أبرز الأقلام الستة المستخدمة في الكتابة وصناعة الأشكال الحروفية الجمالية ذات المعاني السامية، والثلث الجلي لا يقتصر على كونه وسيلة للكتابة، بل يتجاوز هذا الدور الوظيفي ليفتح أمام المشاهد أبواباً لعوالم روحانية مليئة بالدهشة والألق البصري والبهاء والصفاء الروحي. يعتبر الخطاط عدنان الشيخ عثمان، أحد الوجوه البارزة في الخط العربي المعاصر، مقدماً في لوحاته عرضاً مميزاً للبراعة التقنية، التي تنم عن موهبة وإلمام بقواعد وأسس الخط العربي، وأتقن ممارسة هذا الفن الأصيل إلى أن اختط لنفسه أسلوباً مبتكراً له مكانته في فضاء «القصبة» والحبر. في اللوحة التي أبدعتها أنامل عثمان، والتي خط فيها الآية القرآنية: {ورحمتي وسعت كل شيء} - سورة الأعراف:156، يرى المتأمل فيها الرحمة بإحساس روحاني عميق، يتسلل من حروف ذات تكوين جمالي متدرج ومتزن، واسع الآفاق تماماً كما تشير إلى ذلك معاني الآية الكريمة، ينطق فيها الحرف لتطمئن النفس، جاعلاً من «الثلث» مدارج لرؤية كونية تكتفي بصرياً. *تكوين تعتمد اللوحة على خط «الثلث الجلي» أساساً لتكويناتها الكبرى، وهو الخط الأكثر هيبة وحضوراً في تراث الخط العربي، ويعد اختباراً حقيقياً لمهارة الخطاط، لكن ما يميز هذه اللوحة ليس فقط نوع الخط، بل طريقة توزيع الكتلة الحروفية والفراغ، إذ جاءت الكلمة الأساسية «ورحمتي وسعت» مكتوبة بخط الثلث الجلي، بأحجام متدرجة تنحني وتتمدد بانسيابية كأنها تتنفس، بينما نفذت كلمة «كل شيء» بخط ثلث دقيق بلون أزرق، داخل دائرة صغيرة صنعت من استطالة واستدارة فنية لحرف«التاء» في كلمة «وسعت»، في تركيب جاء فيه الحرف ضخماً، والألوان هادئة من دون أن تكون باهتة، والتكوين واسعاً من دون أن يضيع فيه المعنى، في مشهد بصري يفيض بتجليات إيمانية تدور في فلك المعنى القرآني. استند الخطاط إلى التوازن بين الكتلة والفراغ في التكوين العام، وقد نجح في بنائه على أساس هرمي بصري يبدأ من القاعدة كلمة «ورحمتي»، ويمتد صعودًا بانسياب محسوب نحو كلمة «وسعت»، ثم يدور في قوس عريض ليحتضن في الأعلى الدائرة التي كُتبت فيها عبارة «كل شيء»، ليحقق بهذا القوس ذروة تنفيذية تشير إلى براعة هندسية بالغة، إذ يتطلب رسمه اتزاناً دقيقاً في قياس الزاوية، وانسياباً ناعماً للمداد دون انقطاع في السماكة أو الانحراف، ليكسب العين راحة بصرية، كما يوحي بأن المعنى «الرحمة» يتمدد ويتسع تدريجياً ليشمل «كل شيء»، في توافق رمزي مع المعنى القرآني نفسه. تباين اعتمد الخطاط عثمان على تباين لوني هادئ بين اللونين الأسود الصارم والأزرق السماوي، اللون الأسود يمنح الحروف ثقلها الجمالي، وجلال حضورها، بينما قدم اللون الأزرق المستخدم في كتابة «كل شيء»، إشارة رمزية من وحي الثقافة الإسلامية، والذي غالباً ما يرتبط بالسماء والروحانية والسكينة، حيث يتجلّى الاتزان بين التكوين الجمالي العام والمعنى القرآني، ويبرز من خلالها الخطاط مقدرته على إحياء الحرف العربي وتفعيله في سياق معاصر دون أن يفقد قدسيته أو تراثه. استخدام التنقيط الأحمر أسفل الدائرة كان له تفصيل تشكيلي لافت، يربط بين الكتلتين اللغويتين من خلال الإيقاع اللوني، ويكسر صمت المساحة الباهتة في الجهة اليسرى من اللوحة، هذا التباين اللوني الدقيق أضفى على اللوحة إيقاعاً داخلياً مدهشاً، تتحول فيه الحروف إلى أصوات بين الجهر والهمس، وبين الحضور المكثف للكلمة وثنايا معناها، كل حرف يؤدي وظيفته الشكلية والمعنوية، حيث الجمال لا ينفصل عن الوظيفة، ليتحقق التأويل البصري للكلمة بكل لطف ودقة. ولد الخطاط عدنان الشيخ عثمان عام 1959، شارك في مسابقات الخط العربي التي أقامها مركز اﻷبحاث للتاريخ والثقافة اﻹسلامية (إرسيكا) منذ عام 1987 وحتى عام 2004، والملتقى الأول للخطاطين العرب في بيروت عام 2000، وملتقى الجزائر الدولي للخط العربي عام 2009، وأحرز في مجموعها 13 جائزة دولية في مختلف أنواع الخط، وهو أستاذ فن الخط العربي في جامعة دمشق كلية الفنون الجميلة (سابقاً)، ومحكم في المسابقات الدولية لفن الخط العربي التي أقيمت في الجزائر والعراق وماليزيا وإيران وسلطنة عمان، وألقى العديد من المحاضرات العلمية في فن الخط العربي في عدد من الدول العربية والإسلامية، وله بحوث عن رحلة القلم بين المحاكاة والابتكار.