logo
#

أحدث الأخبار مع #كانط

المعرفة الفلسفية والتقاطع البراجماتي
المعرفة الفلسفية والتقاطع البراجماتي

شبكة النبأ

time١٧-٠٥-٢٠٢٥

  • علوم
  • شبكة النبأ

المعرفة الفلسفية والتقاطع البراجماتي

مفتاح المعرفة في الفلسفة الذرائعية أن التجربة العمليانية للافكار هي الفلترة التجريبية الوحيدة المقبولة التي تقود صحتها الفكرية بعد نجاحها الاختبار التجريبي تحقيقها المنفعة المجتمعية التطبيقية بالحياة والواقع. بمعنى مختصر التجربة العملانية للتاكد من صحة وصوابية الافكار المجردة ونتائجها تسبق تفكير العقل بها ونتائج مدركاته عنها... احدى مقولات كانط مثار نقاش جدلي قوله ( المعرفة تبدأ بالتجربة ولا تنشأ عنها) وبداية الاصطدام بجدار الممانعة في قبول تمرير صحتها القلقة يأتي من الفلسفة البراجماتية (الذرائعية) الامريكية التي تعتمد مفتاح المعرفة ليس في ادراكها العقلي المنظم الذي يصل حد تطابقها مع الواقع وبذا تكتسب جواز مرورها غير الصائب دليل ذلك قول هيجل ماهو عقلي واقعي وماهو واقعي عقلي وإن شاب تعبير هيجل الكثير من التبسيط المخل منها تغييبه التجربة العملانية التي استثمرتها الذرائعية الامريكية افضل استثمار نوعي فلسفي حين اعتبرت نجاح كل معرفة هما التجربة وتحقيق المنفعة منها وليس الاقرار بثنائية صحة تطابقها الادراكي العقلي مع الواقع.., عبارة هيجل كل ماهو واقعي عقلي وكل ماهو عقلي واقعي هي تعبير عن الادراك وليس تعبيرا عن معرفة الشيء وتجربة الانتفاع منه. الادراك هو غير معرفة الشيء التام بالتجربة العملانية. وليس ادراك الشيء ومعرفة خواصه يمنحه تلقائيا (التجربة ) العملانية الصائبة من حيث تستطيع منظومة العقل الادراكية (الحواس + شبكة الاعصاب + الدماغ) ان تمنح الافكارنتاج العقل التفكيري في مطابقتها الواقع لكنها تبقى تلك الافكار فاقدة المشروعية التجريبية كي تكون فكرة عملانية قابلة للتطبيق الناجح على ارض الواقع وفي تطبيقها تتحقق المنفعة العامة بالحياة. مفتاح المعرفة في الفلسفة الذرائعية أن التجربة العمليانية للافكار هي الفلترة التجريبية الوحيدة المقبولة التي تقود صحتها الفكرية بعد نجاحها الاختبار التجريبي تحقيقها المنفعة المجتمعية التطبيقية بالحياة والواقع. بمعنى مختصر التجربة العملانية للتاكد من صحة وصوابية الافكار المجردة ونتائجها تسبق تفكير العقل بها ونتائج مدركاته عنها. والتجربة الاختبارية العلمية والفكرية اجدى نفعا من تفكير العقل المجرد التنظيري غير الخاضع للتجربة التطبيقية. تفكير العقل لا يكون على الدوام انتظاما صائبا في معرفة حقيقة مدركاته كونه يعتمد الحواس التضليلية للعقل وليس التجربة.. ومصادقة مقولات العقل القاطعة صحتها مقارنة بالمدركات الناتجة عن التجربة السابقة عملانيا لافكار مجردة تكون هي الاصوب والاكثر رجحانا من نظامية الافكار الادراكية المجردة الصادرة عن العقل بدون تجربة تطبيقية اختبارية لها. العقل لا يدرك حقائق الاشياء بتمام وكمال المعرفة الادراكية. مثلها كمثل الحواس فهي لا تنقل الاحساسات الخارجية عن موجودات العالم الخارجي من حولنا في تمثّلها حقيقة تلك المدركات حسيّا ايضا الى الذهن حيث تكون تلك الاحساسات المنقولة انطباعات لم يخضعها العقل بعد للتجربة ليتاكد من صوابها. ولذلك قيل الحواس خادعة للعقل مثال ذلك رؤية السراب في صحراء على انه ماء. بحسب فهمنا العبارة بمقاربة اخرى نقول كانط اراد بمقولته الاشكالية الفلسفية المعقدة ( المعرفة تبدأ بالمعرفة ولا تنشأ عنها) ان المعرفة حسية تبدأ بالحواس ولا تنشا عنها من غير مرورها التجريبي عبر منظومة العقل الادراكية التي هي الاخرى اي التجربة حسب كانط ليست كافية لمرور صحة الاخذ بتلك الافكار المعرفية التي استوفت كمال التجربة العقلية. في حين يؤمن كانط ان قالبي الادراك العقلي الزمكاني هما قالبان فطريان مزروعان بالعقل بغيرهما ينحل ويتلاشى الادراك ولا يوجد اثبات برهاني يقبله العلم والعقل عليه. ومع تطور تجربة كانط الفلسفية اعترف قبل وفاته بفضل ديفيد هيوم عليه قوله هيوم انقذني من وهمي الدوجماطيقي حيث انكر هيوم خرافة الافكار الفطرية الموروثة باستثناء ما تورثه الجينات في تكوين صفات الكروموسومات في DNAللشخص. نظام الافكار العقلي في مطابقة الواقع ادراكا تكامليا صحيحا لا يعني ان ذلك الانتظام اكتسب الصفة التجريبية الصالحة للتطبيق الناجح بالحياة. صحة الافكار يشترط اكتسابها الصواب النفعي المطلق للحياة في اجتيازها الفلترة التجريبية انها صائبة صحيحة اولا ومن ثم مطابقتها المعرفية التكاملية مع العقل في تحويله تلك الافكار من التجريد المنظم الى تكاملية تطبيقها الميداني التجريبي الناجح بالحياة. اكتساب المعرفة المجردة تنظيريا عن الاشياء لا يعني أن افكارها النظرية متسقة تماما تنظيريا تجريديا بما يقبله العقل عوضا عن التجربة العملانية