#أحدث الأخبار مع #عيدانإسكندر،ساحة التحرير١٥-٠٥-٢٠٢٥سياسةساحة التحريرتحولات نمط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط: بين التكتيك الجيو – سياسي والثوابت البنيوية!غانية ملحيستحولات نمط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط: بين التكتيك الجيو – سياسي والثوابت البنيوية! غانية ملحيس تشهد السياسات الأميركية في الشرق الأوسط ملامح تحول في نمط الانخراط، يتجلى في تعامل مباشر مع القوى الإقليمية بعيدا عن البوابة الإسرائيلية التي لطالما مثلت حجر الزاوية في الرؤية الأميركية التقليدية للمنطقة منذ تأسيس إسرائيل قبل 77 عام. هذا التحول، الذي أخذ شكل خطوات ملموسة خلال الأشهر الأخيرة، وأثار أوهاما لدى النخب السياسية والثقافية العربية باعتبارها تحولا نوعيا يبنى عليها. لكنه في الواقع لا يرقى – في جوهره – إلى مستوى التحول الاستراتيجي، بل يندرج في إطار تعديل تكتيكي تستدعيه مستلزمات تكريس الهيمنة الأميركية على عموم المنطقة الذي لا غنى عنه لاطالة أمد الهيمنة والتفرد الأمريكي بالقيادة العالمية وتعطيل انبثاق النظام الدولي متعدد الأقطاب الذي بات وشيكا. تتعدد مؤشرات التحوّل التكتيكي التي تدفع إلى رصد تغير في نمط التعاطي الأميركي مع ملفات المنطقة: 1. إعادة فتح قنوات التفاوض مع إيران لتطويعها سلما، بعد التراجع الكبير في نفوذها الاقليمي، وانفراط عقد حلفائها في لبنان وسوريا. دون استبعاد التصعيد العسكري عند استعصائها، فما تزال مآلات الصراع مفتوحة على كل الاحتمالات. 2. التوصل إلى تفاهمات مع جماعة الحوثيين حول وقف إطلاق النار، بعيدا عن إسرائيل. لارتفاع كلفة المواجهة وتعذر الحسم السريع. 3. إدارة مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس، أفضت إلى إطلاق سراح الجندي الأسير الإسرائيلي الأمريكي (عيدان إسكندر)، وهو ما كان سابقا يتم التفاوض عليه عبر وسطاء ضمن ملف الأسرى الإسرائيليين. 4. تجاهل إسرائيل في الجولة الإقليمية الأخيرة لدونالد ترامب، التي اقتصرت على السعودية وقطر والإمارات. 5. رفع جزئي للعقوبات عن سوريا بالتنسيق مع تركيا والسعودية، دون الإفصاح عن الشروط، وهو ما جعله يبدو كمرونة أمريكيه مستجدة. هذه التحركات – على أهميتها الرمزية – لا تعكس تحولا في البنية العميقة للسياسة الأميركية، بقدر ما تعبّر عن محاولة لإعادة ضبط الإيقاع التكتيكي في ضوء المتغيرات الإقليمية، خصوصا بعد زلزال 'طوفان الأقصى'. فبغض النظر عن تباين المواقف من طوفان الأقصى، إلا ان هناك توافقا يرقى الى مستوى الإجماع على اعتباره حدثا تكوينيا أعاد خلط أوراق المنطقة وأربك وشغل العالم بأسره. فقد مثل الهجوم الفلسطيني في السابع من تشرين الأول/أكتوبر/ 2023، والعدوان الإسرائيلي غير المسبوق في حجمه ووحشيته، حدثا تكوينيا أعاد ترتيب المشهد الفلسطيني والإسرائيلي والعربي والإقليمي والدولي. وقد أفرز هذا الحدث جملة من النتائج الجوهرية: • انكشاف هشاشة القدرة الإسرائيلية على الصمود دون دعم أميركي وغربي مباشر. وانتهاء أوهام القوة التي لا تقهر التي استحوذت على الوعي العربي الجمعي واحتمى بها الكيان الصهيونى على مدى 75 عام. • اهتزاز صورة الردع الإسرائيلي ما أثار شكوك مستوطنيها اليهود ويهود العالم بمدى أهلية إسرائيل كملاذ آمن، وبقدرتها على حل المسألة اليهودية مقارنة بالشتات. وبين لشعوب المنطقة والعالم محدودية قدرة حق القوة على التفوق على حق القوة عند تفعيل ارادة المظلومين لإحقاقه. • إعادة