logo
#

أحدث الأخبار مع #علمالسيميوطقيا

فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى
فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى

أخبار اليوم المصرية

time٢١-٠٢-٢٠٢٥

  • علوم
  • أخبار اليوم المصرية

فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى

من المعلوم لدى قارئ النظرية الأدبيّة أن أُسس علم السيميوطقيا وضعها فى أوائل القرن الماضى عالمان أحدهما أمريكى والآخر سويسري؛ الأول هو تشارلس سوندرز بيرس (1839 - 1914)، فيلسوف ومنطقي، وأما الثانى فهو فرينادند دى سوسير (1857 - 1913)، مؤسس علم اللغة الحديث، على الرغم من اختلاف مفهوم الرجلين للعلامة التى أقاما عليها السيميوطقيا اختلافًا غير هينٍ كما يقول شكرى عيّاد، حيث يركّز سوسير على الوظيفة الاجتماعيّة للعلامة، فى حين يركز بيرس على الوظيفة المنطقية لها. وبصفة عامة يقصد بعلم السيميوطقيا «العلم الذى يَدْرُس حياة العلامات فى قلب الحياة الاجتماعية». أوّل تردد لمصطلح السيميوطقيا كان مع دى سوسير فى مخطوطة كتبها عام 1894 بعنوان «مقرر فى الألسنية العامة» وقد نُشرت بعد وفاته عام 1916، وجاء فيها: « من الممكن ... ابتكار علم يدرس دور الإشارات كجزء من الحياة الاجتماعية، ويكون جزءًا من علم النفس الاجتماعي، وبذلك من علم النفس العام، ونرى تسميته السيميولوجيا (من الكلمة اليونانية Sémeîon، أى إشارة)، وهو يدرس طبيعة الإشارات والقوانين التى تحكمها، وبما أن هذا العلم لا يوجد بعد، لا يمكن الجزم بأنه سيوجد. لكن يجوز له أن يوجد. يوجد له سلفًا مكان. وما الألسنية إلا فرع من فروع هذا العلم العام، وتكون القوانين التى تكتشفها السيميولوجيا قوانين تطبّق فى الألسنية، فيكون بذلك للألسنية مكانها المحدّد، والواضح فى حقل المعرفة البشرية». وقد عرَف التلقى العربى هذا العلم مع ترجمة كتاب رولان بارت «مبادئ فى علم الأدلة» (1964)، الذى ترجمه محمد البكرى وصدر عام 1986 عن دار قرطبة للنشر بالمغرب، ثم توالت الترجمات التى قدمت كتابات أعلامه إلى القرّاء فى العالم العربيّ، وإن تقاطعت مع هذه الترجمات محاولات لردّ مدلولات هذا العلم إلى السياق العربي، على نحو ما سعت الدكتورة فريال جبورى غزول بتأكيدها أن العلامة وجانبيها الدال والدلول مبنية على ما قاله الرواقيون (ترجع بداياتهم إلى القرن الثالث قبل الميلاد)، وتارة ثانية حينما أشارت إلى أن ثمة تعريفات بالعلامة لدى المفكر الجزائرى (أوغسطين) ضمن أبحاثه فى التأويل. وبالمثل محاولة الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى تلمّس مفهوم العلامة فى التراث العربي. حضور هذا العلم فى مدونة النقد العربى بالمفهوم الغربي، يعود إلى الترجمات العربية لأعلام هذا العلم عن الفرنسيّة والإنجليزيّة، وهذه الترجمات تعود - فى أقرب تقدير - إلى الربع الأخير من القرن الماضي، وهى بجهود كُتّاب مغاربة على نحو محمد البكرى الذى ترجم «مبادئ علم الأدلة» لرولان بارت عام 1986، وعبد السلام بنعبد العالى الذى ترجم لرولان بارت «درس السيميولوجيا» عام 1986 وآخرين استكملوا ترجمة كتابات الكثير من أعلام هذا العلم. لكن الحقيقة أن حضور هذا العلم فى مدونة الثقافة العربيّة أقدم بكثير من ترجمات