الميدانية. بل اكتساب المعرفة يجب ان تهدف الى تطبيق ينتج لنا منفعة مجتمعية. لا يكفي تمرير صوابية الافكار من قبل العقل ان تكون ناجحة في التطبيق. بمعنى تعبيرنا في استعارة غير نصية لمقولة بروتا غوراس القرن الخامس قبل الميلاد الانسان مقياس كل شيء يعني البذرة التي زرعها بروتاغوراس ان الافكار السفسطائية التي كانت تهمة تلصق بالسفسطائيين وبروتاغوراس احدهم انهم باعة كلام نقاشي حواري مرتكزه مقارعة الحجة بالحجة للوصول الى قناعات فكرية فلسفية مجردة لا علاقة لها بالواقع والحياة بل بالميتافيزيقا البدائية في معنى الوجود والطبيعة ما قبل ظهور ميتافيزيقا التدين.. لماذا تكون المعرفة صائبة وصحيحة عملانية بعد مرورها بنجاح في اجتيازها التجربة.؟ المفارقة التي مهدت الى ان تعتبر الذرائعية منفعة الافكار هو في مرورها التجريبي واجتيازها الاختبار بما يقبله العقل في اشتراط تطابق صحة التجربة بما يحقق منفعة واقعية مجتمعية عملانية وليس انتظاما فكريا عقلانيا مجردا يمرره العقل من دون تجربة ميدانية لها.. . بمعنى الفكر بعد التجربة البعدية ليس لمعرفة صحة الفكر الانتظامية النسقية التجريدية في توصيفها الواقع. بل الفكر بعد التجربة الميدانية الاختبارية يغادر خاصيته التجريدية ولا يبقى فكرا انفصاليا عن واقع الحياة غير تجريبي منظما في اكتسابه قبول العقل تمرير تعبير اللغة عنه واخذ مجاله التطبيقي العملاني في تحقيق منفعة بالحياة. في اختلاف فهم كانط التجربة انها بداية صحيحة لكل معرفة لكنها لا تنشأ عنها مراوغة لفظية في الالتفاف على ان اسمى حقيقة معرفية هي ناتج تجربة واقعية صالحة للتطبيق وهو ما يأخذ به العلم . نعم يوجد الكثير جدا من المعارف المكتسبة كبديهيات موضوعية لا تحتاج برهان تحققها بالتجربة العملانية لانها اصبحت ليس ناتج تجربة بل ناتج معرفة تنظيرية اخذت مداها التطبيقي الناجح بالحياة بالتكرار الدارج النافع.. وهو ما لا يأخذ به هيوم وجون لوك وبيركلي. كانط في مقولته الفلسفية الاستعصائية على الفهم التوضيحي الفلسفي او العلمي كان يريد اختزال صدق المعرفة انها عملية عقلية صرفة لا علاقة لها بالتجريب الذي يسبق التطبيق العملاني. ويعتبر كانط ادراكات الحواس وشبكة المنظومة العصبية والعقلية هو بداية تجربة اصيلة تقودها منظومة العقل الادراكية كتجريد لكنه لا يمتلك برهانه على انه يمثل ادراكا حقيقيا صائبا ناجزا للعقل. افكار العقل التجريدية غير التجريبية التي لم تمر بمختبر فلترة الحياة لها لا قيمة حقيقية لها كونها محاورات على صعيد معنى اللغة بما هي لغة وليس معنى اللغة بما هي وسيلة ادراك معرفي يتوسّلها الانسان في تبديل الحياة الى الافضل.. يلاحظ هنا كم كانت الذرائعية الامريكية تمهيدا فلسفيا امام فتح اشكالية معنى اللغة لتصبح هذه الاشكالية الفلسفة الاولى بعد النصف الثاني من القرن العشرين بعد انتشار تيارات فلسفة اللغة ونظرية المعنى اللغوي وفلسفة العقل ونظرية الوعي المقصود وعلوم اللسانيات وغيرها قامت في بعضها كبدايات سرعان ما تخلت عنها مثل الفلسفة البنيوية وبعضها الاخر اصبح نهايات موغلة في غرابة التجريد وتطرفه في التضاد التفسيري الفلسفي في البحث عن معنى فائض اللغة كما في الفلسفات التاويلية والتفكيكية والعدمية وغيرها. ما تنقله مدركات الحواس هو انطباعات عابرة للذهن نحو الدماغ. وما يصدره الدماغ من مقولات معرفية ينقلها الوعي وتعبير اللغة في تفسير الادراكات التي تناولها الدماغ هي ليست صائبة وحقيقية ونافعة ما لم تمر بالتجربة العملانية في معرفة صدقها من عدمه. وهي ناتج مدركات حسية لم تخضع لتجربة التحقق من صدقيتها الميدانية في التطبيق المجتمعي النافع. من المسائل الجوهرية الفلسفية الهامة في فلسفة كانط حول الادراك والمعرفة مقولته الزمان والمكان لا يدركان كموضوعين منفصلين في المعرفة. بل هما ثنائية واحدة في التكامل الادراكي لا تنقسم على نفسها باستقلالية مادية يدركهما العقل كلا بمفرده. كل منهما موضوعا بذاته. يدركهما العقل موضوعين مكان وزمان كما يدرك بقية الاشياء المادية وغير المادية الخيالية. والزمان والمكان في تعالقهما الثنائي هما وسيلة ادراكية كما يعّبر كانط الزمان والمكان قالبي ادراك فطريان مزروعان بالعقل لا يمتلك العقل امكانية التحكم بهما لانهما يفقدانه خاصية التفكير اذا ما اراد العقل معرفتهما اليقينية كموضوعي ادراك معرفي له. ويكونان بالنتيجة وسيلة ادراك للعقل وليس موضوعا يدركه العقل انطولوجيا. هنا بهذا الفهم كانط يعتبر الادراك معرفة ليست يقينية صحيحة مطلقة ليس لانها غير مكتسبة كامل صوابها المتحقق بالتجربة كما ذهبت له البراجماتية بعد قرنين من الزمان على افكار كانط. بل كانط كان يشير الى بديهة علمية فلسفية الى ان كل مدركاتنا ومعارفنا هي مراحل زائلة بالتقادم الزمني عليها في تحقق الافضل. اي نسبية المعرفة وليس تجاوزها للقديم بسبب فشله وفقدانه للتجريبية الميدانية فقط...