logo
#

أحدث الأخبار مع #فريدريكلاغرانج،

الأغنية الساخرة المصرية: من عصر النهضة إلى ميدان التحرير
الأغنية الساخرة المصرية: من عصر النهضة إلى ميدان التحرير

المدن

time٠٨-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • المدن

الأغنية الساخرة المصرية: من عصر النهضة إلى ميدان التحرير

في إطار فريدريك لاغرانج، عرض مسجل عنوانه: " الأغنية الساخرة المصرية في العقود الأولى من القرن العشرين". واعتبر لاغرانج إن للأغنية الساخرة المصرية إرهاصات وثّقها المؤرخون والأدباء، وأتى بنماذج منها مثل كِتاب "وصف مصر" الذي ألفه العلماء المرافقون لحملة بونابارت. غير أنّ ما جاء به القرن العشرون من مستجدات مهمة في مجال الأغنية الساخرة، هو مشاركة الموسيقيين "المشروعين"، حسب تعريف بورديو، في هذا الفن الذي كان يُصنف قبل ذلك في خانة "الغناء الشعبي" أو "البلدي"، المعبّر عن "العبقرية الشعبية العفوية"، مع ما يحمله هذا المفهوم من سذاجة رومانسية. والقاسم المشترك بين الأغاني الساخرة التي ذكرتها شتى المصادر التاريخية قبل بداية القرن العشرين، هو أنها نابعة عن هذا "الشعب" المثالي، فبالتالي لا صاحب لنصوصها ولا ملحن لأنغامها، ولا صوتَ معيناً مرتبطاً بها، إذ تُعزى في الغالب إلى الفئات الدنيا في الهرم الطبقي. وبالفعل، لا يمكن قَرْن أسماء كبار موسيقيي القرن التاسع عشر، فطاحل عصر النهضة، أمثال عبده الحامولي أو محمد عثمان أو الشيخ يوسف المنيلاوي، بأغنية ساخرة واحدة، لأن ذلك يكون "دون مستواهم"، ولأن الطرب في مفهومه النهضوي السائد يتنافى مع السخرية والنقد، بل مع الضحك. كان الشيخ سلامة حجازي، رائد المسرح الغنائي التراجيدي، أول من أدخل جديداً في الغناء المتقن وهو أنه "حكي" وفكرة أن يكون للنص المغنَّى مضمونٌ سردي مقترن بأماكن وأسماء وأزمنة معينة، وليس فقط بمواقف غرامية مجردة، وقد يتوافق مع أداء صوت عالم ومصقول ومع لحن معقد ومع أداء تطريبي بحت. غير أن هذا الانفتاح المواضيعي ظل محصوراً في "الحماسة" (إن كنت في الجيش نموذجاً) وفي التراجيديا (سلام على حسن). صحيحٌ أن المسرح الغنائي الفكاهي، الذي أخذ يزدهر في فترة الحرب العالمية الأولى، آخذاً من فن الأوبريت الفرنسي والبريطاني نموذجاً له، لم يعتمد بالضرورة على أصوات جبّارة (فنجيب الريحاني وبديعة مصابني، على سبيل المثال، يُعتبران مجرد مؤدّيين، لا ذرة طرب في صوتيهما). لكن النصوص الساخرة لهذه الأغاني المسرحية، هذه النصوص المنتقدة للظروف التي فرضها الاستعمار البريطاني والسلطات الموالية له، أو المُعلّقة على التغيرات الهائلة الطارئة على المجتمع، لم يبتدعها مجهولون كادحون من أبناء الشعب، بل شعراء وأدباء ومثقفون مرموقون معترف بهم في الأوساط الأدبية. سواء كانوا مشايخ، كالشيخ يونس القاضي، أم أفندية مثل بديع خيري والشاب السكندري الثائر بيرم التونسي. كما أن أصحاب الألحان التي كانت تُترجم نغمياً هذه الأفكار الساخرة، كانوا ملحني الموشحات والأدوار والقصائد التي يتغنى بها المطربون في الوصلات الطربية، من داود حسني إلى سيد درويش أو زكريا أحمد في بداياته. بالتالي، خرجت الأغنية الساخرة من النطاق المبهم الذي يُنعت بـ"الأغنية الشعبية"، لتصير مُنتجًا ثقافياً متقناً تراهن عليه النخبة الأدبية كوسيط فعال من أجل نقل خطابات نقدية أو إصلاحية تم تشفيرها في صيغة فكاهية مرحة. (نجيب الريحاني) وإن كان للمسرح الغنائي حضورٌ طاغٍ في الساحة الثقافية المصرية خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين، وإن كان كما يبدو قد نال إعجاب النخبة الأدبية (باستثناء بعض المتذمرين المتزمتين أمثال هذا الذي رأى، حين تفشى خبر وفاة سيد درويش