٢٣-٠٣-٢٠٢٥
فايننشال تايمز: الإمارات تستثمر في الحمض النووي لمواطنيها
كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية عن منشأة تحت الأرض أسفل حي العلوم والتكنولوجيا في العاصمة الإماراتية أبوظبي يقوم عمال فيها بتشغيل عينات عبر أجهزة الطرد المركزي، ويضعون القوارير في مجمدات صناعية ضخمة، ويشرفون على صفوف من آلات تسلسل الجينات التي تشبه آلات التصوير الضوئي.
وبحسب الصحيفة تضم هذه المنشأة 55 جهازًا لتسلسل الجينات، تبلغ قيمة كل واحد منها عشرات الآلاف من الدولارات، مما يجعلها، وفقًا لمالكيها، أكبر تركيز من هذا النوع من المعدات خارج الولايات المتحدة.
وتشير هذه الأجهزة إلى استثمار الإمارة الغنية بالنفط في مورد قوي، وربما مربح للغاية، وهو: الحمض النووي لمواطنيها.
وتقول شركة الرعاية الصحية الأكبر في أبوظبي، 'M42'، والتي تترأس شركتها الأم 'G42' الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، العضو البارز في العائلة الحاكمة ومستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات، إنها قامت بتسلسل 802,000 جينوم، بما في ذلك 702,000 من الإماراتيين.
ويشكل هذا العدد ما يقارب ثلاثة أرباع السكان المحليين، مما يجعلها واحدة من أكثر قواعد بيانات الجينات شمولًا في العالم.
وتسعى شركة M42 الآن إلى الاستفادة من هذه البيانات الجينية لاستغلال القوة المتزايدة لقواعد بيانات الجينات في تحقيق اختراقات لمكافحة الأمراض، وجذب شركات الأدوية، وتعزيز صناعة علوم الحياة في أبوظبي. وصرّح جورج هابر، الرئيس التنفيذي لمستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي التابع لـM42، بأن برنامج الجينوم
الإماراتي الذي تملكه أبوظبي يُعد بمثابة 'منجم ذهب للبيانات'.
ويُعد هذا المشروع جزءًا من خطة أوسع لأبوظبي تهدف إلى جذب الصناعات المتقدمة، وتنويع الاقتصاد، وتقليل الاعتماد على عائدات الوقود الأحفوري.
وقد استثمرت M42 بكثافة في مجال علم الجينات، بما في ذلك المختبرات التابعة لها. ويُذكر أن الشيخ طحنون، وهو شقيق رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد، يتمتع بنفوذ واسع على اقتصاد الإمارة الغنية وسياستها الخارجية، كما يمتلك إمبراطورية تجارية تشمل الشركة الأم لـM42، وهي G42، التي تُعد المجموعة الأهم في مجال الذكاء الاصطناعي بالإمارات.
والشيخ طحنون، البالغ من العمر 57 عامًا، والمعروف بشغفه برياضة الجوجيتسو وبتحضير الاجتماعات أثناء ركوب الدراجة الهوائية، يُقال إنه مهتم بالتقنيات التي تطيل متوسط العمر المتوقع.
وبإشراف مباشر منه، استثمرت M42 بشكل مكثف في علم الجينات. وذكر حسن جسيم النويّس، الرئيس التنفيذي للمجموعة، أن الشيخ طحنون 'منخرط جدًا' في وضع الاستراتيجيات، ويوجه مسار الشركة بقوله: 'هنا يجب أن نذهب، وهذا هو الهدف النهائي'.
في بداية المشروع، قبل أكثر من خمس سنوات، كان الإماراتيون مترددين في تسليم رموزهم الجينية، إلا أن العديد منهم انضم إلى البرنامج بعد أن خضع أفراد من العائلة الحاكمة، بمن فيهم وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد، لفحوصات الدم اللازمة للمشاركة.
وأسهمت جائحة كورونا في تسريع عملية جمع العينات الطوعية، حيث قامت M42 بأخذ عينات للمشاركين في البرنامج جنبًا إلى جنب مع اختبارات فيروس كورونا.
ويثير هذا المخزون الجيني الواسع آمالًا كبيرة في قدرته على معالجة المشكلات الصحية المنتشرة في الإمارات، مثل الأمراض الوراثية الناتجة عن الزواج بين الأقارب، بالإضافة إلى التهديدات الصحية العالمية الأوسع. وقد حققت منشآت أخرى مثل 'UK Biobank'، الذي يضم بيانات نصف مليون شخص، تقدمًا مهمًا في معالجة أمراض مثل السمنة وباركنسون.
وعلى الرغم من تأكيد مسؤولي M42 أن جهود الشركة لتسويق هذه البيانات لا تزال في مراحلها الأولى، فإن العلاقات الوثيقة للمجموعة مع الحكومة والعائلة الحاكمة تمنحها ميزة فريدة.
تأسست M42 عام 2022 نتيجة اندماج أصول الرعاية الصحية التابعة لـ'مبادلة' و'مجموعة G42' التابعة للشيخ طحنون. وقد استحوذت مبادلة، بحسب نشرة سنداتها، على 45% من المجموعة المندمجة، فيما رفضت M42 الكشف عن تفاصيل ملكيتها.
