logo
#

أحدث الأخبار مع #عِيَسىبِنْصَالِحٍبِنْعَامِرٍالطَّائِيُّ

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (47)
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (47)

جريدة الرؤية

time٠٧-٠٥-٢٠٢٥

  • منوعات
  • جريدة الرؤية

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (47)

تحقيق: ناصر أبوعون يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ : [(وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَتَنَاوِلِ الطَّعَامِ، قَامَ السُّلْطَاُن خَطِيْبًا بِنَفْسِهِ، وَخَطَبَ اِرْتِجَالًا؛ خُطْبَةً أَجْزَلَ فِيْهَا الْقَوْلَ. فَقَالَ- بَعْدَ حَمْدِ اللهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسَوْلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ مَا مَعْنَاهُ-:"إِنِّي أُبْدِي سُرُوْرِيَ الْعَظِيْمَ بِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ دَاعِيًا اللهَ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – وَمُبْتَهِلًا إِلَيْهِ أَنْ يُعِيْدَهُ عَلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِطَالِعِ السَّعْدِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الدَّوَامِ، وَأَرْجُو مِنْ رَعِيَّتِي أَهَالَي ظَفَارِ رَفْعَ الْبِدَعِ الثَّلَاثِ الَّتِي اِتَّخَذُوْهَا عِيْدًا يُنَشَّأُ عَلَيْهَا الصَّغِيْرُ وَيَهْرُمُ عَلَيْهَا الْكَبِيْرُ؛ فأمّا الْأُولَى فَتَرْكُ الْعِيْدِ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ لَأّنَّهُ بِدْعَةٌ، وأمّا البِدْعَةُ الثَّانِيَةُ ضَرْبُ الطَّبْلِ عَلَى الْإِمَاءِ الّلوَاتِي يُبْدِيْنَ الْعُهْرَ سِرًّا، وأمّا البِدْعَةُ الثَّالِثَةُ فتَرْكُ الْمُرَامَاةِ وَالرَّشِّ بِبَوْلِ الْبَقَرِ لِبَعْضِكُمْ بَعْضًا فِي الْيَوْمِ الْمَعُلُوْمِ عِنْدَكُمْ)]. ***** السلطان تيمور خطيبًا بالمولد النبويّ يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَتَنَاوِلِ الطَّعَامِ، قَامَ السُّلْطَاُن خَطِيْبًا بِنَفْسِهِ، وَخَطَبَ اِرْتِجَالًا؛ خُطْبَةً أَجْزَلَ فِيْهَا الْقَوْلَ)]. يقول الشيخ عيسى الطائيّ: [ (وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَتَنَاوِلِ الطَّعَامِ)] ؛ أي بعد الانتهاء من قراءة المدائح النبويّة ليلة الميلاد، والتي تحكي قصة مولد النبي محمد(صلى الله عليه وسلم)، وإتمام سرد صفاته، وفضائل أعماله. وكلمة [(الْفَرَاغِ)] في هذا السياق بمعنى (الانتهاء والإتمام)، وشاهده اللغوي في نقرأه الحديث النبويّ: [حدثنا أبو بكر بن خلاد الباهلي، حدثني مرحوم بن عبد العزيز العطار، حدثني عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر، قال توضأ رسول الله(ﷺ) واحدة واحدة فقال "هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به". ثم توضأ ثنتين ثنتين فقال "هذا وضوء القدر من الوضوء". وتوضأ ثلاثا ثلاثا وقال "هذا أسبغ الوضوء وهو وضوئي ووضوء خليل الله إبراهيم ومن توضأ هكذا ثم قال عند ( فراغه): أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء (01) ] [(قَامَ السُّلْطَاُن خَطِيْبًا بِنَفْسِهِ)]، ( قَامَ السُّلْطَاُن )؛ أي: وقف السلطان تيمور آل سعيد، والمعنى في اللغة (وقف وانتصب من قعود)، وشاهده اللغوي، في قول لقيط بن يعمر الإيادي يخاطب قومه: [( قُومُوا ) عَلَى أَمْشَاطِ أَرْجُلِكُمْ/ ثُمَّ اِفْزَعُوا، قَدْ يَنَالُ الْأَمْنَ مَنْ فَزِعَا (02) ]، وقوله: [ (خَطِيْبًا بِنَفْسِهِ)] ؛ تُطلق على كل قادر على الكلام بين الناس وإقناعهم. وشاهده اللغويّ في شعر عامر بن وهب المُحاربيّ، مفاخرًا بفصاحة قومه: [وَهُمْ يَدْعَمُونَ الْقَوْمَ، فَي كُلِّ مَوْطِنٍ/ وَبِكُلِّ ( خَطِيْبٍ )، يَتْرُكُ الْقَوْمَ كُظَّمَا (03) ]، وقوله: [ (وَخَطَبَ اِرْتِجَالًا)] ( خَطَبَ )؛ أي: ألقى على أهل ظفار ليلة مولد خاتم الرسل سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، والشاهد اللغوي للفعل (خطب) في الحديث النبويّ: [حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الرَّقِّيُّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّيْدَلَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جدِّه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال في خُطْبَةٍ (خَطَبَهَا ): [لَايَجُوزُ لِامْرَأَةٍ عَطِيَّةً مِنْ مَالِهَا إِلَّا بِإذْنِ زَوْجِهَا، إِذْ هُوَ مَالِكُ عِصْمَتِهَا. رَوَاه أبو داود بلفظه (04) ]، وقوله:( اِرْتِجَالًا )؛ أيْ: أنشأ السلطان تيمور خُطبةً من بنات أفكاره على غير مثال سابق. والشاهد اللغويّ في معنى ( الارتجال ) نجده في قول ابن دُريد: [إِنَّمَا أَمْلَيْنَا هَذَا الْكِتَابَ ( اِرْتِجَالًا )، لَا عَنْ نُسْخَةٍ، وَلَا تَقْلِيْدٍ فِي كِتَابٍ قَبْلَهُ (05) ] [(خُطْبَةً أَجْزَلَ فِيْهَا الْقَوْلَ)]، وكلمة [(خُطْبَةً)] معناها: الكلام الذي يُلقَى أمام القوم. وهي (اسم) من الفعل الثلاثيّ (خَطَبَ)، وجمعها: [( خُطَب) و(مَخاطِب )] . ونقرأ شاهدها اللغويّ في شعر امرؤ القيس بن حُجْر الكنديّ: [رُبَّ ( خُطْبَةٍ ) مُسْحَنْفِرَه/ وطعنة مُثْعَنْجِرَه (06) ]، وفي تعبيره: [ (أَجْزَلَ فِيْهَا الْقَوْلَ)] ، إشارة إلى الإيجاز في الكلام والبلاغة في المعاني، وتقول العرب:(أَجْزَلَ في الخُطبة ونحوها)، أي: أتى بالكلام الفصيح البليغ، و( أَجْزَلَ ) فعلٌ متعدٍ بالحرف.ونقرأ شاهدها اللغوي في قول ابن راهَويه الحنظليّ التميميّ المَرْوَزِيّ، يُخبر مُخاطبَه: [وَكَانَ جَدُّكَ كَرَجُلٍ مُفَوَّه، إِنْ خَطَبَ أَجْزَلَ، وَإِنْ كَتَبَ رِسَالَةً أَحْسَنَ (07) ] بدء الخُطبة بالحمد سُنَّة نبوية يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (فَقَالَ- بَعْدَ حَمْدِ اللهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسَوْلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ-:)] إنّ بَدْء السلطان تيمور الخُطبة بين يدي أهل ظفار بـ [(حَمْدِ اللهِ)] هو السُّنَّة. والشاهد فيها من حديث النبيّ (صلى الله عليه وسلم)[عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ" قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَاهُ يُونُسُ، وَعَقِيلٌ، وَشُعَيْبٌ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وسلم) مُرْسَلًا (08) ]. وإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يفتتح كلامه وخطبه قائلا:(إنَّ الحمدَ للهِ نحمده ونستعينُه، من يَهْدِه اللهِ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ اللهُ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، أما بعدُ (09) ) ، ثم ثنّى السلطان تيمور بعد الحمد بـ( الصَّلَاةِ عَلَى رَسَوْلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ) امتثالًا لقوله (صلى الله عليه وسلم)[أتاني آتٍ من عندِ ربِّي عزَّ و جلَّ، فقال: مَن صلَّى عليك من أُمَّتِك صلاةً كتب اللهُ له بها عشرَ حَسَناتٍ، و محا عنه عشرَ سيئاتٍ، ورفع له عشرَ درجاتٍ، و ردَّ عليه مثلَها (10) ]. مُفتتح خُطبة السلطان تيمور يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ نقلا مما سمعه من السلطان تيمور في خطبته: [ ("إِنِّي أُبْدِي سُرُوْرِيَ الْعَظِيْمَ بِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ دَاعِيًا اللهَ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – وَمُبْتَهِلًا إِلَيْهِ أَنْ يُعِيْدَهُ عَلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِطَالِعِ السَّعْدِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الدَّوَامِ)] [(فَقَالَ السلطان تيمور مَا مَعْنَاهُ)] ، فهذه العبارة الاصطلاحية شائعة الاستعمال بين الخُطباء والمستشهدين بالأحاديث النبويّة، وشُرّاح المتون في أحوال شتّى لكنها تستعمل على إطلاقها تحوّطا من إضافة زيادة إلى المتن تُغيّر المعنى أو حذف لفظ يُخِلُّ بالمقصود، ولكنهم يستعملونها إجمالا تعبيرًا عن المعنى المقصود، بعد إدراكهم له وفهمهم لفحواه. [(إِنِّي أُبْدِي سُرُوْرِيَ الْعَظِيْمَ بِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ)] ، ومعنى ( أُبْدِي سُرُوْرِيَ الْعَظِيْمَ ): أُظهِر فرحي وأبوح بمكنون صدري عن محبتي بذكرى هذا اليوم المبارك يوم ميلاد سيد المرسلين (صلى الله عليه وسلم)، وكلمة ( أُبْدِي ) فعلٌ متعدٍ، وشاهده اللغويّ نقرأه في قول حُمَمة بن رافع الدَّوسيّ، يجيب على مَن سأله عن أغنى الناس؟ فقال: [مَنِ اسْتَشْعَرَ الْيَاس، وَ( أَبْدَى ) التَّجَمُّلَ للنَّاس، وَاِسْتَكْثَرَ قَلِيْلَ النِّعَمْ، وَلَمْ يَسْخَطْ عَلَى الْقِسَمْ] [(دَاعِيًا اللهَ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى–]) ( دَاعِيًا اللهَ )، أي: سائلا وطالبًا من الله أنْ يجدِّد هذا اليوم ويعيده أعوامًا مديدة. والشاهد اللغوي لكلمة (داعيا) نقرأه في شعر عمرو بن قميئة البكريّ: [وَ( دَعَوْتُ ) رَبِّي فِي السَّلَامَةِ جَاهِدًا/ لِيُصِحَّنِي؛ فَإِذَا السَّلَامَةُ دَاءُ (11) ]، وكلمة (سُبْحَانَهُ) مصدر. وإعرابه: مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف تقديره: (أسَبِّحُ)، وهو مضاف إلى الهاء ، والهاء ضمير مبني على الضم في محل جر مضاف إليه، وجملة ( سبحانه ) اعتراضية لا محلّ لها من الإعراب. وفي معناه: قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: ( سبحان الله ): تنزيه الله وتبرئته. وقال ابن عباس- رضي الله عنهما-:( سبحان الله ): تنزيه الله - عَزَّ وجَلَّ- عن كل سوء. أي تنزيهه عمّا لايليق به من الأوهام الفاسدة، والظنون الكاذبة وكل عيب ونقص. وهي جملة من أركان التوحيد. ومن شواهدها في القرآن الكريم:{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ}[٩١ المؤمنون]،و{سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}[٦٨ القصص]. وَ[(تَعَالَى)] ، أي: ( تَنَزّهَـ وتَعَظَّم ). وشاهدُه نقرأه في قول عبد المطلب بن هاشم القرشيّ، يخاطب سيف بنَ ذي يزنٍ: [إِنَّ اللهَ (تَعَالَى)–أَيُّهَا الْمَلِكُ– أَحَلَّكَ مَحَلًّا رَفِيْعًا، صَعْبًا مَنِيْعًا (12) ] [(وَمُبْتَهِلًا إِلَيْهِ)] ،من الفعل المتعدي (ابتهل)، والمعنى: مجتهدا ومُتضرعًا إلى الله في الدعاء. وشاهده اللغويّ نقرأه في قول امريء القيس بن حُجْر الكنديّ: [لَهَا مُقْلَةٌ لَوْ أَنَّهَا نَظَرَتْ بِهَا/ إِلَى رَاهِبٍ قَدْ صَامَ للهِ وَ( ابْتَهَل ) (13) ] [(أَنْ يُعِيْدَهُ عَلَى الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِطَالِعِ السَّعْدِ)] ، [(الْأُمَّة الْإِسْلَامِيَّة)] :جماعة المسلمين وعُصبتهم، والشعوب التي تنضوي تحت عقيدة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله) في سائر الأصقاع والبلدان. والشاهد اللغويّ فيها نقرأه في شعر مالك بن فهم الأزديّ: [بِهِ أَوْلادُ نَاجِيَةَ بِنِ جَرْمٍ/ وَأَوْبَاشٍ مِنَ ( الْأُمَمِ ) الْغَوَانِي (14) ]، وقول السلطان تيمور عبارة [(بِطَالِعِ السَّعْدِ)] ، و( الطالع ): مصطلح في علم الفَلَك؛ ومعناه: النقطة التي في فلك البروج على الأفق الشرقي عند القياس. وشاهده في قول ابن البطريق: [وَاحْذَرْ أَنْ يَكُوْنَ الْقَمَرُ فِي الْقَوْسِ، وَهُوَ ( الطَّالِعُ )، أَوْ فِي الدَّلْو، أَوْ فِي الْجَدْي، أَوْ فِي الْجَوْزَاءِ، وَتَحَفَّظْ مِنْ نَظَرِ الشَّمْسِ إِلَى الْقَمَرِ، وَ( الطَّالِعُ ) فِي التَّرْبِيْعِ، أَوِ الْمُقَابَلَةِ (15) ]، وكلمة [(السَّعْدِ)] : معناها: أحد النجوم العشرة التي تُسمَّى (سُعُودًا)، والتي تُناقض (النُّحوس)، ويطلع أربعةٌ منها بمنازل القمر. والشاهد عليها في قول الخليل بن أحمد الفراهيدي: [سَعْدُ الذَّابِح، وَسَعْدُ بُلَع، وَسَعْدُ السُّعُود، وَسَعْدُ الْأَخْبِيَة (16) ] موضوع خُطبة السلطان تيمور يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (وَأَرْجُو مِنْ رَعِيَّتِي أَهَالَي ظَفَارِ رَفْعَ الْبِدَعِ الثَّلَاثِ الَّتِي اِتَّخَذُوْهَا عِيْدًا يُنَشَّأُ عَلَيْهَا الصَّغِيْرُ وَيَهْرُمُ عَلَيْهَا الْكَبِيْرُ)] [(وَأَرْجُو مِنْ رَعِيَّتِي أَهَالَي ظَفَارِ)] ( أَرْجُو ) فعل ومصدره:(الرجاء)، ومعناه في هذا السياق:(الأمل)، والشاهد في من قول أُحَيْحَة بن الجلاح الأوسيّ: [وَالْمَرْءُ (يَرْجُو) الرَّجَا/ءَ مُغَيَّبًا، وَالْمَوْتُ دُوْنَهْ (17) ]، [(رَفْعَ الْبِدَعِ الثَّلَاثِ الَّتِي اِتَّخَذُوْهَا عِيْدًا)] ( رَفْعَ ): إزالة. وشاهدها اللغويّ في قول كليب بن ربيعة التغلبيّ، يخاطب قُبَّرةً أحسّت اقترابه منها: [قَدْ ذَهَبَ الصَّيَّادُ عَنْكِ فَابْشِرِي/ وَ( رُفِعَ ) الْفَخُّ، فَمَاذَا تَحْذَرِي (18) ]، وكلمة [(الْبِدَع)] جمعٌ، ومفرده ( بِدْعَة )، ومعناها في اللغة: الأمر العجيب المُنكر. وهي مصطلح في (علم أصول الفقه الإسلاميّ) ويُقْصدُ بها: (ما أُحْدِثَ فِي الدِّيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا يَشْهَدُ لهُ أَصْلٌ شَرْعِيٌ أو يَقْتَضِيه). وشاهدها التشريعيّ في الحديث النبويّ: [إنه سَيَلِي أَمْرَكُمْ قَوْمٌ يُطْفِئُونَ السُّنَّةَ وَيُحْدِثُونَ ( بِدْعَةً ) ويُؤَخْرِوْنَ الصَّلَاةَ عَنْ مَوَاقِيْتِهَا. قَالَ اِبْنُ مَسْعُودٍ: وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُهُمْ؟ قَالَ: يَا ابْنَ أُمّ عَبْدٍ, لَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللهَ.قَالَهَا ثَلَاثًا] (19) [(الَّتِي اِتَّخَذُوْهَا عِيْدًا)]، ( اِتَّخَذُوْهَا ):( صَيَّرُوها ). وشاهدها اللغوي في قول المُثَقِّب العَبْدِيّ، يُخاطب أحدهم: [فَإِمَّا أَنْ تَكُوْنَ أَخِي بِحَقٍّ/ فَأَعْرِفُ مِنْكَ غَثِّي مِنْ سَمِيْنِي– وَإِلَّا فَاطَّرِحْنِي وَ( اتَّخِذْنِي )/ عَدِوًا أَتَّقِيْكَ وَتَتَّقِيْنِي (20) ]، [( يُنَشَّأُ عَلَيْهَا الصَّغِيْرُ وَيَهْرُمُ عَلَيْهَا الْكَبِيْرُ)] ( يُنَشَّأُ )، أي: يشبّ ويتربّى من أول أمره، وشاهدُها اللغويّ من القرآن الكريم في قول الله – سبحانه وتعالى-:{أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} (21) ، وقرأ نافع المدني ( يَنْشَأُ ) بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين (22) ، وفي العبارة إحالة على قصة المثل الشهير المرويّ عن سلطان العارفين أبو يزيد طيفور بن عيسى بن شروسان البسطامِي (188- 261هـ) التي يحفظها العامة:(مَنْ شَبَّ على شيءٍ شابَ عليه)، وفيها أيضًا تناصّ مع الآية القرآنية:{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ} (23) ، وفي العبارة إحالة إلى الحديث النبويّ: [كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه (24) ] السلطان يرجو الرعية ترك البدع يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [( فأمّا الْأُولَى فَتَرْكُ الْعِيْدِ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ لَأّنَّهُ بِدْعَةٌ، وأمّا البِدْعَةُ الثَّانِيَةُ ضَرْبُ الطَّبْلِ عَلَى الْإِمَاءِ الّلوَاتِي يُبْدِيْنَ الْعُهْرَ سِرًّا، وأمّا البِدْعَةُ الثَّالِثَةُ فتَرْكُ الْمُرَامَاةِ وَالرَّشِّ بِبَوْلِ الْبَقَرِ لِبَعْضِكُمْ بَعْضًا فِي الْيَوْمِ الْمَعُلُوْمِ عِنْدَكُمْ)]. [(فأمّا الْأُولَى فَتَرْكُ الْعِيْدِ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ )]( تَرْكُ ) مصدر، والجمع (تُرُوك)، ومعناه:(المفارقة)؛ فالسلطان تيمور يطلب من أهل ظفار مفارقة الاحتفال بيوم عاشوراء لكونه بدعة. وشاهدها اللغوي نقرأه في شعر المهلهل بن ربيعة التغلبيّ: [خُذِ الْعَهْدَ الْأَكِيْدَ عَليَّ عُمْرِي/ بِـ( تَرْكِي ) كُلَّ مَا حَوَتِ الدِّيَارُ (25) ]، و [(عَاشُوْرَاءَ)] ، اليوم العاشر من شهر المحرّم. وشاهدها الشرعيّ في الحديث النبويّ[إِنَّ ( عَاشُورَاءَ ) يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ، فَمَنْ شَاءَ صَامَه، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَه (26) ]، [(وأمّا البِدْعَةُ الثَّانِيَةُ ضَرْبُ الطَّبْلِ عَلَى الْإِمَاءِ الّلوَاتِي يُبْدِيْنَ الْعُهْرَ سِرًّا)][(ضَرْبُ الطَّبْلِ)] ( ضَرْبُ ): مصدر، ومعناه: دقُّه بِإيقاعٍ موزون.( الطَّبْلِ ): اسم جنس، والجمع: ( طُبُول )، وهي آلة يُشَدُّ عليها جِلْدٌ ونحوه، يُنْقرُ عليها. وشاهده في قول الحارث بن عُباد البكريّ يصف طَلَلًا دارسًا أصابه مطرٌ دائم، فغيّره[وَكَأَنَّ الْيَهُوْدَ فِي يَوْمِ عِيْدٍ/ ضَرَبَتْ فِيهِ رَوْقَشًا وَطُبُولَا (27) ]،وكلمات: [ (الْإِمَاءِ)] ،و [(الآم)] ،و [(الإِمْوَان)] جموعٌ، والمفرد منها: ( أَمَة )، وهي المرأة الواقعة في أسر العبوديّة، وفي ذاك الزمان كانت تكثر في ظفار الإماء والعبيد المختطفون من مجاهل إفريقيا، وفي سنة 1807 أصدر مجلس العموم البريطاني قانونًا ينهي رسميا "تجارة العبيد"، ثم أتبعه المستشار البريطاني هنري بروجهام سنة 1811م بمرسوم يفرض عقوبات قاسية على تجارة الرقيق وأوكل للبحرية البريطانية تفتيش السفن على خطوط الملاحة ما بين إفريقيا وأمريكا. وكان من التقاليد المتبعة لدى أهل ظفار في معاقبة [(الْإِمَاءِ الّلوَاتِي يُبْدِيْنَ الْعُهْرَ سِرًّا)] بـ( ضَرْبُ الطَّبْلِ ) في الأسياح على رؤوس الأشهاد عقابا لهن على ممارسة [(الْعُهْر سِرًّا)] . و( الْعُهْر ) بضم العين المهملة، وأيضًا بفتح العين ( الْعَهْر ) في لُغة أخرى. ومعناه:( الزِّنا والفجور ).وشاهدها نقرأه في شعر الصحابيّ مازن بن غضوبة الطائيّ: [فَبَدَّلَنِي بِالْخَمْرِ خَوْفًا وَخَشْيَةً/ وَبِـ( الْعَهْرِ ) إِحْصَانًا؛ فَحَصَّنَ لِي فَرْجِي (28) ]. وتلك كانت بدعة تخالف التشريع والسُّنة النبويّة؛ لقول الله – سبحانه وتعالى -:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (29) . جاء في تفسير الطبريّ:(قال أبو جعفر: اختلفت قرأة ( فَإِذَا أُحْصِنَّ )، فقرأه بعضهم: "فإذا أَحصن" بفتح "الألف" بمعنى:(إذا أسلمن)، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام. وقرأه آخرون:(فإذا أحصن) بمعنى:(فإذا تزوجن)، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالأزواج. وتأديبها كما ورد عن الرسول (صلى الله عليه وسلم): [إذا زنتِ الأمةُ فاجلِدوها، فإنْ زنتْ فاجلِدوها، فإنْ زنتْ فاجلِدوها، فإنْ زنتْ فاجلِدوها، ثمَّ بيعوها ولو بضَفيرٍ (30) ]، [(وأمّا البِدْعَةُ الثَّالِثَةُ فتَرْكُ الْمُرَامَاةِ وَالرَّشِّ بِبَوْلِ الْبَقَرِ)] ( الْمُرَامَاة ): التراشق. وشاهدها اللغويّ في قول هاشم بن عتبة بن أبي وقَّاص: [أَوَّلُ الْقِتَالِ الْمُطَارَدَةُ، ثُمَّ ( الْمُرَامَاةُ )]، و( الرَّشِّ ) اسم، والجمع( رِشَاش )، والمعنى: نضحه ونثره. وشاهده نقرأه عند النابغة الجَعْدي: [فَنَزَلْنَا بِمَلِيْعٍ مُقْفِرٍ/ مَسَّهُ طَلٌّ مِنَ الدَّجْنِ وَ ( رَشّْ ) (31) ]، والرش بـ[(بَوْلِ الْبَقَرِ)] ، وأبوال الإبل بدعة، وإن كان ليس نجسًا؛ لأنه مما يؤكل لحمُه، وشاهدُه الشَّرعيّ من حديث النبيّ (صلى الله عليه وسلم): [أنَّ رهطًا مِن عُكْلٍ وعُرَينَةَ قدِموا المدينةَ فقالوا: يا رسولَ اللهِ إنَّا كنَّا أهلَ ضَرْعٍ ولَمْ نكُنْ أهلَ ريفٍ فاستَوْخَمْنا المدينةَ فأمَرهم أنْ يخرُجوا إلى إبِلِ الصَّدقةِ فيشرَبوا مِن ألباِنها وأبوالِها ففعَلوا فصحُّوا فقتَلوا راعيَ رسولِ اللهِ وكفَروا بعدَ إسلامِهم فبعَث رسولُ اللهِ في طلبِهم فجِيءَ بهم بعدَما ارتفَع النَّهارُ فقطَع أيديَهم وأرجُلَهم وسمَل أعيُنَهم ولَمْ يُسقَوْا ماءً حتَّى ماتوا (32) ] ............... المراجع والمصادر: (01) سُنن الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة (ت، 273هـ)، كتاب الطهارة وسُننها، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، د.ت 1/ 145، رقم: (454) (02) ديوان لقيط الإياديّ، تحقيق: عبد المعيد خان، دار الأمانة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1971م، ص: 55 (03) المفضّليات، المفضّل الضبيّ(ت، 178هـ)، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط6، د.ت. 321 (04) سنن ابن ماجة، كتاب الهِبات، باب عطية المرأة بغير إذن زوجها، حديث صححه الألبانيّ، ج2، ص: 798، رقم: 2388 (05) جمهرة اللغة، ابن دريد (ت، 321هـ)، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1987م، 2/ 1085 (06) كتاب الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني(ت، 356هـ)، تحقيق: إحسان عباس وآخرون، دار صادر، بيروت، ط3، 2008م، 9/74 (07) المصدر نفسه، 5/111 (08) سُنن أبو داود، سليمان بن الأشعث الأزدي السِّجِسْتاني (ت ٢٧٥ هـ)، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، ١٣٩٢ هـ، كتاب الأدب، باب الهدي في الكلام، ج4، ص: 261، رقم الحديث: 4840 (09) الراوي: عبدالله بن عباس، المُحَدِّث: الألبانيّ، المصدر: صحيح النسائي، ص: أو رقم: 3278، خلاصة حكم المُحَدِّث: صحيح، أخرجه النسائي (3278) واللفظ له، وابن ماجة (1893)، وأحمد (3275) باختلاف يسير. (10) الراوي: أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل، المُحدِّث: الألباني، المصدر: صحيح الجامع، ص: أو رقم: 57، خلاصة حكم المُحدِّث: صحيح، أخرجه أحمد (16399) (11) ديوان عمرو بن قميئة، تحقيق: حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية، مطابع دار الكتاب العربي، القاهرة، 1965م، ص: 204 (12) جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة، أحمد زكي صفوت، المكتبة العلمية، بيروت، ط1، 1934م، 1/76 (13) ديوان امريء القيس، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط 5، 1990م، ص: 467 (14) شعراء عمان في الجاهلية وصدر الإسلام، جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد، المجمع الثقافي، أبو ظبي 2000م، ص: 84 (15) الأصول اليونانية للنظريات السياسية في الإسلام، تحقيق: عبد الرحمن بدويّ، مكتبة النهضة المصرية، مطبعة دار الكتب المصريّة، القاهرة، 1954م، ص: 114- 115 (16) كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، (ت، 175هـ)، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، القاهرة، د.ت 1/321 (17) الشعراء الجاهليون الأوائل، تحقيق: عادل الفريجات، دار المشرق، بيروت، ط2، 2008م، 2/453 (18) شعراء تغل في الجاهلية.. أخبارهم وأشعارهم، صنعة: علي أبوزيد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط1، 200م، 2/ 136- 137 (19) الراوي: عبدالله بن مسعود، المُحَدِّث: الذَّهَبِيّ، المصدر: المهذب في اختصار السنن، ص أو رقم: 2/1061، خُلاصة حكم المُحَدِّث: إسناده صالح، أخرجه ابن ماجه (2865)، وأحمد (3790) باختلاف يسير، والبيهقي (5542) واللفظ له. (20) ديوان المثقب العبدي، تحقيق: حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1971م، ص: 211- 212 (21) سورة الزخرف، الآية: 18 (22) كتاب السبعة في القراءات، أبو بكر مجاهد(ت، 324هـ)، تحقيق: شوقي ضيف، دار المعارف، القاهرة، 1972م (23) سورة الزخرف، الآية: 22 (24) الراوي: أبو هريرة، المُحَدِّث: ابن حبان، المصدر: صحيح ابن حبان، ص أو رقم: 129، خلاصة حكم المُحَدِّث: [صحيح]، أخرجه البخاري (1385) مطولاً، ومسلم (2658) مطولاً باختلاف يسير. (25) ديوان المهلهل، تحقيق وشرح: أنطوان محسن القوال، دار الجيل، بيروت، ط1، 1995م، ص: 32 (26) صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوريّ (ت، 261هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، دار الحديث، القاهرة، ط1، 1991م، 2/793- رقم الحديث:(1126) (27) ديوان الحارث بن عباد، جمع وتحقيق:أنس عبد الهادي أبوهلال، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أبوظبي، ط1، 2008م، ص:2012 (28) شعر طيء وأخبارها في الجاهلية والإسلام، جمع وتحقيق ودراسة: وفاء السنديوني، دار العلوم، الرياض، ط1، 1983م، ص: 675 (29) سورة النساء، الآية: 25 (30) الراوي: عائشة أم المؤمنين، المُحَدِّث: الألبانيّ، المصدر: صحيح ابن ماجه، ص أو رقم: 2/325، خلاصة حكم المُحَدِّث: صحيح، أخرجه أحمد (24406) (31) شعر النابغة الجَعديّ، تحقيق: عبد العزيز رباح، منشورات المكتب الإسلاميّ، دمشق، ط1، 1964م، ص: 244 (32) الراوي: أنس بن مالك، المُحَدِّث: الطبراني، المصدر: المعجم الأوسط، ص أو رقم: 2/130، خلاصة حكم المُحَدث: لم يرو هذا الحديث عن مطر إلا داود ولا عن داود إلا داود بن مهران تفرد به إبراهيم بن راشد، أخرجه البخاري (4192)، ومسلم (1671) باختلاف يسير.

