logo
#

أحدث الأخبار مع #فيمفيندرز،

الفيلم الياباني «أيام مثالية»… عن الصمت والتأمل والعزلة
الفيلم الياباني «أيام مثالية»… عن الصمت والتأمل والعزلة

إيطاليا تلغراف

timeمنذ 6 أيام

  • ترفيه
  • إيطاليا تلغراف

الفيلم الياباني «أيام مثالية»… عن الصمت والتأمل والعزلة

إيطاليا تلغراف نشر في 11 يونيو 2025 الساعة 14 و 28 دقيقة إيطاليا تلغراف رامي أبو شهاب كاتب أردني فلسطيني من التجارب السينمائية المهمة فيلم «أيام مثالية» من إخراج المخرج الألماني فيم فيندرز، الذي شارك أيضاً الكاتب الياباني تاكوما تاكاساكي في كتابة السيناريو للفيلم، الذي تميّز بنمطه الإخراجي والأدائي، حيث اعتمد المخرج بصورة واضحة على تقنية التخفف من الحكاية، أو كما هو شائع «قصة الفيلم»، إذ لا نجد قصة، أو حبكة بالمعنى المباشر، بالتوازي مع الحوارات التي تكاد تكون محدودة جداً، وفي المقابل فثمة حساسية أدائية عالية، ورؤية إخراجية أتقن تقديمها الممثل الياباني كوجي ياكوشو، الذي نال جائزة أفضل ممثل في مهرجان «كان» سنة 2023، كما حصل الفيلم على عدد من الجوائز، ورُشّح أيضاً لجائزة الأوسكار عن فئة الأفلام الأجنبية. ألفة النمط ضمن تكوين سينمائي يعتمد الرؤية والمشهدية في مخاطبة وعي التلقي، والأهم دفعه إلى الاستغراق في ما تؤطره الصورة، إذ يتناول الفيلم ببساطة مشهديات تتكرر لرجل في منتصف العمر، اسمه «هيراياما» يعمل في تنظيف المراحيض العامة في مدينة طوكيو، ولا شيء يبدو أكثر من ذلك في مجال التوقع، ولاسيما إذا ما بحثنا في المعنى الكامن في تكوين الفيلم الذي يعتمد نمطاً من التكرار في حياة رجل يستيقظ فجراً، يغتسل، ومن ثم ينظف أسنانه، ويحلق ذقنه بماكينة كهربائية، وبعد ذلك يهذب شاربه، ومن ثم يسارع لارتداء زي الشركة الأزرق، ويضع فوطة بيضاء على رقبته، ثم يتناول علبة قهوة من أمام منزله المتواضع والمشيّد بشكل عمودي، فثمة غرفة نوم علوية صغيرة، وفي الجزء السفلي شبه مطبخ وحمام. من هذا الحيز الضيق يخرج الرجل إلى فسحة أكبر مع نظره للأعلى، أو نحو فضاء مدينة طوكيو، يقود سيارة الشركة متأملاً المدينة، يستمع إلى أغانٍ غربية قديمة، وبعد ذلك يباشر عمله في تنظيف المراحيض في غير موقع من المدينة، ولكن بتفانٍ وسعادة. في سياق هذا التتبع اليومي والمكرر للأحداث ذاتها، ثمة بيان لذلك الاكتفاء من الحياة، غير أن هذا يتأتى من فلسفة عميقة تقود الرجل، قوامها الرضى والقبول، أو الإخلاص والتفاني في عمله، كما الدقة، ناهيك عن اللطف عند مواجهة المستخدمين للحمامات، إذ يسارع للوقوف خارج المرفق حتى ينتهوا، وفي الاستراحة، يتناول شطيرته، وهو يراقب الأشجار، وأحد المشردين، كما يلقي تحية على فتاة خجولة تجلس في المكان ذاته.. هكذا لا يبدو هذا العالم سوى نسق ربما يستجلب الكثير من التذمر والشكوى من لدن آخرين، بيد أن وعي الرجل بالحياة يتحدد على أنها لا تحتاج إلى أكثر من ذلك، فبمجرد أن ينتهي من العمل يذهب كي يتناول مشروباً بارداً في المقهى عينه، وأسبوعياً يذهب للاغتسال، والاسترخاء في حمام تقليدي، وفي أوقات فراغه، أو استراحته يلتقط صوراً للأشجار بكاميرا تقليدية، ثم يذهب إلى مركز لتظهير الأفلام، فيضع ما يعجبه في صندوق، ويتخلص من الآخر، وفي سيارته يستمع للموسيقى من خلال كاسيتات يرفض أن يبيعها لندرتها، وفي المساء يقرأ كتباً على ضوء خافت، ومنها رواية للكاتب الأمريكي وليام فوكنر، وغير ذلك من الكتب القيمة. لا يمكن أن يعني الفيلم أيَّ مشاهد يبحث عن فاعلية السرد، أو