ما يدركه العقل قد يبدو حقيقيا واقعيا, لكن ليست كل حقيقة في موجود واقعي مدرك يمكنه ملازمة الصفة المعرفية المطلقة والنهائية له. العليّة (السببية) التي انكرها هيوم وتأثر بها كانط ملخصها انها ليست وسيلة معرفية بل هي اداة تضليل العقل في متاهات متعاقبة متوالية لا تقف عند حدود معينة. هنا اذا اعتبرنا العليّة هي سبب لتحقق نتيجة افضل نكون دخلنا في دوامة من السيرورة التغييرية المستمرة اللانهائية وهذه سنة الطبيعة وحياة الانسان عليها وتعالقه الثنائي بها. كل علّة قبلية تقود الى عليّة بعدية تكون فاعلة ومتجاوزة لما قبلها. وبهذه العملية الميكانيكية المستمرة في تعاقب سبب ونتيجة الى ما لا نهاية له. نصل بعدها الى حقيقية صادمة للعقل هي التوقف امام علّة بلا معلول وموجود مخلوق بلا خالق, هو الله. لتثار اسئلة لها بدايات لا نهائيات لها ترافقها اجوبة اكثر دهشة استعصائية من التساؤلات نفسها في مناقشة تفاصيل في الميتافيزيقا بلا جدوى. عندها يصبح البحث عن الحلول جزء مغذي لادامة استمرارية حيوية الاشكالية المستدامة في معالجة ثنائية السبب والنتيجة وليس الاسهام بادنى حل لها تعليلي في اعطاء البديل كما فعل هيوم وفشل فشلا ذريعا.. هيوم انكر السببية وانكر العقل لا مجال تفصيلها. هذه المتوالية من السيرورة سبب ونتيجة توقف العقل البشري الذي يؤمن بالعلة والنتيجة على انهما متواليات لا نهائية تحكم الكون والطبيعة والانسان والاهم من كل ذلك ان العقل اعتاد قبول ادراكهما كموضوعين تجمعهما ثنائية واحدة تقبل القسمة على نفسها بما يسهل مهمة العقل الادراكية التسليم بها وصحة الاستدلال المعرفي بتوسيلها التوظيفي. الفيلسوف ديفيد هيوم انكر ان تحكم حياتنا السبب والنتيجة على انهما وسيلة ادراك معرفي لنا واعطى امثلة فلسفية تناقض ما اطلق عليه هيوم تسليم العقل الجمعي بنتائج تكرار السبب والنتيجة انهما بديهية ثنائية اكتسبت برهانها الحقيقي بمرور الزمن (عادة) اعتادها الانسان بالحياة ليست بحاجة البرهنة على عدم وجودها كحقيقة علمية. وهذا برأيه غير كاف بحاجة الى برهنة موثوقية عليه. معتبرا ثنائية السبب والنتيجة (عادة) من الاعتياد المقبول في المجتمع وفهم مسار الحياة. باشلار وتنظيم الذاكرة باشلار في تاكيده اهمية الاستذكار الزمني لوقائع الماضي يدخل برومانسية تصنع من العاطفة معرفة ما فوق عقلية ادراكية تتعامل مع العلم قبل النفس وتجلياتها العاطفية تتجاوز التحقيب الزمني الموزع بين الماضي والحاضر والمستقبل وهذا التحقيب بذاته اشكالية في تداخل زمني لا يمكن الفكاك منه. يبدأ بوهم الحاضركزمن ليكون التحقيب الزمني مقتصرا على تداخل ماض ومستقبل فقط. يقول الفيلسوف العلمي جاستون باشلار ( الانسان لا يتذكر بمجرد التكرار وانه لا مناص له من تركيب ماضيه فالسمة هي حكاية النزوع في الانا, ومع الاستذكار لا يكتمل عمل التذكر ابدا. فالاستذكار لا يتناهى عندما ينتهي الحدث. لأن الذاكرة تكتمل بالصمت ) ص 67 من كتابه ( الزمن والجدل). تنظيم الذاكرة كخبرة تخزينية تراكمية مكتسبة ليست فطرية معرفية ترتبط بالذهن ولا ينوب عنها يكون عملا ذاتيا تحكمه الذاكرة والارادة والوعي القصدي النفعي بالحياة. مخزون الذاكرة هو وقائع استذكار الماضي الذي حدثت به برغبة ارادة ذاتية قصدية من الفرد. وبغياب تنظيم ارادة الاستذكار كحوادث من الماضي يلعب المخيال التصوري الناقص او الفائض دورا مهما في تعويض نسيان استذكارات الذاكرة. الذاكرة في الكثير الاعم تكون ناقصة الاستذكار بتقادم الزمن على مخزونها اتراكمي الخبراتي. لذا يقوم الخيال بتويض النقص الاستذكاري الى اضافة مالم يكن حدث في وقائع الماضي والتلاعب فيها تحت رغائب عديدة تخون التاريخ الصادق. علينا هنا اثناء ممارستنا الاستذكار الماضي ان ندرك جيدا ان زمن الاستذكار هو غيره زمن التحقيب الوقائعي التاريخي. ما يرتب على هذه الحقيقة ان الماضي وقائع تاريخية تعرف بدلالة زمنية محايدة تلازمها ولا تكون جزءا منها. اي نحن ندرك الماضي كتاريخ وليس كزمن. والشيء المهم ان عملية الاستذكار زمنها الوهمي هو الحاضر الذي نعيشه. والحاضر زمن وهمي افتراضي وليس وجودا زمنيا ندركه بدلالة زمنية لا يدركها العقل. توجد نظريات فلسفية حديثة تنكر وجود زمن لا يدركه العقل. السؤال هو لماذا نحن بحاجة الى تنظيم ماضينا في استذكاره كوقائع تاريخية وليس كزمن يحتوي تاريخه.؟ هنا الاستذكار يكون في وقت اكتسب فيه الماضي ثبات تاريخه كوقائع حدثت بتاريخ تدويني معيّن. الاستذكار يزامنه النسيان في حال كونه اي الاستذكار تجريدا مصدره الخيال وليس وقائع التاريخ المدوّنة. وعندما نقول استذكار وقائع التاريخ فلا نقصد بهذا التاريخ تاريخ الحكام والحروب ونشوء الافكار الفلسفية والعلمية. وانما الماضي كتاريخ يشمل السير الذاتية العمرية للانسان كفرد عاش تاريخه الشخصي في تنمية ذاتيته ويستذكره حاليا كمعرفة او حلم يقظة او رومانسية حالمة يانس نفسيا بها. علينا التوقف قليلا امام عبارة باشلار المنقولة عنه ( الاستذكار لا يتناهى عندما ينتهي الحدث لان الذاكرة تكتمل بالصمت ) نقلا عن المصدر السابق. هنا حسب تعقيبي المتسارع افهم ان الصمت اما ان يكون تفكيرا بموضوع مادي او استذكارا لحوادث الماضي دونما التعبير عنها بلغة الصوت ولا بلغة الكتابة بل يكون التعبير عنها بلغة الصمت. واما ان يكون الصمت استذكارا لموضوع مصدره خزين الذاكرة وهنا تلعب لغة الصمت اعلى اخصاب تخييلي للفكرمن دون ملازمة تعبير اللغة عنه. الاستذكار والزمن بالعودة الى ان الاستذكار في حقيقته يجمع زمانين, زمن الحاضر الذي يحصل فيه الاستذكار لحوادث الماضي, والزمن الماضي الذي وقعت فيه الحوادث التي اصبحت ثوابت تدوينية. امام هذه الحقيقة تكون عملية الاستذكار مزدوجة لا تتم وتكتمل الا بالصمت الذي يجعل من الذاكرة التخييلية تحقيبا من الماضي في تكامله حاضرا لم يعد محتاجا لزمن آخر يلازمه. نرى مهما التذكير ان جاستون باشلار يشاطر رأي ليفي شتراوس في فهمهم كفلاسفة البنيوية انهم يعتبرون الكتابة انثروولوجيا سابقة على لغة الصوت ويعّبر بيار جانيه عن ذلك مقولته ( كل ما انشأه الانسان في البداية هو السرد وليس التسميع على الاطلاق) نقلا عن كتاب باشلار الزمن والجدل. هنا واضح بيار جانيه يحاول تغليب اختراع الانسان للكتابة قبل اختراعه لغة الحوار الصوتية. ارى تنظيم الذاكرة خارج حسابات باشلار في محاولته تطويع الزمان والمكان لما ترغبه النفس والعاطفة الحالمة ان الماضي هو الحاضر والمستقبل بدليل غنى الماضي مقارنة بفقر الحاضر والمستقبل. وافضل الاشياء التي يتغنى بها باشلار في حلم اليقظة هو ما انجزه الماضي فقط ويستذكره بحنين عاطفي طاغ على العقل والوجود في زمن يعيشه في الآن. المعنى باللغة دلالة تجريدية متموضعة بالاشياء المدركة وبالمواضيع التي مصدرها الخيال. وكلا الموضوعين يتم التعبير عنهما بلغة الصوت او لغة التدوين المكتوبة بنفس الآلية الابجدية التي يتعامل بها شعب من الشعوب او امة من الامم. بمعنى لغة التجريد في التعبير عن مدركات العالم الخارجي وموضوعات الخيال الصامتة هي تفكير تجريد لغوي ابجدي باختلاف صوت اللغة خارجيا وصمت اللغة داخليا. يذهب فلاسفة السلوك اللفظي اللغوي يتقدمهم سكنر معنى اللغة وعي قصدي يروم البحث عن فهم اكثر مما يعرفه في فائض المعنى اللغوي الذي لم تفصح عنه اللغة. والمعنى اللغوي الذي دافعه ومصدره سايكولوجي هو محاولة فرض المعنى الذهني على الشيء المقصود في محاولة تطابق ما في سايكولوجيا قصدية تفكير الذهن مع واقع الشيء المادي في العالم المحيط بنا. اصحاب فلسفة السلوك اللفظي يؤمنون بان اللغة هي سلوك نفسي يمارسه الفرد داخل مجتمع. الوعي السايكولوجي القصدي لا يحمل معنى متحقق بالضرورة القصدية, بل احتمال كبير ان المعنى اللغوي المتموضع بالاشياء يقاطع الوعي القصدي قبل التحقق الادراكي الذي ينفرز عنه صحة او خطا المعنى المقصود. الارادة والزمن الارادة الانسانية لا تخلق زمانا لها ولا ازمنة لغيرها. الارادة حاجة ينفذها السلوك للوصول الى تداخل تخارجي مع ثلاثة عوالم هي :علاقة الارادة بعالم الذات والنفس, وعلاقة الارادة بموجودات العالم الخارجي, وتخارج الارادة مع عالم الخيال المستمد من الذاكرة. الارادة الانسانية لا تخلق زمانا خاصا ولا ازمنة جمعية, والارادة لا تقود الزمن, بل الارادة كما ذكرنا تدخل في علاقة تخارج غير جدلي بل تخارج معرفي تكاملي مع مواضيع يدركها الانسان موزعة عديدة ويتعامل معها الزمن بحيادية انفصالية عنها .الارادة الذاتية والزمن جوهران يتحدان معرفيا وينفصلان بالصفات والجوهر. الاستذكار المكاني والنفس الاستذكار في فهم جاستون باشلارالذي يمارسه ويعتمده في المخيال القائم على حلم يقظة يستحضر المكان من الماضي ويبني عليه استثارة نفسية تجعله ينتشي بنوع من تغييب الحاضر في استجلاب ما يعلق بالذاكرة من غبطة ونشوة يكون عاشها بنفسه. وتنظيمه الاستذكار هو تنظيم مخيال الذاكرة بضوء رغائب النفس. تنظيم الاستذكار لدى باشلار تتم ممارسته باستجلاب قطوعات تذكريّة من الوقائع التاريخية التي مركز الاستثارة بها المكان وليس الماضي كزمن مجردا من ملازمته المكان. وهذا الاستذكار ذاكرة تنظيمية عمادها استثارات نفسية بل كل ارادة نفسية لا علاقة لها بثوابت من الماضي كزمن يحتوي حوادثه الخاصة به.لماذا يكون الاستذكار متجها نحو الماضي وليس نحو المستقبل. هل لان الماضي حوادث ووقائع تتسم بالثبات الذي يصلح معيارا للقياس النفسي؟ والمستقبل مجهول هلامي لا تجارب نفسية فيه تقود الى اهمية استذكاره. والذاكرة لا تنظم نفسها ذاتيا بمعيار مستقبلي لم يعرف بعد ولم يكتمل كحضور مكاني تكون للنفس ذكريات فيه.