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (46)
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (46)

جريدة الرؤية

time٣٠-٠٤-٢٠٢٥

  • منوعات
  • جريدة الرؤية

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (46)

تحقيق: ناصر أبوعون يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [ ("الْاحْتِفَالُ بِمَوْلِدِ النَّبِي (صلى الله عليه وسلم) بِـ(ظَفَارِ)". وَفَي لَيْلَةِ اِثْنَا عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الْأَوَّلِ الْمُبَارَكِ، أَمَرَ السُّلْطَانُ بِتَزْيِيْنِ حِصْنِ ظَفَارِ وَمَا حَوْلَهُ بِالْأَعْلَامِ، وَأَغْصَانِ الْأَشْجَارِ الْخَضْرَاءِ؛ اِسْتِبْشَارًا وَسُرُورًا بِطُلُوْعِ شَمْسِ الرِّسَالَةِ، وَبُزُوْغِ النُّوْرِ النَّبَوِيّ مِنْ سَمَاءِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ فَخْرِ الْكَائِنَاتِ نَبِيِّنَا الْهَادِي إِلَى أَقْوَمِ سَبِيْلٍ بِأَوْضَحِ دَلِيْلٍ مُحَمَّدٍ بِنِ عَبْدِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم). فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْبِلَادِ جَمِيْعًا بِالْحِصْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَقُرِأَتْ قِصَّةُ الْمَوْلِدِ الشَّرِيْفِ)]. ... لطائف ليلة 12 من ربيع الأول يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [( الْاحْتِفَالُ بِمَوْلِدِ النَّبِي (صلى الله عليه وسلم) بِـ(ظَفَارِ ) وَفَي لَيْلَةِ اِثْنَا عَشَرَ مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الْأَوَّلِ الْمُبَارَكِ ] [(الْاحْتِفَالُ)] مصدر من الفعل الخماسي اللازم ( احتفل )، ومعناه: ( اجتمع الناس واحتشدوا )، وشاهده اللغويّ نقرأه في قول الزِّبْرِقان بن بدر الفزاريّ التميميّ: [أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْلَمَ النَّاسُ فَضْلَنَا/ إِذَا ( اِحْتَفَلُوا ) عِنْدَ اِحْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ (01) ] بِـ [( مَوْلِدِ النَّبِي )]، وكلمة ( الْمَوْلِد ) اسم زمان، والجمع ( مَوَالِد )، ومعناه: زمان ولادة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وشاهده اللغويّ نقرأه في قول مجمع بن هلال البكريّ: [مَضَتْ مِئَةٌ مِنْ مَوْلِدِي ، فَنَضَوْتُهَا/ وَخَمْسٌ تِبَاعٌ بَعْدَ ذَاكَ، وَأَرْبَعُ (02) ]. [(وَفَي لَيْلَةِ)] كلمة ( ليلة ) زمن كان يتعامل به العرب منذ بدأ التأريخ، فمع غروب الشمس ينتهي اليوم ، وتبدأ ( الليلة ) وهي تابعة لليوم الجديد الذي يليها ، فيُقال:(مولد النبي ليلة يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول)؛ حيث غربت شمس يوم الأحد، وبدأت ليلة ميلاد النبي(صلى الله عليه وسلم) المباركة واستمر زمنُها حتى طلوع فجر الإثنين. ونقرأ شاهدها اللغويّ الدالّ على زمنها في قول الله تعالى عن ( ليلة القَدْر ):{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(*) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(*) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ(*) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ(*) سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ(*)} (03) . [(لَيْلَةِ اِثْنَا عَشَرَ )]؛ أي التي صباحها يوم جديد هو يوم الثاني عشر من ربيع الأول. ومن اللطائف التي ذكرها العلماء عن العدد (12) أنّ مجموع حروف (لا إله إلا الله=12 حرفًا)، ومجموع حروف (محمد رسول الله= 12 حرفًا). وفي علم النحو يُسمى العدد 12 مُرَكَّبًا، ويُعرب العدد 2 إعراب المثنى، فيرفع بالألف وينصب ويجر بالياء، وأمّا العدد (10 عشرَ، أو عشرةَ) فتعرب عددًا مبنيًّا على فتح الجزء. [(مِنْ شَهْرِ رَبِيْعٍ الْأَوَّلِ)] وعن سبب تسميته بـ(ربيع) ذكر ابن كثير- رحمه الله- (ج2، ص:355) سبب هذه التسميات فقال: ذَكَرَ الشيخُ علم الدين السَّخاويّ في جُزءٍ جَمَعَه سمَّاه: ( المشهور في أسماء الأيام والشهور )؛ أنّ شهر ( ربيع الأول ) سُمّي بذلك لـ( ارتباعهم ) فيه والارتباع في لغة العرب ( الإقامة ) في ( عِمَارة الرَّبْع ) ويُجْمَع على ( أَرْبِعَاء ) كـ( نَصِيب )، و( أَنْصِبَاء ) وعلى ( أَرْبِعَة ) كـ( رَغِيف ) و( أَرْغِفَة ). [( شهر ربيع [ (الْمُبَارَكِ)] ، كلمة ( الْمُبَارَكِ ) اسم مفعول، ومعناه في سياق الكلام يأتي على معنيين؛ أمّا معناه الأول، فهو (أنّ شهر ربيع مشمول بدوام الخير والنَّماء بمولد خاتم الأنبياء)، وشاهده اللغويّ نقرأه في قول سعيد بن قيس الفزاريّ: [لَعَمْرُكَ مَا حَسَّانُ يَوْمَ بَيَاضَةٍ/ وَلَا يَوْمَ قَوٍّ، بِالرَّشِيْدِ ( الْمُبَارَكِ ) (04) ]، وأمّا المعنى الثاني لكلمة (المبارك)، فهو (المخصوص بالتعظيم والتقديس بمولد النبي الأمين سيد المرسلين)، ونقرأ شاهده اللغوي في قول الله تعالى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ( مُبَارَكًا) وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (05) حالة حصن ظفار ليلة مولد النبيّ يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (أَمَرَ السُّلْطَانُ بِتَزْيِيْنِ حِصْنِ ظَفَارِ وَمَا حَوْلَهُ بِالْأَعْلَامِ، وَأَغْصَانِ الْأَشْجَارِ الْخَضْرَاءِ)] [(أَمَرَ)] فعل متعدٍ بمعنى أنّ السلطان تيمور آل سعيد ألزم رجاله وحامية حصن ظفار بتزيينه احتفالًا بليلة مولد النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم). وشاهده اللغوي نقرأه في شعر مالك بن مُلالة الأرحبيّ الهَمْدانيّ، الذي يقول فيه: [( أَمَرْتُ ) بِأَشْلَاءِ الِّلجَامِ فَأُحْدِثَتْ/ وَأَنْعَلْتُ خَيْلي فِي الْمَسِيْرِ حَدِيْدَا (06) ]. بِـ ( تَزْيِيْنِ ) مصدر، وجمعه ( تَزَايِين )، ومعناه: التحسين والتجميل، وشاهده نقرأه في شعر رَقَاش بنت مالك بن فهم الأزديّ في بيت شهير لها تقول فيه: [أَنْتَ زَوَّجْتَنِي، وَمَا كُنْتُ أَدْرِي/ وَأَتَانِي النِّسَاءُ لِلـ( تَزْيِين ) (07) ] بِـ [( الْأَعْلَامِ، وَأَغْصَانِ الْأَشْجَارِ )]. كلمة ( الأعْلام )، و( عِلَام )، و( عُلْمان ) جموعٌ، والمفرد ( عَلَم ) ومعناه (الراية)، ونقرأ شاهدها اللغوي في قول أبي طالب بن عبد المطلب: [هُوَ الرَّئِيْسُ الَّذِي لَا خَلْقَ يَقْدُمُهُ/ غَدَاةَ يَحْمِي عَنِ الْأَبْطَالِ بِـ(الْعَلَمِ ) (08) ]. وكلمة ( أَغْصَانِ )، و( غُصُون )، و( أَغْصُن )، و( غِصَنَة ) و( غِصْنة )، كلها جموع، والمفرد منها:( غُصْن )، وفي لغة أخرى( غُصُن )، ومعناه:ما تشعّب من ساق الشجرة. وشاهده نقرأه في قول هاشم بن عبد مناف القرشيّ: [يَا بَنِي قُصَيّ: أَنْتُمْ كَـ( غُصْنَي شَجَرَةٍ )، أَيُّهُمَا كُسِرَ أَوْحَشَ صَاحِبُه، وَالسَّيْفُ لَا يُصَانُ إِلَّا بِغِمْدِهِ (09) ] ليلة بزوغ القمر النبويّ يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (اِسْتِبْشَارًا وَسُرُورًا بِطُلُوْعِ شَمْسِ الرِّسَالَةِ، وَبُزُوْغِ النُّوْرِ النَّبَوِيّ مِنْ سَمَاءِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ فَخْرِ الْكَائِنَاتِ نَبِيِّنَا الْهَادِي إِلَى أَقْوَمِ سَبِيْلٍ بِأَوْضَحِ دَلِيْلٍ مُحَمَّدٍ بِنِ عَبْدِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)] [(اِسْتِبْشَارًا)] مصدر من الفعل السداسي (استبشر) ومعناه: (فرحًا) بحلول ذكرى مولد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). والشاهد اللغوي فيها نقرأه في شعر عنترة بن شداد العبسيّ في بيت يخاطب فيه محبوبته: [يَا عَبْلُ، لا يَحْزُنْكِ بُعْدِي وَ( أبْشِرِي )/ بِسَلَامَتِي، وَ( اسْتَبْشِرِي ) بِفِكَاكِي (10) ]، وَ [(سُرُورًا)] مصدر من الفعل الثلاثي (سُرَّ)، ومعناه انبساط النفوس وفرحها احتفالا بمولد صاحب الخلق العظيم النبيّ محمد(صلى الله عليه وسلم). وشاهده اللغوي نقرأه في بيت للشاعر عَدِي بن زيد العِباديّ، يقول فيه: [وَلَمْ يَمْنَعْهُ تَدْبِيْرٌ وَحَزْمٌ/ مِنَ الْمَوْتِ الْمُنَغِّصِ لِلسُّرُورِ (11) ].[( بِطُلُوْعِ شَمْسِ الرِّسَالَةِ )] العبارة فيها انزياح لغويّ، وكناية عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وفيها تشبيه ليوم مولده بالشمس التي بددت ظلام الجهالة وقشعت عتمة الوثنية برسالة الإسلام والسلام. و[( الرِّسَالَة )] مصطلح في علم أصول الدين، ومعناه: (وحي الله الذي يُبيِّن مُراده من خلقه)، وشاهده نقرأه في قول الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ۘ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ۗ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ} (12) وَ [( بُزُوْغِ النُّوْرِ النَّبَوِيّ )] وكلمة ( النُّوْر ) في هذا السياق لها ثلاثة معانٍ؛ فأمّا المعنى الأول فهو حقيقيّ، يتمثل فيما رأته السيدة آمنة بنت وهب من نور عندما وضعت رسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)، وشاهده الحديث النبويّ الذي رواه العرباض بن سارية، [قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): إنِّي عبدُ اللَّهِ وخاتمُ النَّبيِّينَ وإنَّ آدمَ لمنجدلٌ في طينتِهِ وسأخبرُكم عن ذلِكَ دعوةُ أبي إبراهيمَ، وبشارةُ عيسى لي، ورؤيا أمِّي الَّتي رأت. وإنَّ أمَّ رسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) رأت حينَ وضعتْهُ نورًا أضاءت منه قصورُ الشَّامِ] (13) ، وأمّا المعنى الثاني فهو (القرآن- الحق المبين) وهو مجازيٌّ، وشاهده نقرأه في قول الله تعالى:{فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (14) ، وأمّا المعنى الأخير لكلمة ( النُّوْر ) فهو فلسفيّ بمعنى (الجوهر الإلهيّ الذي مَنَّ الله به على رسوله ليتعلّم الأشياء على ما هي عليه)، ونقرأ شاهده في قول جابر بن حيان: [الْعِلْمُ نُوْرٌ، وَالْعَقْلُ نُوْرٌ، فَاْلعِلْمُ عَقْلٌ، والنُّوْرُ عَقْلٌ (15) ] مِنْ [( سَمَاءِ الْفَضْلِ وَالْكَمَالِ )]؛ السماء هنا بمعنى ( مصدر الوحي ) لقوله الله تعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (16) ومعنى أنّ السماء مصدر الوحي ورد أيضا في قوله تعالى جلّ شأنه:{وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ} (17) ، وتأكيد هذا المعنى جاء في حديثه (صلى الله عليه وسلم)، عن جابر بن عبد الله(أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: ثُمَّ فَتَرَ عَنِّي الوَحْيُ فَتْرَةً، فَبيْنَا أَنَا أَمْشِي، سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي قِبَلَ السَّمَاءِ، فَإِذَا المَلَكُ الذي جَاءَنِي بحِرَاءٍ، قَاعِدٌ علَى كُرْسِيٍّ بيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ، فَجُئِثْتُ منه، حتَّى هَوَيْتُ إلى الأرْضِ، فَجِئْتُ أَهْلِي فَقُلتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فأنْذِرْ}[المدثر: 2] إلى قَوْلِهِ {وَالرُّجْزَ} [المدثر: 5] فَاهْجُرْ) (18) صفات النبيّ محمد ونسبُه يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [( فَخْرِ الْكَائِنَاتِ نَبِيِّنَا الْهَادِي إِلَى أَقْوَمِ سَبِيْلٍ )]. [(الْهَادِي)] من أسماء النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومعناه: المُرشد إلى الصواب، ومعناه أيضا: المُهتدي الذي استبان له الطريق الصحيح، وهو المخاطب من الله – جلَّ شأنه - في الآية: (52) من سورة الشورى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، والمخاطب من الله – عزَّ وجلَّ- في الآية:(7) من سورة الرعد{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ }، وسمّى أبو بكر – رضي الله عنه - سيدَنا محمدًا (صلى الله عليه وسلم) بـ( الهادي )؛ كما في حديث الهجرة عن أنس بن مالك: (لمَّا هاجَرَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) كان رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يركَبُ وأبو بكْرٍ رَديفُه، وكان أبو بكْرٍ يعرِفُ في الطريقِ لاختلافِه إلى الشَّامِ، وكان يَمُرُّ بالقومِ فيقولونَ: مَن هذا بين يدَيْكَ يا أبا بكْرٍ؟ فيقولُ: هادٍ يَهْديني ...) (19) ،[( بِأَوْضَحِ دَلِيْلٍ مُحَمَّدٍ بِنِ عَبْدِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ]. [(بِأَوْضَحِ دَلِيْلٍ)] ؛ أي الهادي للناس كافة بالقرآن الذي اشتمل على كل شيء. وفي هذا المعنى ذكرالشوكاني في كتابه ( إرشاد الثقات ):(إن القرآن العظيم قد اشتمل على الكثير الطيب من مصالح المعاش والمعاد، وأحاط بمنافع الدنيا والدين، تارة إجمالا، وتارة عموما، وتارة خصوصا، ولهذا يقول - سبحانه وتعالى-: في سورة يس، الآية: (12){وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}، وفي الآية (38) من سورة الأنعام:{مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}، ويقول الله - تبارك وتعالى- في الآية (89) من سورة النحل:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}،ونحو ذلك من الآيات الدالة على هذا المعنى). [(مُحَمَّدٍ بِنِ عَبْدِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)] المصطفى والذي ذكر لنا نسبه كما ورد في الحديث:(إنَّ اللَّهَ اصطَفى كنانةَ من ولدِ إسماعيلَ، واصطَفى قُرَيْشًا من كنانةَ، واصطَفى هاشمًا من قُرَيْشٍ، واصطفاني من بَني هاشمٍ) (20) ونَسَبُ النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) إلى عَدنانَ مُتَّفقٌ عليه؛ فَهو مُحمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المُطَّلبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ مَنافِ بنِ قُصيِّ بنِ كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعبِ بنِ لُؤيِّ بنِ غالبِ بنِ فِهرِ بنِ مالكِ بنِ النَّضرِ بنِ كِنانةَ بنِ خُزَيمةَ بنِ مُدرِكةَ بنِ إِلياسَ بنِ مُضرَ بنِ نِزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدنانَ). [(إِلَى أَقْوَمِ سَبِيْلٍ)] ، أي الأفضل استقامةً وسَدَادًا. ونقرأ شاهده في حديث أُمّ المؤمنين أمّ سلمة الذي تقول فيه:(كانَ إذا تَعَارَّ من الليلِ قالَ: رَبِّ اِغْفِرْ وارْحَمْ، وَاهْدِنِي السَّبيلَ الأَقْوَمَ) (21) تقاليد ظفاريّة يوم المولد النبويّ يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [ (فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْبِلَادِ جَمِيْعًا بِالْحِصْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَقُرِأَتْ قِصَّةُ الْمَوْلِدِ الشَّرِيْفِ )]. [(أَهْلُ الْبِلَادِ)] ، كلمة ( أهل )؛ جمعها:( آهال )، و( أهالي )، والمقصود بهم في سياق الكلام (عشائر ظفار، وذووها، وساكنوها). وشاهدها اللغوي نقرأه في شعر منسوب إلى مالك بن فهم الأزديّ الذي يقول فيه: [فَحَلُّوا بِالسَّرَاةِ، وَ حَلَّ ( أَهْلِي )/ بِأَرْضِ عُمَانَ فِي صَرْفِ الزَّمَانِ (22) ]. [(جميعًا)] وردت هذه الكلمة في 46 موضعًا في القرآن الكريم، ومعناها (كَافَّةً)، ويُؤتى بها لتوكيد معنى الجمع. وإذا لَزِمَت حالة النصبّ والتنوين فإنها تُعرَبُ: حالًا منصوبًا مؤولا بمشتق اسم فاعل؛ أي: "مجتمعين". [(بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ)] ، و( العشاء الآخرة ): مصطلح دالّ على زمن الصلاة، وشاهدُه نجده في حديث مواقيت الصلاة من صحيح البخاري:(حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ المُحَارِبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أَخَّرَ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وسلم) صَلاَةَ العِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى، ثُمَّ قَالَ: قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا، وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ) (23) . أما وقت ( صلاة العشاء الآخرة ) ففيه أقوال: أحدها أنه: ( ربع الليل )، حكاه ابن المنذر عن النخعي، ونقله ابن منصور، عن إسحاق. والقول الثاني: إلى ( ثلث الليل )، روي ذلك عن عمر، وأبي هريرة وعمر ابن عبد العزيز، وهو المشهور عن مالك، وأحد قولي الشافعي، بل هو أشهرهما، ورواية عن أحمد، وقول أبي ثور وغيره. والقول الثالث: إلى ( نصف الليل )، وروي عن عمر بن الخطاب – أيضا -، وهو قول الثوري والحسن بن حي وابن المبارك وأبي حنفية، والشافعي في قوله الآخر، وأحمد في الرواية الأخرى، وإسحاق، وحكي عن أبي ثور – أيضا. والقول الرابع: ينتهي وقت العشاء إلى طلوع الفجر. رواه ليث، عن طاوس، عن ابن عباس، وعن أبي هريرة، قال: إفراط صلاة العشاء طلوع الفجر. [(وَقُرِأَتْ قِصَّةُ الْمَوْلِدِ الشَّرِيْفِ)] . وهذا تقليد ظَفاريّ محضّ ومتوارث، وتحتفي به سائر عشائر إقليم ( ظَفار العُمانيّ)- بفتح ( ظَ ) المعجمة، و( ظُفار اليمنيّ) بضم ( ظُ ) المعجمة-، ولكن ومنذ عصر النهضة الحديثة تكثف اهتمام الدولة العُمانية بإحياء هذه المناسبة الشريفة والاحتفال بها تحت رعاية شخصية سياسية مرموقة، وخاصةً في محافظة ظَفار ؛ لأنها جزءٌ أصيل من تراثهم الشعبيّ، وتقليد سنويّ يمارسونه منذ دخول الإسلام أرض عُمان؛ ففي (المناطق الشرقيّة من ظَفار يجتمع الناس في المساجد والمجالس ويقرأ أحد المُعلمين المدائح النبويّة الشهيرة التي تتناول صفات الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وفضائل أعماله، ويردّدها خلفه فريق آخر من الحاضرين، بحضرة الشيوخ والوجهاء وأعيان القرى، وتُقْرأ الموشَّحات أيضا من ( الديبعي ) أو ( البرزنجي )، وبعدها تُقام الولائم. بينما في صلالة يقرأ المحتفلون الموشحات الدينية من كتاب ( الحبشيّ )، وهو واحد من علماء حضرموت وظفار المشهورين) (24) لماذا وكيف نحتفل بالمولد النبويّ؟ أولا- مشروعية الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف: (الاحتفال بذكرى مولد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مِن أفضل الأعمال وأعظم القربات وأجلِّ الطاعات؛ لما فيه مِن التعبير عن الحب والفرح بمولانا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي هو أصلٌ مِن أصول الإيمان؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):"لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" أخرجه الشيخان. وقال الحافظ ابن رجب في "فتح الباري"(1/48،ط.مكتبة الغرباء الأثرية): [محبَّة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) مِن أصول الإيمان، وهي مقارِنة لمحبة الله -عزَّ وجلَّ-، وقد قرنها اللهُ بها، وتَوَّعَدَ مَن قدَّم عليهما محبَّة شيء مِن الأمور المحبَّبة طبعًا مِن الأقارب والأموال والأوطان وغير ذلك]. ثانيًا - كيفية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف: المراد مِن الاحتفال بذكرى المولد النبوي: تجمع الناس على ذكره، والإنشاد في مدحه والثناء عليه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقراءة سيرته العطرة، والتَّأسي به، وإطعام الطعام على حبه، والتصدق على الفقراء، والتوسعة على الأهل والأقرباء، والبر بالجار والأصدقاء؛ إعلانًا لمحبته، وفرحًا بظهوره وشكرًا لله تعالى على منته بولادته، وليس ذلك على سبيل الحصر والاختزال، بل هو لبيان الواقع وسَوْقِ المثال. وقد نصَّ جمهور العلماء على أنه يُنْدَبُ تعظيم يوم ميلاد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وإبراز الشكر له؛ وذلك بصيامه والإكثار مِن الذكر والدعاء والعبادة وقراءة القرآن ونحو ذلك من مظاهر الشكر والتعبد لله احتفاءً بمولده الشريف(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ما جرى عليه عمل أهل الأمصار. فحكى مفتي مكة المكرمة قطب الدين النهروالي الحنفي[ت: 990هـ] في "الإعلام بأعلام بيت الله الحرام"(ص: 196، ط. العامرة العثمانية) عملَ أهل مكة في زيارة موضع ميلاد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في ليلة المولد المحمدي؛ فقال: [ويُزار في الليلة الثانية عشر من شهر ربيع الأول كل عام، فيجتمع الفقهاء والأعيان على نظام المسجد الحرام والقضاة الأربعة بمكة المشرفة بعد صلاة المغرب بالشموع الكثيرة والمفرغات والفوانيس والمشاعل، وجميع المشايخ مع طوائفهم بالأعلام الكثيرة، ويخرجون من المسجد إلى سوق الليل، ويمشون فيه إلى محل المولد الشريف بازدحام.. ويأتي الناس من البدو والحضر وأهل جدة وسكان الأودية في تلك الليلة، ويفرحون بها، وكيف لا يفرح المؤمنون بليلة ظهر فيها أشرف الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيف لا يجعلونه عيدًا من أكبر أعيادهم]، ثم ردَّ على المنكرين على ذلك تحت دعوى أنَّ ذلك لا يصحّ شرعًا وأنه بدعة لم تُحْكَ عن السلف؛ بأنه: [بدعة حسنة، تتضمن تعظيم النبي الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بالذكر والدعاء والعبادة وقراءة القرآن، وقد أشار(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى فضيلة هذا الشهر العظيم؛ بقوله(صلى الله عليه وآله وسلم)للذي سأله عن صوم يوم الإثنين: "ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ"، فتشريف هذا اليوم متضمن لتشريف هذا الشهر الذي هو فيه، فينبغي أنْ يحترم غاية الاحترام؛ ليشغله بالعبادة والصيام والقيام، ويُظهِرَ السرور فيه بظهور سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام]. وقال الإمام ابن الحاج المالكي في"المدخل"(2/ 2-3، ط. دار التراث): [وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خصها الله تعالى به مِن العبادات التي تُفْعَل فيها؛ لِمَا قد عُلِمَ أنَّ الأمكنة والأزمنة لا تتشرف لذاتها، وإنما يحصل لها التشريف بما خُصَّتْ به مِن المعاني، فانظر- رحمنا الله وإياك- إلى ما خص الله تعالى به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين، ألا ترى أنَّ صومَ هذا اليوم فيه فضلٌ عظيم؛ لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وُلد فيه، فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أنْ يُكَرَّمَ ويُعَظَّمَ ويُحْتَرَمَ الاحترام اللائق به؛ وذلك بالاتباع له صلى الله عليه وآله وسلم في كونه عليه الصلاة والسلام كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات] (25) .... المراجع والمصادر: ([ 0 1]) شعر الزبرقان الفزاريّ وعمرو بن الاأهتم، دراسة وتحقيق: سعود محمد عبد الجابر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1984م ([ 0 2]) ديوان بني بكر في الجاهلية والإسلام، جمع وشرح وتوثيق ودراسة: عبد العزيز نبويّ، دار الزهراء، القاهرة، ط1، 1989م، ص: 333 ([03]) سورة القَدْر، الآيات:1- 5 ([ 0 4]) شعر قبيلة ذبيان في الجاهلية، جمع وتحقيق ودراسة: سلامة عبد الله السويدي، مطبوعات جامعة قطر، الدوحة، 1987م، ص: 468 ([ 0 5]) سورة آل عمران، الآية: 96 ([ 0 6]) شعر همدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام، جمع وتحقيق ودراسة: حسن عيسى أبو ياسين، دار العلوم، الرياض، ط، 1983م، ص: 303 ([ 0 7]) خزانة الأدب ولُبّ لباب العرب، عبد القادر البغداديّ(ت، 1093هـ)، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، مطبعة المدنيّ، القاهرة، ط4، 1997م، 8/271 ([ 0 8]) ديوان أب طالب بن عبد المطلب، صنعة: أبي هفّان المِهْزميّ (ت، 257هـ)، علي بن حمزة البصريّ (ت، 375هـ)، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، دار مكتبة الهلال، بيروت، ط1، 2000م، ص: 97 ([ 0 9]) بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، محمود شكري الآلوسي، عُني بشرحه وتصحيحه وضبطه: محمد بهجة الأثريّ، الكتاب المصريّ، ط2، د.ت، 1/322 ([ 10 ]) ديوان عنترة، الخطيب التبريزي(ت، 502هـ)، وضع هوامشه وفهارسه وقدّم له: مجيد طراد، دار الكتاب العربيّ، بيروت، ط 1، 1992م، ص: 110 ([ 1 1]) ديوان عدي بن زيد العِباديّ، جمع وتحقيق: محمد جبار المعيبد، شركة دار الجمهورية، بغداد، 1965م، ص: 134 ([ 1 2]) سورة الأنعام، الآية: 124 ([ 1 3]) الراوي: العرباض بن سارية، المُحَدِّث: الذهبي، المصدر: تاريخ الإسلام، ص: أو رقم: 1/42، خلاصة حكم المُحدِّث: إسناده حسن ([ 1 4]) سورة الأعراف، الآية: 157 ([ 1 5]) رسائل جابر بن حيّان (ت، 200هـ)، إعداد: أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2006م، ص: 317 ([ 1 6]) سورة البقرة، الآية: 144 ([ 1 7]) سورة الأنعام، الآية: 35 ([ 1 8]) الراوي: جابر بن الله، المُحَدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، ص: أو رقم: 3238، خلاصة حكم المُحَدِّث: [صحيح] ([ 1 9]) الراوي: أنس بن مالك، المُحَدِّث: شعيب، المصدر: تخريج مسند شعيب، ص أولرقم: 12234، خلاصة حكم المُحدِّث: إسناده صحيح على شرط مسلم. ([ 2 0]) الراوي:واثلة بن الأسقع الليثي أبو فسيلة، المُحَدِّث:الألباني، المصدر: صحيح الترمذي، ص أو رقم: 3606، خلاصة حكم المُحدِّث: صحيح، التخريج: أخرجه مسلم (2276)، والترمذي (3606)، وأحمد (16986). ([ 2 1]) الراوي:أم سلمة أم المؤمنين، المُحدث: الألباني، المصدر: السلسلة الضعيفة، ص: أو رقم: 4179، خلاصة حكم المحدث: ضعيف. ([ 2 2]) شعراء عمان في الجاهلية وصدر الإسلام، جمع وتحقيق: أحمد محمد عبيد، المجمع الثقافي، أبوظبي، 2000م/ ص: 83 ([ 2 3]) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب مواقيت الصلاة، ( 5555 , 824 , 641 , 584) ([ 2 4]) الأعراف والعادات الاجتماعية والثقافية في ظفار، سعيد بن مسعود المعشني، ط1، مطابع ظفار الوطنية، صلالة، سلطنة عمان، 2003م، ص: 83، 84 ([ 2 5]) كيفية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، من فتاوى: الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، دار الإفتاء المصرية، تاريخ الفتوى: 04 أكتوبر 2022 م، رقم الفتوى: 7957،

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (45)
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (45)

جريدة الرؤية

time٢٣-٠٤-٢٠٢٥

  • منوعات
  • جريدة الرؤية

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (45)

