logo
#

أحدث الأخبار مع #قذيفةنيوتن

متلازمة كيسلر: جحيم المدار الأرضي المُحدِق
متلازمة كيسلر: جحيم المدار الأرضي المُحدِق

المدن

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • علوم
  • المدن

متلازمة كيسلر: جحيم المدار الأرضي المُحدِق

أنت في العام 2035، وتشهد اصطدامَ شظية حطام قديم من شبكة "ستارلينك" بأحد الأقمار التابعة لكوكبة "غوانغ" الصينية. يُؤدي التصادمُ بسرعة 27500 كم/ساعة إلى تناثُر آلاف القطع المعدنية بسرعاتٍ مماثلة. كلُّ قطعةٍ منها قادرةٌ على اختراق مركبة فضائية، ومتَّجهةٌ نحو القمر الصناعي التالي. خلال أشهر قليلة، سوف تتسبَّب التصادماتُ المتتالية في قطع الاتصال العالمي، وإلغاء مهمات القمر والمريخ، واحتجاز رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية. هذه هي "متلازمة كيسلر": سلسلةٌ كارثية من الاصطدامات في المدار الأرضي المنخفض (LEO)، تنبأ بها عالم الفيزياء الفلكية في "ناسا" دونالد كيسلر عام 1978. اليوم، تتصدَّر شركة "سبيس إكس" الأمريكية بمشروع "ستارلينك"، والصين عبر كوكبة أقمار "غوانغ"، هذا السباقَ العالميَّ لتوسيع نطاق الإنترنت عبر الأقمار الصناعية. ومع نشر هذه الأعداد الضخمة ("ستارلينك" 42000 قمرًا، و"غوانغ" 13,000 قمرًا)، نقترب من واقعٍ قد تُخنَق فيه طموحاتُ البشرية الفضائية بِطموحاتٍ تجارية غير مُدْرَكة العواقب. فيزياء الازدحام المداري الأجسام التي تطفو في المدار الأرضي المنخفض (أقل من 2000 كم) لا "تهرب" من جاذبية الأرض، بل هي في حالة توازن بين السرعة وقوة الجذب نحو مركز الأرض. السرعة المدارية (حوالي 7.8 كم/ثانية على ارتفاع 550 كم) تُعادل الجاذبية، مما يؤدي إلى سقوط حر مستمر. وضَّح إسحاق نيوتن هذه الفكرة بتجربة افتراضية عام 1687: إذا أُطلقت قذيفة أفقياً بسرعة كافية، فسوف تدور حول الأرض إلى الأبد. وهذا هو المبدأ الذي يحكم اليوم أكثر من 8000 قمر صناعي نشط. كذلك، محطة الفضاء الدولية تطفو ليس بسبب انعدام الجاذبية كما يظن البعض، بل لأنها في حالة سقوط حر دائم مثل "قذيفة نيوتن". فالجاذبية في المدار الأرضي المنخفض تعادل 94 بالمئة من جاذبية سطح الأرض. لكن هذا التوازن يصبح هشًا. في المدار المزدحم (ارتفاع 550 كم)، قد تحدث تصادمات بسرعة تصل إلى 15 كم/ثانية (10 أضعاف سرعة الرصاصة). شظية حطام بحجم 1 سم تحمل طاقة حركية تعادل قنبلة يدوية، قادرة على تكسير كل ما يعترضها. تُظهر نماذج كيسلر أن تجاوز كثافة الحطام حدًا معينًا في المدار المنخفض سوف يؤدي إلى صدامات متسلسلة. وتحذر محاكاة مثل مشروع "ليجيند" التابع لناسا من أن شبكتي "ستارلينك" و"غوانغ" قد تدفعان المدار الأرضي إلى نقطة اللاعودة بحلول 2035. تخصيص المدارات: سباق بلا قواعد تنص "معاهدة الفضاء الخارجي" (1967) على أن المدارات موارد مشتركة، لكن الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) يخالف هذه المعاهدة ويوزع المواقع حسب "الأولوية الزمنية"، مما يحفز الشركات على إغراق المدار بأقمار جديدة. لكن الفيزياء تفرض حدودًا صارمة: - السعة الاستيعابية: باستخدام قانون "كبلر" الثالث، يُمكن حساب أن المدار المنخفض على ارتفاع 550 كم يستوعب نحو 40000 قمر بشكل مستدام. شبكتا "ستارلينك" و"غوانغ" قد تشغلان في المستقبل القريب 55000 موقعًا. - الاضطرابات المدارية: الاحتكاك مع الغلاف الجوي عند 550 كم قد يؤدي إلى تدهور مدار الأقمار، لكن الشبكات الضخمة تستخدم دفاعات أيونية للحفاظ على مواقعها. كذلك، تعمد "ستارلينك" إلى توجيه الأقمار المعطلة أو الخارجة