غياب وجود الزمن في وهم الدلالة
غياب وجود الزمن في وهم الدلالة

شبكة النبأ

time١٧-٠٥-٢٠٢٥

  • علوم
  • شبكة النبأ

غياب وجود الزمن في وهم الدلالة

هل الزمن وجود ادراكي للعقل ام هو موضوع يبتدعه العقل خيالا ام هو مفهوما ادراكيا ميتافيزيقيا لا يصل حقيقته عجز العقل الانساني المحدود؟ فرضية الزمان يمتلك قابلية ادراكه المغيّب فيزيائيا بدلالة حركة الاجسام داخله ما يجعل امكانية التشكيك ان الزمن كموضوع او مدرك عقلي غير موجود إحتمالية واردة فلسفيا... هل الزمن وجود ادراكي للعقل ام هو موضوع يبتدعه العقل خيالا ام هو مفهوما ادراكيا ميتافيزيقيا لا يصل حقيقته عجز العقل الانساني المحدود؟ فرضية الزمان يمتلك قابلية ادراكه المغيّب فيزيائيا بدلالة حركة الاجسام داخله ما يجعل امكانية التشكيك ان الزمن كموضوع او مدرك عقلي غير موجود إحتمالية واردة فلسفيا. خاصة في الفلسفات المثالية التي تقول ما لا يدركه العقل غير موجود ولا اهمية الانشغال بمعرفته. كثيرة جدا المدركات من حولنا في الطبيعة والعالم ندركها ماديا بدلالة المغايرة المكانية او السيرورية بغيرها من دون ادراكنا ملازمة الزمن لها. الشيء بالشيء يدرك وليس الشيء بالشيء يذكر فقط. وهذا النوع من الادراك غير المباشر القائم على الدلالة المغايرة بالعلاقة الشيئية بين الموجودات والمواضيع هو ادراك لازمني اي غير زمني بمعنى هو يقوم على علاقة الشيء بغيره دونما الحاجة الى زمان يؤطر وجودهما الادراكي المتعالق. وهذا الافتراض بمعيارية علم الفيزياء وبعض الفلاسفة محال. فلا يمكن ادراك المكان من غير ملازمة زمانية له. والبداية الفلسفية الجادة حول هذه الموضوعة كانت ل (كانط) في كتابه الشهير نقد العقل المحض. وبهذا نفترق امام طرق متباينة مختلفة تجعلنا نشكك بالوجود الارضي كاملا على انه وهم من الخيال العقلي التأملي المصنوع خارج الزمن حاله حال جميع المفاهيم المطلقة مثل الهواء، الضوء، الاخلاق، العواطف، الضمير... الخ. التي ندركها بدلالة وجودية مغايرة لها لازمنية. فكل قيمة معرفية مدركة يمكن تفنيد وجودها المفهومي حين تصبح مفهوما اصطلاحيا يدركه العقل بدلالة موجودية مادية اخرى تلازمها يعقلها العقل ويعبّر عنها المنطق اللغوي. المفهوم حقائق ميتافيزيقية غائمة حضورية نسبيا بخلاف المصطلح المتفق عليه إجماعيا. الزمان مفهوم ميتافيزيقي مطلق مدرك بالدلالة المغايرة له بالماهية والصفات للاشياء الاخرى. هنا يصبح التشكيك الخاطئ بهذا التفكير الفلسفي واردا من جهل العقل معرفة التمييز بين تصادم اختلاف المجانسة النوعية التي تقوم على امكانية العقل معرفة كل تجانس نوعي (الماهية والصفات) للاشياء ومواضيع الادراك بغض النظر عن المفارقة او التوافق بين تلك الاشياء في المجانسة النوعية. المجانسة النوعية للشيء الجوهر والصفات الخارجية له ليس تاكيدا لوجوده الذاتي المتمايز بل لتاكيد اختلافه عن غيره من الاشياء التي يتعامل معها. كل مدرك زمكاني عقلي هو في حقيته ادراك مكاني فقط مجردا عن زمانيته المغيبة وراء المكان كوجود مدرك بلا احساسات زمانية تلازمه. لذا حين نقول المجانسة النوعية بالاشياء لا تشابه المجانسة النوعية للزمن تاتي من معرفتنا ماهية وصفات الاشياء من حولنا ونفقتقد ادراكنا العقلي لمعنى المجانسة النوعية للزمن بغير حضوره كدلالة معرفية محايدة للتعريف بغيره من مدركات وليس كوجود يدركه العقل منفردا منعزلا عن دلالته التي ندركها شيئيا في الحس او الخيال ومنطق التعبير اللغوي. الزمن ادراك دلالة لوجود غيره من الاجسام وليس دلالة ادراك وجود له كذات. كل موجود مكاني او موضوع مفهومي يحمل مجانسة نوعية تتوزعها صفات ذلك الشيء الخارجية وماهيته الدفينة. عليه يكون الزمن مفهوما مجانسته النوعية لا يمكن ادراكها حدسيا الا بمغايرة مرتبطة بمادة يحتويها الزمن بلا ادراك لها من قبلنا. الزمن ليس موضوعا يدركه العقل بل هو دلالة قياس مقدار حركة الاجسام داخله. ما يرجّح مناقشة مثل هذه الافتراضية الفلسفية الفيزيائية اننا لا نعيش وجودنا زمنيا بل نعيشه بعلاقات ترابطية مادية وسيرورية مكانية تربط بين الاشياء والظواهر خارج فاعلية وجوب حضور الزمن. ويعود مبرر مشروعية التفلسف بهذا الافتراض الاحتمالي ليس غريبا ويرجع الى فلاسفة ماقبل افلاطون حينما قالوا ان الوجود الذي نعيشه ونحياه هو وجود زائف لا حقيقة له بمعيارية مقارنة عدم تجانس امكانية وجوده مع مطلق وعالم من المثل الاخرى التي لا ندركها في وجودنا الارضي لكنها هي الاحق بالوجود الحقيقي وكان افلاطون على راس قائمة هؤلاء الفلاسفة. الوجود والزمن قدماء الفلاسفة ربطوا تفكيرهم الفلسفي بالزمان في تعالقه بالمكان واعتبروا هذا التعالق الثنائي لا انفكاك له في حال توفرنا على سلامة ادراكنا العقلي للعالم والوجود من حولنا. لكن الحقيقة تشير الى ان الزمان يلازم مدركات العقل بحيادية لا يمتلك العقل تفسيرا تأكيديا لها. دليل ذلك انهم يعتبرون ادراك الشيء مكانيا يكون محال عقليا في حال انعدام الملازمة الزمانية له. وانتقلت تلك المقولة من الفلسفة الى العلم التجريبي قبل دخولها معترك التجريب الفيزيائي المختبري وصولا الى علم الفلك الكوني. والحقيقة الماثلة في علم الفيزياء الى اليوم هي