تحقيق: ناصر أبوعون قال الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانَا مِنْ مَحَبَّةِ الظُّلْمِ والظَّالِمِيْنَ. وَقَدْ قَامَ بِإِزَالَةِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي بِظَفَارِ السَّيْدُ عَبْدِ الْقَادِرِ الزَّوَاوِيّ، وَطَلَبَ مِنَ السُّلْطَانِ يَمْنَعَ رَعِيَّتَه عَنْ ذَلِكَ فَأَسْعَفَهُ وَخَاطَبَهُمْ خِطَابًا مَعْقُولًا؛ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ هَذَا يَوْمُ أَغْرَقَ اللهُ فِيْهِ فِرْعَوْنَ وَنَجَّى مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. فَقَالَ السُّلْطَاُن: إِنَّكُمْ أَتْبَاُع مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وَلَسْتُمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وَشَرِيْعَةَ مُوْسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُسِخَتْ بِشَرِيْعَتِه عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ)] . **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي عَافَانَا مِنْ مَحَبَّةِ الظُّلْمِ والظَّالِمِيْنَ )] الفرق بين الحمد والشكر أنهى الشيخ عيسى الطائي قضية الفتنة الكبرى بين الأمويين وآل البيت بـ[ الْحَمْدُ للهِ ] وطلب المعافاة. وأمّا ( الْحَمْدُ ) فهو (مصدر سماعي للفعل "حَمِدَ") دخلت عليه "ال".و"ال": إذا دخلت على الأوصاف وأسماء الأجناس، دلَّت على الاستغراق والشمول والاستقصاء) (01) ، (الحمد) الإخبار بمحاسن المحمود مع المحبة لها، فلو أخبَرَ مُخبِرٌ بمحاسن غيره من غير محبة لها، لم يكن حامدًا، ولو أحَبَّها ولم يُخبِر بها، لم يكن حامدًا) (02) ، فـ( الحمد لله ): الإخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى، مع محبته والرضا به، فلا يكون المحبُّ الساكت حامدًا، ولا المُثنِي بلا محبة حامدًا؛ حتى تجتمع له المحبة والثناء) (03) ، و(فسَّر بعض أهل العلم ( الحمد) بمعنى الشكر، منهم المبرد (04) والطبري (05) ؛ وقال الطبري: "العرب تقول الحمد لله شكرًا"، وقال الزمخشري: "( الحمد ) إحدى شُعَبِ الشكر" (06) . وقوله ( لِلَّهِ ) اللام حرف جر، وهي تفيد معنى الاختصاص والاستحقاق، ولفظ الجلالة مجرور بها، والجار والمجرور متعلِّقان بمحذوف هو خبر ( الْحَمْدُ )، تقديره: مستحق، أو واجب أو ثابت لله. ونعثر على شاهده اللغويّ في شعر أبي جندب الهُذَليّ المشؤوم، يصف مطاردته الأعداء:[لَقَدْ أَمْسَى بَنُو لِحْيَانَ مِنِّي/ بِـ( حَمْدِ اللهِ ) فِي خِزْيٍ مُبِيْنِ (07) ]. وأمّا قوله: ( الَّذِي عَافَانَا ) فهو تعبير بالفعل المتعدي، ومعناه: دفع الله عنا السوء والمرض ونحوهما، ونقرأ شاهده اللغويّ في قول عبد الله بن رواحة الخزرجيّ الأنصاريّ:[إِنْ تَسْلَمِي الْيَوْمَ فَلَنْ تَفُوتِي/ أَوْ تُبْتَلِي فَطَالَمَا ( عُوْفِيْتِ ) (08) ]. **** ستة معانٍ للظلم والظالمين استعمل الشيخ الطائي في تعبيره[ عَافَانَا مِنْ مَحَبَّةِ الظُّلْمِ والظَّالِمِيْنَ ] المصدرَ الميميَّ ( مَحَبَّة )، وجمعه (مَحَابّ)، ومعناه: (التعلّق والمودة والموالاة والمُظَاهرة للظالمين) ومنها قول الله تعالى:{لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوْ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَٰنَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ}[المجادلة/22]. وشاهدها اللغويّ نجده في قول عَدي بن زيادٍ العِباديّ:[فُكُلُّكُمْ مِنْ غَدٍ، يَرْعَى ( مَحَبَّتَهُ )/ وَلَا يَزَالُ بِأَمْنٍ مُوْنِقًا دَارَا (09) ]. و( الظُّلْمِ )، (مصدر) وفعله الثلاثيّ (ظَلَمَ)، وهو في سياق الكلام يتضمن أربعة معانٍ؛ أمّا الأول المعنى الأول (للظلم) فهو(الاعتداء بغير حقٍّ، ومجاوزة الحدّ)، ونقرأ شاهده في بيت شعر منسوب إلى الحارث بن كعبٍ المَذْحجيّ: [وَلَا تَبْدَأُوا بِالْحَرْبِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ/ مِنَ النَّاسِ لِلْعُدْوَانِ وَ( الظُّلْمِ ) بَادِيَا (10) ]، وأمّا المعنى الثاني (للظلم) فمعناه: (وضع الشيء في غير موضعه). ونقرأ شاهده عند الحارث بن حِلِّزة اليشكري البكريّ، الذي يستنكر فيه أخذ قومه بذنب غيرهم، كما يُذبحُ الظبي بدل الشاة قٌربانًا للصنم:[عَنَنًا بَاطِلًا، وَ( ظُلْمًا )، كَمَا تُعْـ/ تَــرُ عَنْ حُجْرَةِ الرَّبِيْضِ الظِّبَاُء (11) ]، وأمّا المعنى الثالث ( للظلم ) فهو (الميل عن الحق بلا شبهة). و نقرأه شاهده في قول الله - عزَّ وجلَّ -:{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} (12) ، وأمّا المعنى الأخير للظلم في هذا الموضع من مخطوط الشيخ عيسى الطائيّ وفي سياق الكلام فهو الشرك بالله، ونقرأ شاهده في قول الله – سبحانه وتعالى):{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (13) . وقوله: ( الظَّالِمِيْنَ ) اسم فاعل، جمع مذكر سالم وجمع تكسيره على صورتين: ( ظَّلَمَة )، و( ظُّلَّام )، وهي هنا على ثلاثة معانٍ: أمّا المعنى الأول ؛ فهو المائل عن الحق بلا شبهة. وشاهده اللغويّ في قول الله تعالى:{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (14) ، وأمّا المعنى الثاني ؛ فهو الجائر على حق غيره وجاوز الحدَّ في معاداته. ونجد شاهده اللغوي في قول جبلة بن الحارث وهو يرثي مسعود بن شداد:[جَمَّاعٌ كُلَّ خِصَال الْخَيْرِ، قَدْ عَلِمُوا/ زَيْنُ الْقَرِيْنِ، وَنِكْلُ الظَّالِمِ الْعَادِي (15) ]، وأمَّا المعنى الأخير (للظلم) فقد يكون بمعنى المشركين. وشاهده اللغوي في قول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَ الظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} (16) **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَقَدْ قَامَ بِإِزَالَةِ هَذِهِ الْبِدْعَةِ الَّتِي بِظَفَارِ السَّيْدُ عَبْدِ الْقَادِرِ الزَّوَاوِيّ )]. ثلاثة معان في (البِدْعة) في قول الشيخ الطائيّ ( إِزَالَة هَذِهِ الْبِدْعَة )، و( إِزَالَة) بمعنى (صَرْفُ أهلِ ظَفارِ وتنحيتهم عن اتخاذ يوم عاشوراء عيدًا). ونقرأ شاهدها اللغويّ في قول ابن عبّاس:[وَمَا أَقُوْلُ هَذَا أُرِيْدُ صَرْفَكَ عَنْ عَزِيْمَتِكَ، وَلَا ( إِزَالَتِكَ ) عَنْ مَعْقُودِ نِيَّتِكَ] (17) . وقوله:( الْبِدْعَة ) مفرد، والجمع:( بِدَعٌ )؛ أي: (الاحتفال بيوم عاشوراء). ومعنى ( البدعة ) في هذا سياق هذا الموضع من مخطوطة الطائيّ جاء على ثلاثة ضروب؛ أمّا الضرب الأول ؛ فـ( البِدعة ) مصطلح في (أصول الفِقْه)، ويعني (مَا أُحْدِثَ في الدينِ ولم يكُن مما يَشْهَد له أصلٌ شرعيٌّ أو يقتضيه). وشاهدها في الحديث النبويّ:[إنَّه سَيَلِي أَمْرَكُم قَومٌ يُطْفِئونَ السُّنّةَ وَيُحْدِثُونَ بِدْعةً ويُؤخِّرونَ الصَّلاةَ عَنْ مَوَاقِيْتِهَا. قَالَ اِبْنُ مَسْعُودٍ: وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُهُم؟ قَالَ: يَا اِبْنَ أُمِّ عَبْدٍ, لَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللهَ. قَالَهَا ثَلاثًا] (18) ، وأمّا الضرب الثاني ؛ فمعنى ( البدعة ) (الأمر المُحْدَثُ على غير مثال سابق). ونقرأ شاهدها في قول بشر بن أب خازم الأسديّ، يرثي أخاه سميرًا:[أَوْدَى فَلَا تَنْفَعُ الْإِشَاحَةُ مِنْ/ أَمْرٍ لِمَنْ قَدْ يُحَاوِلُ ( الْبِدَعَا ) (19) ]، وأما الضرب الأخير لمعنى ( البدعة )؛ فهي (الأمر العجيب المُنْكَر). ونقرأ شاهدها في قول المُثَّقِّبِ العَبْديّ:[أَرَى ( بِدَعًا ) مُسْتَحْدَثَاتٍ تُرِيْبُنِي/ يَجُوْزُ بِهَا مَسْتَضْعَفٌ وَحَلِيْمُهُا (20) ] **** تاريخ عائلة الزواوي في عُمان أشار الشيخ عيسى الطائيّ إلى دور (السَّيْدُ عَبْدِ الْقَادِرِ الزَّوَاوِيّ )، وتعاونه مع السلطان تيمور في محاربة بِدْعة الاحتفال بيوم عاشوراء (واتخاذِهِ عِيدًا). والسيد عبد القادر هو أكبر أبناء ( السيد الوجيه يوسف بن أحمد الزواوي) ، وقد التقاه الصحفي والأديب عبد المسيح أنطاكي خلال زيارته لمسقط 1907م، وتحدث في صحيفته (العمران) عن هذا اللقاء، وهي الزيارة التي طبعتها مؤسسة ( ذاكرة عُمان ) في كتاب بعنوان ( رحلة إلى مسقط ) قال فيه: (السيد عبد القادر شابٌ في مقتبل العمر، لم يناهز الثلاثين على ما أظن، وهو نحيلُ الجسم، بشوش الطلعة، تدلك سيماء وجهه على ذكاءٍ ومروءة وشهامة، وقد أثنى عليه مولانا وليّ النِّعَم سمو السيد فيصل ثناءً كبيرًا، وقال إنّه خير شابٍ يؤمّل له التقدم والارتقاء). كما التقاه محمد رشيد رضا في زيارته لمسقط عام 1913 وأشار إلى نباهته وتفكيره في مشاريع تجارية كانت تُعد وقتها رائدة وغير مسبوقة مثل توصيل الهاتف. فقال عنه: (ونجله الكبير الشيخ عبد القادر له ذوق في النظام وميل إلى الصناعة، وقد مَدَّ من دارهم في ( سِدَاب ) إلى دارهم في مسقط ( مسرة تليفون ) فكانت هي الوحيدة في تلك القرية). ويُلقب (آل الزواوي بـ( السَّادة ) لأنهم من الأشراف الأدارسة وينسبون إلى مولاي ( إدريس بن ادريس بن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام )؛ ومنشأهم المغرب ومهاجرهم مكة المكرمة، ثم دخلوا بلدان الخليج العربي منذ زمن ليس ببعيد ولهم وقف بمكة المكرمة). وقد انحدروا من مكة المكرمة في الحجاز إلى المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية في الأحساء وهناك أسسوا عين الزواوي (بئر ماء مشهورة)، واسم ( الزواوي ) جاء من وجودهم في زوايا الحرمِ المكيّ الشريف حيث أُنِيط لهذهِ العائلة الكريمة شرح مناسك الحجّ والعمرة، وشرحُ آيات القرآن الكريم للحُجَّاج والمُعتمرين، وقد كانت هي العائلة الوحيدة في مكة المكرمة التي يأتي منها ( مفتي المالكية ) و( مفتي الشافعية )، أما اسم العائلة الأصليّ فهو ( الإدريسي الحسني ) وارتبط وجود آل الزواوي في عُمان بهجرة جدّهم ( الشيخ العالم محمد الزواوي الأحسائيّ الشافعيّ ) الذي وفد إلى مسقط في أوائل عهد السيد سعيد بن سلطان (1804-1856) لاجئًا سياسيًا بعض التضييق عليه في موطنه بسبب الخلافات الفكريّة المذهبيّة، فنزل في (حي وَلْجَات) من (حِلَلِ بلدة مسقط)، في بيت صغير لطيف، ورحَّب به أهل المدينة، فأصبحوا من أشرافها وكرامِ عائلاتها، وقد كان السيد سالم بن سلطان يأنس بملاقاة الزواويّ، ويزوره في منزله مع عدد من رُوَّاد مجلسه، كما يُورد ذلك حميد بن رزيق في كتابه (الفتح المبين) وهو المؤرخ الذي عاصر الحدث، وكان مقرّبًا من السيد سالم ومن ندمائه وخاصّته) (21) . **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(وَطَلَبَ مِنَ السُّلْطَانِ يَمْنَعَ رَعِيَتَه عَنْ ذَلِكَ فَأَسْعَفَهُ وَخَاطَبَهُمْ خِطَابًا مَعْقُولًا )] السلطان يمنع اتخاذ (عاشوراء) عيدًا وَ ( طَلَبَ ) السَّيْدُ عَبْدِ الْقَادِرِ الزَّوَاوِيّ مِنَ (السُّلْطَانِ ) تيمور أنْ يَمْنَعَ (رَعِيَّتَه) أهل ظفار (عَنْ ذَلِكَ )، أي عن ( بِدْعة ) الاحتفال بيوم عاشوراء واتخاذه عِيدًا. وكلمة ( رَعِيَّته ) مفرد، والجمع: ( رَعَايَا ) ومعناها: (الجمعُ المَسُوسُ من الناس، المُدَبّر أمرُه). وشاهدها نقرأه في قول عامر بن الظَّرِب العَدْوانيّ، يُخاطِب ملكًا غَسَّانيًّا:[أَيُّهَا الْمَلِكُ، مَا أَحْسَبُ أَنَّ رَغْبَتَكَ فِيَّ بَلَّغَتْكَ أَنْ تَجْعَلَ لِي مُلْكَكَ، فَقَدْ قَبِلْتُ إِذْ وَلَّيْتَنِي أُمُوْرَ ( رَعِيَّتِكَ )، وَقَوْمِكَ] (22) ، ( فَأَسْعَفَهُ ) فِعْلٌ مُتعدٍ. ومعناه (ساعَدَه السلطان تيمور وأعانَه) في إقناع أهل ظفار على تَرْكِ بدعة الاحتفال بيوم العاشر من المحرّم واتخاذه عيدًا. وشاهده اللغوي في قول الخنساء:[فَإِنْ ( أَسْعَفْتُمَانِي ) فَارْفِدَانِي/ بِدَمْعٍ يُخْضِلُ الْخَدَّيْنِ بَلَّا (23) ]. (وَخَاطَبَهُمْ خِطَابًا مَعْقُولًا )؛ أي:( خَاطَبَهُمْ) السلطان تيمور بلسانه، أي: كلّمهم وخصّهم بالحديث. وشاهد الكلام نعثر عليه في شعر الحارث بن ذبيان، حين كان يفاخر طريف بن العاص، قائلا: [إِيَايَ تُخَاطِبُ بِمِثْلِ هَذَا الْقَوْلِ؟ فوَاللهِ لَوْ وَطِئْتُكَ لَأَسَخْتك (24) ]. وكلمة ( خِطَابًا ) مصدر ومعناه: (القول العادل الحاسم بين الحق والباطل). والشاهد فيه من قول عبيد بن عبد العُزّى السلامي الأزديّ:[فَمَنْ لِلْمَعَالِي، بَعْدَ عُثْمَانَ، وَالنَّدَى/ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ، والْجَوابِ الْمُيَسَّرِ (25) ]، وكلمة ( مَعْقُولًا ) اسم مفعول من ( عَقَلَ )؛ أي أقام لهم الحُجَّة والدليل العقليّ على فساد بدعة اتخاذ يوم عاشوراء / العاشر من المحرم عيدًا . و( الخطاب المعقول ) يأتي على ثلاثة معانٍ مباشرة؛ أما المعنى الأول لكلمة (معقول) ؛ فهو(العقل والفهم السديد)، ونقرأ شاهده اللغوي في قول الشَّمَاخ بن ضرار الذُّبيانيّ:[فَسَلَبْتِهِ ( مَعْقُوْلَهُ )، أَمْ لَمْ تَرَيْ/ قَلْبًا سَلَا بَعْدَ الْهَوَىَ فَأَفَاقَا (26) ]،وأمّا المعنى الثاني لكلمة (معقول) ؛ فهو(مَا يُدرك ويُفهم).