#أحدث الأخبار مع #عماد_حجاجصحيفة الخليج١٣-٠٥-٢٠٢٥ترفيهصحيفة الخليجدور الكاريكاتير السياسي والاجتماعيارتبط مفهوم الكاريكاتير بالرسوم الهزلية والساخرة، ويرجح أن الكلمة وافدة من اللغة الإيطالية، واستخدامها يعود للقرن السابع عشر. وقد استخدم هذا النوع من الفنون في نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة، ويوضح المؤرخون للتاريخ الأوروبي، أن هذا النوع من الرسوم استثمر في الصراع الذي دار خلال الثورة الدينية، التي عرفت بحركة الإصلاح، والحرب التي دارت رحاها بين الكاثوليك والبروتستانت. حجر الزاوية في هذا النوع من الفنون هو المبالغة في إظهار الشكل. والمقصود بذلك في الغالب ليس القدح بل إجلاء الحقيقة بصورة أوضح، وبشكل خاص في النقد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، للأوضاع السائدة. من بين الأكثر شهرة من رسامي الكاريكاتير العرب صلاح جاهين وناجي العلي وعماد حجاج وسعد حاجو ومصطفى حسين، وآخرون يستعصي حصرهم في هذه العجالة. وكان الجامع المشترك بين هؤلاء هو نقد الأوضاع المزرية في المجتمع العربي. في الوطن العربي تراجع دور الرسوم الكاريكاتورية، التي كانت ظاهرة عامة في الصحف في مصر وسوريا. وكان ذلك التراجع ثمرة تقلص هامش الحريات السياسية. وقد انعكس ذلك، سلبياً، على الدخل الذي يتقاضاه رسامو هذا النوع من الفنون. ما يهمنا في هذا الحديث هو إسقاطات هذا النوع من الفنون على الأنواع الأخرى، من الخطابات الأدبية والفكرية والسياسية، بحيث دخلت هذه المفردة في القاموس العربي، تعبيراً عن أحداث معينة، ارتبطت في الغالب بالمتغيرات الدرامية. فنقول على سبيل المثال في مشهد كاريكاتوري، بمعنى استحالة اقترابه من الواقع، رغم حدوثه. ويرتبط ذلك كثيراً، في وصف الفوضى السائدة، بواقعنا العربي، منذ تعثر مشروع النهضة. بمعنى أننا نادراً ما نستخدم هذا التوصيف بشكل إيجابي. لكننا هنا في هذا الحديث نستخدمه بطريقة مختلفة لوصف تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول مشاركة بلاده في بناء قناة السويس كأحد الممرات المائية الدولية، التي تربط القارات القديمة الثلاث مع بعضها، آسيا وإفريقيا وأوروبا. بدأت فكرة إنشاء القناة عام 1798، أثناء الحملة الفرنسية على مصر قبل ثلاثة عقود من استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا لكنها لم تكلل بالنجاح. وفي عام 1854 استطاع الدبلوماسي الفرنسي فرديناند ديو ليسيبس إقناع محمد سعيد باشا بالمشروع، وحصل على موافقة الباب العالي، فقام بمنح الشركة الفرنسية، التي يرأسها، امتياز حفر القناة، وتشغيلها لمدة 99 عاماً. استغرق بناء القناة عشر سنوات، 1859- 1868، وساهم في عملية الحفر ما يقرب من مليون عامل مصري، توفي منهم أثناء الحفر أكثر من 120 ألف عامل، نتيجة الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة. وتم افتتاح القناة في العام الذي اكتمل فيه تأسيسها، في عهد الخديوي إسماعيل، في حفل أسطوري مهيب، وبميزانية ضخمة. في تموز/ يوليو عام 1956، أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، شركة مصرية مساهمة، في أول تحد مباشر للاستعمار الغربي التقليدي. اعتبر قرار التأميم السبب المباشر للعدوان الثلاثي على مصر، الذي قادته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. لكن المؤرخين يذكرون أسباباً أخرى لشراكة فرنسا وإسرائيل في ذلك العدوان، من بينها دعم الحكومة المصرية ثوار الجزائر، الذين كانوا يناضلون من أجل تحرير