الاعتبار للسردية الفلسطينية عالميا حول استمرار حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني للعقد الثامن على التوالي. • تنامي الاختلافات والتباينات داخل النخب السياسية والثقافية الغربية عموما وفي الولايات المتحدة حول الدعم اللامشروط لإسرائيل. • تكشف خواء المنظومة القيمية والأخلاقية الغربية وزيف ادعاءاتها المتصلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. • انكشاف عوار النظام الدولي، وظهور الاستعمار الاستيطاني الصهيوني العنصري عربيا واقليميا ودوليا كجزء من بنية الهيمنة الاستعمارية الغربية. ما يتعذرمعه فهم هذه التحولات خارج الإطار البنيوي العميق الذي يمثله المشروع الاستيطاني الصهيوني ككيان وظيفي وأداة استعمارية غربية في قلب العالم العربي. فالمشروع الصهيوني لم يصمم ليكون كيانا قوميا لليهود فحسب، وإنما كإمتداد للغرب ورأس جسر ديموغرافي وديني وحضاري مغاير لطبيعة المنطقة يسعى لمنع نشوء إقليم عربي وازن. وعليه، فإن جميع الاتفاقيات الدولية منذ توصيات لجنة بيل (1937) وقرار التقسيم (1947) واتفاقيات الهدنة (1949)وقرار مجلس الامن الدولي رقم 242 (1967) والقرار رقم 338 (1973) ومعاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية (1979)ومؤتمر مدريد للسلام (1991)واتفاقات أوسلو (1993)، واتفاقية وادي عربة (1994 )، ومفاوضات كامب ديفيد (2000 ) وصولا الى اتفاقات ابراهام (2020). ، لم تكن تستهدف النفاذ، وإنما كانت سياسات مرحلية لتثبيت وتشريع مكتسبات المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري، ضمن مسار تدريجي وتراكمي لاستكمال تنفيذ وعد بلفور. وعليه، فما يبدو من خلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حاليا، لا يتجاوز حدود الخلاف بين أصحاب المشروع على نسب الشراكة لا على طبيعة المشروع ذاته. فالصراع الجاري ليس سوى صراع بيني داخل المعسكر الصهيوني ذاته – بين المسيحيين الإنجيليين واليهود الصهاينة – ليس حول فلسطين، بل حول قيادة المشروع الاستعماري ذاته • فالصهيونية اليهودية، التي تتمحور حول إسرائيل كمركز عابر للقوميات، باتت تسعى لتحسين موقعها النسبي في الشراكة مع الإمبريالية الغربية عموما والأمريكية خصوصا، بعد أن بات لها دورا فاعلا ومؤثرا في سياساتها الداخلية والخارجية. ما قد يمكنها من التفوق على الصهيونية المسيحية الإنجيلية، التي تسعى جاهدة في عهد دونالد ترامب، لبناء قومية أمريكية عظمى تنفرد بالقيادة العالمية. • فيما الصهيونية المسيحية الإنجيليّة، ترى في إسرائيل شريكا استراتيجيا ووكيلا تنفيذيا لها في مركزالعالم. وتخشى في الآن ذاته من تمردها ونزعتها الاستقلالية، خصوصا مع انفتاحها على الصين وروسيا والهند. وبناء علاقات تعاون معها، قد تتعارض مع الأهداف الاستراتيجية الأمريكية. وتتوجس من سيناريو مشابه لما حدث بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين بريطانيا قبل قرنين ونصف، بفقدان السيطرة البريطانية – الأم، على الحليف الأمريكي – الابن. غير ان ذلك التباين بين أطراف المعسكر الصهيوني/ اليهودي والمسيحي الانجيلي/ لا يطال الاستراتيجية اتجاه الإقليم العربي المرتكزة على التفكيك والاحتواء. فالاستراتيجية الغربية- الصهيونية في المنطقة العربية الإسلامية الممتدة / الشرق الأوسط/ منذ الحرب العالمية الثانية، وتخليق دولة إسرائيل في مركزها اتخذت مسارين متوازيين: – 1- بناء تحالفات إسرائيلية مع مكونات إسلامية غير عربية (إيران، تركيا، الأكراد)، ومع مكونات عربية غير إسلامية. ومع مكونات طائفية داخل الإسلام. ثم العمل لاحقا على تأليبها جميعا على بعضها البعض، واستنزافها في صراعات بينية وأهلية، لإضعاف مناعتها في مواجهة الكيان الاستعماري الاستيطاني الغربي الصهيوني العنصري المستحدث في مركز الوصل والفصل الجغرافي والديموغرافي والحضاري لعموم الأمة المستهدفة جلها بالسيطرة والإخضاع. 