منذ 10 ساعات
بين الاعتراض على الفتوى وحرية الرأي!
عليك يا عزيزى الخضوع للجهات الرسمية المنوط بها الفتوى الشرعية الخاصة فى دولتنا المدنية!!، دون غيرها، ولا تستفت قلبك، وقد حددها القانون بهيئة كبار العلماء بالأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية، ومركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية، ودار الإفتاء المصرية، واللجان المشتركة، وأئمة وزارة الأوقاف الذين تتوافر فيهم مجموعة شروط نوجزها: ألا تقل السن عن ثلاثين عامًا، خريج إحدى الكليات الشرعية بجامعة الأزهر، وألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة تأديبية، وأن يكون محمود السيرة والسمعة، معروفًا بالورع والتقوى، له إنتاج علمى منشور فى أحد المذاهب الفقهية.
وعليك يا صديقى أن تظن أن هذا القانون قد أعد لتوسيع مساحة جهة رسمية معينة، وإطلاق يدها لفرض سيطرتها الدينية على خلق الله أكثر مما تمارسه فى الدعوة والوعظ والإرشاد، ولا يتفق مع مهامها التى أقيمت من أجلها، وعليك أيضاً حين تفتح عينيك فى الصباح أن تتابع المواقع وشبابيك الفتوى وصغار الشيوخ لتختار لون يومك ومسائك وأكلك وشرابك.وما أثار حفيظتى ومخاوفى هو المادة التى حددت العقوبة الواجبة على كل من يخالف المادتين (الرابعة والعاشرة) وهى:(والعقوبة على من يمارس الفتوى من غير هؤلاء هى الحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد على مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفى حالة العودة تضاعف العقوبة.والمادة (الرابعة) يحدد المشرع فيها الجهات المنوط بها الفتوى وذكرتها سابقًا.والمادة (10) هى على أن تلتزم المؤسسات والوسائل الصحفية والإعلامية والمواقع الإلكترونية وتطبيقات التواصل الاجتماعى عند نشر الفتاوى الشرعية بأن تكون صادرة عن المختصين وفقا لهذا القانون، وكذلك عند استضافة أشخاص للإفتاء الشرعى.وتعال معى إلى مخاوفى: إذا كانت الفتوى (رأى) يمكن الأخذ به من عدمه، فماذا مثلًا عن فتوى قتل المرتد أو تارك الصلاة (وهما ثابتتان راسختان فى كل مدارس الفتوى)، ولن يخرج أحد من اللجان المذكورة عنهما أو يخالفهما وإلا فقد خرج عن الإجماع، وأنكر معلومًا من الدين بالضرورة، وخرجت أنا أو غيرى من الكتَّاب على السوشيال ميديا أو فى مقال لإحدى الصحف أو تصريح لإحدى الفضائيات نواجهها بالرفض والإنكار، بل ونستنكرها ونعتبرها مخالفة للقانون ولحرية الرأى والعقيدة، وليست من القرآن والإسلام فى شىء، فهل يعتبرون هذا حرية رأى أو فتوى سلبية مخالفة للقانون؟، وماذا عن بعض الأساتذة والمشايخ المؤهلين للفتوى ومستبعدون عنها وفقا لذات القانون (قصدا)، وفى حالة الرفض أو الخلاف هل يعتبرون رأيهم حرية خاصة؟، أو فتوى مناهضة للفتوى الرسمية ويستحقون العقوبة؟، ثم ماذا لو اتفقت فتوى هؤلاء المستبعدين مع فتاوى هذه الجهات المعتمدة الرسمية، هل يقع تحت طائلة القانون لتعديه على أصحاب الحقالأصيل فى الفتوى وفقًا لنص القانون؟والشىء بالشىء يذكر، فإن قانون ازدراء الأديان، الصادر عام 1982، كان المقصود منه مواجهة الجماعات الإرهابية والمتطرفين الذين وجّهوا سهامهم وسيوفهم إلى المسيحيين وكنائسهم إثر الأحداث التى صاحبت الفتنة الطائفية فى الزاوية الحمراء وما تلاها من كوارث جسام، إلا أنها لم توجه مرة واحدة لمتطرف منهم، أو للمشايخ الذين حرضوا على الفتنة، بل وجهت سهامها إلى الطرف المظلوم والمثقفين والتنويريين وأصحاب الرأى، وحبس منهم من حبس حتى طال الحبس أطفالًا صغارًا عن فيديو مدته ثلاثون ثانية، ردًا على قتل أشقائهم فى ليبيا، ولست بمطمئن إلى تعريف الازدراء فى هذا القانون المطاط والمعيب، والذى يطول المثقفين أكثر مما طال المتطرفين، بل كان رحيمًا بهم وشديدًا أشد ما تكون الشدة على أصحاب الرأى والفكر، وعهدى أننا حين نشرع القانون غالبًا يفلت منه السائب ويصاب به المربوط. أما وجه الشبه فربما نعتبر حرية الرأى ورفض واستنكار الفتوى مخالفة قانونية، وكذلك نكيد لمن هم أهل للفتوى من الأساتذة والمشايخ المؤهلين وغير مصرح لهم، ونمسك بتلابيبهم ونسيب السايب.. ثم هل نحن فى حاجة إلى كل هذه السلطات والولايات والجهات للفتوى؟، وماذا عن سيل الفتاوى التى تطفح بها القنوات الخاصة والمنابر، هل تستطيع جهة ما وقف سيل هذه الفتاوى؟، وهل استطاعت الجهات المسؤولة على مدى السنوات السابقة منع خطباء الجمعة غير المرخص لهم بالخطابة من صعودهم المنابر؟، وهل تستطيع منع فتاوى التحريض والعنصرية والاستعلاء على الغير ومحاربته، وهى فتاوى متفق ومجمع عليها ولا ينكرها أحدهم؟، ثم ماذا لو دفع أحدهم بأن التكاليف الإلهية منوط بها عموم المسلمين وليست لخاصتهم، فإذا كانت (الفتوى) أن من حق آحاد الناس أن يقيم حدود الله إذا امتنع الحاكم عن تنفيذها، فكيف نجرم من أفتى ولا نجرم من قتل؟، ثم ماذا لو تقدم هذا المخالف بفتاواه المتطرفة وللأسف متفق ومجمع عليها، هل خالف معلومًا من الدين بالضرورة أو خالف القانون، ومن ينسخ ويلغى منهما الآخر؟، ارفعوا هذه السيوف عن رقابنا أثابكم الله، وعفا عنكم، ووقانا شرور قوم لا يعلمون.(الدولة المدنية هى الحل)