المغاربة، وأيضًا أقدم من كتابات رولان بارت (مبادئ علم الأدلة) الذى صدر عام 1964، و(درس السيميولوجيا) الذى صدر عام 1978، فإرهاصات التلقيّ العربيّ لهذا العلم تعود إلى تاريخ سابق لهذه التواريخ بكثير، حيث نشرت مجلة الكاتب المصرى التى كان يرأس تحريرها الدكتور طه حسين، فى عددها الصّادر فى مايو 1948 مقالاً لسلامة موسى بعنوان «السيمائيّة: المنطق اللغوى الجديد»، شغلت المقالة ثمانى صفحات من المجلة. بالتأكيد لم يُقدّم سلامة موسى مبادئ العلم كما حضرت لاحقًا فى مقدمات الكتب المترجمة، أو فى السفر الذى أشرفت عليه سيزا قاسم بالاشتراك مع نصر حامد أبو زيد بعنوان «مدخل إلى السيميوطقيا: أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة»(1986) والذى كان بمثابة دليلاً شاملاً للفمهوم ومظاهر السيميوطقيا فى مختلف آفاق التراث البشري، وإنما اكتفى بالإشارة إلى رائده، حيث ينسبه إلى اللغوى الفرنسى «ميشيل بريال» (183 - 1915) الذى يرى أنه أوّل مَن تنبّه للعلم، فى إشارة إلى بحثه «مقالة فى السيمانتيك» عام 1897، ومن ثمّ يكون أسبق من دى سوسير الذى نُشرت مقالته بعد وفاته عام 1916. يبدأ سلامة موسى مقالته بالإشارة إلى عملية التداخل بين اللغات، ويضرب مثالاً بوجود مئات الكلمات الإغريقية التى وجدت طريقها إلى اللغة العربيّة، لدرجة عدم تبيّن أصلها الإنجليزي، ويرجع السبب فى هذا إلى الزباء ملكة تدمر باعتبارها الأصل «لهذا التغلغل الإغريقى فى لغتنا؛ لأنها كانت دولة عربيّة إغريقية». وبهذا المدخل الذى يُبرّر فيه تواجد بعض الكلمات الأجنبيّة فى اللغة العربيّة، يدلف إلى كلمتى سيما / أو سيماء، والسيمافور، ويقول إنهما «كلمتان إحداهما تلبس اللباس العربى الصميم، حتى لنقول عليه سيما الوقار وكأننا ننطق كلامًا عربيًا فصيحًا»، أما الثانية فهى «تلبس اللباس الأجنبى الصريح فنقول السيمافور للنصب العالى الذى ينتهى بعلامة للقطرات (كذا) على السكك الحديدية، والمعنى هو حامل العلامة». وبعد هذا يعرض لهذا العلم بقوله «لقد ظهر علم جديد فى أوروبا يسمى السيمائية أى علم العلامات» ويعرفه بأنه: «علم الكلمات للمعانى من حيث دقة مدلولها المنطقى أو الاجتماعي، أو من حيث تطوّر المعنى، وما يعتور كل هذا من اضطراب المعنى أو سداده». وينسب الفضل فى هذا العلم إلى العالم اللغوى الفرنسى ميشيل بريال الذى يعده «أول مَن تنبه إلى هذا الموضوع وألف فيه قبل نهاية القرن التاسع عشر، وهو الذى اشتق الاسم». ويرى سلامة بعد ضرب أمثلة مهمة على أهمية الأخذ فى الاعتبار إلى السّياق الاجتماعيّ الذى نشأت فيه اللغات، حيث تفقد بعض الكلمات دلالتها مع اختلاف السّياق الاجتماعيّ والزمنيّ الذى نشأت فيه، أن هدف هذا العلم الجديد هو «أن نقف على أخطاء التفكير التى تبعثها أخطاء التعبير باستعمال كلمات فقدت مناخها الاجتماعيّ الذى نشأت فيه، أو باستعمال كلمات سيئة تبعث على الجريمة، أو باستعمال كلمات ذاتيّة تضطرب بها المعاني». ومن ثمّ، يكون «السيماء هو العلامات، والسيمافور هو حامل العلامة الذى يوجه القطرات (كذا) بالإشارات والإيماءات». أهمية السياق / أو المناخ الذى ولدت فيه الكلمة، كى نتجنّب حدوث التباسات واضطرابات لُغوية لا تؤدّى إلى الفهم الصحيح، ويضرب أمثلة