2. تفكيك الهويات العربية والاسلامية الجامعة، عبر تأجيج الانقسامات العرقية والقومية/ عرب وفرس وترك وكرد/والدينية/ يهود ومسيحيون ومسلمون/ والمذهبية /سنّة وشيعة ودروز وعلويين). ومنع نشوء إقليم عربي وازن بعزل وتقويض المراكز العربية المؤهلة لقيادة الأمة العربية/ مصر وسوريا والعراق/ ونقل مركز القيادة لدول الأطراف التي تمتلك موارد نفطية ومالية وفيرة، وتعتمد في تنميتها والحفاظ على موقعها القيادي على العلاقات مع القوى الدولية المتنفذة. إذ تفتقر إلى المقومات الذاتية للقيادة تاريخيا، أو ديموغرافيا، أو حضاريا، أو سياسيا، أو اقتصاديا، أو اجتماعيا. نخلص من ذلك الى ضرورة التمييز بين الثابت والمتحول في السياسة الأمريكية. فرغم ما يبدو من مرونة تكتيكية راهنا، فإن الثابت البنيوي لم يتغير. فما يزال تصفية القضية الفلسطينية هدفا مركزيا للقوى الاستعمارية الغربية الصهيونية العنصرية. وما يزال حلها باقتسام فلسطين الانتدابية / حل الدولتين/ خارج الحسابات الاستراتيجية الفعلية للغرب عموما، وللولايات المتحدة الأمريكية خصوصا. وما تزال إسرائيل الحليف الاستراتيجي المؤتمن على المصالح الاستعمارية الغربية في عموم المنطقة، والمفضل على جميع المكونات الإقليمية الأصيلة في المنطقة . فالتجربة الإيرانية قبل 46 عام ما تزال ماثلة في الأذهان. والتوجس في نوايا الأتراك يفوق الثقة بهم رغم عضويتهم في حلف الأطلسي /الناتو/. وهو ما يحول دون عضويتهم في الاتحاد الأوروبي، رغم انخراطهم في المشروع الغربي للسيطرة على المنطقة. وعليه فإن الفصل بين العلاقات الغربية والأمريكية مع دول المنطقة وإسرائيل خطوة مهمة. لكنها لا تعبر عن تحول جوهري في الموقف الأمريكي والغربي من جوهر الصراع. ومخرجات زيارة دونالد ترامب للسعودية وقطر، والتي لن تختلف عنها غدا في الإمارات، وغابت عنها القضية الفلسطينية كليا، واقتصرت إشارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأنها على المطالبة بإدانة طوفان الأقصى باعتبار ذلك موقفا حضاريا ضدّ 'الهمجيه والاغتصاب' والدعوة لإطلاق سراح بقية الرهائن الإسرائيلين (21 احياء و38 اموات)، فيما تحتجز إسرائيل اكثرمن 10 الاف أسير فلسطيني بينهم عشرات الاطفال والنساء في ظروف غير إنسانية، علاوة عن احتجازها مئات جثث الشهداء منذ عقود. ودون التفات ترامب إلى حرب الإبادة المتواصلة والتطهير العرقي والتجويع والتعطيش لأكثر من مليوني غزي، وحرب الاستئصال المتنامي للمخيمات والقرى والضم المتسارع للضفة الغربية. أكبر دليل على ثبات السياسات الأمريكية والغربية وسعيهم لمحو الوجود الجغرافي والديموغرافي الفلسطيني داخل فلسطين الانتدابية، والانطلاق منها للسيطرة على عموم المنطقة العربية والإسلامية، ونهب ثرواتها، واخضاع جميع دولها وشعوبها. وعليه فالمطلوب عدم الانخداع بهذا التكتيك، بل توظيفه للنهوض بالوعي الجمعي، وانتهاج مشروع تحرري يعيد ترتيب أولويات الأمة. ويعيد الاعتبار للهوية الجامعة كأداة مقاومة في وجه المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري المتجدد. 2025-05-15