الزمن ملازمة دلالة ادراكية للعقل وربما يأتي في قابل السنوات من يحقق فرضية ادراكنا المكان ليس بالضرورة في ملازمة الزمن لها. اي يصبح الزمن وجود دلاله وهمي فقط. الفيلسوف هنري برجسون فرّق بين خلط الزمكان الادراكي الذي قال به كانط وأيده علم الفيزياء بتحفظ. قائلا أن ما ندركه مكانا لا علاقة للزمان بتعالقه الادراكي معه. ولم يستطع فصل الادراك الزماني عن الادراك المكاني بثوابت فلسفية لذا اعتمد اقصر طريقة ان ما لا يدركه العقل (الزمان) لا يمثل حقيقة موجودية تستوجب الاهتمام بها. فالادراك يتم خارج ملازمة الزمن بالدلالة لتاكيد موجودية غيره موضوعا للعقل في المكان فقط. هناك حقيقة فيزيائية فلسفية متداخلة ان محاولة علماء الفيزياء والفلاسفة منذ اقدم العصور كانت بؤرة مركزية اشتغالهم عن معنى الوجود وكيف خلق ومن هو خالقه ومن اوجده وعن الانسان والطبيعة وتنوع موجوداتها ودراسة العلاقات التي تربطها؟ وبذا اعتبروا معرفة الزمن من مباحث فلسفة اعجازية العقل الميتافيزيقية يتوجب تركها لانها لا تقود الى نتيجة ممكنة التحقق فلسفيا كما هو الحال استطاعة الانسان معرفة كل شيء بدءا من الانسان والطبيعة والخيال وصولا الى منجزات فيزياء العلم في ادراك حسي عقلي تجريبي خارج مداخلة الزمن المحايد الذي لا يمكن ادراكه الغائب بغير دلالة مكانية لشيء يدركه العقل. تعقيدات علم الفيزياء في دراسة الوجود والزمن ليست نابعة من مصدرقرار العلم ذاته ومدركاته العقلية الاعجازية المحال منها والمتحققة. ولا في عجز القدرة العقلية ولا في عدم كفاية وسائط التحقق التجريبي الفيزيائي. بل الاهم من كل ذلك هو ان العالم والطبيعة والوجود مواضيع غير قابلة ان تكون مواضيع متحققة بالدلالة مع غيرها في تجريدنا ملازمة زمنيتها. عديدة بما لا حصر له امكانية تحقق النتائج العلمية في مختلف المجالات خاصة بالعلوم الانسانية في زحزحة ملازمة تأثير الزمن الادراكي الوهمي عنها. بالعودة الى مقولات افلاطون الصادمة منذ عصورها قبل الميلاد والى يومنا هذا مثلا قوله زمن الحاضر وهمي وليس زمنيا حقيقيا والماضي لا يمكننا استحضاره. والوجود الذي نعيشه زيفا وهميا تم استيعابه الفهمي بمرور العادة القائمة على ارتباط السبب بالنتيجة. وضرب مثلا على هذا الازدواج في حزمة النور الداخلة الى جالسين في كهف في تكوين صور من ذرات الاشعة التي لا تمثل حقيقة الوجود خارجها. بل في عالم من المثل التي لا تجانس الواقع الذي نعيشه. لماذا لا يكون وجود الزمن ادراكا زائفا بالدلالة مع غيره من الماديات المتحركة (الاجسام)؟ حين يطرح فلاسفة عديدون انكارهم ثوابت ادراكية يقبلها العقل ويمررها الادراك يصبح بضوء ذلك التشكيك بوجود الزمن على المستوى الارضي اكثر مقبولية احتمالية من تجريد الزمن الكوني معرفته الفيزيائية بالدلالة. اي بوجود جسم متحرك، وجود سرعة معينة له، يمتلك طاقة متواترة تتناقص بالاحتكاك الحركي تكفي لقطع مسافة معينة. بمعنى الزمن كمفهوم فلسفي في علم الفيزياء لا يتقدم ما هو اكثر اهمية في ادراكه العقلي من اشياء. بسبب امكانية التحقق الادراكي المعرفي للاجسام لها خارج مداخلة الزمن كوقت افتراضي يلازم جميع نظريات علوم الفلك والفضاء. ليس من المشكوك به قولنا الزمن ليس كفيلا بتحقيق حقائق العلم لا في عالمنا الارضي ولا في عالمنا الكوني. الزمن خارج مفهومه الميتافيزيقي الذي لا يتمكن العقل ادراكه لا يكون موضوعا ماديا يغادر مطلقه النوعي كمفهوم ميتافيزيقي لا يدرك وهو ما لا يتوفر للزمن ان يكون موضوعا لا ادراكيا حسيا ولا ادراكا فكريا تجريديا للعقل. الزمن عامل دلالة ادراكية لحركة الاجسام لكنه ليس حركة ولا موضوع يدركه العقل. بعيدا عن الحقيقة العلمية الراسخة في النسبية العامة لانشتاين ان الزمن يتلاشى ويصل مرحلة الصفر القياسية عندما تكون سرعة حركة جسم ما داخله تفوق سرعة الضوء. لكن اذا افترضنا عدم وجود جسم متحرك فبأي مقياس نستطيع إثبات مقدار الزمن الذي قطعه الجسم وليس الزمن نفسه فهو دلالة لا يدركها العقل بمعزل عن الحركة لجسم يحتويه لانه اي الزمن لا هو جسم معين ولا حركة توجهه نحو هدف معين. الزمن عامل موضوعي محايد في الدلالة على قياس مقدار سرعة حركة الجسم والمسافة التي قطعها. سواء اكانت حركة الجسم على الارض او حركته بالفضاء. ويبقى الزمن ليس حركة يمكن رصدها كما في حركة الاجسام داخله. فلاسفة ينكرون مصطلحات فلسفية ما هو متاح منها ادراكا للعقل اكثر من الزمن مثل: - تاكيد افلاطون ونيتشة وفوكو وعديدون من فلاسفة غيرهم ان الوجود الذي نعيشه زائفا غير حقيقي. ماجعل فوكو وهيدجر يذهبان الى ان عالم الجنون وعالم الشعر هما اكثر حقيقية سواء تخدم الانسان بالحياة او لا تخدمه لا فرق بعد ان انتهت ما بعد الحداثة من تاكيد هذا المنحى بأن عبث الفلسفة وأخطائها المتراكمة عبر العصور من تاريخ الفلسفة الطويل اعتبار بعض الفلاسفة (الانسان) مرتكز معيارية كل شيء في حالتي الخطأ والصواب. وكانوا يسعون إحياء مقولة بروتا غوراس اليوناني (500 – 428 ق. م) الانسان هو مقياس كل شيء. - انكر كلا من ديفيد هيوم وهوسرل وجود رابطة بين الذاكرة والخيال او بين السبب والنتيجة في اعتبارهما انهما متراكم خبرة اصبحت عادة بديهية في الادراك