كثيرة لتأكيد هذا، فيقول هذا ما يحدث عند قراءة كتاب قديم فى اللغة العربية مضى على تأليفه ألف سنة، فالمؤلف قد يستحسن نكتة أدبيّة، فى حين نحن لا نرى مغزاها لأننا بعد ألف سنة قد فقدنا الجو الأدبى الذى كان يحيط بهذه النكتة. والأمر نفسه نجده عند قراءة كلمات فلسفية أو غيبية يشق فهمها، لذا - كما يرى - كانت الصعوبة فى قراءة ابن رشد أو الفارابي، لأن كليهما «يعالج مشكلات كانت تتصل بمجتمعيهما، وقد زال هذا المجتمع فى أغلبه، ففقدنا نحن أواصر الصلة بيننا وبين معانيه. ويستكمل أن كثيرًا من صعوبات الفهم والتفاهم ليس ذهنيًّا، وإنما هو لغوي، فكل كلمة تحمل معنى، وهذا المعنى هو بمثابة العادة الذهنيّة التى تلابسنا طوال حياتنا ما دام هذا المعنى قائمًا، وإن زال المجتمع الذى أحدث هذا المعنى، واستعمل كلمته، لكن العادة الذهنيّة تبقى وكأنها عاطفة لها قوة لتحريك الفرد أو المجتمع إما للخير وإما للشر، بل تبقى الكلمة وتحيا حياة ضعيفة برواسب قديمة من معناها السابق. ويعوّل كثيرًا على أهمية الكلمة فيقول: «إن الكلمات قد تزيد الذكاء أو تنقصه، أو بتعبير أصحّ نقول إنها قد تحدّ الذكاء أو تبلّده، وهي، أى الكلمات، قد تكون سببًا للجريمة أو سببًا للمرض». ومثلما هناك كلمات تثير العقل الراكد وتنبّه الذكاء الخامد، مثل كلمات المروءة، والشرف، والمجد، والاستقامة، والحق، والعدل، هناك أيضًا كلمات تبعث على الجريمة، كما نجد فى كلمات: عرض ودم وثأر عند القرويين والبدو فى جرجا وقنا، فإن هذه الكلمات على حد قوله «تثير فى الصبيان قبل الشبان خيال الجريمة، ثم عاطفة الجريمة». وينتهى إلى القول إن «اللغات تتفاضل بمقدار اعتمادها على كلمات موضوعية دقيقة أو كلمات ذاتية مضطربة»، ويستدل بواطسون داعية السيكولوجية السلوكية بأن يقاطع هذه الكلمات: «عقل، نفس، غزيرة، وجدان، كامنة « لأنه يجد أنها كلمات ذاتية، وهو يحاول أن ينتقل منها إلى كلمات موضوعية تؤدى بالأرقام على قدر الإمكان. فالأرقام هى التى تنقلنا من الذاتية إلى الموضوعية، ومن ثمّ هى لغة العلم، أى اللغة الدقيقة التى يحتاج إليها العلم. وعنده السيمائية التطبيقية هى التى تدلنا على اختيار العلامات، الكلمات التى نرشد بها ونوجه، بحيث نزيد الذكاء حدة، ونرفع العاطفة، ونعين الأهداف. وهو الأمر الذى يساعد على الانتقال من «البلاغة القروية التى تعلمناها، إلى البلاغة السيمائية التى يجب أن ندرسها ونمارسها فى مجتمع القرن العشرين». لا يقتصر سلامة موسى فى عرضه لعلم السيماء كما يسميه على التعريف به وبيان أهدافه، وإنما يستحضر كل ما هو متعلّق به من أبحاث ودراسات أقامها لغويون كماكس مولر الذى أخرج كتابًا صغيرًا يقول فيه كما ذكر فى المقالة «إننا لا نستطيع أن نفكر بلا كلمات أو على الأقل إيماءات كما يفعل الأخرس» فالكلمة عنده إيماءة أو علامة. أو ما يتصل بالمذهب السلوكى فى السيكولوجية، ورائده واطسون، وهو مذهب ينتهى إلى «أن التفكير إنما هو كلمات غير منطوقة أو حديث صامت» بمعنى أن «التفكير لا يجرى إلا مع حركات صائتة أو صامتة فى الحنجرة، وإننا بدون هذه الحركات لا نستطيع أن نفكر». ويستنتج من هذه الفكرة أن جميع عواطفنا تحتاج إلى حركات فى أعضاء الجسم الداخليّة أو الخارجيّة، وبما أن كل