تضم أصول المجموعة الصحية مستشفيات مثل كليفلاند كلينك أبوظبي. ورغم أن نحو نصف أرباح الشركة قبل احتساب الفوائد والضرائب والاستهلاك تأتي من عملياتها الدولية، فإن الشركة كانت تعتمد في بداياتها على العقود الحكومية، مثل تنفيذ برنامج الجينوم الإماراتي.
ويمتد مخزون بيانات M42 الضخم ليشمل نظام سجلات المرضى الموحد في أبوظبي، والبنك الحيوي التابع للإمارة، بالإضافة إلى بيانات بيئية تُجمع من خلال مراقبة مياه الصرف الصحي لاكتشاف تفشي الأمراض. وتستخدم الشركة الذكاء الاصطناعي لتحليل هذه البيانات، وفقًا لما صرح به مدير العمليات العليا، البراء الخاني.
كما تقوم الشركة بفحوصات ما قبل الزواج للأزواج الإماراتيين، وهو أمر تشجعه الحكومة نظرًا للمخاوف المتعلقة بزواج الأقارب.
وتقول M42 إنها تطبق بروتوكولات صارمة لحماية بيانات المشاركين ومنع إساءة استخدامها. ومع ذلك، لطالما اتهم النشطاء أبوظبي، بوصفها ملكية مطلقة، بتهديد الخصوصية واستغلال قدراتها الواسعة في المراقبة.
وقد أعرب بعض المشرعين الأمريكيين عن قلقهم بشأن صلات المجموعة بالصين. فقد لاحقت اتهامات G42 بشأن علاقاتها بجهات صينية مدرجة على القوائم السوداء الأمريكية بدعوى اضطهاد الأقليات، بما في ذلك معهد بكين للجينوم.
ولطمأنة الولايات المتحدة، التي تعتمد عليها المجموعة في الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة، صرحت G42 بأنها تخلّت عن استثماراتها في الشركات الصينية وستزيل جميع معدات هواوي من أنظمتها. من جهتها، قالت M42 إنها لا تربطها علاقة بمعهد بكين للجينوم ولا تستخدم معداته.
وقد أنشأت دول أخرى، مثل آيسلندا، قواعد بيانات جينية كبيرة، لكن قاعدة بيانات الإمارات تُعد من بين الأكثر شمولًا. فعلى الرغم من احتواء UK Biobank على تسلسل جينومي كامل لـ500,000 مشارك، فإن عدد سكان المملكة المتحدة يتجاوز 68 مليون نسمة.
وقال بول جونز، الرئيس التنفيذي لمركز أوميكس التابع لـM42، إن حجم البيانات التي توفرها الإمارات، والذي يغطي نسبة كبيرة من السكان، يسمح للباحثين بتتبع الطفرات الجينية عبر أجيال متعددة. وعلى الرغم من أن 90% من سكان الإمارات هم من الأجانب، إلا أن الإماراتيين لا يزالون يتزوجون في الغالب ضمن مجتمعهم.
وأضاف جونز: 'يمكنك مراقبة الأمراض عبر الأجداد، والآباء، والأبناء، وبدء رسم خريطة'، مشيرًا إلى أن هذا يُعد 'كنزًا حقيقيًا' من حيث تقديم رؤى عن الطفرات الجينية المتعلقة بأمراض معينة.
وأوضح جونز، وهو الرئيس التنفيذي السابق لشركة 'Genomics England'، أن شركات الأدوية ترى أن القيمة ليست فقط في الوصول إلى قاعدة البيانات، بل أيضًا إلى النظام الصحي نفسه.
وعلى الرغم من عدم توقيع أي اتفاقيات حتى الآن، يقول المسؤولون التنفيذيون في M42 إنهم يجرون محادثات مع شركات أدوية وتقنية حيوية دولية بشأن استخدام هذه البيانات، مستندين إلى سوابق مماثلة، مثل اتفاقيات UK Biobank مع شركات علوم الحياة لتمويل الدراسات التحليلية باستخدام بياناتها، حيث تحصل الشركات على حق الوصول الحصري إلى النتائج لمدة تسعة أشهر قبل نشرها للعامة.
وفي هذا السياق، ذكر الرئيس التنفيذي حسن جسيم النويّس أن M42 بدأت تسلسل الجينوم لسكان الإمارات من غير المواطنين لتوسيع قاعدة بياناتها الجينية، ما سيجعلها أكثر جذبًا للشركات التي تسعى إلى تطوير أدوية جديدة.
وتجري M42 أيضًا محادثات للتعاون مع حكومات دول أخرى، ووقّعت مؤخرًا مذكرة تفاهم مع أوزبكستان للشراكة في برنامج الجينوم الخاص بها. وأوضح النويّس أن الشركة لن تتحكم في البيانات، لكنها ستحصل على رؤى مستخلصة منها.
وقال النويّس: 'يمكننا أن نقول لشركات الأدوية، لقد قمنا بتسلسل عدد محدد من الأشخاص في كينيا وماليزيا وإندونيسيا،
ولدينا تنوع في بياناتنا، ولكن إذا كنتم ترغبون في الوصول إلى مرضى أكثر تعقيدًا، أو مرضى السكري مثلًا، فلدينا سكان أبوظبي'.