عن الخدمة نحو الغلاف الجوي بغية إحراقها وتفادي بقائها في المدار كنفايات معدنية. لكن إحراق هذه الأقمار عبر إدخالها عمدًا في الغلاف الجوي أصبح يساهم في زيادة أكسيد الألومنيوم في الهواء، وهو غازٌ ضارٌّ بطبقة الأوزون. نظام تخصيص المواقع لدى "ITU" يُعامل المدارات كترددات راديوية، مُتجاهِلًا أن الأقمارَ أجسامٌ مادية عُرضة للتصادم. التلوث الضوئي والراديوي الشبكات الضخمة للأقمار ومخلفاتها لا تهدد بعضها فحسب، بل تمحو رؤية البشر للكون. قمر واحد من "ستارلينك" يعكس ضوءاً يعادل نجمًا مرئيًا بالعين المجردة في السماء المظلمة. أقمار "غوانغ" الأكبر قد تكون أكثر سطوعًا. - مرصد فيرا روبين: هذه المنشأة العلمية بقيمة 500 مليون دولار، المصممة لرسم خرائط لمليارات المجرات، تُقدّر أن 30 بالمئة من صورها سوف تتشوه بخطوط أقمار الإنترنت بحلول 2030. يُستخدم اليوم ما يُعرف بـ "فلتر الحطام" لإزالة آثار الأقمار الصناعية من الصور الكونية، فوتوشوب فلكي إن أردت! - التشويش الراديوي: هناك مخاوف لدى علماء الفلك بأن ترددات أقمار "غوانغ" تتداخل مع الترددات المستخدمة لدراسة الهيدروجين البدائي؛ أقدم ضوء في الكون. مع العلم أن النطاق (1.400–1.427 جيغا هرتز) مخصص حصريًا لعلم الفلك الراديوي. بشكلٍ عام، تحرص "ستارلينك" على عدم إزعاج علم الفلك بالحد الأدنى؛ فهي تُطفئ أقمارَها في مناطق محددة، أو تُحوّل مسارَها عند طلبٍ من مرصد فلكي. كما عملت الشركةُ على تقليل سطوع الأقمار الجديدة عبر استخدام طلاء مضاد للانعكاس. لكن تُشير التقارير إلى أن هذه النسخ الحديثة من الأقمار تتجاوز سابقاتها بأضعافٍ من ناحية التشويش الراديوي. التخفيف من الحطام: العلم ضد الجشع تتباهى شركات الإنترنت الفضائي بتقنياتها "للتقليل من الحطام"، إلا أن قوانين الفيزياء لا تُجارِي حملات التسويق هذه. أنظمة تفادي الاصطدام في "ستارلينك"، التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، قد تنجح مؤقتًا... حتى تطغى كثافة الحطام على قدرتها التنبؤية، عندها ستغدو البيانات أقربَ إلى الفوضى من أي خوارزمية ذكية. بالمقابل بعض الحلول المطروحة تبدو أقربَ إلى الخيال العلمي: فاقتراح التخلص من الحطام الفضائي بأشعّة الليزر، يتجاهل حقيقةً رياضيةً قاسيةً: تبخير قمر صناعي يزن طنًا واحدًا يتطلب طاقةً تعادل انفجارَ عشر قنابل نووية. في المقابل، لا يزال إسقاطُ الأقمار المعطلة لتحترق في الغلاف الجوي أعلى تكلفةً من إطلاق عشرة أقمار جديدة! المعضلة الحقيقية تكمن في الطاقة الهائلة المطلوبة لتنظيف المدارات. فالقوة اللازمة لإزالة الحطام من ارتفاعات مختلفة حول الأرض تُوازي – نظريًا – تلك المطلوبة للهروب من أفق ثقب أسود. المفارقةُ الأكبر أن "ستارلينك"، التي انطلقت كمشروع إنساني لتوصيل الإنترنت للمناطق النائية، تحوّلت اليوم إلى الممول الأساسي لـ"سبيس إكس"، بعائدات متوقعة تصل إلى 30 مليار دولار. هل ندفع اليوم ثمن أحلام إيلون ماسك المريخية بتحويل مدار الأرض إلى ساحة خردة؟! في الختام، لا تمثّل متلازمة كيسلر خطراً مدارياً فحسب، بل اختباراً حقيقياً لمدى نضج البشرية في تعاملها مع الفضاء. لكننا ما زلنا نرتكب الأخطاء ذاتها: نتعامل مع المشاعات الفضائية كما تعاملنا مع مشاعات الأرض ومواردها وبيئتها. لقد حذرت نماذج محاكاة "ناسا" من أن الشظايا المتسارعة قد تتخطى المدار المنخفض لتصل إلى نقطة "لاغرانج 2"، حيث يُوجد تلسكوب "جيمس ويب"، ما يُعرِّض أهم أدواتنا لاستكشاف الكون للدمار.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store