ونجد شاهده في قول الخليل الفراهيدي: [والْمَعْقُولُ: مَا تَعْقِلُهُ فِي فُؤَادِكَ (27) ]، وأمّا المعنى الأخير لكلمة (معقول) ؛ فنجده من مفاهيم علم الفلسفة فـ(المعقول من الأشياء) هو الذي يُعْلَمُ بِالعقلِ لا بِالحِسِّ. ومنه قول ابن البطريق:[عَقْلُ الْفَيْلَسُوفِ يَطْلُبُ عِلْمَ الأَشْيَاءِ الْمَعُقُوْلَةِ (28) ] **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ هَذَا يَوْمُ أَغْرَقَ اللهُ فِيْهِ فِرْعَوْنَ وَنَجَّى مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ)] أحاديث كاذبة وموضوعة ويستند دُعَاة (الاحتفال بيوم عاشوراء، واتخاذه عِيدًا) إلى حديث متداول يقول:( إِنَّ هَذَا يَوْمُ أَغْرَقَ اللهُ فِيْهِ فِرْعَوْنَ وَنَجَّى مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ). وبالبحث في أصل الحديث اتضح أنه مكذوب موضوعٌ على رسولنا الكريم(صلى الله عليه وسلم)، ومن أحكام المُحَدِّثين على هذا الحديث: قال ابن الجوزيّ:(هذا حديثٌ لا يشكُّ عاقلٌ في وضعِه، ولقد أبدعَ من وَضَعَه، وكَشَفَ القِنَاع، ولم يستَحْي، وأَتَى فيهِ المُستحيلَ؛ وهو قوله: ( وأول يوم خلق الله يوم عاشوراء )، وهذا تغفيلٌ مِنْ وَاضِعِهِ؛ لأنّه إنّما يُسمى يومُ عاشوراء إذا سبقه تِسعة) (29) . وقال ابن كثير:(والمُستغرَبُ ذِكْرُ نُوحِ) (30) . وقال مرَّةً:(وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجهِ، ولبعضِهِ شاهدٌ في الصّحيح) (31) . وقال الهيثميّ:(رواه أحمدُ، وفيه حبيبٌ بن عبد الله الأزديّ لم يَرْوِ عنهُ غيرُ ابنهِ) (32) . وقال ضياء الرحمن: (وفيهِ نَكَارَةٌ في قوله: (وهذا يومٌ استوتْ فيه السفينةُ عَلَى الجُوْدِي فَصَام نُوْحٌ) (33) . وضَعَّفَه مُحَقِّقُو (8717) (34) . أوزريس هو فرعون موسى وقد جانب الصواب قول بعض من المشتغلين بعلم المصريّات من الأكاديميين المحليين والأجانب: بإن ( رمسيس الثاني ) هو فرعون موسى، وهو كما جاء بالعهد القديم في سفر الخروج أن رمسيس هو الذي اضطهد بني إسرائيل، وأن ابنه ( مرنبتاح ) هو الذي طارد اليهود، وهو الذي غرق في البحر، وأن جثمان أو مومياء كل من رمسيس و مرنبتاح ما زالتا محنطتين وموجودتين في المتحف المصري، وهذا ما قاله كثير من علماء الآثار المصرية أو علم المصريات، من مصريين وأجانب. وفي كتاب د. سعيد ثابت (فرعون موسى من يكون، وأين ومتى؟ طبعة دار الشروق، القاهرة، 1987). يُوجدُ رأيٌ عِلْميٌ أخر، يستند على الرؤية القرآنية، ومدعومٌ بالوثائق التاريخية؛ فقد أكد(د. سعيد ثابت) بالأدلة أنّ صفات أوزوريس تتفق مع صفات فرعون موسى كما جاء في القرآن الكريم: أولا - إنّ أوزوريس وإيزيس تبنيا طفلًا هو ( حورس )، وأنهما التقطاه من اليمّ، أو النيل، وحورس يمثّل الخير كله، ويرمزون له بـ(الصقر)، وتستأنس الدولة المصرية منذ العصر الحديث بحورس المثالي القوي العادل خادم الخير، وهو شبه قريب بالنبي موسى، حيث تمَّ تربيتُه في القصر الفرعونيّ، وهو كان ابنًا بالتَّبَني، ونلاحظ أن الأم إيزيس تُمثل الخير أيضًا. ثانيا - ادَّعى أوزوريس الألوهية اﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻟﻨﻔسه، كما ادَّعى فرعون موسى الألوهية. ثالثا – إن أوزوريس ﻛﺎن ﻣﻦ اﻟﻤﻠﻮك ذوي اﻟﻤﻘﺎم اﻟﻌﺎﻟﻲ واﻟﺜﺮاء اﻟﻮاﺳﻊ وﺷﺪة اﻟﺒﺄس، مثل فرعون النبي موسى. رابعا - كان أوزوريس له صفة فرعون اﻟﻤﻌﺮوﻓﺔ في القرآن ﺑـ(ﺬِي الأوتاد). خامسًا - اﻧﺘﺸﺎر اﻟﺴﺤﺮ ﻓﻲ زﻣن ﻛلٍّ من (أوزوريس وفرعون). سادسا – أن أوزوريس ﻣﺎت غريقًا. سابعًا – لا يوجد أي أثر باقٍ لأوزوريس، ولايوجد له معبد معروف أو تمثال منحوت أو قصر موصوف مُحدَّد المكان والمعالم، وهذا ما تحدَّث عنه القرآن صراحةً في قول الله تعالى: {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ}[سورة الأعراف، الآية:137]، أي عدم وجود أي أثر لهذا الفرعون. (35) **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [(فَقَالَ السُّلْطَاُن: إِنَّكُمْ أَتْبَاُع مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وَلَسْتُمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) )]. الفرق بين (أتباع محمد) و(أمة محمد) وفي قول السلطان تيمور ( إِنَّكُمْ أَتْبَاُع مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم)، وَلَسْتُمْ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) إشارة إلى أن (أمّة سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم) أمَّتان: أمَّة دعوة وأمَّة إجابة، فـ( أمَّة الدعوة ) هم كلُّ إِنْسيٍّ وجِنِّيٍّ من حين بعثته إلى قيام الساعة، و( أمَّة الإجابة ) هم الذين وفَّقهم الله للدخول في دينه الحنيف، وصاروا من المسلمين، والمراد من ( الأمَّة ) في هذا الحديث أمَّة الإجابة، ومن أمثلة أمَّة الدعوة قوله(صلى الله عليه وسلم)"والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يَموت ولم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلاَّ كان من أصحاب النار" رواه مسلم) (36) **** يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ على لسان السلطان تيمور: [(وَشَرِيْعَةَ مُوْسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نُسِخَتْ بِشَرِيْعَتِه عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ )] شريعة محمد نسخت شريعة موسى وفي قول السلطان تيمور، كما نقله لنا الشيخ عيسى الطائيّ-: كلمة ( شريعة )، مفرد، وتجمع على ( شرائع )، و( شِرَع )، ومعناها: ( الطريق الواضح والمنهاج المسلوك ). وشاهدُها اللغويّ نقرأه في قول منسوب إلى الحارث بن كعب المَذْحِجيّ يوصي بنيه:[فَمُوْتُوا عَلَى ( شَرِيْعَتِي ) (37) ]، أمّا معناها في (علم أصول الفقه): فتعني (ما سَنَّه الله - عَزَّ و جَلَّ - لبعاده من الدين والمِلّةِ المُتَّبَعَة وجعلَه طريقًا إلى الحقِّ والفلاح). وشاهدُها نقرأه في قول الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (38) . وَقوله: [شَرِيْعَةَ مُوْسَى] ؛ أي: ( التوراة ). و(تختَلِفُ الكُتُبُ المُنَزَّلةُ فيما بينها في تفاصيلِ بعضِ الشَّرائعِ، فمثَلًا شريعةُ عيسى تخالِفُ شريعةَ موسى -عليهما السَّلامُ- في أمورٍ، وشريعةُ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) تخالِفُ شريعةَ موسى وعيسى عليهما السَّلامُ في أمورٍ) (39) قال اللهُ تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (40) (وَشَرِيْعَةَ مُوْسَى نُسِخَتْ) ومعنى ( نُسِخَتْ ) في اللغة (نسخ الحكم ونحوه: أَبْطَل الْعَمَلَ بِهِ عَلَى حَالِهِ الَّتي أُقِرَّتْ لَهُ أَوَّلًا. وشاهدها اللغويّ نعثر عليه في حديث( نسَخَ الأضْحى كلَّ ذبْحٍ، وصومُ رمضانَ كلَّ صَومٍ، والغُسلُ مِن الجَنابةِ كلَّ غُسْلٍ، والزَّكاةُ كلَّ صَدقةٍ (41) ). ومعنى ( النسخ ) في علم أصول الفقه: مُحيت، ورُفِعَت لَفْظًا أَوْ حُكْمًا. وشاهدها في قول مقاتل بن سليمان الأزديّ: (وَذَلِكَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ فَرَائِضَ، فَعَمِلَ بِهَا الْمُؤمنون، ثُمَّ أَنْزَلَ بَعْدُ مَا نَسَخَ بِهِ الْأَمْرَ الْأَوَّلَ، فَحَوَّلَهُمْ إِلَيْهِ، وَقَدْ غَابَ أُنَاسٌ لَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ، فَيَعْمَلُوا بِالنَّاسِخِ بَعْدَ النَّسْخِ (42) ). وفي قوله:[( نُسِخَتْ بِشَرِيْعَتِه عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ)] وفي هذا المعنى قال ابنُ القَيِّمِ: (لا رَيبَ أنَّ الشَّيءَ يكونُ مَصلحةً في وَقتٍ دونَ وَقتٍ، وفي شريعةٍ دونَ أُخرى، كما كان تزويجُ الأخِ بالأُختِ مصلحةً في شريعةِ آدَمَ عليه السَّلامُ، ثم صار مَفسدةً في سائِرِ الشَّرائعِ (43) )؛ فقد حرَّم اللهُ على اليهودِ أُمورًا ثم جاء عيسى - عليه السَّلامُ - فأحَلَّ لهم بعضَ ما حُرِّم عليهم، ثم جاءت الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ – شريعة محمد (صلى الله عليه وسلم) الخاتِمةُ لِتَكونَ القاعِدةُ العامَّةُ: إحلالَ الطَّيِّباتِ وتحريمَ الخبائِثِ. قال اللهُ تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ (44) }؛ قال البيضاويُّ: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ مِمَّا حُرِّم عليهم كالشُّحومِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ كالدَّمِ ولَحمِ الخِنزيرِ، أو كالرِّبا والرِّشوةِ. وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ويخَفِّفُ عنهم ما كُلِّفوا به من التكاليفِ الشَّاقَّةِ؛ كتَعيينِ القِصاصِ في العَمْدِ والخَطَأِ، وقَطْعِ الأعضاءِ الخاطئةِ، وقَرْضِ مَوضِعِ النجاسةِ. وأصلُ الإصرِ: الثِّقْلُ الذي يأصِرُ صاحِبَه، أي: يحبِسُه من الحِراكِ لِثِقلِه (45) ) **** المصادر والمراجع: (01) انظر: "جامع البيان" (1/ 138)، "المحرر الوجيز" (1/ 63)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 133)، "مجموع الفتاوى" (1/ 89)، "البحر المحيط" (1/ 18) (02) انظر: "مجموع الفتاوى" (8/ 378). (03) انظر: "الوابل الصيب من الكلم الطيب" (ص88) (04) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 133). (05) انظر "جامع البيان" (1/ 135 -138). (06) انظر: "الكشاف" (1/ 7). (07) ديوان الهُذَليين، تحقيق: أحمد الزين وآخرين، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، ط2، 1995م، 3/90 (08) ديوان عبد الله بن رواحة، تحقيق: وليد قصَّاب، دار العلوم، الرياض، مطبعة المتوسط، بيروت، ط1، 1981م، ص: 154 (09) ديوان عدي بن زيد العِبادي، جمع وتحقيق: محمد جبار المعيبد، شركة دار الجمهورية، بغداد، 1965م، ص: 54 (10) شعراء مَذْحَج في الجاهلية، صنعة: مقبل التام عامر الأحمدي، مجمع اللغة العربية السعيدة، صنعاء، ط2، 2014م، ص:446 (11) ديوان الحارث بن حلزة اليشكريّ، صنعة: مروان العطية، دار الإمام النووي، دمشق، دار الهجرة، دمشق، بيروت، ط1، 1994م، ص: 71 (12) سورة النمل، الآية: 14 (13) سورة الأنعام، الآية: 82 (14) سورة الأنعام، الآية: 33 (15) كتاب الأمالي، 2/359 (16) سورة الشورى الآية: 8 (17) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد(ت، 656هـ)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء التراث (18) الراوي: عبدالله بن مسعود، المُحَدِّث: الذَّهبي، المصدر: المُهذَّب في اختصار السنن، ص أو رقم: 2/1061، خلاصة حكم المُحَدِّث: إسناده صالح، أخرجه ابن ماجه (2865)، وأحمد (3790) باختلاف يسير، والبيهقي (5542) واللفظ له. (19) ديوان بشر بن أبي خازم الأسدي/ تحقيق: عزة حسن، وزارة الثقافة والإرشاد القوميّ، دمشق، 1960م، ص: 126 (20) ديوان المثقب العبدي، تحقيق: حسن كامل الصيرفي، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1977م، ص: 253 (21) تاريخ عُمان، السيد يوسف الزواوي إحدى الشخصيات العُمانية البارزة، إعداد/ د. محمد بن حمد العريمي، صحيفة أثير الإلكترونية، December 29, 2019 at 7:32PM/ (22) كتاب المعمّرين، أبو حاتم السِّجستانيّ(ت، 255هـ)، تحقيق: إيغناس غولد زيهر، مطبعة بريل، ليدن، 1899م، ص: 52 (23) الأمالي، أبو علي القالي (ت،356هـ)، تحقيق: محمد عبد الجواد الأصمعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975م، 1/ 103 (24) الأمالي، أبوعلي القالي(ت، 356هـ)، تحقيق: محمد عبد الجواد الأصمعي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975م، 1/103 (25) منتهى الطلب من أشعار العرب، جمعه: ابن ميمون البغداديّ(ت، 597هـ)، تحقيق: محمد نبيل طريفي، دار صادر، بيروت، ط1، 1999م، 8/292 (26) ديوان الشماخ بن ضرار، تحقيق وشرح: صلاح الدين الهادي، دار المعارف، القاهرة، 1968م، ص: 261 (27) كتاب العين، الخليل الفراهيدي(ت، 175هـ)، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، القاهرة، د.ت. 1/159 (28) أجزاء الحيوان، أرسطوطاليس، ترجمة: ابن البطريق(ت، 200هـ)، تحقيق: وشرح: عبد الرحمن بدويّ، وكالة المطبوعات، الكويت، 1978م، ص: 47 (29) الموضوعات، لابن الجوزي (2/ 201) (30) البداية والنهاية (1/ 273) (31) تفسير ابن كثير – ط العلمية (4/ 281) (32) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3/ 184) (33) الجامع الكامل في الحديث الصحيح الشامل المرتب على أبواب الفقه (4/ 719) (34) مسند أحمد (14/ 335 ط الرسالة). (35) رؤية بحثية قرآنية لفرعون موسى، د. علي أبو الخير، مجلة المعارف الحكمية، معهد الدراسات الدينية والفلسفية، لبنان، بيروت، (36) فتح القوي المتين في شرح الأربعين وتتمة الخمسين للنووي وابن رجب رحمهما الله، عبد المحسن البدر، دار ابن القيم، الدمام، السعودية، ط1، 2003م، ص: 130 (37) التذكرة الحمدونيّة، ابن خلدون (ت، 562هـ)، تحقيق: إحسان عباس وبكر عباس، دار صادر، بيروت، ط1، 1996م، 3/341 (38) سورة الجاثية، الآية: 18 (39) الرسل والرسالات، عمر الأشقر، ص: 250، رسائل في العقيدة، ص: 290. (40) سورة المائدة، الآية: 48 (41) الراوي: علي بن أبي طالب، المُحَدِّث: محمد الأمين الشنقيطي، المصدر: أضواء البيان، ص: أو رقم: 5/669، خلاصة حكم المُحدث: ضعيف، أخرجه الدارقطني (4/279)، والبيهقي (19491) واللفظ لهما، وابن عدي في (الكامل في الضعفاء) (6/386) باختلاف يسير. (42) تفسير مقاتل، مقاتل بن سليمان الأزديّ(ت، 150هـ)، دراسة وتحقيق: عبد الله محمود شحاته، مؤسسة التاريخ العربيّ، بيروت، ط 1، 2002م، 2/200 (43) يُنظر: إغاثة اللهفان، 2/ 1102 (44) سورة الأعراف، الآية: 157 (45) يُنظر: تفسير البيضاويّ، (3/ 37)