تفكير مهما برئ فى ظاهره يحتاج إلى عاطفة تبعث عليه وتحرك له بعض الأعضاء، فإننا لا نستطيع التفكير بدون الكلمات... وإذن يجب أن نستنتج أن ما نحسبه تفكيرًا صامتًا، إنما هو فى صميمه كلمات مهموسة لا نسمعها» والدليل عنده على هذا الاستنتاج أننا عندما نفكر فى موضوع يثير العاطفة نجد أننا نتكلم وقد يرتفع صوتنا حتى نسمعه» على حد قوله. فالتفكير السّديد يحتاج إلى كلمات سَديدة تحبك المعنى كما يحبك القفاز اليد لا تضيق ولا تتسع، ولا تطول ولا تقصر، وكل تجديد فى التفكير يحتاج إلى تجديد فى الكلمات، وأيضًا كل تجميد فى اللغة هو تجميد للتفكير. وينتهى إلى أن حركة السيمائية هى ثمرة الرُّوح العلميّ، حيث البيئة الصّناعيّة الجديدة احتاجت العلوم التى استغلتها كى تزيد إنتاجها، وأخذ الروح العلمى يطغى على التفكير البشرى فى مراتبه العالية ويعين قواعد ويرتب أصولاً للدقة فى البحث. ونتيجة لما وجده العلميون من كلمات رجراجة سائبة، اهتدوا إلى اللغتين الإغريقية واللاتينية لسك كلمات جديدة تؤدّى المعانى العلميّة الدقيقة. وهنا يُصادر على القارئ الذى يتساءل هكذا: «إذن المعنى سابق الفكر على نحو ما استدلّ العلميون الذين فكروا واختاروا الكلمات التى تؤدّى إلى المعاني، ألا يثبت هذا الاستدلال أن المعنى قد سبق القول؟». فيقول إن الإجابة على هذا السؤال هى سؤال آخر: «ما الذى أرشدهم إلى المعنى الجديد سوى الكلمات القديمة التى فكروا فيها، ثم وجدوها غير وافية بتفكيرهم؟». وعنده أن الروح العلمى هو الذى يبعث المفكرين على بحث الكلمات من حيث قيمتها وأوزانها المنطقية والاجتماعية والسيكولوجية حتى نستطيع استخدامها فى التفكير السليم وفى التوجيه الاجتماعيّ والمعالجة السيكولوجية». وعبارة التوجيه الاجتماعيّ بما تحيل إليه من مكانة وشأن عظيم الذى كان لها فى جميع الأمم المتحاربة، فإن الدعاية هى فى النهاية استخدام القوة الإغرائيّة التى للكلمات، وهنا حسب قوله «مكان جديد للبلاغة السيمائية، وإن لم يكن أسمى أمكنتها، ستعنى به الحكومات». ويعترف فى النهاية للقارئ أن ما ذكره عن السيمائيّة ما هو إلا خدش بسيط دون أن يتعمّق فى الموضوع، كما إن الموضوع فى صميمه سيكولوجى غايته الفهم السّليم، الفهم الموضوعي. والشيء الثانى الذى يجب على القارئ أن يعرفه أن لكل لغة نحوها الذى يتميّز عن النحو فى أيّة لُغة أخرى. ذلك لأن كل لغة قد نشأت وشبت وترعرعت وأحيانًا شاخت فى مناخ معين لم تعش فيه أيّة لُغة أخرى. وهذا المناخ طبيعى واجتماعي. وهو بهذا قد أحدث كلمات وَعيت أسلوبًا للكلام هو فى النهاية أسلوب للتفكير. ثمّ هذا الأسلوب فى التفكير قد عين طرازًا للأخلاق والعيش إما للخير وإما للشر. نستدلُّ مما سبق أن الفضل لظهور علم السيميوطقيا عربيًّا كان بقلم مصرى أصيل، سبق به التعريفات التى قام بها المغاربة، دون تقليل من جهودهم فى ترجمات الأصول عن الفرنسيّة إلى اللغة العربية، لكن الفضل يعود إلى سلامة موسى (1887 - 1958)، وجهوده فى التعريف بالعلوم الجديدة التى يؤصل لها الغرب، وهو جهد لم ينفصل عن جهوده فى التعريف بنيتشه عام 1909، وفلسفة شوبنهاور، ونظرية داروين فى النشوء والارتقاء، وبرنارد شو،... وغيرهم من علماء أفادوا البشرية بعلومهم وأطروحاتهم الفلسفية.

فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى
فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى

مصرس

time٢١-٠٢-٢٠٢٥

  • علوم
  • مصرس

فى مقال عمره 75 عامًا ..سلامة موسى سبق المغاربة فى تدشين السيميوطيقا فى العالم العربى

ممدوح فرّاج النابىمن المعلوم لدى قارئ النظرية الأدبيّة أن أُسس علم السيميوطقيا وضعها فى أوائل القرن الماضى عالمان أحدهما أمريكى والآخر سويسري؛ الأول هو تشارلس سوندرز بيرس (1839 - 1914)، فيلسوف ومنطقي، وأما الثانى فهو فرينادند دى سوسير (1857 - 1913)، مؤسس علم اللغة الحديث، على الرغم من اختلاف مفهوم الرجلين للعلامة التى أقاما عليها السيميوطقيا اختلافًا غير هينٍ كما يقول شكرى عيّاد، حيث يركّز سوسير على الوظيفة الاجتماعيّة للعلامة، فى حين يركز بيرس على الوظيفة المنطقية لها. وبصفة عامة يقصد بعلم السيميوطقيا «العلم الذى يَدْرُس حياة العلامات فى قلب الحياة الاجتماعية».أوّل تردد لمصطلح السيميوطقيا كان مع دى سوسير فى مخطوطة كتبها عام 1894 بعنوان «مقرر فى الألسنية العامة» وقد نُشرت بعد وفاته عام 1916، وجاء فيها: « من الممكن ... ابتكار علم يدرس دور الإشارات كجزء من الحياة الاجتماعية، ويكون جزءًا من علم النفس الاجتماعي، وبذلك من علم النفس العام، ونرى تسميته السيميولوجيا (من الكلمة اليونانية Sémeîon، أى إشارة)، وهو يدرس طبيعة الإشارات والقوانين التى تحكمها، وبما أن هذا العلم لا يوجد بعد، لا يمكن الجزم بأنه سيوجد. لكن يجوز له أن يوجد. يوجد له سلفًا مكان. وما الألسنية إلا فرع من فروع هذا العلم العام، وتكون القوانين التى تكتشفها السيميولوجيا قوانين تطبّق فى الألسنية، فيكون بذلك للألسنية مكانها المحدّد، والواضح فى حقل المعرفة البشرية».وقد عرَف التلقى العربى هذا العلم مع ترجمة كتاب رولان بارت «مبادئ فى علم الأدلة» (1964)، الذى ترجمه محمد البكرى وصدر عام 1986 عن دار قرطبة للنشر بالمغرب، ثم توالت الترجمات التى قدمت كتابات أعلامه إلى القرّاء فى العالم العربيّ، وإن تقاطعت مع هذه الترجمات محاولات لردّ مدلولات هذا العلم إلى السياق العربي، على نحو ما سعت الدكتورة فريال جبورى غزول بتأكيدها أن العلامة وجانبيها الدال والدلول مبنية على ما قاله الرواقيون (ترجع بداياتهم إلى القرن الثالث قبل الميلاد)، وتارة ثانية حينما أشارت إلى أن ثمة تعريفات بالعلامة لدى المفكر الجزائرى (أوغسطين) ضمن أبحاثه فى التأويل. وبالمثل محاولة الدكتور نصر حامد أبو زيد إلى تلمّس مفهوم العلامة فى التراث العربي.حضور هذا العلم فى مدونة النقد العربى بالمفهوم الغربي، يعود إلى الترجمات العربية لأعلام هذا العلم عن الفرنسيّة والإنجليزيّة، وهذه الترجمات تعود - فى أقرب تقدير - إلى الربع الأخير من القرن الماضي، وهى بجهود كُتّاب مغاربة على نحو محمد البكرى الذى ترجم «مبادئ علم الأدلة» لرولان بارت عام 1986، وعبد السلام بنعبد العالى الذى ترجم لرولان بارت «درس السيميولوجيا» عام 1986 وآخرين استكملوا ترجمة كتابات الكثير من أعلام هذا العلم.