بمرور الوقت التكراري المستمر لكنها ليست حقيقة ثابتة. - اعتبر كلا من الفلاسفة بيركلي وهيوم وجون لوك فلاسفة القرن الثامن عشر عصر النهضة، اعتبروا موضوعات العالم الخارجي هي انطباعات ذهنية وادراكها العقلي تجريدا يلغي احتمالية وجودها المادي خارج تفكير الذهن بها. - انكر بيركلي وجود المادة وموجودات العالم الخارجي في وجودها المستقل معتبرين اياها انطباعات ذهنية زائلة بزوال التفكير الادراكي لها. بيركلي تنبأ بهذه المقولة ان كل ما ندركه حسيا ونؤيده مختبريا هو موجود فكري في تعبير اللغة ورموز الرياضيات والكيمياء وغيرها. معتبرا بيركلي الواقع هو ما يفكر به الذهن وليس مايؤكده الادراك الحسي له. وما تنقله الحواس لنا لا قيمة حقيقية يحملها ما لم يكن قابلا ان يكون موضوعا لتفكير الذهن العاقل. - انكر هيوم ان هناك ما يسمى عقلا قائلا لا وجود لشيء اسمه عقل وتبعه في هذه المقولة الفيلسوف الانكليزي جلبرت رايل قوله لا وجود لعقل ابدا. وشرح هذه الفرضية ليست سذاجة ادراكية بل غوص في عمق معنى الادراك العقلي. لماذا لا نستغرب من مقولة سيلارز كل شيء بالحياة هو لغة. وهي عبارة من الدقة العبقرية ما يجعل محاولة تفلسف تفنيدها هو الهراء الذي لا يقول شيئا له قيمة. مثلها مقولة الله هو الوجود. وهي تعبير ضمني لمذهب وحدة الوجود الصوفي. - كما انكر هيوم العقل كما قلنا ليلحقها بمقولة افضع انه لا يوجد في عالمنا ولا في غير عالمنا نظاما يدعى السببية القائم على السبب والنتيجة العلة والمعلول. معتبرا السببية هي متراكم خبرة اصبحت بمرور الوقت (عادة) نتداولها بداهة. بمعنى يمكن لتجريد تفكير العقل خلق حقائق مادية على الارض لم تكن موجودة سابقا. فيزياء الزمن رغم اقراري المسبق اني لست عالم فيزياء بل طالب معرفة فلسفية، أعتبر تعقيدات علم الفيزياء وتضاربها حول معرفة كيف خلق الكون والطبيعة والوجود والانسان والكائنات هي اسهل معرفتها فيزيائيا علميا من محاولة معرفة كيف وجد الزمن ومن اوجده ولماذا لا ندركه بغير الدلالة الشيئية بغيره من حركة اجسام؟ لماذا يعجز العقل ادراكه الزمن موضوعا حتى خياليا مستمدا من الذاكرة؟ ولماذا يعجز العقل اخبارنا عن المجانسة النوعية التي يحتويها الزمن من ماهية وصفات بغير الاقرار ان الزمن وجود بالدلالة بغيره فقط ولا يحمل مجانسة نوعية مادية تجعل منه موضوعا يدركه العقل كباقي الاشياء.. حتى فرويد دخل هذا الموضوع من زاوية علم النفس قائلا (اللاشعور لا يحتاج الزمن). الوجود الانساني والطبيعي والكوني لا يمكننا تصور انتظامهم بالحياة من غير تصور سابق عليهما هو ملازمتهم الزمن جميعا. اعتقد افلاطون ان نظام الطبيعة الاعجازي الذي تحكمه قوانين ثابتة هي سابقة الوجود مكانا على بعدية الزمن عليها. نحن ننبه من محذور إفتراض تصديق ان افلاطون كان يعلم ويعرف بوجود قوانين تحكم الطبيعة كما هي ثابتة بالفهم الفيزيائي العلمي المعاصر الذي اكتشفها اهمها قانون الجاذبية لنيوتن.. افلاطون وجد انتظام الطبيعة الثابت بثوابت تكرار ظواهره مثل شروق وغروب الشمس. الرعد، الزلازل، تعاقب الليل والنهار، توالي فصول السنة بمقياس البرودة والحرارة وهكذا. كل هذه وغيرها كان كافيا لمعرفة الطبيعة تحكمها قوانين لا يعلم ولا يعرف افلاطون كيفية اثباتها علميا لا هو ولا من سبقه او جاء من بعده من فلاسفة. كما اعتبر افلاطون اعتباطية المكان في الطبيعة وجود ازلي خالد لا تستطيع تنظيم نفسها بذاتها. كما وهذه القوانين التي كانوا يرونها حسيا تعجز عن تنظيم الطبيعة لعشوائية المكان بالاستعانة بنظام الزمن الثابت. يلاحظ افلاطون كان يعتبر نظامية الطبيعة وفق قوانين تكرارية خاصة تسبق عشوائية الزمن. لكن لم يستطع افلاطون اثبات عشوائية الزمان تنظمها قوانين الطبيعة. كما كيف نثبت ان الزمان بعدي على المكان او الطبيعة والاهم ان الزمان عشوائي يستمد نظاميته من نظام الطبيعة كما ذهب له افلاطون؟ واكثر من كل هذا اعتبر افلاطون عشوائية المكان كوجود سابق على الزمن هي التي تقوم بتنظيم الزمن بما يلائم ملازمته موضوع الادراك. طبعا ارجو ان لا اكون مخطئا ان قوانين الطبيعة المعجزة للعقل البشري الثابتة لا علاقة لها بتنظيم عشوائية الزمان كما ذهب له افلاطون. وليس بدلالة نظامية المكان نحقق ادراكنا نظامية الزمن الملازم له. الزمان مفهوم ميتافيزيقي للعقل وليس موضوعا يدركه العقل. من المهم الاشارة الى ان الفلاسفة الماديين جميعا من ضمنهم الوجودية والماركسية والظاهراتية كانوا يؤمنون بيقين قطعي ان الوجود سابق على الادراك والوعي والفكر، وان الفكر واللغة هو ناتج ادراك العقل للمادة. في وقت صدم اسبينوزا علم الفيزياء والفلسفة معا حين قلب المعادلة بمقولة ميتافيزيقية لا يمكن التحقق منها قوله بدلالة الجوهرالمطلق السابق على الوجود ندرك الوجود. علما انه يعرف تماما ان مقولته ميتافيزيقية لا يتقبلها المنطق العقلي. كون الجوهر المطلق الازلي هو جوهر لا يدرك عقليا فكيف يكون بدلالته ندرك الوجود المادي وكي يتخلص اسبينوزا من مأزقه ابتدع مذهب وحدة الوجود الذي قال به البوذيين قبله صوفيا. الله وجود جوهر غير محدود ولا نهائي فلا تبحث عنه في السماء بل ادركه واعرفه بحلوله الروحي الجمالي المنتظم في جميع