logo
#

أحدث الأخبار مع #علي_مطر

«أنا علي مطر كاليغولا»... مسرحٌ مُعلَّق بين الأداء والحياة
«أنا علي مطر كاليغولا»... مسرحٌ مُعلَّق بين الأداء والحياة

الشرق الأوسط

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الشرق الأوسط

«أنا علي مطر كاليغولا»... مسرحٌ مُعلَّق بين الأداء والحياة

يُحسَب للشاعر والممثل اللبناني علي مطر جهده في حفظ نصّ صعب وتقديمه وحيداً على مسرح «سينما رويال» بمنطقة برج حمود البيروتية، في عرضه «أنا علي مطر كاليغولا». على الخشبة، يقف منفرداً؛ وخلفه، تحضُر الشابة عشتروت عون بصوتها الدافئ ونغماتها الرقيقة، لتُضفي على المشهد شيئاً من الحرارة، وتُحاول أن تملأ ما قد يبرد في روحه. اجتهد مطر، بلا شكّ، في التقاط نصّه، وأمسك به بإخلاص لنحو الساعة. لكنه، رغم هذا الجهد، بدا كأنَّ ثمة حاجزاً لم يُكسَر؛ جداراً حال دون تسرُّب الشعور، فبقي النصُّ معلَّقاً بين الأداء والحياة، كأنه صدى لا يصل تماماً، أو كأنَّ شيئاً ما ظلَّ عصياً على الاختراق، يمنع الروح من أن تُلامَس بحق. يستعير العرض شخصية الإمبراطور الروماني كاليغولا (البوستر الرسمي) يستعير العرض شخصية كاليغولا؛ الإمبراطور الروماني الذي حمل اسمه معنى «الحذاء الصغير للجنود». الرجل الذي بدأ حُكمه بنُبل واتزان، ثم ما لبث أن تحوَّل إلى رمز للجنون والطغيان والانحراف. من هذه التناقضات المُترامية، يأخذ علي مطر مادته، فيتوسّع النصّ على موضوعات الحبّ، والجنس، والغضب، والدم، ومرارة الحروب. كأنَّ الممثل أراد أن يقول كلّ شيء دفعة واحدة في نَفَسٍ واحد، حتى بدا النصُّ أحياناً مفككاً، كأنه هذيان إنساني يتعثّر في ركام ذاته. وقد تكون هذه «الفوضى النصّية» مقصودة، دلالةً على هشاشة الكائن، وتيهه، وعجزه؛ غير أنَّ ما افتقر إليه النصّ هو ذلك اللهيب الداخلي والشعور المتوهّج الذي يُحوِّل التشظّي إلى تجربة حيّة. فغلب البناء، أو لنقُل «التركيبة»، على الروح؛ وظهر كأنه لحظة محفوظة، تُهيمن عليها صرامة الحفظ أكثر مما تتسلَّل منها حرارة الحياة. تحضُر عشتروت عون بصوتها الدافئ ونغماتها الرقيقة (المُلحقة الإعلامية) كاليغولا، في جوهره، ليس مجرَّد طاغية روماني فَقَد صوابه. هو مرآة مشروخة تعكُس عريّ السلطة حين تنفصل عن المعنى، وحين يتوحَّد الحاكم مع أهوائه حتى يفقد إنسانيته. في المسرحية، بدا علي مطر مثل مَن يغوص في تلك المرآة ويحاول أن يُمسك شظايا الذات حين تتراكم بفعل العبث والسلطة والخراب؛ وإنما تجسيده لهذا الانهيار الوجودي جاء مضبوط الإيقاع إلى حدّ الضجر. كاليغولا كان يمكن أن يكون مجازاً عن الإنسان المعاصر الممزَّق بين فرديّته وعنف العالم، بين شهواته وخيباته، بين صوته الداخلي وضجيج الخارج، لكن الأداء بقي عند تخوم هذا المجاز، يُلامسه من دون أن ينغمس فيه تماماً، كما لو أنَّ علي مطر وقف على حافة الهاوية من دون أن يسمح لنفسه بالسقوط الكامل في جحيم كاليغولا. كأنَّ الممثل أراد أن يقول كلّ شيء دفعة واحدة في نَفَسٍ واحد (المُلحقة الإعلامية) علي مطر ليس غريباً عن ميدانه؛ هو ابن الكلمة، والتعبير، والبوح، لكن ما خلّفه عرضه هذا هو شعور بالبرودة. لا تلك البرودة المُحرِّكة التي تُزعج لتوقظ، كما في فيلم «الأوراق المتساقطة» لكوريسماكي مثلاً؛ وإنما برودة رتيبة، ممتدّة، من ذلك النوع الذي يشبه صقيعاً أدائياً يكاد يقترب من أن يتراءى عقوبة. ولولا موسيقى عشتروت، وخيط الأنوثة المتدلّي من صوتها، لكان الصقيع أكثر وطأة. حفظُ النصّ، مهما كان بارعاً، لا يكفي. المسرحي العريق رفعت طربيه، مثلاً، يحفظُ شكسبير كأنما ينهض من أعماقه، ورغم ذلك، خرجت صاحبة السطور من مسرحيته «الأمير المجنون» بخيبة. البراعة في الحفظ لا تُنكَر، لكنّ غياب الشعور العميق، والروح المُحلِّقة، والصوت المرتجّ، والجسد المرتجف، يجعل العرض ناقصاً، مهما بلغ من الدقّة والانضباط. وربما كان علي مطر يحمل كلَّ هذا في داخله، غير أنه بقي محبوساً في مكان ما، غير قابل للنفاذ. يُحسَب لعلي مطر جهده في حفظ نصّ صعب (المُلحقة الإعلامية) لا يمكن إنكار حضور السينوغرافيا (ليلى حاوي) اللافت، التي خلقت جواً خاصاً ملموساً، ساعدت الإضاءة (ميلاد طوق) على تعزيزه بلحظات من السحر البصري. بدا المخرج جان عبد النور كأنه يحاول كسر الركود عبر إدخال حركات جسدية مباشرة: ملاكمة، وركض في العدم، وتحديق في الفراغ؛ إشارات إلى التصدّي، وإلى مجابهة عالم فاسد، أو خوض معركة ضدّ وحشيته. في المقابل، جاءت الملابس (إيريك ريتر) لتشير إلى التعرّي بوصفه مسألة نفسية: انكشاف الكائن على ضعفه، وانزلاقه إلى «حيوانيته» في عالم تحكمه شريعة الغاب وسلطة الأقوى.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store