سنة 1923، أن يعلق بـ"انتهى الهلس في البلد"، علماً أن هذه المقولة الحاقدة تُعزى تارة إلى مصطفى بك رضا القانونجي الارستوقراطي، وتارة أخرى إلى الملحن إبراهيم القباني)، يبقى أن هناك مفارقة محيرة في الاهتمام المحدود الذي أعارته شركات الأسطوانات للألحان المسرحية، سواء الساخرة منها أو الرومانسية أو الحماسية. قد يلعب الخوف من الرقابة الاستعمارية دوراً في هذا العزوف النسبي عن تسجيل الألحان وتوثيقها، غير أن الفرضية الأصوب تكمن في فشلها التجاري، وهو المعيار الأهم لشركات الأسطوانات. ولولا شركة "مشيان"، التي أتاحت لفتحية أحمد وحياة صبري وسيد درويش أن يسجلوا عدداً من الألحان المسرحية، إضافة إلى ما سجلته "غراموفون" من ألحان مسرحيات الريحاني في النصف الثاني من العشرينات، لم نكن لنعلم كيف كانت تؤدَّى بأصوات مَن كانوا يؤدونها أمام الجمهور… غير أن شركات الأسطوانات أتاحت للأغنية الساخرة أن توزّع، وأن تنجح جماهيرياً في شكل الطقطوقة الاجتماعية، الأقرب إلى ذائقة الموسيقى الطربية. الأغنية الساخرة، التي تعلّق على صدمات الحداثة والتبني السريع لعادات دخيلة تم تطبيعها، هي بمثابة مؤشر على رد فعل المجتمع التقليدي على ما عاشه من تحولات جذرية، خصوصاً تواجد النساء في الفضاء العام وما يقتضيه ذلك مِن تعلُّم لأصول الاختلاط والتأقلم مع مطالب نسوية ناشئة. وإن كان مضمون النصوص في معظم الأحيان، رجعي النبرة، معبّراً عن شكوى ذكورية تحتج أمام أي هزة قد تحول دون سيطرة الرجال، يبقى أن قراءة بين سطور النصوص تكشف عن مجتمع متغير يسائل قناعاته. شعراء الطقاطيق الاجتماعية أخذوا على عاتقهم مهمة ترجمة القلق الاجتماعي أمام تدفق الحداثة وتحويل هذه القلق العام إلى أغانٍ مضحكة تارة ومؤثرة تارة، غناها جيل من المغنين والمغنيات ذوي أصوات قديرة، بالإضافة إلى معرفة عميقة بمقومات الطرب، أمثال صالح عبد الحي وأمين حسنين ونعيمة المصرية ورتيبة أحمد وغيرهم كُثر، حتى انتهت هذه الموضة مع قدوم الثلاثينيات والعودة إلى الأغنية العاطفية كقالب مشروع أوحد. تهدف هذه المداخلة إلى تسليط الضوء على هذه الفترة الوجيزة والبحث عن الإنتاجات الثقافية التي تلتها وتنتسب إليها بشكل غير مباشر. "رحلة تقاليد الغناء الاحتجاجي الساخر في مصر: من المسرح الغنائي إلى ميدان التحرير" وقرأ الباحث المصري طارق عبدالله "رحلة تقاليد الغناء الاحتجاجي الساخر في مصر من المسرح الغنائي إلى ميدان التحرير، قائلاً: "تشير بعض المصادر إلى تأصل وجود الأغنية الساخرة في الأوساط الشعبية المصرية التي كانت في بعض الأحيان تطاول الحكام والقوانين الصادرة عنهم. كما يبدو أن وجود هذا اللون من الأغاني لم يقتصر على القاهرة والمدن الكبرى، بل امتد إلى مدينة أسوان قرب الحدود الجنوبية، حيث ذاعت أغنية خلال القرن الـ19 تدعو الطاعون إلى القضاء على حاكمهم الطاغي وكاتبه. وقد حازت تلك الأغنية إعجاب إدوارد لين الذي يقول في كتابه "عادات المصريون المحدثون وتقاليدهم": "يميل المصريون خاصة إلى الهجاء. وكثيراً ما يظهرون ذكاء في تهكمهم ومرحهم. وتساعدهم اللغة العربية على استعمال التورية والحديث المبهم الذي يتهكمون فيه بكثرة. وتهجو الطبقات السفلى حكامها في الأغاني ويسخرون من هذه القوانين التي يقاسونها كثيراً". يضيف عبدالله: "سمح الحراك الاجتماعي-الثقافي والجيوسياسي الضخم الذي ميز الربع الأول من القرن العشرين، والمشروع الطليعي للثنائي بديع خيري وسيد درويش-وغيرهم- بازدهار هذا النوع من الغناء من خلال المسرح الغنائي الذي حفظت لنا الأسطوانات الحجريّة والأرشيف الإذاعي بعضا منها. وتحول هذا المشروع إلى تقليد شعري وموسيقي بعدما تلقفته أجيال من