بلدهم، وأيضاً عمليات المقاومة المصرية تجاه الاحتلال الإسرائيلي. لقد جاء تأميم القناة، بالنسبة للنظام الثوري الجديد في مصر، ليحقق جملة من الأهداف، لعل الأبرز بينها تأكيد استقلالية القرار المصري، وتوفير المبالغ المطلوبة لبناء السد العالي، الذي اعتبر ضرورة قصوى لمنع فيضان النيل، ولتخزين المياه، وتوفير الطاقة الكهربائية. وتزامن ذلك مع برامج تنموية ضخمة، شملت تشييد مصانع الحديد والصلب، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الاحتياجات الاستهلاكية. كما تزامن مع سياسة كسر احتكار السلاح، والتوجه نحو الشرق. ولا شك أن المقاومة الباسلة للمصريين، في بور سعيد، والموقف التضامني العربي الشامل مع مصر، والمتغيرات الكبرى في السياسة الدولية، والإنذار السوفييتي، كان لها جميعاً الأثر الكبير في وقف العدوان، وهزيمة المعتدين، وخروج رئيس الوزراء البريطاني، أنطوني إيدن، ورئيس الجمهورية الفرنسية، غي موليه، للأبد من المشهد السياسي، بعد تقديم استقالتهما. لم يتضرر سلاح الجو المصري، فقد تم توجيهه إلى القواعد العسكرية في المملكة العربية السعودية، وظل في مأمن حتى انقشاع العدوان. وقد أسس تضامن العرب، أثناء العدوان الثلاثي، لعلاقة استراتيجية متينة، ضمت مصر والسعودية وسوريا واليمن، مؤكدة أن قوة العرب في وحدتهم. وبالمثل تضامن العمال العرب مع مصر الشقيقة، وحين رفض عمال ميناء نيويورك تفريغ الباخرة المصرية كليوبترا، رفض عمال عدن تقديم أي خدمة للبواخر الأمريكية. بعد هذا التفصيل، هل بقي مجال للشك في توصيف قول ترامب بمساعدة بلاده في حفر قناة السويس، ومطالبة حكومة مصر بعبور بواخر بلاده القناة مجاناً. ويبقى الكاريكاتير لغة مضمرة في الرسم.. وفي الإعلان عن مواقف سياسية.
صحيفة الخليج١٣-٠٥-٢٠٢٥ترفيهصحيفة الخليجدور الكاريكاتير السياسي والاجتماعيارتبط مفهوم الكاريكاتير بالرسوم الهزلية والساخرة، ويرجح أن الكلمة وافدة من اللغة الإيطالية، واستخدامها يعود للقرن السابع عشر. وقد استخدم هذا النوع من الفنون في نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة، ويوضح المؤرخون للتاريخ الأوروبي، أن هذا النوع من الرسوم استثمر في الصراع الذي دار خلال الثورة الدينية، التي عرفت بحركة الإصلاح، والحرب التي دارت رحاها بين الكاثوليك والبروتستانت. حجر الزاوية في هذا النوع من الفنون هو المبالغة في إظهار الشكل. والمقصود بذلك في الغالب ليس القدح بل إجلاء الحقيقة بصورة أوضح، وبشكل خاص في النقد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، للأوضاع السائدة. من بين الأكثر شهرة من رسامي الكاريكاتير العرب صلاح جاهين وناجي العلي وعماد حجاج وسعد حاجو ومصطفى حسين، وآخرون يستعصي حصرهم في هذه العجالة. وكان الجامع المشترك بين هؤلاء هو نقد الأوضاع المزرية في المجتمع العربي. في الوطن العربي تراجع دور الرسوم الكاريكاتورية، التي كانت ظاهرة عامة في الصحف في مصر وسوريا. وكان ذلك التراجع ثمرة تقلص هامش الحريات السياسية. وقد انعكس ذلك، سلبياً، على الدخل الذي يتقاضاه رسامو هذا النوع من الفنون. ما يهمنا في هذا الحديث هو إسقاطات هذا النوع من الفنون على الأنواع الأخرى، من الخطابات الأدبية والفكرية والسياسية، بحيث دخلت هذه المفردة في القاموس العربي، تعبيراً عن أحداث معينة، ارتبطت في الغالب بالمتغيرات الدرامية. فنقول على سبيل المثال في مشهد كاريكاتوري، بمعنى استحالة اقترابه من الواقع، رغم حدوثه. ويرتبط ذلك كثيراً، في وصف