ساحة التحرير١٥-٠٥-٢٠٢٥سياسةساحة التحريرتحولات نمط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط: بين التكتيك الجيو – سياسي والثوابت البنيوية!غانية ملحيستحولات نمط الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط: بين التكتيك الجيو – سياسي والثوابت البنيوية! غانية ملحيس تشهد السياسات الأميركية في الشرق الأوسط ملامح تحول في نمط الانخراط، يتجلى في تعامل مباشر مع القوى الإقليمية بعيدا عن البوابة الإسرائيلية التي لطالما مثلت حجر الزاوية في الرؤية الأميركية التقليدية للمنطقة منذ تأسيس إسرائيل قبل 77 عام. هذا التحول، الذي أخذ شكل خطوات ملموسة خلال الأشهر الأخيرة، وأثار أوهاما لدى النخب السياسية والثقافية العربية باعتبارها تحولا نوعيا يبنى عليها. لكنه في الواقع لا يرقى – في جوهره – إلى مستوى التحول الاستراتيجي، بل يندرج في إطار تعديل تكتيكي تستدعيه مستلزمات تكريس الهيمنة الأميركية على عموم المنطقة الذي لا غنى عنه لاطالة أمد الهيمنة والتفرد الأمريكي بالقيادة العالمية وتعطيل انبثاق النظام الدولي متعدد الأقطاب الذي بات وشيكا. تتعدد مؤشرات التحوّل التكتيكي التي تدفع إلى رصد تغير في نمط التعاطي الأميركي مع ملفات المنطقة: 1. إعادة فتح قنوات التفاوض مع إيران لتطويعها سلما، بعد التراجع الكبير في نفوذها الاقليمي، وانفراط عقد حلفائها في لبنان وسوريا. دون استبعاد التصعيد العسكري عند استعصائها، فما تزال مآلات الصراع مفتوحة على كل الاحتمالات. 2. التوصل إلى تفاهمات مع جماعة الحوثيين حول وقف إطلاق النار، بعيدا عن إسرائيل. لارتفاع كلفة المواجهة وتعذر الحسم السريع. 3. إدارة مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس، أفضت إلى إطلاق سراح الجندي الأسير الإسرائيلي الأمريكي (عيدان إسكندر)، وهو ما كان سابقا يتم التفاوض عليه عبر وسطاء ضمن ملف الأسرى الإسرائيليين. 4. تجاهل إسرائيل في الجولة الإقليمية الأخيرة لدونالد ترامب، التي اقتصرت على السعودية وقطر والإمارات. 5. رفع جزئي للعقوبات عن سوريا بالتنسيق مع تركيا والسعودية، دون الإفصاح عن الشروط، وهو ما جعله يبدو كمرونة أمريكيه مستجدة. هذه التحركات – على أهميتها الرمزية – لا تعكس تحولا في البنية العميقة للسياسة الأميركية، بقدر ما تعبّر عن محاولة لإعادة ضبط الإيقاع التكتيكي في ضوء المتغيرات الإقليمية، خصوصا بعد زلزال 'طوفان الأقصى'. فبغض النظر عن تباين المواقف من طوفان الأقصى، إلا ان هناك توافقا يرقى الى مستوى الإجماع على اعتباره حدثا تكوينيا أعاد خلط أوراق المنطقة وأربك وشغل العالم بأسره. فقد مثل الهجوم الفلسطيني في السابع من تشرين الأول/أكتوبر/ 2023، والعدوان الإسرائيلي غير المسبوق في حجمه ووحشيته، حدثا تكوينيا أعاد ترتيب المشهد الفلسطيني والإسرائيلي والعربي والإقليمي والدولي. وقد أفرز هذا الحدث جملة من النتائج الجوهرية: • انكشاف هشاشة القدرة الإسرائيلية على الصمود دون دعم أميركي وغربي مباشر. وانتهاء أوهام القوة التي لا تقهر التي استحوذت على الوعي العربي الجمعي واحتمى بها الكيان الصهيونى على مدى 75 عام. • اهتزاز صورة الردع الإسرائيلي ما أثار شكوك مستوطنيها اليهود ويهود العالم بمدى أهلية إسرائيل كملاذ آمن، وبقدرتها على حل المسألة اليهودية مقارنة بالشتات. وبين لشعوب المنطقة والعالم محدودية قدرة حق القوة على التفوق على حق القوة عند تفعيل ارادة المظلومين لإحقاقه. • إعادة الاعتبار