المريدين، نهلوا منه وأضافوا إليه، من أمثال بيرم التونسي والشيخ زكريا أحمد، وأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام عيسى (من دون أن ننسى نجيب شهاب ونجيب سرور وفؤاد قاعود)، إضافة إلى صلاح جاهين، فؤاد حداد وسيد مكاوي وغيرهم، وبعدما أصبح هذا الرصيد الكبير من الإنتاج والتراكمات جزءاً أصيلاً من الوعي الجمعي. ساهم فن المونولوج الفكاهي الذي ازدهر في السينما، من خلال أبو السعود الابياري وفتحي قورة ومؤدين مميزين كإسماعيل يس ومحمود شكوكو، في الحفاظ على هذا النوع من الفن الناقد وتطويره بعد انحسار دور المسرح الغنائي. أسس نظام دولة يوليو لما يمكن تسميته تقاليد الغناء الرئاسي الجديد اذ أصبح التغني بشخص الرئيس ونظامه الحاكم وبالعروبة وأمجادها، جزءاً أصيلاً مما يعرف بالأغاني الوطنية التي ارتبطت بالمناسبات العامة المختلفة، كعيد الثورة، وعيد العمال، وأعياد نصر أكتوبر المزدوجة (حيث يتم التذكير بها في العاشر من رمضان)، وأعياد تحرير سيناء وعيد المولد النبوي وغيرها. وقد انخرط عدد كبير من الملحنين والشعراء والمطربين في هذا النوع من الغناء حتى مَن تغنى منهم بالنظام الملكي. أوجد نظام يوليو شكلاً جديداً للعلاقة بين الفن والفنانين من ناحية والدولة من ناحية أخرى". ويتابع عبدالله: "شهدت فترة ثورة 25 يناير 2011 وما تلاها من سنوات انتهت برحيل نظام الإخوان، استدعاءً/استخداماً مكثفاً لرصيد/مخزون ضخم من الأغاني الوطنية المحفورة في الوعي الجمعي من قبل كافة الأطياف والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني المشاركة بغرض الحشد في الساحات أو بهدف السخرية. تنوع هذا الرصيد الذي يمتد لتسعة عقود بين أغاني سيد درويش وأناشيد العهد الملكي "اسلمي يا مصر" وعهد عبد الناصر والسادات ومبارك بما في ذلك الأغنية الوطنية العاطفية كأغنية شادية "يا حبيبتي يا مصر". كذلك شهدت الساحات المختلفة حضوراً قوياً لألحان الشيخ إمام عيسى من أشعار أحمد فؤاد نجم ونجيب شهاب وفؤاد قاعود وغيرهم. كما شارك عشرات الفنانين وبعض الفرق المستقلة -الذين استشعروا أهمية التفاعل مع الحدث إما عن اقتناع بأهمية المشاركة أو تنصلاً من العلاقة القوية التي ربطتها بالنظام البائد ورموزه- في إحياء كافة الاعتصامات واللقاءات المتلفزة. كذلك، برزت وجوه جديدة من الملحنين المؤدين وعازفي العود المرتبطين بهذا الموروث، والذين لاقوا استحساناً جماهيرياً واسعاً من خلال تجاربهم اللحنية مع أقرانهم من الشعراء مثل تجربة مصطفى سعيد وتميم البرغوثي، وكذلك ألحان حازم شاهين من خلال فرقة اسكندريلا، وأشعار فؤاد وأمين وأحمد حداد. وشملت الندوة عرضاً لأعمال ساخرة لإسماعيل ياسين، الشيخ إمام، محمود عبد العزيز وعلي الحجار، إلى جانب عرض فيلم وثائقي بعنوان الشيخ المغني لهيني سرور حول حياة الشيخ إمام ودوره في ترسيخ الأغنية الساخرة كأداة فنية مقاومة، وذلك بالتعاون مع نادي لكل الناس. واختتم اللقاء بجلسة نقاشية أدارتها د. ديانا عباني، تناول فيها تأثير التكنولوجيا على الأغنية الساخرة، والاختلافات بين التعبير الساخر في مصر وبلاد الشام. كما ناقشت المداخلات أهمية توحيد المصطلحات وفهم الخصوصية الثقافية للمؤدين، إضافة إلى المقارنة بين الحراك اللبناني والمصري، حيث برز الأخير في قدرته على تصدير الفن الساخر كوسيلة معارضة إقليمية. في الختام، عُرض الفيديو الثاني من سلسلة فنية مُنتجة بالذكاء الاصطناعي عن الفنان عمر الزعني، يخرج فيه الزعني من متحف سرسق ليتجول في الجميزة ويتخلله اغنية "شبان شيك"، مانحاً الجمهور تجربة معاصرة تمزج بين الإرث الفني والتكنولوجيا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store