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (43)
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (43)

جريدة الرؤية

time٠٩-٠٤-٢٠٢٥

  • منوعات
  • جريدة الرؤية

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (43)

تحقيق: ناصر أبوعون يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [( وَلِأَهْلِ ظَفَارِ عِيْدٌ يَوْمَ العَاشِرِ من المُحَرَّمِ؛ وَهُوَ ثَالِثُ الْأَعْيَادِ عِنْدَهُم، بَلْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ عِيْدَي الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، يُوَسِّعُونَ فِيْهِ عَلَى عِيَالِهِمْ، وَيَتَهَادَوْنَ الْهَدَايَا، وَيَلْبَسُوْنَ أَفْخَرَ لِبَاسِهِمْ، وَيُعْطُوْنَ أَوْلَادَهُمُ النَّارْجِيْلَ الْمَنْقُوشَ بِالْأَلْوَانِ، وَيُدَحْرِجُونَهُ فِي الطُّرُقَاتِ. وَقَدْ نَسُوا أَنَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَأُخْوَتُهُ وَبَنُو عَمِّهِ- رَضِيَ اللهُ عُنْهُمْ- بِـ(كَرْبِلَاءَ) بَعْدَ أَنْ خَرَجُوا نَاقِمِيْنَ عَلَى جَوْرِ بَنِي أُمَيَّةَ وَغَشْمِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ عَامِلُ يَزِيْدَ بِـ(الْكُوْفَةِ) عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ بْن أَبِي وَقَّاص فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ فَقَتَلَهُمْ عَطَاشَى وَأَوْطَأَهُمْ خَيْلُهُ. وَإِنَّهُ لَرِزْءٌ جَلَلٌ أُصِيْبَ فِيْهِ الْإِسْلَامُ فِي آلِ بَيْتِ النَّبِيّ (صلى الله عليه وسلم). وَلَعَلّ أَهْلَ ظَفَارَ نَسُوا هَذِهِ الْحَادِثَةَ، أَوْ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا سَنَّهُ بَنُو أُمَيَّةَ فَاتَّبَعُوْهُ؛ وَلَقَدْ سَنَّ بَنُو أُمَيَّةَ لَعْنَ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَنَابِرِهِمْ)]. فضائل يوم العاشر من محرّم قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [( وَلِأَهْلِ ظَفَارِ عِيْدٌ يَوْمَ العَاشِرِ من المُحَرَّمِ؛ وَهُوَ ثَالِثُ الْأَعْيَادِ عِنْدَهُم )]، [ عِيْدٌ ]، أي: يوم مسرّة يتكرر في موعد معلوم من السنة، وشاهده نقرأه في شعر الحارث بن عباد البكريّ يُشبِّه فيه ما حلّ بالديار بآثار عيد اليهود: [وَكَأَنَّ الْيَهُوْدَ فِي يَوْمِ ( عِيْدٍ )/ ضَرَبَتْ فِيْهِ رَوْقَشًا وَطُبُوْلَا (01) )[ يَوْمَ العَاشِرِ من المُحَرَّمِ ]،وقد ورد في فضله عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) أحاديث كثيرة وصحيحة وبروايات عديدة نذكر منها: (لَمَّا قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ(صلى الله عليه وسلم)المَدِينَةَ واليَهُودُ تَصُومُ يَومَ عاشُوراءَ، فَسَأَلَهُمْ، فقالوا: هذا اليَوْمُ الذي ظَهَرَ فيه مُوسَى علَى فِرْعَوْنَ، فقالَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): نَحْنُ أوْلَى بمُوسَى منهمْ فَصُومُوهُ) (02) ، وفي حديث آخر: أنَّ رَسولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قالَ لِرَجُلٍ مِن أسْلَمَ: أذِّنْ في قَوْمِكَ، أوْ في النَّاسِ- يَومَ عاشُوراءَ- أنَّ مَن أكَلَ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَومِهِ، ومَن لَمْ يَكُنْ أكَلَ فَلْيَصُمْ) (03) .ويقول الطائيّ [بَلْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ عِيْدَي الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ] ، وقول الشيخ عيسى الطائيّ بأن (يوم عاشوراء أعظم عند أهل ظفار) لا يقصد به الأفضلية في الاعتقاد، بل يقصد تقديره والإبانة عن مهابته في قلوب الظفاريين بناءً على ما شاهده عَيَانًا من مظاهر الاحتفال والسرور والنفقة والبذخ. لذا استعمل اسم تفضيل [ أَعْظَمُ ] وجمعه: ( أعاظم )، أي: أشد إجلالا وإكبارًا، ونجد شاهده في قول هاشم بن عبد مناف القرشيّ: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّكُمْ سَادَةُ الْعَرَبِ، وَأَحْسَنُهَا وُجُوهًا، وَ( أَعْظَمُهَا ) أَحْلَامًا)، فأمّا قوله [ عيد الفطر ] فقد تقدّم ذكره والإفاضة في الاستدلال عليه وشرح سبب التسمية في موضوع آخر من المخطوط، وأمّا قوله: [ يوم النَّحْرِ ]، فقد أكدت الأدلة النقلية على أنّه أفضل الأيام عند الله بعد يوم الجمعة؛ لحديث النبي (صلى الله عليه وسلم): (أفضلُ الأيَّامِ عندَ اللهِ يومُ النَّحرِ ويومُ القَرِّ) (04) و(يوم القَرّ) هو ثاني أيام عيد الأضحى. تقاليد أهل ظفار يوم عاشوراء قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [( يُوَسِّعُونَ فِيْهِ عَلَى عِيَالِهِمْ، وَيَتَهَادَوْنَ الْهَدَايَا، وَيَلْبَسُوْنَ أَفْخَرَ لِبَاسِهِمْ، وَيُعْطُوْنَ أَوْلَادَهُمُ النَّارْجِيْلَ الْمَنْقُوشَ بِالْأَلْوَانِ، وَيُدَحْرِجُونَهُ فِي الطُّرُقَاتِ)] . ومعنى [(يُوَسِّعُونَ فِيْهِ عَلَى عِيَالِهِمْ)] ، أي أنّ الكثير من الناس يذهبون إلى التوسعة على بيوتاتهم وذراريهم يوم عاشوراء في المأكل والمشرب والملبس استنادًا إلى حديث ( مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالهِ يَومَ عاشوراءَ وَسَّعَ اللهُ عليه سائرَ سَنَتِهِ )، وهو حديث مُنْكر ولم يصحّ (قال ابن حجر العسقلاني: غريب (الأمالي المطلقة 28)، وقال الإمام أحمد: في إسناده ضعف (مسائل أحمد رواية ابن هانيء/ 1/136)، وقال الدارقطني: منكر (العلل المتناهية 2/553)، لكن اتفقت سائر المذاهب على استحباب التوسعة على الأهل في يوم عاشوراء وغيره. [ يُوَسِّعُونَ ] من (وَسَّعَ الأمر: خفّفه ويسَّره). والشاهد فيه من قول ابن عباس في تفسير قوله الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ}(سورة البقرة، الآية: 220)، أي: [لوشاء الله لأحرجكم، وضيّق عليكم، ولكنّه وَسَّعَ ويَسَّرَ) (05) [عَلَى عِيَالِهِمْ] ( عِيَال ) و( عَيَايِل ) جموع، والمفرد منها ( عَيِّل )، وهو من يكفله الرجل من أهل بيته ويقوم على معاشه. وشاهده اللغويّ نقرأه في قول أُمامة بنت الحارث الشيبانيّة توصي ابنتها عند زواجها: [اِحْمِلِي عَنِّي عَشْرَ خِصَالٍ تَكُنْ لَكِ ذُخْرًا وَذِكْرًا: الصُّحْبَةُ بِالْقَنَاعَة.. وَالْإِرْعَاءِ عَلَى نَفْسِهِ وَحَشَمِهِ وَ( عِيَالِه )] (06) وَ [ يَتَهَادَوْنَ الْهَدَايَا] ، ( الهدايا )، و( الهداوَى ) جموع، والمفرد ( هَدِيّة )، وهي ما أتحفتَ به ذا مودةٍ على سبيل البرِّ واللطف. والشاهد فيها نقرأه في بيت شعر منسوب إلى كليب بن ربيعة التغلبيّ: [تَكُونُ ( هَدِيَّةً ) لِجَمِيْعِ طَيٍّ/وَكُنْتُمْ، بِالسَّلَامَةِ رَائِحيْنَا (07) ] [وَيَلْبَسُوْنَ أَفْخَرَ لِبَاسِهِمْ] ، [ لِبَاس ] مفرد والجمع ( أَلْبِسَة )، وهو ما يُكْتَسَى بهِ ويُسْتَتَرُ به، من ثوبٍ ونحوه، ونقرأ شاهده في بيت شعر لعنترة يقول فيه: [وَعُدْنَا وَالْفَخَارُ لَنَا ( لِبَاسُ )/نَسُودُ بِهِ عَلَى أَهْلِ الزَّمَانِ (08) ]، [وَيُعْطُوْنَ أَوْلَادَهُمُ النَّارْجِيْلَ الْمَنْقُوشَ بِالْأَلْوَانِ ]؛ وحيث إنّ الإنسان ابن بيئته، فقد كانت هذه الألعاب هي المتاحة في تلك الحقبة من تاريخ ظفار، وغيرها من الألعاب المشتقة من البيئة المحلية؛ ولأن زراعة (نخيل النارجيل جوز الهند) تكثر في ظفار فقد صارت ثماره جزءًا من التراث الشعبيّ وخاصةً في إعادة تدويره، وتصنيعه؛ لذا تمَّ (إنشاء مركز رخيوت للتدريب والإنتاج) للاستفادة من بقايا قشرة نخلة النارجيل بنيابة (شهب أصعيب)؛ لإنتاج منتجات تلامس الذوق العام تدخل في الإكسسوارات والديكورات، فالمركز يقوم بإعادة تدوير مخلفات شجرة النارجيل لعمل منتجات حرفية مميزة مثل "ميداليات"، و"مناديس"، و"مكبات"، و"عُلَب البخور والعطور"، و"حقائب صغيرة للأقلام"، و"وحدات إضاء"، و"أقلام"، و"أطقم" تتضمن "عُلبة وقلما وميدالية" وغيرها من إبداعات نساء ولاية رخيوت. ويتم تصنيع ذلك عبر المزج ما بين الخامات الطبيعية مع قشرة النارجيل للخروج بمنتج عصري يحمل الزخارف والنقوش والهوية العمانية أو منتجا تراثيا عمانيا) (09) . [وَيُدَحْرِجُونَهُ فِي الطُّرُقَاتِ ]، [ يُدَحْرِجُونَهُ ] أي: يدفعونه فيدور على نفسه في تتابع وانحدار. وشاهده اللغوي في الحديث النبويّ الشريف الذي رواه حذيفة بن اليمان، قال: (حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أحَدَهُما وأَنَا أنْتَظِرُ الآخَرَ: حَدَّثَنَا: أنَّ الأمَانَةَ نَزَلَتْ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ وحَدَّثَنَا عن رَفْعِهَا قالَ: يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأمَانَةُ مِن قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثْلَ أثَرِ الوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى فِيهَا أثَرُهَا مِثْلَ أثَرِ المَجْلِ، كَجَمْرٍ ( دَحْرَجْتَهُ ) علَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وليسَ فيه شيءٌ، ويُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فلا يَكَادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمَانَةَ، فيُقَالُ: إنَّ في بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أمِينًا، ويُقَالُ لِلرَّجُلِ: ما أعْقَلَهُ وما أظْرَفَهُ وما أجْلَدَهُ، وما في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِن إيمَانٍ ولقَدْ أتَى عَلَيَّ زَمَانٌ، ولَا أُبَالِي أيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإسْلَامُ، وإنْ كانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ، وأَمَّا اليَومَ: فَما كُنْتُ أُبَايِعُ إلَّا فُلَانًا وفُلَانًا) (10) . [ الطُّرُقَات ] جمع الجمع لـ( طُرُق )، و( أَطْرِقَة )، و( أَطْرُق )، و( أَطْرِقَاء ). والمفرد ( طَرِيق ) وهي تُذكَّر وتُؤنّث، و الطَّرِيقُ فِي اللُّغَةِ: (ا لسَّبِيل )، أي: المسلك الواسع المُمتد، ومن معانيه ( الشارع )، و( الدَّرْب )، و( السِّكّة )، و( الزُّقَاق )، و( الفِناء ) (11) ، ومن شواهده الحديث النبويّ الشريف، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ علَى (الطُّرُقَاتِ )، فَقالوا: ما لَنَا بُدٌّ، إنَّما هي مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قالَ: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا، قالوا: وَما حَقُّ الطَّرِيقِ ؟ قالَ: غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ) (12) . الخروج على جور بني أميّة قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [( وَقَدْ نَسُوا أَنَّ فِي هَذَا الْيَوْمِ قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَأُخْوَتُهُ وَبَنُو عَمِّهِ – رَضِيَ اللهُ عُنْهُمْ – بِـ(كَرْبِلَاءَ) بَعْدَ أَنْ خَرَجُوا نَاقِمِيْنَ عَلَى جَوْرِ بَنِي أُمَيَّةَ وَغَشْمِهِمْ)]، [ خَرَجُوا ]، أي: (ثائرين على بني أميّة)، وشاهده اللغويّ نقرأه من حديث النبيّ (صلى الله عليه وسلم): (مَن فارَقَ الجمَاعَةَ وخرَجَ من الطاعَةِ فماتَ فميتُتُهُ جاهليةٌ ومَن خَرَجَ علَى أمتِي بسيفِهِ يضربُ برَّهَا وفاجِرَهَا لا يُحَاشِى مؤمنًا لإيمانِهِ ولا يَفِي لذِي عهدٍ بعهدِهِ فليسَ مِن أمتِي ومَن قُتِلَ تحتَ رايةٍ عِمِّيَّةٍ يغضَبُ للعَصَبيَّةِ أو يُقَاتِلُ للعصبِيَّةِ أو يدعو إلى العصبيَّةِ فقِتْلَةُ جاهليةٍ) (13) ، ( نَاقِمِيْنَ )، اسم فاعل في محل نصب حال للدلالة على الحدوث والتجدد، مرتبط بالفعل ( خَرَجُوا )، ومعناه (منكرين وساخطين وثائرين من أفعال بني أميّة). وشاهده اللغوي نقرأه عند الأسود بن يعفر النهشليّ: [( نَقَمَتْ ) بَنُو صَخْرٍ عَلَيَّ وَجَنْدَلٌ/ نَسَبٌ، لَعَمْرُ أَبِيْكَ، لَيْسَ بِـ(قُعْدَدِ) (14) ] [ عَلَى جَوْر بَنِي أُمَيَّةَ ] ؛ فمن سياق الكلام يُفهَم أن الشيخ عيسى بن صالح الطائي قصد بـ( الجور ) ما اصْطُلِح عليه في (علم الكلام)، لذا أتبعها بكلمة [ غَشْمِهِمْ ]، ونجد شاهده الفلسفيّ الحِجَاجِيّ في قول عبد الله بن إسماعيل الهاشميّ: (إِنَّ الشَّرَائِعَ وَالْأَحْكَامَ لَنْ تَخْرُجَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ...إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ حُكمًا إِلَهِيًا، وَهُوَ حُكْمُ التَّفَضُّلِ الَّذِي هُوَ فَوْقَ الْعَقْلِ وَالطَّبِيْعَةِ...وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حُكْمًا طَبِيٍعِيًا، قَائِمًا فِي الْعَقْلِ، مَوْلُودًا فِي الْفِكْرِ، يَقْبَلُهُ التَّمْييزُ، وَلَا يُنْكِرُهُ، وَهُوَ حُكْمُ الْعَدْلِ...وَإِمَّا أَنْ يَكُوْنَ حُكْمًا شَيْطَانِيًا، أَعْنِي حُكْمَ (الْجَورِ)،وَهُوَ ضِدَ الْحُكْمِ الْإلَهِيّ وَخِلَافُ الْحُكْمِ الطَّبِيْعِيّ) (15) . وكلمة [ غَشْمِهِمْ ] مصدر، ومعناها (ظلمهم الشديد)، وشاهدُها اللغوي نجده في شعر المهلهل بن ربيعة التغلبيّ: [هَتَكْتُ بِهِ بُيُوتَ بَنِي عُبَادٍ/ وَبَعْضُ ( الْغَشْمِ ) أَشْفَى لِلصُدُوْرِ (16) ]. كربلاء مُصاب الإسلام الجلل قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [( فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ عَامِلُ يَزِيْدَ بِـ(الْكُوْفَةِ) عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ بْن أَبِي وَقَّاص فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ فَقَتَلَهُمْ عِطَاشًا وَأَوْطَأَهُمْ خَيْلُهُ. وَإِنَّهُ لَرِزْءٌ جَلَلٌ أُصِيْبَ فِيْهِ الْإِسْلَامُ فِي آلِ بَيْتِ النَّبِيّ (صلى الله عليه وسلم)] . [ عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ ]، هو (عبيد الله بن زياد بن أبيه، أمير العراق أبو حفص، ولي البصرة سنة خمس وخمسين وله ثنتان وعشرون سنة، وولي خراسان، فكان أول عربي قطع جيحون، وافتتح بيكند، وغيرها. وأمه مرجانة من بنات ملوك الفرس، وأبغضه المسلمون لما فعل بالحسين- رضي الله عنه- وكانت تقول له: قتلت ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا ترى الجنة، أو نحو هذا) (17) . أمّا [ يَزِيْدَ ]، هو (يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، الخليفة، أبو خالد، القرشي، ومن حسناته غزو القسطنطينية في جيش كان به أبو أيوب الأنصاريّ. عقد له أبوه بولاية العهد من بعده، فتسلم الملك عند موت أبيه في رجب سنة ستين، وله ثلاث وثلاثون سنة. وعن الحسن، أن المغيرة بن شعبة، أشار على معاوية ببيعة ابنه ففعل، فقيل له: ما وراءك؟ قال: وضعتُ رجل معاوية في غَرز غَيّ لا يزال فيه إلى يوم القيامة، قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء أولادهم، ولولا ذلك لكان شورى. افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرة، فمقته الناس، وتوفي في نصف ربيع الأول سنة أربع وستين هجرية) (18) . ومعنى[ الْكُوْفَةِ ]: (الرَّمْلَةُ الحَمْراءُ المُسْتَديرَةُ، أو كلُّ رَمْلَةٍ تُخالِطُها حَصْباءُ، ومدينَةُ العِراقِ الكُبْرَى، وقُبَّةُ الإِسلامِ، ودارُ هِجْرَةِ المُسْلِمينَ، مَصَّرَها سَعْدُ بنُ أبِي وقَّاصٍ، الذي قال: "يذكر الكوفة حين أسَّسها: كوِّفُوا هذا المكان" وكان مَنْزِلَ نوحٍ، عليه السلامُ، وبَنَى مَسْجِدَها، سُمِّيَ لاسْتدارَتِها واجْتِماعِ الناسِ بها، ويقال لها: كُوفانُ، وكُوفَةُ الجُنْدِ، لأَنَّهُ اخْتُطَّتْ فيها خِطَطُ العَرَبِ أيَّامَ عُثمانَ، خَطَّطَها السائِبُ بنُ الأَقْرَعِ الثَّقَفِيُّ، أو سُمِّيَتْ بكُوفانَ، وهو جُبَيْلٌ صَغيرٌ، فَسَهَّلوهُ، واخْتَطُّوا عليه، أو من: الكَيْف: القَطْعِ، لأِن أبْرَويزَ أقْطَعَهُ لبَهْرامَ، أو لأَنها قِطْعَةٌ من البِلادِ، والأَصْلُ: كُيْفَةٌ، فلما سَكَنَتِ الياءُ وانْضَمَّ ما قَبْلَها، جُعِلَتْ واوًا، أو من قولِهِم: هُم في كُوفانٍ، وكَوْفَانُ، وكَوَّفانٍ، أي: في عِزٍّ ومَنَعَةٍ، أو لأن جَبَلَ ساتِيدَما مُحيطٌ بها كالكافِ، أو لأَنَّ سَعْدًا لَمَّا ارْتَادَ هذه المَنْزِلَةَ للمسلمينَ قال لهم: تَكَوَّفوا ط أو لأِنه قال: كَوِّفوا هذه الرَّمْلَةَ: نحُّوها) (19) .[ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ بْن أَبِي وَقَّاص ] قال خليفة بن خيّاط: عمر بن سعد بن مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ابن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب أبو حفص القرشيّ الزّهريّ؛ أمّه ماريّة بنت قيس بن معد يكرب بن الحارث بن السّمط بن امرىء القيس بن عمرو بن معاوية، من كندة، يكنى أبا حفص. قال العجليّ: عمر بن سعد بن أبي وقّاص، كان يروي عن أبيه أحاديث، وروى النّاس عنه. وقال في موضع آخر: تابعيّ ثقة، وهو الذي قتل الحسين! قال يحيى بن معين: ولد عُمر بن سعد عام مات عمر بن الخطّاب، وهو الذي قتل الحسين) (20) .[ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ فَقَتَلَهُمْ عَطَاشَى وَأَوْطَأَهُمْ خَيْلُهُ ] والشاهد التاريخيّ على هذه الواقعة ما رواه أنس بن مالك قال: (أُتِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ زِيَادٍ برَأْسِ الحُسَيْنِ عليه السَّلَامُ، فَجُعِلَ في طَسْتٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ، وقالَ في حُسْنِهِ شيئًا، فَقالَ أنَسٌ: كانَ أشْبَهَهُمْ برَسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم)، وكانَ مَخْضُوبًا بالوَسْمَةِ) (21) .[ قَتَلَهُمْ عِطَاشَى ]، [ عِطاشَى ] بكسر العين المُهملة، و[ عَطاشَى ] بفتح العين المُهملة جمعٌ مفرده ( عَطْشان )، وهو صفة مُشَبَّهة، والمعنى: (محتاجون إلى شرب الماء)، وشاهدُه اللغوي والتاريخيّ نجده في قول أبي حنيفة الدّينوريّ: [فَلَمَّا وَرَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ ذَلِكَ، أَمَرَ عَمْرو بنَ الحَجَّاجِ أَنْ يَسِيْرَ فِي خَمْسِمِئَةِ رَاكِبٍ، فَيُنِيْخَ عَلَى الشَّرِيْعَةِ وَيَحُولُوا بَيْنَ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، وَبَيْنَ الْمَاءِ..فَمَكَثَ أَصْحَابُ الْحُسَيْنِ ( عَطاشَى )] (22) ، و [ أَوْطَأَهُمْ خَيْلُهُ ]، أي: غشيتهم خيول جيشه وداست عليهم بحوافرها وبطش بهم رجال جيشه، وقهروهم. والشاهد اللغوي لكلمة [ أَوْطَأَهُمْ] نجده في قول بشامةَ بن عمرو بن الغدير الذُّبيانيّ يُشبّه شدة خَطْو ناقته على الأرض بشدة بطش العزيز بالذَّليل: [( تَوَطَّأَ ) أَغْلَظَ حِزَّانِهِ/كَـ( وَطْءِ ) الْقَوِيِّ الْعَزِيْزِ الذَّلِيْلَا (23) ]. ما الفرق بين (الحادث) و(الحادثة)؟ قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [( وَلَعَلّ أَهْلَ ظَفَارَ نَسُوا هَذِهِ الْحَادِثَةَ، أَوْ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا سَنَّهُ بَنُو أُمَيَّةَ فَاتَّبَعُوْهُ؛ وَلَقَدْ سَنَّ بَنُو أُمَيَّةَ لَعْنَ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَنَابِرِهِمْ )] ( هَذِهِ الْحَادِثَةَ )، (استشهاد الحسين وآل البيت) مغدورين عَطَاشى بوطأة جيش عُمر بن سعد بن أبي وقّاص في كربلاء. و( الْحَادِثَةَ ) مؤنث ومذكره ( حادث ) والجمع ( حوادث و حادثات )، وهي بمعنى: ( النائبة ، وما يقع من نوازل الدهر)؛ لكن لماذا استعمل الشيخ عيسى الطائي صيغة المؤنث فقال: ( الحادثة )، ولم يقل ( الحادث )؟؛ لأنّ كلمة ( الحادث ) تُستعمل للدلالة على (كل ما يحدث بصرف النظر عن مدى شِدّته وتأثيره؛ لذا نقول: حادث سعيد)، أما كلمة ( الحادثة ) فهي تُستعمل للدلالة على ما وقع من أمور عظيمة ومُريعة. وإنّ التعبير بصيغة المؤنث يفيد في لغة العرب الأقحاح المبالغة الشديدة مثل: ( الحاقّة ) ( القارعة )، و( الطَّامّة )، بل إنّ صيغة المؤنث يُفضَّل استعمالها بدلا من صيغ المبالغة (فعَّال وفَعول ومِفعال وفَعِل وفَعِيل وغيرها) فنقول: (العلّامة) بدلا من (علّام)، وقياسًا عليها(فهّامة، ذوَّاقة، رحّالة...إلخ)، ومن شواهده اللغويّة بيت شعر منسوب إلى كعب بن لؤي بن غالب القرشيّ يقول فيه: [نَهَارٌ وَلَيْلٌ وَاِخْتِلَافُ حَوَادِثٍ/ سَوَاءً عَلَيْنَا حُلْوُهَا وَمَرِيْرُهَا (24) ]. تقدير معاوية لـ(عليّ وآل البيت) قال الشَّيخُ القاضِي عِيَسى بِنْ صَالِحٍ الطَّائِيُّ: [وَلَقَدْ سَنَّ بَنُو أُمَيَّةَ لَعْنَ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مَنَابِرِهِمْ ]، استحدثوه وابتدعوه وجعلوه سُنّةً تسير عليها بِطانتهم ومَن على شاكلتهم. وشاهدها اللغويّ والشرعيّ في الحديث النبويّ [مَن سَنَّ سُنَّةً حَسنةً فعمِلَ بِها، كانَ لَهُ أجرُها وَمِثْلُ أجرِ مَن عملَ بِها، لا يَنقُصُ مِن أجورِهِم شيئًا ومن سنَّ سنَّةً سيِّئةً فعملَ بِها، كانَ عليهِ وزرُها وَوِزْرُ مَن عملَ بِها من بعده لا ينقصُ من أوزارِهِم شيئًا] (25) [ لَعْنَ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ]، وهذه فِرية تداولها المتأخرون دون تمحيص، وردّ عليها الدكتور علي الصلابيّ قائلا: [هذه الدعوة لا أساس لها من الصحة، والذي يقصم الظهر أن الباحثين قد التقطوا هذه الفرية على هوانها دون إخضاعها للنقد والتحليل، حتى صارت عند المتأخِّرين من المُسلَّمات التي لا مجال لمناقشتها، ولم يثبت قط في رواية صحيحة، ولا يعوَّل على ما جاء في كتب الدميري، واليعقوبي، وأبي الفرج الأصفهاني، علمًا بأن التاريخ الصحيح يؤكد خلاف ما ذكره هؤلاء؛ من احترام وتقدير معاوية لأمير المؤمنين علي وأهل بيته الأطهار، فحكاية لعن علي بن أبي طالب على منابر بني أمية لا تتفق مع منطق الحوادث، ولا طبيعة المتخاصمين، فإذا رجعنا إلى الكتب التاريخية المعاصرة لبني أمية، فإننا لا نجد فيها ذكرًا لشيء من ذلك أبدًا، وإنما نجده في كتب المتأخرين الذين كتبوا تاريخهم في عصر بني العباس بقصد أن يسيئوا إلى سمعة بني أمية في نظر الجمهور الإسلامي، وقد كتب ذلك المسعودي في مروج الذهب وغيره من كتَّاب الشيعة، وقد تسربت تلك الأكذوبة إلى كتب تاريخ أهل السنة، ولا يوجد فيها رواية صحيحة صريحة، فهذه دعوة مفتقرة إلى صحة النقل، وسلامة السند من الجرح، والمتن من الاعتراض، ومعلوم وزن هذه الدعوة عند المحققين والباحثين، ومعاوية رضي الله عنه بعيد عن مثل هذه التهم بما ثبت من فضله في الدين، وكان محمود السيرة في الأمة، أثنى عليه بعض الصحابة ومدحه خيار التابعين، وشهدوا له بالدين والعلم، والعدل والحلم، وسائر خصال الخير] (26) ، وقال الدكتور الرحيلي في كتابه الصحب والآل: [حاشا معاوية رضي الله عنه أن يصدر منه مثل ذلك، والمانع من هذا عدة أمور: (1) أن معاوية-رضي الله عنه- ما كان يسب عليًّا- رضي الله عنه- كما تقدم حتى يأمر غيره بسبّه، بل كان معظمًا له، معترفًا له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابتة عنه، فقد قال ابن كثير: وقد ورد من غير وجه: أن أبا مسلم الخولانيّ وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع عليًا أم أنت مثله؟ فقال: والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل، وأحق بالأمر مني، وعن جرير بن عبد الحميد عن المغيرة قال: لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له امرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: "ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم"، فهل يسوغ في عقل ودين أن يسب معاوية عليًا، بل ويحمل الناس على سبه وهو يعتقد فيه هذا؟!(2) أنه لا يعرف بنقل صحيح عن معاوية رضي الله عنه تعرض لعلي- رضي الله عنه- بسب أو شتم أثناء حربه له في حياته، فهل من المعقول أن يسبّه بعد انتهاء حربه معه ووفاته، فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول، وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه.(3) أن معاوية كان رجلًا ذكيًا مشهورًا بالعقل والدهاء، فلو أراد حمل الناس على سب علي- حاشاه ذلك- أفكان يطلب ذلك من مثل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو من هو في الشجاعة والفضل والورع، مع عدم دخوله في الفتنة أصلًا، فهذا لا يفعله أقل الناس عقلًا وتدبيرًا، فكيف بمعاوية؟!(4) أن معاوية- رضي الله عنه- انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي-رضي الله عنهما- له، واجتمعت عليه الكلمة ودانت له الأمصار بالملك، فأي نفع له في سبّ علي؟ بل الحكمة وحسن السياسة تقتضي عدم ذلك، لما فيه من تهدئة النفوس، وتسكين الأمور، ومثل هذا لا يخفى على معاوية.(5) أنه كان بين معاوية رضي الله عنه بعد استقلاله بالخلافة وأبناء علي من الألفة والتقارب، ما هو مشهور في كتب السير والتاريخ، ومن ذلك أن الحسن والحسين وفدا على معاوية فأجازهما بمئتي ألف. وقال لهما: ما أجاز بهما أحد قبلي، فقال له الحسين-رضي الله عنه-: ولم تعطِ أحدًا أفضل منا. ودخل مرة الحسن على معاوية فقال له: مرحبًا وأهلًا بابن بنت رسول الله، وأمر له بثلاثمئة ألف. وهذا مما يقطع الكذب مما يُدَّعى في حق معاوية من حمله الناس على سبّ علي، إذ كيف يحصل هذا مع ما بينه وبين أولاده من هذه الألفة والمودة والاحتفاء والتكريم؟!].فضلا عن إن هذا المسلك يخالف ما تربّى عليه الصحابة وكتبة الوحيّ في مدرسة النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم)، ويخالف صريح الأحاديث الصحيحة؛ ونذكر منها: [لَمْ يَكُنْ رَسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) فَاحِشًا، ولَا لَعَّانًا، ولَا سَبَّابًا، كانَ يقولُ عِنْدَ المَعْتَبَةِ: ما له تَرِبَ جَبِينُهُ]. ................. المراجع والمصادر: (01) ديوان الحارث بن عباد البكريّ، جمع وتحقيق: أنس عبد الهادي أبوهلال، هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، أبو ظبي، ط1، 2008م، 2012م (02) الراوي: عبدالله بن عباس، المُحَدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري ، ص أو رقم: 4737، خلاصة حكم المُحَدِّث: [صحيح] ، أخرجه مسلم (1135)، والنسائي (2321)، وأحمد (16526) باختلاف يسير. (03) الراوي: سلمة بن الأكوع، المُحَدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري ، ص: أو رقم: 7265، خلاصة حكم المُحَدِّث: [صحيح] ، أخرجه مسلم (1135)، والنسائي (2321)، وأحمد (16526) باختلاف يسير. (04) الراوي: عبدالله بن قرط، المُحَدِّث: شعيب الأرناؤوط، المصدر: صحيح ابن حبان ، ص: أو رقم: 2811، خُلاصة حُكم المحدث: إسناده صحيح ، أخرجه أبو داود (1765)، وأحمد (19075) مطولًا باختلاف يسير. (05) الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن، أبو عبيد الهَرَوِيّ(ت، 224هـ)، دراسة وتحقيق: محمد بن صالح المديفر، مكتبة الرشد، شركة الرياض، الرياض، د. 238 (06) مجمع الأمثال، أبو الفضل الميدانيّ (ت، 518هـ)، تحقيق وتعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السُّنَّة المحمديّة، القاهرة، 1995م، 263/2 (07) شعراء تغلب في الجاهلية أخبارهم وأشعارهم، صنعة: علي أبوزيد، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط1، 2000م، 134/2 (08) شرح ديوان عنترة، الخطيب التبريزي، (ت، 502هـ)، وضع هوامشه: مجيد طراد، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1992م، ص: 197 (09) من رخيوت: عُمانيات يستثمرن 'الطبيعة' لصناعة منتجات تراثية ، علي الجحفلي، https: // / (10) الراوي: حذيفة بن اليمان، المُحَدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، ص أو رقم: 7086، خلاصة حكم المُحدِّث: [صحيح]، وأخرجه مسلم (143) باختلاف يسير. (11) انظر: لسان العرب، والمصباح المنير. نهاية المحتاج 4 / 392، وأسنى المطالب 2 / 223. (12) الراوي: أبوسعيد الخدري، المُحدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري ، ص أو رقم: 2465، خلاصة حكم المُحدِّث: [صحيح] (13) الراوي: أبو هريرة، المُحدِّث: أحمد شاكر، المصدر: تخريج المسند لشاكر ، ص أو رقم: 15/201، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح ، أخرجه مسلم (1848)، والنَّسائي (4114)، وابن ماجه (3948)، وأحمد (8061) واللفظ له . (14) ديوان الأسود بن يعفر النهشليّ، صِنعة: نوري حمودي القيسيّ، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد، 1970م، ص: 33 (15) رسالة عبد الله بن إسماعيل الهاشميّ إلى عبد المسيح بن إسحاق الكنديّ يدعوه فيها إلى الإسلام، ورسالة عبد المسيح إلى الهاشميّ يرد بها عليه ويدعوه إلى النصرانيّة، مطبعة كلبرت اور رونكفن جها باكيا هي، لندن، 1880م، ص: 70-71 (16) ديوان المهلهل، شرح وتحقيق: أنطوان محسن القوّال، دار الجيل، بيروت، ط1، 1995م، ص: 39 (17) سير أعلام النبلاء، ص: 545 (18) المرجع نفسه، باب الفاء، فصل الكاف، ص: 36- 40 (19) المخصص، ابن سيده المرسيّ الأندلسيّ، (ت، 485هـ)، المطبعة الكبرى الأميرية، بولاق، ط1، (1316هـ- 1321 هـ)، 3/ 147، وانظر أيضا: القاموس المحيط، ج1، ص: 786 (20) مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، الإمام محمد بن مكرم (ابن منظور – 630هـ 711هـ)، ج 19 حقق هذا الجزء: إبراهيم صالح، دار الفكر، دمشق، سورية، ط1، 1989م، ص: 60-61 (21) ا لراوي: أنس بن مالك، المُحدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري ، ص أو رقم: 3748، خلاصة حكم المُحدِّث: [صحيح]، التخريج: من أفراد البخاري على مُسلم . (22) الأخبار الطوال، أبو حنيفة الينوريّ (ت، 282هـ)، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة: جمال الدين الشَّيَّال، وزارة الثقافة والإرشاد القوميّ، القاهرة، د.. 255 (23) المفضليات، المفضّل الضبيّ(ت، 178هـ)، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون، دار المعارف، القاهرة، ط6، د.. 200 (24) صبح الأعشى، أبو العباس القلقشندي (ت، 121هـ)، المطبعة الأميرية- مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1922م، 1/212 (25) الراوي: جرير بن عبدالله، المُحدِّث: الألباني، المصدر: صحيح ابن ماجه، ص أو رقم: 169، خلاصة حكم المحدث: [صحيح] أخرجه ابن ماجة (203) واللفظ له، ومسلم (1017) بنحوه وفيه قصة، والترمذي (2675) بنحوه. (26) الدولة الأموية، علي محمد الصلابي، دار ابن كثير، بيروت، ج1/ 256 (27) الانتصار للصحب والآل من افتراءات السماوي الضال، د. إبراهيم بن عامر الرحيلي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط3، 2003م، ص 367. (28) الراوي: أنس بن مالك، المُحدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري ، ص أو رقم: 6046، خلاصة حُكم المُحدِّث: [صحيح] أخرجه البخاري في (الأدب المفرد) (430) واللفظ له، وأحمد (12274)، والبزار (6224) باختلاف يسير.