للسردية الفلسطينية عالميا حول استمرار حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني للعقد الثامن على التوالي. • تنامي الاختلافات والتباينات داخل النخب السياسية والثقافية الغربية عموما وفي الولايات المتحدة حول الدعم اللامشروط لإسرائيل. • تكشف خواء المنظومة القيمية والأخلاقية الغربية وزيف ادعاءاتها المتصلة بالديمقراطية وحقوق الإنسان. • انكشاف عوار النظام الدولي، وظهور الاستعمار الاستيطاني الصهيوني العنصري عربيا واقليميا ودوليا كجزء من بنية الهيمنة الاستعمارية الغربية. ما يتعذرمعه فهم هذه التحولات خارج الإطار البنيوي العميق الذي يمثله المشروع الاستيطاني الصهيوني ككيان وظيفي وأداة استعمارية غربية في قلب العالم العربي. فالمشروع الصهيوني لم يصمم ليكون كيانا قوميا لليهود فحسب، وإنما كإمتداد للغرب ورأس جسر ديموغرافي وديني وحضاري مغاير لطبيعة المنطقة يسعى لمنع نشوء إقليم عربي وازن. وعليه، فإن جميع الاتفاقيات الدولية منذ توصيات لجنة بيل (1937) وقرار التقسيم (1947) واتفاقيات الهدنة (1949)وقرار مجلس الامن الدولي رقم 242 (1967) والقرار رقم 338 (1973) ومعاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية (1979)ومؤتمر مدريد للسلام (1991)واتفاقات أوسلو (1993)، واتفاقية وادي عربة (1994 )، ومفاوضات كامب ديفيد (2000 ) وصولا الى اتفاقات ابراهام (2020). ، لم تكن تستهدف النفاذ، وإنما كانت سياسات مرحلية لتثبيت وتشريع مكتسبات المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري، ضمن مسار تدريجي وتراكمي لاستكمال تنفيذ وعد بلفور. وعليه، فما يبدو من خلافات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حاليا، لا يتجاوز حدود الخلاف بين أصحاب المشروع على نسب الشراكة لا على طبيعة المشروع ذاته. فالصراع الجاري ليس سوى صراع بيني داخل المعسكر الصهيوني ذاته – بين المسيحيين الإنجيليين واليهود الصهاينة – ليس حول فلسطين، بل حول قيادة المشروع الاستعماري ذاته • فالصهيونية اليهودية، التي تتمحور حول إسرائيل كمركز عابر للقوميات، باتت تسعى لتحسين موقعها النسبي في الشراكة مع الإمبريالية الغربية عموما والأمريكية خصوصا، بعد أن بات لها دورا فاعلا ومؤثرا في سياساتها الداخلية والخارجية. ما قد يمكنها من التفوق على الصهيونية المسيحية الإنجيلية، التي تسعى جاهدة في عهد دونالد ترامب، لبناء قومية أمريكية عظمى تنفرد بالقيادة العالمية. • فيما الصهيونية المسيحية الإنجيليّة، ترى في إسرائيل شريكا استراتيجيا ووكيلا تنفيذيا لها في مركزالعالم. وتخشى في الآن ذاته من تمردها ونزعتها الاستقلالية، خصوصا مع انفتاحها على الصين وروسيا والهند. وبناء علاقات تعاون معها، قد تتعارض مع الأهداف الاستراتيجية الأمريكية. وتتوجس من سيناريو مشابه لما حدث بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين بريطانيا قبل قرنين ونصف، بفقدان السيطرة البريطانية – الأم، على الحليف الأمريكي – الابن. غير ان ذلك التباين بين أطراف المعسكر الصهيوني/ اليهودي والمسيحي الانجيلي/ لا يطال الاستراتيجية اتجاه الإقليم العربي المرتكزة على التفكيك والاحتواء. فالاستراتيجية الغربية- الصهيونية في المنطقة العربية الإسلامية الممتدة / الشرق الأوسط/ منذ الحرب العالمية الثانية، وتخليق دولة إسرائيل في مركزها اتخذت مسارين متوازيين: – 1- بناء تحالفات إسرائيلية مع مكونات إسلامية غير عربية (إيران، تركيا، الأكراد)، ومع مكونات عربية غير إسلامية. ومع مكونات طائفية داخل الإسلام. ثم العمل لاحقا على تأليبها جميعا على بعضها البعض، واستنزافها في صراعات بينية وأهلية، لإضعاف مناعتها في مواجهة الكيان الاستعماري الاستيطاني الغربي الصهيوني العنصري المستحدث في مركز الوصل والفصل الجغرافي والديموغرافي والحضاري لعموم الأمة المستهدفة جلها بالسيطرة والإخضاع. 