لكن الحقيقة أن حضور هذا العلم فى مدونة الثقافة العربيّة أقدم بكثير من ترجمات المغاربة، وأيضًا أقدم من كتابات رولان بارت (مبادئ علم الأدلة) الذى صدر عام 1964، و(درس السيميولوجيا) الذى صدر عام 1978، فإرهاصات التلقيّ العربيّ لهذا العلم تعود إلى تاريخ سابق لهذه التواريخ بكثير، حيث نشرت مجلة الكاتب المصرى التى كان يرأس تحريرها الدكتور طه حسين، فى عددها الصّادر فى مايو 1948 مقالاً لسلامة موسى بعنوان «السيمائيّة: المنطق اللغوى الجديد»، شغلت المقالة ثمانى صفحات من المجلة. بالتأكيد لم يُقدّم سلامة موسى مبادئ العلم كما حضرت لاحقًا فى مقدمات الكتب المترجمة، أو فى السفر الذى أشرفت عليه سيزا قاسم بالاشتراك مع نصر حامد أبو زيد بعنوان «مدخل إلى السيميوطقيا: أنظمة العلامات فى اللغة والأدب والثقافة»(1986) والذى كان بمثابة دليلاً شاملاً للفمهوم ومظاهر السيميوطقيا فى مختلف آفاق التراث البشري، وإنما اكتفى بالإشارة إلى رائده، حيث ينسبه إلى اللغوى الفرنسى «ميشيل بريال» (183 - 1915) الذى يرى أنه أوّل مَن تنبّه للعلم، فى إشارة إلى بحثه «مقالة فى السيمانتيك» عام 1897، ومن ثمّ يكون أسبق من دى سوسير الذى نُشرت مقالته بعد وفاته عام 1916.يبدأ سلامة موسى مقالته بالإشارة إلى عملية التداخل بين اللغات، ويضرب مثالاً بوجود مئات الكلمات الإغريقية التى وجدت طريقها إلى اللغة العربيّة، لدرجة عدم تبيّن أصلها الإنجليزي، ويرجع السبب فى هذا إلى الزباء ملكة تدمر باعتبارها الأصل «لهذا التغلغل الإغريقى فى لغتنا؛ لأنها كانت دولة عربيّة إغريقية».وبهذا المدخل الذى يُبرّر فيه تواجد بعض الكلمات الأجنبيّة فى اللغة العربيّة، يدلف إلى كلمتى سيما / أو سيماء، والسيمافور، ويقول إنهما «كلمتان إحداهما تلبس اللباس العربى الصميم، حتى لنقول عليه سيما الوقار وكأننا ننطق كلامًا عربيًا فصيحًا»، أما الثانية فهى «تلبس اللباس الأجنبى الصريح فنقول السيمافور للنصب العالى الذى ينتهى بعلامة للقطرات (كذا) على السكك الحديدية، والمعنى هو حامل العلامة».وبعد هذا يعرض لهذا العلم بقوله «لقد ظهر علم جديد فى أوروبا يسمى السيمائية أى علم العلامات» ويعرفه بأنه: «علم الكلمات للمعانى من حيث دقة مدلولها المنطقى أو الاجتماعي، أو من حيث تطوّر المعنى، وما يعتور كل هذا من اضطراب المعنى أو سداده».وينسب الفضل فى هذا العلم إلى العالم اللغوى الفرنسى ميشيل بريال الذى يعده «أول مَن تنبه إلى هذا الموضوع وألف فيه قبل نهاية القرن التاسع عشر، وهو الذى اشتق الاسم».ويرى سلامة بعد ضرب أمثلة مهمة على أهمية الأخذ فى الاعتبار إلى السّياق الاجتماعيّ الذى نشأت فيه اللغات، حيث تفقد بعض الكلمات دلالتها مع اختلاف السّياق الاجتماعيّ والزمنيّ الذى نشأت فيه، أن هدف هذا العلم الجديد هو «أن نقف على أخطاء التفكير التى تبعثها أخطاء التعبير باستعمال كلمات فقدت مناخها الاجتماعيّ الذى نشأت فيه، أو باستعمال كلمات سيئة تبعث على الجريمة، أو باستعمال كلمات ذاتيّة تضطرب بها المعاني». ومن ثمّ، يكون «السيماء هو العلامات، والسيمافور هو حامل العلامة الذى يوجه القطرات (كذا) بالإشارات والإيماءات».أهمية السياق / أو المناخ الذى ولدت فيه الكلمة، كى نتجنّب حدوث التباسات واضطرابات لُغوية لا تؤدّى إلى الفهم الصحيح، ويضرب أمثلة كثيرة لتأكيد هذا، فيقول هذا ما يحدث عند قراءة كتاب قديم فى اللغة العربية مضى على تأليفه ألف سنة، فالمؤلف قد يستحسن نكتة أدبيّة، فى حين نحن لا نرى مغزاها لأننا بعد ألف سنة قد فقدنا الجو الأدبى الذى كان يحيط بهذه النكتة.