ما يتعلق بحكاية واضحة للفيلم، فثمة تأطير إخراجي، حيث قد يعاني بعض المشاهدين من الملل تبعاً للتكرار في المشاهد، ناهيك عن عدم وجود قيم، أو أحداث درامية تدفع الفيلم نحو الأمام، باستثناء زيارة ابنة أخيه ليومين أو ثلاثة أيام، ومرافقته في رحلته اليومية للعمل، وممارسة أنشطته المعتادة، إلى أن تحضر شقيقته ـ والدة الفتاة ـ لاصطحاب ابنتها، وهنا قد يتكون مشهد يعتمد على توقع تصاعد درامي حين تسأل الشقيقة شقيقها، إذا ما زال يعمل في تنظيف المراحيض، فيجيب بكل فخر وسعادة، ثم تقوم الشقيقة باحتضانه، وتغادر بهدوء، لينتهي المشهد القصير دون أي إضافات ليكسر أفق تلقي المشاهد. البحث عن تفسير ضمن مرجعية الشخصية تبدو المعلومات المتصلة بالرجل قليلة أو محجوبة، غير أن هذا قد يراكم توقعاً حول ماضي الرجل، واختياراته، لكنها تبقى غير كافية، أو أنها لا تعنينا، فالقيمة المنوطة بالآني، وفعل الاختيار، والوعي بالحياة – من منظور هذا الرجل- حيث إن وعي المتلقي ينشغل بالبحث عن الدوافع، أو الأسباب الكامنة وراء هذا النموذج من الحياة، والنسق. فحين قام زميله بسؤاله ما إذا كان متزوجاً أو لديه أطفال، لا يجيب، وبذلك لا نعلم ماذا يكمن خلفه، باستثناء زيارة لأحد القبور، وكأنه يتواصل مع أحد غائب، ومع ذلك، فإن أفق التلقي يبقى مشدوداً إلى البحث عن حدث عميق يكشف سر الرجل، أو حدث يتصل بعائلته، أو فقد عانى منه، أو تجربة قادته إلى هذا الانعزال أو النمط الذي يأتي على شكل نسق يومي للأحداث عينها، ومن هنا تتأسس مقصدية الفيلم، التي تنهض على بيان فلسفة تستند إلى معالجة التكرار ذاته، فالحياة ليست سوى ما نحب أن نقوم به، بالتوازي مع التخفف من المتطلبات الزائدة؛ أو الرفاهية أو الطموح نحو شيء ما. ينبغي للحياة أن لا تستغرقنا في البحث عن أشياء لا نملكها، ففلسفة الرجل تتلخص بوجود عمل يحبه، ومنزل بسيط، وهو قادر على أن يمارس هواياته البسيطة بمعزل عن تداخلات قد تؤدي إلى القلق، والتوتر نتيجة الرغبة بشيء، أو لوجود أحد ما؛ من منطلق تمثّل عبارة الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر: «الجحيم هو الآخرون». هكذا يبدو عالم الرجل مكتفياً بحدوده، بما في ذلك توفر النظام اليومي، وأي خروج عن هذا النمط قد يقود إلى تعكير صفو أيامه المثالية، ومن ذلك حين تغيّب زميله عن العمل، فاضطر للقيام بعمل إضافي، أو أن ينوب عنه في بعض المواقع، فتسبب ذلك بانزعاج أو حزن «هيرمايا»، فطالب سريعاً الشركة بتوفير بديل، ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن الرجل كان سلبياً، فقد قدّم المساعدة للآخرين، ومنهم زميله، وصديقته، كما ساعد ابنة أخته، بالإضافة إلى طفل ضائع، وغير ذلك.. ما يعني أنه يعي منظوره القيمي والنظر إلى العالم بوجه إنساني، على الرغم من أن العالم يراه لا مرئياً، ويبتعدون عنه، ولا يتحدثون معه، وهو يقوم بخدمتهم كل يوم، ومع ذلك لا يشعر تجاههم بشعور سلبي، بل يبقى محافظاً على نظرات الرضى والهدوء والامتنان للحياة. العالم قد يكمن في الأشياء الصغيرة، ومن ذلك حين يجد ورقة في أحد الحمامات تحتوي على لعبة إكس ـ أو، يضع الإشارة في المربع، ويترك الورقة خلف المرآة، ليعود في اليوم التالي ليكمل اللعبة حتى تنتهي مع شخص لا يعلم من هو، غير أن اللعبة تنتهي مع نهاية الفيلم بأن يخط الشخص المجهول كلمة «شكراً»، ومن هنا يكمن معنى الحياة، حين نتمكن من جعل حياة الآخر أجمل، حتى لو بأشياء بسيطة لا تعني الكثير. يمكن تشكيل رؤية الفيلم التي تنحاز إلى أن العالم أو أن الحياة أبسط مما نعتقد، فعلى الرغم من أن الفيلم قد ينطوي على مفارقة أو تناقض ما، حيث نتساءل: كيف تكون أياماً مثالية لرجل يقضي يومه بتنظيف المراحيض؟ غير أن مفهوم المثالية لا يقوم على الامتلاك أو النجاح، بل على الاكتفاء، أو التصالح مع اليومي، على الرغم من أن البعض يرى أن نمط الحياة الدائري، أو المتجه نحو الذات لا يعني سوى البساطة، أو فقدان الروح، بيد أنه على العكس من ذلك، فهو يتصل بممارسة فلسفة التنفس، حيث تُستحضر الحياة كل يوم بروح جديدة أو متجددة، على الرغم من أنه قد لا يوجد شيء جديد، ولكنه الإدراك لما يكمن في الطبيعة والذات من هدوء، وبساطة. هندسة المشاهد يتخذ الصمت بعداً مثقلاً بالدلالات ضمن هندسة سينمائية تعتمد المشاهدة، والتأمل، والتتبع، ولاسيما اعتماد لقطة المنظور الذاتي، حيث إن غياب الحوار عزز هذه الرؤية، فشخصية «هيراياما» تتجلى عبر صمتها وطقوسها، لا من خلال الحوار، أو الصراع، فهو يعمل في وظيفة وضيعة اجتماعياً (عامل تنظيف)، لكنه يتعامل معها بتقديس، وتأمل يُعيد تشكيل المعنى. ولعل هذا ما يبرر توظيف تقنية تنهض على استغلال الضوء والظلال والأشجار، والأحلام، وحتى البشر في تشكيل الحس العالي تجاه فهم الحياة، وتقدير الجمالي فيها، لا عبر ما يكمن فيها من ماديات، أو مظاهر استهلاكية، إنما لما يكمن فيها من روح تستعاد يوماً بعد يوم، وبناء على ذلك ركزت العدسة على هذا الجانب في مدينة طوكيو، تبعاً للمنظور الذي نراه من خلال الشخصية، بما في ذلك الحدائق، وما يكمن في فعل تنظيف المراحيض من معنى، حيث يراه الجميع عملاً قذراً، أو وضيعاً، ولكنه يتحول إلى طقس تطهيري للعالم، فالإنسان يتخلص من القاذورات، غير أن القاذورات الحقيقية تكمن في أشياء أخرى، كما في أفعالنا، أو ما يكمن في داخلنا من مشاعر سلبية تجاه الذات والعالم. يبدو الفيلم مأخوذاً بتشييد مفهوم العزلة، لا بوصفه ضعفاً، بقدر ما يبدو موقفاً فلسفياً يخلو من ضجيج اللغة عبر الانكفاء نحو البساطة التي لا ندرك عمق الثراء الذي يكمن فيها، غير أن هذا، كي يتحقق، لا بد من خيار أو وعي، ويمكن إدراك هذه القيم بعد أن يُنجز الفيلم، أو ينتهي، حينها ندرك المعنى الذي كان يتشكّل شيئاً فشيئاً، لأن لحظة المشاهدة كانت مأخوذة بجماليات التأمل والمتابعة، وعندما ينقضي كل ذلك، تتشكّل لحظة المفارقة التي تتلخص في أن لا شيء يبدو في هذا العالم أكثر معنى من ظل شجرة نتأملها بعمق، وأن تتخفف الروح من متطلبات لا يبدو أنها ستنتهي، ففي غمرة انشغالنا بتحصيل الزيف الذي نعتقد بقيمته، تفوتنا أكثر لحظات حياتنا قيمة، أو نتناسى ما يكمن فيها من جمال، ولا نرى ما يوجد في داخلنا أو من حولنا من معاني العالم والطبيعة والصمت، وهكذا ندرك إصرار عامل التنظيف على التصوير الفوتوغرافي، لا يتأتى بوصفه مجرد هواية فحسب، إنما هو حقيقة محاولة إدراك الجمال، أو تثبيته في ظل التسارع الذي نعيشه في هذا الزمن. ختاماً، تشكل اللقطة الأخيرة في الفيلم جزءاً من مقصدية محاولة تأطير الرؤية الفلسفية للفيلم، حيث تتركز عدسة الكاميرا على وجه البطل داخل السيارة كي ترصد تعابير وجهه، التي تتغير بين الحزن والتسامي والبكاء والابتسام، فيختزل كل شيء بصمت، غير أن الصورة سوف تبقى كامنة في وعي المشاهد، أو ذاكرته؛ لأن هذا المشهد سيجعلنا نتساءل بعمق عن حقيقة وجودنا ومعناه. التالي الأسباب الحقيقية وراء انفجار العلاقة بين ترامب وماسك

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store