2. تفكيك الهويات العربية والاسلامية الجامعة، عبر تأجيج الانقسامات العرقية والقومية/ عرب وفرس وترك وكرد/والدينية/ يهود ومسيحيون ومسلمون/ والمذهبية /سنّة وشيعة ودروز وعلويين). ومنع نشوء إقليم عربي وازن بعزل وتقويض المراكز العربية المؤهلة لقيادة الأمة العربية/ مصر وسوريا والعراق/ ونقل مركز القيادة لدول الأطراف التي تمتلك موارد نفطية ومالية وفيرة، وتعتمد في تنميتها والحفاظ على موقعها القيادي على العلاقات مع القوى الدولية المتنفذة. إذ تفتقر إلى المقومات الذاتية للقيادة تاريخيا، أو ديموغرافيا، أو حضاريا، أو سياسيا، أو اقتصاديا، أو اجتماعيا. نخلص من ذلك الى ضرورة التمييز بين الثابت والمتحول في السياسة الأمريكية. فرغم ما يبدو من مرونة تكتيكية راهنا، فإن الثابت البنيوي لم يتغير. فما يزال تصفية القضية الفلسطينية هدفا مركزيا للقوى الاستعمارية الغربية الصهيونية العنصرية. وما يزال حلها باقتسام فلسطين الانتدابية / حل الدولتين/ خارج الحسابات الاستراتيجية الفعلية للغرب عموما، وللولايات المتحدة الأمريكية خصوصا. وما تزال إسرائيل الحليف الاستراتيجي المؤتمن على المصالح الاستعمارية الغربية في عموم المنطقة، والمفضل على جميع المكونات الإقليمية الأصيلة في المنطقة . فالتجربة الإيرانية قبل 46 عام ما تزال ماثلة في الأذهان. والتوجس في نوايا الأتراك يفوق الثقة بهم رغم عضويتهم في حلف الأطلسي /الناتو/. وهو ما يحول دون عضويتهم في الاتحاد الأوروبي، رغم انخراطهم في المشروع الغربي للسيطرة على المنطقة. وعليه فإن الفصل بين العلاقات الغربية والأمريكية مع دول المنطقة وإسرائيل خطوة مهمة. لكنها لا تعبر عن تحول جوهري في الموقف الأمريكي والغربي من جوهر الصراع. ومخرجات زيارة دونالد ترامب للسعودية وقطر، والتي لن تختلف عنها غدا في الإمارات، وغابت عنها القضية الفلسطينية كليا، واقتصرت إشارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأنها على المطالبة بإدانة طوفان الأقصى باعتبار ذلك موقفا حضاريا ضدّ 'الهمجيه والاغتصاب' والدعوة لإطلاق سراح بقية الرهائن الإسرائيلين (21 احياء و38 اموات)، فيما تحتجز إسرائيل اكثرمن 10 الاف أسير فلسطيني بينهم عشرات الاطفال والنساء في ظروف غير إنسانية، علاوة عن احتجازها مئات جثث الشهداء منذ عقود. ودون التفات ترامب إلى حرب الإبادة المتواصلة والتطهير العرقي والتجويع والتعطيش لأكثر من مليوني غزي، وحرب الاستئصال المتنامي للمخيمات والقرى والضم المتسارع للضفة الغربية. أكبر دليل على ثبات السياسات الأمريكية والغربية وسعيهم لمحو الوجود الجغرافي والديموغرافي الفلسطيني داخل فلسطين الانتدابية، والانطلاق منها للسيطرة على عموم المنطقة العربية والإسلامية، ونهب ثرواتها، واخضاع جميع دولها وشعوبها. وعليه فالمطلوب عدم الانخداع بهذا التكتيك، بل توظيفه للنهوض بالوعي الجمعي، وانتهاج مشروع تحرري يعيد ترتيب أولويات الأمة. ويعيد الاعتبار للهوية الجامعة كأداة مقاومة في وجه المشروع الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري المتجدد. 2025-05-15