والأمر نفسه نجده عند قراءة كلمات فلسفية أو غيبية يشق فهمها، لذا - كما يرى - كانت الصعوبة فى قراءة ابن رشد أو الفارابي، لأن كليهما «يعالج مشكلات كانت تتصل بمجتمعيهما، وقد زال هذا المجتمع فى أغلبه، ففقدنا نحن أواصر الصلة بيننا وبين معانيه.ويستكمل أن كثيرًا من صعوبات الفهم والتفاهم ليس ذهنيًّا، وإنما هو لغوي، فكل كلمة تحمل معنى، وهذا المعنى هو بمثابة العادة الذهنيّة التى تلابسنا طوال حياتنا ما دام هذا المعنى قائمًا، وإن زال المجتمع الذى أحدث هذا المعنى، واستعمل كلمته، لكن العادة الذهنيّة تبقى وكأنها عاطفة لها قوة لتحريك الفرد أو المجتمع إما للخير وإما للشر، بل تبقى الكلمة وتحيا حياة ضعيفة برواسب قديمة من معناها السابق.ويعوّل كثيرًا على أهمية الكلمة فيقول: «إن الكلمات قد تزيد الذكاء أو تنقصه، أو بتعبير أصحّ نقول إنها قد تحدّ الذكاء أو تبلّده، وهي، أى الكلمات، قد تكون سببًا للجريمة أو سببًا للمرض». ومثلما هناك كلمات تثير العقل الراكد وتنبّه الذكاء الخامد، مثل كلمات المروءة، والشرف، والمجد، والاستقامة، والحق، والعدل، هناك أيضًا كلمات تبعث على الجريمة، كما نجد فى كلمات: عرض ودم وثأر عند القرويين والبدو فى جرجا وقنا، فإن هذه الكلمات على حد قوله «تثير فى الصبيان قبل الشبان خيال الجريمة، ثم عاطفة الجريمة».وينتهى إلى القول إن «اللغات تتفاضل بمقدار اعتمادها على كلمات موضوعية دقيقة أو كلمات ذاتية مضطربة»، ويستدل بواطسون داعية السيكولوجية السلوكية بأن يقاطع هذه الكلمات: «عقل، نفس، غزيرة، وجدان، كامنة « لأنه يجد أنها كلمات ذاتية، وهو يحاول أن ينتقل منها إلى كلمات موضوعية تؤدى بالأرقام على قدر الإمكان. فالأرقام هى التى تنقلنا من الذاتية إلى الموضوعية، ومن ثمّ هى لغة العلم، أى اللغة الدقيقة التى يحتاج إليها العلم.وعنده السيمائية التطبيقية هى التى تدلنا على اختيار العلامات، الكلمات التى نرشد بها ونوجه، بحيث نزيد الذكاء حدة، ونرفع العاطفة، ونعين الأهداف. وهو الأمر الذى يساعد على الانتقال من «البلاغة القروية التى تعلمناها، إلى البلاغة السيمائية التى يجب أن ندرسها ونمارسها فى مجتمع القرن العشرين».لا يقتصر سلامة موسى فى عرضه لعلم السيماء كما يسميه على التعريف به وبيان أهدافه، وإنما يستحضر كل ما هو متعلّق به من أبحاث ودراسات أقامها لغويون كماكس مولر الذى أخرج كتابًا صغيرًا يقول فيه كما ذكر فى المقالة «إننا لا نستطيع أن نفكر بلا كلمات أو على الأقل إيماءات كما يفعل الأخرس» فالكلمة عنده إيماءة أو علامة. أو ما يتصل بالمذهب السلوكى فى السيكولوجية، ورائده واطسون، وهو مذهب ينتهى إلى «أن التفكير إنما هو كلمات غير منطوقة أو حديث صامت» بمعنى أن «التفكير لا يجرى إلا مع حركات صائتة أو صامتة فى الحنجرة، وإننا بدون هذه الحركات لا نستطيع أن نفكر».