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (41)
كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (41)

جريدة الرؤية

time١٩-٠٣-٢٠٢٥

  • منوعات
  • جريدة الرؤية

كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (41)

تحقيق: ناصر أبوعون يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [( ذِكْرُ عَادِةٍ غَرِيْبَةٍ ) .. وَهِيَ أَنَّ أَهْلَ ظَفَارِ إِذَا اِتَّهَمُوا أَحَدًا مِنْهُمْ بِالسِّحْرِ أَوِ السَّرِقَةِ تَحَاكَمُوا إِلَى رَجُلٍ حَضْرَمِيٍّ هُنَاكَ. وَعَنْ كَيْفِيَّةِ حُكْمِهِ أَنَّهُ يَحْمِي حَدِيْدَةً بِالنَّارِ، حَتَّى تَحْمَرَّ وَيَأْمُرُ الْمُتَّهَمَ أَنْ يُخْرِجَ لِسَانَهُ، فَيُمْسِكُهَا الْحَضْرَمِيُّ مِنْ طَرَفِهَا، وَيَكْوِيْهَا بِتِلْكَ الْحَدِيْدَةَ، حَتَّى يَخْرُجَ الدُّخَانُ مِنْ لِسَانِهِ، ثُمَّ يُطْبِقُ حَنَكَيْهِ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِإِخْرَاجِ لِسَانِهِ مَرَّةً أُخْرَىَ فَيَمْسَحُهَا بِخِرْقَةْ بِهَا دَوَاءٌ، وَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ؛ فَتَارَةً يَأْمُرُهُ بِإِخْرَاجِ لِسَانِهِ، وَطَوْرًا يَمْسَحُ لِسَانَه بِتِلْكَ الْخِرْقَةِ؛ فَإِنْ ظَهَرَ بِالِّلسَانِ أَثَرُ الْحَرْقِ، وَهُوَ نِقَاطٌ بِيْضٌ فَهُوَ الْمُتَّهَمُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ فَالْمُتَّهَمُ بَرِيءٌ مِمَّا اُتُّهِمَ بِهِ. وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْفِعْلُ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ تَيمور بِحِصْنِ ظَفَارِ وَكُنْتُ حَاضِرًا؛ فَأُحْضِرَ الْحَضْرَمِيُّ وَأُحْضِرَتْ اِمْرَأَةٌ مُتَّهَمَةٌ بِالسِّحْرِ فَوَكَّلَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا نِيَابَةً فِي كَيِّ لِسَانِهِ عَنْهَا فَأَدْلَى لِسَانَهُ، وَكَوَاهَا بِمَرْأَى ومَسْمَعٍ. فَلَمْ يَظْهَرْ بِالِّلسَانِ أَثَرٌ فَأَظْهَرَتِ الْمَرْأةُ الْمُتَّهَمَةُ سُرُوْرًا لَا مَزِيْدَ عَلَيْهِ؛ وَكَأَنَّهَا كَانَتْ مَيَّتَةً فَأَحْيَاهَا اللهُ – سُبْحَانَهُ – وَلَعَلَّ ذَلِكَ سِرُّ طِلَسْمٍ يَكْتُبُهُ الْحَضْرَمِيُّ عَلَى تِلْكَ الْحَدِيْدَةِ الْمُحْمَاةُ وَلِلطَّلَاسِمِ تَأْثِيْرٌ لَا رَيْبَ فِيٍهِ. وَلَعَمْرُ الْحَقَّ إِنَّ هَذَا مُنْكَرٌ يَجِبُ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِيُن زَوَالُهُ. وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوْقِنُون)] . ............. التَّحَاكم إلى رجل حضرميّ يقول الشَّيخُ عِيَسى الطَّائِيُّ: [ (عَادِةٍ غَرِيْبَةٍ)] ، أي (تقليد غريب) على وزن (فعيل/غريب) بمعنى (مُستفعَل مُستغرَب)، أي: مستهجن غير مألوف، ودلّ على معناها قول بعض الرُّجّاز: (حَرُّ الثَّرَى مُسْتَغْرَبُ التُّرَابِ) (01) ؛ ولذلك تُطلق لفظة (غريبة) على الشَّعْرَة البيضاء في الرأس لأنها مُخالفة للون الشعر؛ ولأنها حدثٌ في الرأس لم يكن من قَبلُ. وجمعُها (غُرُبٌ) (02) ؛ وَهِيَ ([أَنَّ أَهْلَ ظَفَارِ إِذَا اِتَّهَمُوا أَحَدًا مِنْهُمْ بِالسِّحْرِ أَوِ السَّرِقَةِ ]. ( السِّحْر ) مفردٌ وجمعُه (أَسْحَار)، وهو الخداع والتمويه والفتنة بإيحاء صرف الشيء عن حقيقته، وهو الرُّقية التي تأخذ العين، حتى تظن أن الأمر كما ترى وليس الأصل على ما ترى. وشاهدُ هذا الكلام لفظًا ومعنى في قول الله تعالى:(قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) [سورة الأعراف: 116]. و( السَّرِقَة ) بكسر الراء المهملة، وفي لغة أخرى بسكون الراء المهملة ( السَّرْقَة )، وهي أخذ الشيء من حِرْزه خُفْيَة على غير وجه الحق. وشاهده في قول النبيّ المرسل (صلى الله عليه وسلم) يُخبر عن صاحب الدَّيْن، يُسأل عن مال الناس فِيمَ أذهبَه:(أَيْ رَبِّ، قَدْ عَلِمْتَ أَنِّي لَمْ أُفْسِدْهُ، إِنَّمَا ذَهَبَ فَي غَرَقٍ أَوْ حَرَقٍ أَوْ سَرِقَةِ أَوْ ضِيْعَةٍ) (03) [تَحَاكَمُوا إِلَى رَجُلٍ حَضْرَمِيٍّ هُنَاكَ ]. ومعنى ( تَحَاكَمُوا ) تقاضوا إلى الحضرميّ في الخصومة التي وقعت بينهم ونحوها. وهو فعلٌ مُتعدٍ. وشاهدُه اللغوي في قول هَرِم بن قُطْبَةَ الفَزَاري:(إِنَّكُمَا يَا بَنِي جَعْفَرَ قَدْ ( تَحَاكَمْتُمَا ) عَنْدِي، وَأَنْتُمَا كَرُكْبَتَي الْبَعِيْرِ الْفَحْلِ، تَقَعَانِ عَلَى الْأَرْضِ مَعًا، وَلَيْسَ مِنْكُمَا أَحَدٌ إِلَّا وَفِيْهِ مَا لَيْسَ فِي صَاحِبِهِ، وَكِلَاكُمَا سَيِّدٌ كَرِيْمٌ) (04) .( رَجُل حَضْرَمِيّ ) نسبة إلى ( حضرموت ) من بلاد اليمن جنوب شبه الجزيرة العربيّة، وأهلها كان لهم الفضل في نشر الإسلام في بلاد شرق آسيا؛ ولذا قال عنهم شكيب أرسلان:(تاريخ الحضارم ومجدهم الحقيقيّ خارج وطنهم). وكانت تُشْتَهر ( حضرموت ) بالكثير من الصناعات وأهمها ( صناعة النِّعال )، وأشار لهذه الصناعة الحضرميّة الشهيرة (كُثّيّر عَزَّة) عندما مدح الخليفة فقال: [لَهُمْ أُزُرٌ حُمْرُ الْحَوَاشِي يَطَوْنَهَا/بِأَقْدَامِهِمْ فِي ( الْحَضْرَمِيّ ) الْمُلَسَّنِ (05) ]. كيّ اللسان بالنار 3 مرَّات يقول الشَّيخُ عِيَسى الطَّائِيُّ: [ وَعَنْ كَيْفِيَّةِ حُكْمِهِ ] ( كَيْفِيَّة حُكْمِهِ )، أي: طريقة التحكيم بين المتخاصمين والمتنازعين. وكلمة ( كَيْفِيَّة ) نجد شاهدها اللغويّ في قول مقاتل بن سليمان الأزديّ في تفسيره قول الله تعالى:(قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنثَيَيْنِ ۖ )(نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (06) [ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ ]، أي: عن كيفيّة تحريم ذلك، ومن أين جاء التحريم؟ فإن كان من قِبَل الذكورة فجميع الذكور حرام، أو الأنوثة فجميع الإناث حرام) (07) [يَحْمِي حَدِيْدَةً بِالنَّارِ، حَتَّى تَحْمَرَّ وَيَأْمُرُ الْمُتَّهَمَ أَنْ يُخْرِجَ لِسَانَهُ، فَيُمْسِكُهَا الْحَضْرَمِيُّ مِنْ طَرَفِهَا، وَيَكْوِيْهَا بِتِلْكَ الْحَدِيْدَةَ، حَتَّى يَخْرُجَ الدُّخَانُ مِنْ لِسَانِهِ، ثُمَّ يُطْبِقُ حَنَكَيْهِ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِإِخْرَاجِ لِسَانِهِ مَرَّةً أُخْرَىَ فَيَمْسَحُهَا بِخِرْقَةْ بِهَا دَوَاءٌ، وَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ بِهَا ذَلِكَ؛ فَتَارَةً يَأْمُرُهُ بِإِخْرَاجِ لِسَانِهِ، وَطَوْرًا يَمْسَحُ لِسَانَه بِتِلْكَ الْخِرْقَةِ؛ فَإِنْ ظَهَرَ بِالِّلسَانِ أَثَرُ الْحَرْقِ، وَهُوَ نِقَاطٌ بِيْضٌ فَهُوَ الْمُتَّهَمُ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ فَالْمُتَّهَمُ بَرِيءٌ مِمَّا اُتُّهِمَ بِهِ] . وهذه الطريقة تسمّى في التراث الشَّعْبيّ الظَّفَاري بـ( العَزْم )؛ أي ( المحنة بالنار ) على اللسان (08) ؛ وهي عُرْفٌ شائع بين بدو الصَّحَارِي العربية، ثم انتشر هذا العُرْف إلى الكثير من المدن الحضرية وخاصةً في مصر وتُعْرف هناك اصطلاحًا بين العامة بـ( البَشْعَة )، وصِفَتُها أنهم عندما يُتَّهمُ أحدهم بتهمة كُبرى فإنهم يذهبون به إلى شخص يسمونه ( المُبَشِّع )، ويقوم هذا الشخص بتسخين قطعة حديد مستديرة- طاسة- حتى تصل إلى درجة الاحمرار، ويطلب من المتهم لَعْقِها فإن لم تُصبه بأذًى فهو بريءٌ، وإن أصابته، أو أَبَى أن يتعرَّض لها فهو مُدانٌ. كيّ اللسان في حضرة السلطان يقول الشَّيخُ عِيَسى الطَّائِيُّ: [ وَقَدْ وَقَعَ هَذَا الْفِعْلُ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ تَيمور بِحِصْنِ ظَفَارِ وَكُنْتُ حَاضِرًا ] ( بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ تَيمور )، أي: في وجود السلطان تيمور حيث كان حاضرًا في المجلس شاهدًا ومُعَاينًا. والشاهد اللغوي على كلمة ( حَضْرَة ) نجده في صحيح ابن حِبَّان:(خطَب عُتبةُ بنُ غَزوانَ فحمِد اللهَ وأثنى عليه ثمَّ قال: أمَّا بعدُ فإنَّ الدُّنيا قد آذَنَتْ بصُرْمٍ وولَّتْ حذَّاءَ وإنَّما بقي منها صُبابةٌ كصُبابةِ الإناءِ صبَّها أحَدُكم وإنَّكم مُنتَقِلونَ منها إلى دارٍ لا زوالَ لها فانتَقِلوا ما بـ( حضرتِكم )ـ يُريدُ مِن الخيرِـ..) (09) [فَأُحْضِرَ الْحَضْرَمِيُّ وَأُحْضِرَتْ اِمْرَأَةٌ مُتَّهَمَةٌ بِالسِّحْرِ فَوَكَّلَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا نِيَابَةً فِي كَيِّ لِسَانِهِ عَنْهَا فَأَدْلَى لِسَانَهُ، وَكَوَاهَا بِمَرْأَى ومَسْمَعٍ. فَلَمْ يَظْهَرْ بِالِّلسَانِ أَثَرٌ فَأَظْهَرَتِ الْمَرْأةُ الْمُتَّهَمَةُ سُرُوْرًا لَا مَزِيْدَ عَلَيْهِ؛ وَكَأَنَّهَا كَانَتْ مَيَّتَةً فَأَحْيَاهَا اللهُ سُبْحَانَهُ ] . فقوله:( فَوَكَّلَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا نِيَابَةً ) ( فَوَكَّلَتِ ) من (الوكالة)، وهي ( مصطلح فقهيّ و قانونيّ )، و(الوكيل) مَن يُفَوَّض بِأَمْرِ غَيرِه، فينوبُ عنه في التَّصرف في أموره، ونجد شاهدها اللغوي في قول ربيعة الرأي: [إِنَّ الْوِكَالَةَ بَيْعٌ، وَبَيْعُ السَّيِّدِ جَائِزٌ، وَأيُّهُمَا كَانَ أَوَّلَ: الْوَكِيْلُ أَوْ السَّيِّدُ، كَانَ هَوَ الَّذِي يَدْفَعُ السِّلْعَة إِلَيْهِ وَضَمِنَ بَيْعَهُ فَبَيْعُهُ أَجْوَزُ] (10) . وقوله:( كَيِّ لِسَانِهِ )، ( الكيّ ) حرق الجلد بنارٍ أو حديدة مُحمّاة ونحوها. وشاهده نجده في الحديث النبويّ:(الشِّفاءُ في ثَلاثَةٍ: في شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أوْ كَيَّةٍ بنارٍ، وأنا أنْهَى أُمَّتي عَنِ الكَيِّ) (11) . وقوله: ( فَأَدْلَى لِسَانَهُ )، أي: أرسلها خارج الحَنَكَين الأعلى والأسفل من بين شفتيه مثل إرسال الدلو في البئر. والشاهد اللغوي لكلمة ( فَأَدْلَى ) نجده في القرآن الكريم في قول الله تعالى:(وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ ۖ) (12) . وقوله: ( وَكَوَاهَا بِمَرْأَى ومَسْمَعٍ ). ( بِمَرْأَى )، أي: تحت أنظار الحاضرين في مجلس السلطان تيمور. والشاهد اللغوي لكلمة ( مَرْأَى ) نجده في رواية عُبيد بن شَرِيّة الجُرهميّ يحكي قصة موت لقمان بن عاد:(ثُمَّ سَقَطَ لُبَدٌ مَيِّتًا، فَجَاءَ لُقْمَانُ لِيَنْهَضَ، فَاضْطَرَبَتْ عُرُوقُ ظَهْرِهِ، وَخَرَّ مَيِّتًا، وَكَانَ أَمْرُهُمَا هَذَا بِـ( مَرْأَى ) مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْعَمَالِقَةِ) (13) و( مَسْمَع )، أي: (السَّمْع)، وهو إدراك الصوت بالأذن والإصغاء إليه، وقد سمع الحاضرون في مجلس السلطان ومنهم الشيخ عيسى الطائي صوتَ الضرب بالحديدة ( المحنة بالنار ) على لسان زوج المرأة المتهمة بممارسة السحر. والشاهد اللغوي لكلمة ( مَسْمَع ) نقرأه في قول بشر بن المُعْتمِر البغداديّ: [وَ( مَسْمَعِ ) القِرْدَانِ فِي مَنْهَلٍ/أَعْجَبُ مِمَّا قِيْلَ فِي الْحِجْرِ (14) ]. الفرق بين (ميِّت) و(ميْت) يقول الشَّيخُ عِيَسى الطَّائِيُّ: [( فَأَظْهَرَتِ الْمَرْأةُ الْمُتَّهَمَةُ سُرُوْرًا )]، أي: أبرزتْ وأبدتْ المرأة فرحتها ببراءتها من تهمة السحر، والشاهد اللغوي لكلمة ( أَظْهَرَتِ ) نقرأه في شعر عبيد بن الأبرص الأسديّ: [وَلَا( تُظْهِرَنّ ) حُبَّ اِمْرِيءٍ قَبْلَ خُبْرِهِ/ وَبَعْدَ بَلَاءِ الْمَرْءِ فَاذْمُمْ أَوِ احْمَدِ (15) ]. وقوله: [ (وَكَأَنَّهَا كَانَتْ مَيَّتَةً فَأَحْيَاهَا اللهُ)] ، شبّه فيه الشيخ الطائي المرأة المُتهمة بالسحر بـ ( المَيَّتَةً ) الحيّة التي تحتضر وأحسّت بدنو أجلها وفقدت بهجة الحياة، فأحياها الله بأن أظهر براءتها. وفي هذا التعبير لطيفة بلاغية نصوغها على هيئة سؤال، وهو: لماذا عبّر الشيخ عيسى بن صالح الطائي بكلمة ( مَيَّتَة ) بتضعيف الياء المُعجمة عن المرأة المتهمة بالسحر، ولم يقل ( مَيْتَة ) بسكون الياء المعجمة؛ لأن كلمة ( الميِّت ) بتضعيف الياء المُعجمة؛ تُعبّر عن الإنسان الحي الذي يسعى على طلب رزقه، ويغدو ويروح، وينتظر أجله. وشاهدُ هذا المعنى من القرآن الكريم نقرأه في خطاب الله تعالى لسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) في الآية الثلاثين من سورة الزمر بقوله تعالى: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ )، أي ستموت، وسيموت جميع الناس. أمّا كلمة (المَيْت) بسكون الياء المعجمة؛ فهي تعبير عن المخلوق الذي مات حقيقةً وخرجت روحُه وصار جثةً هامدةً، وشاهدُ معناه من القرآن الكريم نقرأه في الآية الثانية عشرة من سورة الحُجُرات في قول الله تعالى:(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ). الطلاسم حلال أم حرام؟ يقول الشَّيخُ عِيَسى الطَّائِيُّ: [ وَلَعَلَّ ذَلِكَ سِرُّ طَلْسَمٍ يَكْتُبُهُ الْحَضْرَمِيُّ عَلَى تِلْكَ الْحَدِيْدَةِ الْمُحْمَاةُ وَلِلطَّلَاسِمِ تَأْثِيْرٌ لَا رَيْبَ فِيٍهِ ]. وفي قوله: ( وَلَعَلَّ ذَلِكَ سِرُّ طَلْسَمٍ يَكْتُبُهُ الْحَضْرَمِيُّ ) ؛ إشارة إلى حرمة الطلاسم. وفي تعريف ( الطِّلَسْم ) يقول الشيخ القرافيّ (نفس أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب على زعم أهل هذا العلم في أجسام من المعادن أو غيرها تحدث لها آثار خاصة ربطت بها في مجاري العادات فلا بد في الطِّلَسْم من هذه الثلاثة الأسماء: (الأسماء المخصوصة), وتعلقها ببعض أجزاء الفلك وجعلها في جسم من الأجسام، ولا بُد مع ذلك من قوة نفس صالحة لهذه الأعمال فليس كل نفس مجبولة على ذلك) (16) ومعنى ( الطِّلَسْم )؛ كما يقول حاجي خليفة: (عقد لا ينحل, وقيل مقلوب اسمه أي المسلط, لأنه من القهر والتسلط, وهو علم باحث عن كيفية تركيب القوى الأرضية المنفعلة في الأزمنة المناسبة للفعل والتأثير المقصود مع بخورات مقويّة جالبة لروحانية ( الطِّلَسْم )؛ ليظهر من تلك الأمور في عالم الكون والفساد أفعال غريبة، وهو قريب المأخذ بالنسبة للسحر، لكون مبادئه وأسبابه معلومة، وأما منفعته فظاهرة، لكن طرق تحصيله شديدة العناء)، ثم يقول شيخنا الطائيّ: (وَلِلطَّلَاسِمِ تَأْثِيْرٌ لَا رَيْبَ فِيٍهِ )؛ وفي ذلك يذكر ابن حزم (أنّ من أنواع الطلاسم التي شاهدها طابعا منقوشا فيه صورة العقرب في وقت كون القمر في العقرب، فينفع إمساكه من لدغة العقرب. ولا يمكن دفع الطِّلَسْمات ، لأننا قد شاهدنا أنفسنا آثارها ظاهرة إلى الآن من قرى لا تدخلها جرادة، ولا يقع فيه برد، وكسر قسطه التي لا يدخلها جيش إلا أن يدخل كَرْها، وغير ذلك كثير جدا لا يُنكره إلّا مُعاند). ويذكر محمد محمد جعفر: أنّ المؤرخ "جريجوري" أخبر أن الفرنسيين عندما كانوا يفتحون إحدى المقاطعات لإقامة جسر عليها عثروا على طلاسم معدنيّة لم يهتموا بأمرها وكانت تحمل رسوم الفئران والأفاعي والنيران وغيرها من الحشرات وقد أهمل العُمَّال هذه الطلاسم فقذفوا بها في النهر، ومن وقتها قاست باريس كثيرا من اندلاع النيران فيها، وكثرة الفئران وغيرها من الحشرات، وكانت قبل العثور على هذه التعويذات في أمان منها). ويذكر "جاك جافاريل" أمين مكتبة "ريشيليو" أنه عندما فتح السلطان محمد الثاني القسطنطينية عثر جنوده على تمثال في هيئة حية كبيرة فاغرة فاها مصنوعة من البرونز، فهدم الجنود التمثال الذي كان مصنوعا لإبعاد الأفاعي عن المدينة، ومن الوقت الذي كُسِرَ فيه التمثال تكاثرت الزواحف بالمدينة وما زالت بها للآن). وكل هذا الذي ذكروه بعيد عن الصواب، وهو من الخرافات التي جازت على أصحاب العقول، فأنَّى لـ( طلَسْم ) أن يمنع الحرائق عن مدينة كبيرة، وأنَّى لتمثال أفعى أن يمنع الأفاعي عن دخول مدينة واسعة، ولكنها الفِرْية تصدقها العقول من غير تمحيص. العزم والطلاسم مُنْكَر يقول الشَّيخُ عِيَسى الطَّائِيُّ: [ وَلَعَمْرُ الْحَقَّ إِنَّ هَذَا مُنْكَرٌ يَجِبُ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِيُن زَوَالُهُ. وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوْقِنُون ] ( وَلَعَمْرُ الْحَقَّ أَنَّ هَذَا مُنْكَرٌ )، أي: (العزم) أو (البَشْعَةُ)؛ و(هذه العقوبة قليلا ما تُمارس في ظَفَار باستثناء الحالات القصوى؛ لأنه حولها شيء من الاستفهام، ولا تخلو من الخداع) (17) ، و(ليس لها أصلٌ في الشرعِ، وإنما يجب أن نعمل بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):(الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ) رواه الدارقطني، فهذا الحديث الشريف رسم لنا طريق المطالبة بالحق وإثباته أو نفي الادعاء الباطل، وهذا ما يجب على المسلمين أن يتمسَّكوا به دون سواه من الطرق السيئة التي لا أصل لها في الشرع، بل وتُنافي العقائد الثابتة بخصوصية الله تعالى بعلم الغيب؛ قال تعالى:{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} (الأعراف: 188) (18) . ووافق رأي الشيخ عيسى بن صالح الطائي في عدّ الطلاسم من المُحَرمّات والمُنْكرات إجماع سائر العلماء والفقهاء قديمًا وحديثًا؛ فقد (نَصَّ أهل العلم على أن ما يسمى ( علم الجداول والطلاسم والأوفاق والتنجيم ) كلها بلا استثناء من علوم الباطل التي يجب الابتعاد عنها. كما نَصَّ على ذلك العلامة القرافي المالكي - رحمه الله - في كتابه( الفروق )، وقبله العلامة ابن الشاط المالكي، ووَرَدَ ذكر هذا العلم ضمن علوم السحر في ( الموسوعة الفقهية الكويتية )، وذكره الشيخ سيدي عبد الله العلوي الشنقيطي في كتابه ( رُشْد الغافل ) ونقله عنه الشيخ الأمين في تفسيره ( أضواء البيان )، إذ عَدَّ أنواعها من علوم الشَّرَّ فقال: ومنها: نوع يسمى بـ( الطلاسم ) وهو عبارة عن نقش أسماء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب على زعم أهلها في جسم من المعادن أو غيرها، تحدث بها خاصية ربطت في مجاري العادات، ولا بد من ذلك من نفس صالحة لهذه الأعمال، فإن بعض النفوس لا تجري الخاصة المذكورة على يده، (ومنها): نوع يسمى بـ( العزائم )؛ وهم يزعمون أن لكل نوع من الملائكة أسماء أمروا بتعظيمها، ومتى أقسم عليهم بها أطاعوا وأجابوا وفعلوا ما طلب منهم. ولايخفى ما في هذا الزعم من الفساد. (ومنها): نوع يسمونه ( تسخير الكواكب والجن )، والذين يزعمون أن للكواكب إدراكات روحانية، فإذا قوبلت الكواكب ببخور خاص ولباس خاص على الذي يباشر البخور كانت روحانية فلك الكواكب مطيعة له، متى ما أراد شيئًا فعلته له على زعمهم. وذكر -رحمه الله تعالى - في علوم الشر أنواعًا كثيرة منها: الأشكال جمع شكل، ويسمى علمها علم الجداول وعلم الأوفاق، وهي معروفة وهي من الباطل. نقلًا عن أضواء البيان. والرقية لا تجوز بالطلاسم ولا بما هو مجهول المعنى، فقد يكون ذلك سحرًا أو شركًا) (19) وقد قال النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الرُّقَى والتَمائِمَ والتِّوَلَةَ شِرْكٌ) (20) ( وَلَعَمْرُ الْحَقَّ )، قسمٌ شائع في لغة العرب، ومعنى الجملة (أُقْسِمُ بالحق)، وقال الشيخ عبد المحسن العبّاد في شرح سنن أبي داود: (ليس بيمين لأن النبيّ محمد (صلى الله عليه وسلم) استعمله واستعمله الصحابة ومَنْ بعدهم. وقال هو من ألفاظ التأكيد، مثل: لاجرمَ وحقًا. وفي تاج العروس للزبيديّ: (العُمْرُ بالفَتْح وبالضّمّ =الحياة؛ فإِذا أَقْسَمُوا قالوا: ( لَعَمرك ) فَتَحُوا ( العين ) لا غير، فَخُصَّ (القَسَمُ بالمَفْتُوحَة)، وهذا هو المشهور في لغة العرب، أي: إنهم إذا فتحوا العين في (لعَمري) ونحوها أرادوا بها القسم. ويقول ابن عباس في تفسير قوله تعالى (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُون): هذه الآية لم تُقْرأ إلا بفتح العين "وما حَلف اللهُ بحياة أَحد إِلاّ بِحَيَاةِ النَّبِيّ (صلى الله عليه وسلم). وقول شيخنا الطائيّ: (إِنَّ هَذَا مُنْكَرٌ) المنكرُ مفردٌ والجمع (مناكِر ومناكير) وهو: ما قبّحه الشرع ونهى عنه، من المعاصي والرذائل والدناءات وما يُستهجن ويُستغرب حصولها، وتنقبض النفس منه. والشاهد اللغوي والشرعيّ لكلمة ( مُنْكَر ) في قول الله تعالى:(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (21) من يحقّ له تغيير المنكر؟ يقول الشَّيخُ عِيَسى الطَّائِيُّ: [( مُنْكَرٌ يَجِبُ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِيُن زَوَالُهُ )] في هذه العبارة يستدعي الشيخ عيسى الطائي قضية فقهيّة مازالت تثير إشكالية ويتردّد صداها بين الحين والآخر، ويثيرها فصيل من (المتشددين)؛ ألا وهي قضية (تغيير المنكر باليد)، كما نُقِل من حديث سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم): (مَنْ رَأَى مِنْكُم منكرًا فليغيرْه بيدِه. فإن لم يستطعْ فبلسانِه. فإن لم يستطعْ فبقلبِه. وذلك أضعفُ الإيمانِ) (22) والسؤال المُثير للقضية هو:(مَنْ الذي يملك صلاحية تغيير المنكر باليد)؟ ولا ننسى أنّ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) بَيَّنَ لنا تغيير المنكر وآلياته ووسائله؛ حتى لا تضلَّ الأمة في قيامها بتلك الفريضة، فتسلك بها غير السبيل القويم، أو تتخذ وسيلة غير التي تكون لها؛ و(قد تقرَّر أنَّ تغيير المنكر باليد ليس مُباحًا لكل أَحَدٍ؛ قال العلامة أبو بكر بن العربيّ في تفسيره ( أحكام القرآن لابن العربي ) [1/ 383-384، ط. دار الكتب العلمية، بيروت] عند تعرُّضه لشرح الحديث السابق:(وفي هذا الحديث من غريب الفقه أن النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) بدأ في البيان بالأخير في الفعل، وهو تغيير المنكر باليد، وإنما يُبْدَأُ باللسان والبيان فإن لم يكن فباليد؛ يعني أنْ يَحُول بين المنكر وبين متعاطيه بنزعه وبجذبه منه، فإن لم يقدر إلا بمقاتلةٍ وسلاحٍ فليتركْه، وذلك إنما هو إلى السلطان؛ لأنَّ شهر السلاح بين الناس قد يكون مخرجًا إلى الفتنة وآيلًا إلى فساد أكثر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالتغيير باليد يكون لمَنْ له سلطان على مرتكب المنكر؛ كالوالد مع ولده، والزوج مع زوجته، والرَّاعي في رعيته، والوالد والزوج يغيران المنكر في حدود سلطتهما التي لو تجاوزاها ارتكبا مُنكرًا، أو أدَّى إلى ضَررٍ بالغٍ أو مُنكرٍ أكبر، أمَّا الراعي فله السلطان الكامل؛ قال الإمام القرطبيّ في تفسيره ( الجامع لأحكام القرآن ) [4/ 49، ط. دار الكتب المصرية]: قال العلماء: الأمر بالمعروف باليد على الأمراء، وباللسان على العلماء، وبالقلب على الضعفاء؛ يعني: عوام الناس) (23) تحكيم شرع الله أولى وختم الشَّيخُ عِيَسى الطَّائِيُّ كلامه مُستنكرًا استبدال العادات الجاهلية بشرع الله بالمقطع الأخير من الآية رقم (50) في سورة المائدة: [(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوْقِنُون)] ، والتي أولها: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ويقول ابن كثير في تفسيرها: (ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر وعَدَلَ إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكزخان الذي وضع لهم اليساق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعا متبعا، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله(صلى الله عليه وسلم). قال الله تعالى: ( أفحكم الجاهلية يبغون ) أي: يبتغون ويريدون، وعن حكم الله يعدلون. ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون ) أي: ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه، وآمن به وأيقن وعلم أنه تعالى أحكم الحاكمين، وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها، فإنه تعالى هو العالم بكل شيء، القادر على كل شيء، العادل في كل شيء. وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الخوطي حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ( أبغض الناس إلى الله عَزَّ و جَلَّ من يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية وطالب دم امرئ بغير حق ليريق دمه ). وروى البخاري عن أبي اليمان بإسناده نحوه بزيادة. ............. المراجع والمصادر: (01) العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسيّ(ت، 328هـ)، شرحه: أحمد أمين وآخرون، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، ط3، 1973م، 3/325 (02) العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي(ت، 175هـ)، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، القاهرة د.. 4/411 (03) مسند الإمام أحمد، أحمد ابن حنبل (ت، 241هـ)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 2001م، رقم الحديث: 1707، 3/233 (04) صبح الأعشى، أبو العباس القلقشندي (ت، 821هـ)، المطبعة الأميرية، ومطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1922م، 1/388 (05) ديوان كثير عزة، جمعه وشرحه: إحسان عباس، دار الثقافة، بيروت، 1971م، ص: 252 (06) سورة الأنعام، الآية:143 (07) مقاتل بن سليمان الأزدي 1/594 (08) الأعراف والعادات الاجتماعية والثقافية في ظفار، سعيد بن مسعود بن محمد المعشني، مطابعى ظفار الوطنية، صلالة، سلطنة عُمان، 2002م، ص: 29 (09) الراوي: عتبة بن غزوان، المُحَدّث: ابن حبان، المصدر: صحيح ابن حبان، ص أو رقم : 7121، خلاصة حكم المُحدث، أخرجه مسلم (2967) واللفظ له، والنسائي في (الكبرى) (11790)، والحاكم (5139) باختلاف يسير (10) المدونة الكبرى، مالك بن أنس الأصبحيّ الحميريّ(ت، 179هـ)، رواية: سحنون بن سعيد التنوخيّ، مطبعة السعادة/ مصر، 1323هـ، 3/248 (11) الراوي: عبدالله بن عباس، المُحَدِّث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري ، ص أو رقم: 5681، خلاصة حكم المُحَدث: [صحيح]، التخريج: من أفراد البخاري على مسلم (12) سورة يوسف، الآية: 19 (13) أخبار عُبيد بن شريّة الجرهميّ(ت، 67هـ)، ضمن كتاب: التيجان في ملوك حمير لوهب بن منبّه(ت، 114هـ)، رواية: أبي محمد عبد الملك بن هشام عن أسد بن موسى عن أبي إدريس بن سنان، تحقيق ونشر: مركز الدراسات والأبحاث اليمنية، صنعاء، ط1، 1347هـ، ص: 379 (14) كتاب الحيوان، الجاحظ(ت، 255هـ)، شرحه: عبد السلام هارون، شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، القاهرة، ط2، 1969م، 6/438 (15) ديوان عبيد بن الأبرص، شرح: أشرف أحمد عدرة، دار الكتاب العربيّ، بيروت، ط1، 1994م، ص: 60 (16) الفروق للقرافي، أنوار البروق في أنواء الفروق ط- أخرى - المجلد 4 - الصفحة 283 (17) الأعراف والعادات الاجتماعية والثقافية في ظفار، ص: 30 (18) دار الإفتاء المصرية، رقم الفتوى: 391 ، تاريخ الفتوى: 07 ديسمبر 2005م (19) علم الجداول والطلاسم والأوفاق والتنجيم من الباطل ، فتاوى العقيدة الإسلامية، السحر والجن والحسد وأدعياء الغيب، والتنجيم، إسلام ويب، الفتوى رقم:73445 ، الأحد 22 شعبان 1429 هـ - 24-8-2008 م. (20) الراوي: عبدالله بن مسعود، المُحَدث: أبو داود، المصدر: سنن أبي داود، ص أو رقم : 3883، خلاصة حكم المحدث: سكت عنه [وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالحٌ]، أخرجه ابن ماجه (3530)، وأحمد (3615) باختلاف يسير (21) سورة الأعراف، الآية: 157 (22) الراوي: أبو سعيد الخدري، المُحَدِّث: ابن تيمية، المصدر: مجموع الفتاوى، ص أو رقم: 10/460 | خلاصة حكم المُحَدِّث: صحيح . (23) دار الإفتاء المصرية، بيان المقصود من حديث: (من رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيده)، من فتاوى: فضيلة الدكتور علي جمعة محم د، رقم الفتوى: 6057 ، تاريخ الفتوى: 03 يناير 2013 م

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store