الفوضى السائدة، بواقعنا العربي، منذ تعثر مشروع النهضة. بمعنى أننا نادراً ما نستخدم هذا التوصيف بشكل إيجابي. لكننا هنا في هذا الحديث نستخدمه بطريقة مختلفة لوصف تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول مشاركة بلاده في بناء قناة السويس كأحد الممرات المائية الدولية، التي تربط القارات القديمة الثلاث مع بعضها، آسيا وإفريقيا وأوروبا. بدأت فكرة إنشاء القناة عام 1798، أثناء الحملة الفرنسية على مصر قبل ثلاثة عقود من استقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا لكنها لم تكلل بالنجاح. وفي عام 1854 استطاع الدبلوماسي الفرنسي فرديناند ديو ليسيبس إقناع محمد سعيد باشا بالمشروع، وحصل على موافقة الباب العالي، فقام بمنح الشركة الفرنسية، التي يرأسها، امتياز حفر القناة، وتشغيلها لمدة 99 عاماً. استغرق بناء القناة عشر سنوات، 1859- 1868، وساهم في عملية الحفر ما يقرب من مليون عامل مصري، توفي منهم أثناء الحفر أكثر من 120 ألف عامل، نتيجة الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة. وتم افتتاح القناة في العام الذي اكتمل فيه تأسيسها، في عهد الخديوي إسماعيل، في حفل أسطوري مهيب، وبميزانية ضخمة. في تموز/ يوليو عام 1956، أعلن الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، شركة مصرية مساهمة، في أول تحد مباشر للاستعمار الغربي التقليدي. اعتبر قرار التأميم السبب المباشر للعدوان الثلاثي على مصر، الذي قادته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. لكن المؤرخين يذكرون أسباباً أخرى لشراكة فرنسا وإسرائيل في ذلك العدوان، من بينها دعم الحكومة المصرية ثوار الجزائر، الذين كانوا يناضلون من أجل تحرير بلدهم، وأيضاً عمليات المقاومة المصرية تجاه الاحتلال الإسرائيلي. لقد جاء تأميم القناة، بالنسبة للنظام الثوري الجديد في مصر، ليحقق جملة من الأهداف، لعل الأبرز بينها تأكيد استقلالية القرار المصري، وتوفير المبالغ المطلوبة لبناء السد العالي، الذي اعتبر ضرورة قصوى لمنع فيضان النيل، ولتخزين المياه، وتوفير الطاقة الكهربائية. وتزامن ذلك مع برامج تنموية ضخمة، شملت تشييد مصانع الحديد والصلب، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الاحتياجات الاستهلاكية. كما تزامن مع سياسة كسر احتكار السلاح، والتوجه نحو الشرق. ولا شك أن المقاومة الباسلة للمصريين، في بور سعيد، والموقف التضامني العربي الشامل مع مصر، والمتغيرات الكبرى في السياسة الدولية، والإنذار السوفييتي، كان لها جميعاً الأثر الكبير في وقف العدوان، وهزيمة المعتدين، وخروج رئيس الوزراء البريطاني، أنطوني إيدن، ورئيس الجمهورية الفرنسية، غي موليه، للأبد من المشهد السياسي، بعد تقديم استقالتهما. لم يتضرر سلاح الجو المصري، فقد تم توجيهه إلى القواعد العسكرية في المملكة العربية السعودية، وظل في مأمن حتى انقشاع العدوان. وقد أسس تضامن العرب، أثناء العدوان الثلاثي، لعلاقة استراتيجية متينة، ضمت مصر والسعودية وسوريا واليمن، مؤكدة أن قوة العرب في وحدتهم. وبالمثل تضامن العمال العرب مع مصر الشقيقة، وحين رفض عمال ميناء نيويورك تفريغ الباخرة المصرية كليوبترا، رفض عمال عدن تقديم أي خدمة للبواخر الأمريكية. بعد هذا التفصيل، هل بقي مجال للشك في توصيف قول ترامب بمساعدة بلاده في حفر قناة السويس، ومطالبة حكومة مصر بعبور بواخر بلاده القناة مجاناً. ويبقى الكاريكاتير لغة مضمرة في الرسم.. وفي الإعلان عن مواقف سياسية.