ويستنتج من هذه الفكرة أن جميع عواطفنا تحتاج إلى حركات فى أعضاء الجسم الداخليّة أو الخارجيّة، وبما أن كل تفكير مهما برئ فى ظاهره يحتاج إلى عاطفة تبعث عليه وتحرك له بعض الأعضاء، فإننا لا نستطيع التفكير بدون الكلمات... وإذن يجب أن نستنتج أن ما نحسبه تفكيرًا صامتًا، إنما هو فى صميمه كلمات مهموسة لا نسمعها» والدليل عنده على هذا الاستنتاج أننا عندما نفكر فى موضوع يثير العاطفة نجد أننا نتكلم وقد يرتفع صوتنا حتى نسمعه» على حد قوله.فالتفكير السّديد يحتاج إلى كلمات سَديدة تحبك المعنى كما يحبك القفاز اليد لا تضيق ولا تتسع، ولا تطول ولا تقصر، وكل تجديد فى التفكير يحتاج إلى تجديد فى الكلمات، وأيضًا كل تجميد فى اللغة هو تجميد للتفكير. وينتهى إلى أن حركة السيمائية هى ثمرة الرُّوح العلميّ، حيث البيئة الصّناعيّة الجديدة احتاجت العلوم التى استغلتها كى تزيد إنتاجها، وأخذ الروح العلمى يطغى على التفكير البشرى فى مراتبه العالية ويعين قواعد ويرتب أصولاً للدقة فى البحث.ونتيجة لما وجده العلميون من كلمات رجراجة سائبة، اهتدوا إلى اللغتين الإغريقية واللاتينية لسك كلمات جديدة تؤدّى المعانى العلميّة الدقيقة.وهنا يُصادر على القارئ الذى يتساءل هكذا: «إذن المعنى سابق الفكر على نحو ما استدلّ العلميون الذين فكروا واختاروا الكلمات التى تؤدّى إلى المعاني، ألا يثبت هذا الاستدلال أن المعنى قد سبق القول؟». فيقول إن الإجابة على هذا السؤال هى سؤال آخر: «ما الذى أرشدهم إلى المعنى الجديد سوى الكلمات القديمة التى فكروا فيها، ثم وجدوها غير وافية بتفكيرهم؟».وعنده أن الروح العلمى هو الذى يبعث المفكرين على بحث الكلمات من حيث قيمتها وأوزانها المنطقية والاجتماعية والسيكولوجية حتى نستطيع استخدامها فى التفكير السليم وفى التوجيه الاجتماعيّ والمعالجة السيكولوجية».وعبارة التوجيه الاجتماعيّ بما تحيل إليه من مكانة وشأن عظيم الذى كان لها فى جميع الأمم المتحاربة، فإن الدعاية هى فى النهاية استخدام القوة الإغرائيّة التى للكلمات، وهنا حسب قوله «مكان جديد للبلاغة السيمائية، وإن لم يكن أسمى أمكنتها، ستعنى به الحكومات».ويعترف فى النهاية للقارئ أن ما ذكره عن السيمائيّة ما هو إلا خدش بسيط دون أن يتعمّق فى الموضوع، كما إن الموضوع فى صميمه سيكولوجى غايته الفهم السّليم، الفهم الموضوعي. والشيء الثانى الذى يجب على القارئ أن يعرفه أن لكل لغة نحوها الذى يتميّز عن النحو فى أيّة لُغة أخرى.ذلك لأن كل لغة قد نشأت وشبت وترعرعت وأحيانًا شاخت فى مناخ معين لم تعش فيه أيّة لُغة أخرى. وهذا المناخ طبيعى واجتماعي. وهو بهذا قد أحدث كلمات وَعيت أسلوبًا للكلام هو فى النهاية أسلوب للتفكير. ثمّ هذا الأسلوب فى التفكير قد عين طرازًا للأخلاق والعيش إما للخير وإما للشر.نستدلُّ مما سبق أن الفضل لظهور علم السيميوطقيا عربيًّا كان بقلم مصرى أصيل، سبق به التعريفات التى قام بها المغاربة، دون تقليل من جهودهم فى ترجمات الأصول عن الفرنسيّة إلى اللغة العربية، لكن الفضل يعود إلى سلامة موسى (1887 - 1958)، وجهوده فى التعريف بالعلوم الجديدة التى يؤصل لها الغرب، وهو جهد لم ينفصل عن جهوده فى التعريف بنيتشه عام 1909، وفلسفة شوبنهاور، ونظرية داروين فى النشوء والارتقاء، وبرنارد شو،... وغيرهم من علماء أفادوا البشرية بعلومهم وأطروحاتهم الفلسفية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store