الاشياء على الارض الانسان والطبيعة والكائنات. المجانسة النوعية للزمن عن ارسطو كنت تأثرت جدا في مقولته الشهيرة (لا يقاس الزمن ولا يحد بزمن) وذكرتها في اكثر من مقال لي ان الزمن وحدة كلية كونية ميتافيزيقية متماسكة بالماهية والصفات لا تتجزأ ذاتيا ولا تقبل تجزئتها ادراكيا. وترفض المجانسة الكلية الواحدة للزمن تقبّل امكانية تداخل الاشياء تجزئة هذه الكلية التجانسية الموحدة وغير المدركة عقليا بدلالاتها الادراكية. الزمن ليس حركة ولا جوهر ولا صفات يمكن للعقل معرفتها. الزمن بمختصر العبارة هو دلالة محايدة تلازم ادراك الاشياء ولا تتداخل معها. بعبارة بسيطة جدا الزمن هو العامل الموضوعي الذي يرافق كل حدث لكنه محايد لا يتداخل معه لا في التكوين ولا في العلاقة المعرفية له مع غيره. ربما يستغرب بعضنا ان نقول المجانسة النوعية للزمن (الماهية والصفات) غير المدركة على الارض تختلف عن المجانسة النوعية للزمن الكوني. والحقيقة التي لا غرابة فيها هي ان الزمن الارضي تحقيب تاريخي يدرك بوقائع زمنية مكانية حدثت بالماضي. تحقيب الزمن لا يعني اننا نعيش ذلك الزمن الماضي وندركه مثال ذلك استحالة ادراكنا الماضي كزمن مجرد عن وقائعه التاريخية التي حدثت. زمن الماضي تاريخ مجرد عن زمانيته التداخلية المتغيرة مع وقائع التاريخ. والصحيح ان زمن الماضي تحقيب تاريخي لا يتغير ولا يتحرك ونحن ندرك الماضي كتاريخ وليس كزمن. نيوتن والزمن اسحق نيوتن عالم رياضيات وفيزياء وخيمياء (1642 – 1727) مكتشف اهم قانون يحكم الطبيعة والكون هو (الجاذبية). الجاذبية كما هو معلوم قانون طبيعي ثابت لا يمكن التحكم به. المثلبة التي ارتكبها نيوتن قوله الزمان مطلق لانهائي ازلي، وبمجيء انشتاين في النسبية العامة اثبت فيزيائيا ان الزمن يتمدد ويتقلص وبذلك اعطى انشتاين للزمن بعدا غي مالوف هو حركة التمدد والانكماش الزمني تحت مؤثرات خارجية بمعنى امتلاك الزمن خاصية المادة التي يمكن التحكم بها. من المسائل التي يتوجب الوقوف عندها هل الزمن الارضي المحدود بحركة الاجسام هو غيره الزمن المطلق الكوني ايضا بمقياس حركة جسم داخلهما سواء على الارض او في الفضاء. نعم الجواب هو وجود اختلاف بينهما نوجزه بالتالي حسب اجتهادنا التفلسفي وليس الفيزيائي العلمي. خاتمة 1. كما سبق لي وقلت ان زمن الماضي على الارض اصبح يمكن اعتباره زمن ماض لا يتكرر على الارض لا كوقائع تارخية ولا استذكار خيالي. ولا يمكن تعميم آليات تحديده على الزمان المطلق. لكنه يمتلك المجانسة النوعية الواحدة مع مطلق الزمن الكوني. الزمن الارضي كما سبق لي ذكره هو تحقيب لوقائع تاريخية وقعت بزمن ماض لا يمكننا استعادته. وحين نتكلم عن الماضي نكون بالحقيقة نتكلم عن تاريخ وليس عن زمن. 2. زمن الماضي لا يمتلك ماهية وصفات هي غيرها التي يمتلكها الزمن الكوني. فكيف يتسنى لنا التعامل مع زمانين احدهما ارضي واخر كوني؟ 3. كيف نفهم ما ورد بالقرآن والتوراة والانجيل وغيرها من ديانات وثنية ان الله خلق الكون ب(6) ستة ايام ثم استوى على العرش ليستريح. كيف عرف السومرين وهم اصحاب اقدم حضارة تاريخية بالعالم اليوم والاسبوع والشهر والفصول الاربعة، ليس بدلالة فيزيائية عصرية بل بوسائل فلكية بدائية علميا؟ 4. التعليل العلمي الفيزيائي المعاصر الذي بدأه نيوتن بالجاذبية انما اراد ان يكون هناك زمن ارضي هو تحقيب تاريخي يحتوي زمنه وتاريخين حاضر وهمي ومستقبل تبنيه التنبؤات في توظيف الحاضر لبناء مستقبل افضل. هذا الانتظام التراتيبي في ايجاد قطوعات زمنية تاريخية على الارض تقاطع بالصميم مطلق الزمان الكوني الميتافيزيقي في وحدة الزمن اينما وجد عالم يدركه العقل. 5. برأيي الشخصي وانا لست عالما في الفيزياء اقول تاكيد مسالتين ابدو غريبا بهما هما: - المسالة الاولى هي اننا يجب علينا التسليم بخلق قطوعات زمنية هي بالاصل تاريخية وقائعية. لاننا بالحقيقة الفيزيائية اننا نعيش قطوعات زمنية على الارض بغيرها لا توجد حياة. وهذه القطوعات هي التقويم الزمني الوهمي في حقيقته لكنه الواقعي الذي نعيش بتراتيبيتها التنظيمية الحياة. بدءا من الثانية وصولا الى الفصول الاربعة والعصور التاريخية. - التعامل بواقعية مع مطلق كونية الزمان الازلية التي تبرهن على ان الزمن الارضي هو تحقيب تاريخي وليس زمني. وهذا التحقيب التاريخي للزمن يقاطع المطلق الزماني الكوني ويستطيع الاستقلال عنه. من حيث اننا نعجز التفريق بين زمانية ارضية وهمية لانها تاريخية وبين ازلية مطلق الزمان الذي لا نعرف عنه شيئا بغير دلالة قياس مقدار حركة الاجسام. - الزمن لا يقوم على سببية تبين لنا خلقه. الزمان دلالة معرفية وليس الزمان وجود لاثبات حضوره الواقعي في حياتنا. حقيقة الزمن في حياتنا الارضية هو انه تقويم زمني زائف نتعامل معها بالحياة بكل مسؤولية في جعل ما نعيشه يقوم على نظام فيزيائي غير وهمي لكن جوهره تاريخي لازمني من حيث اننا يمكننا التحكم بالزمن كما هو تحكمنا بالمكان.

ترك بيتًا بسبب ديك وآخر بسبب سجن.. تعرف على حكايات الفيلسوف كانط
ترك بيتًا بسبب ديك وآخر بسبب سجن.. تعرف على حكايات الفيلسوف كانط

الدستور

time٢٢-٠٤-٢٠٢٥

  • صحة
  • الدستور

ترك بيتًا بسبب ديك وآخر بسبب سجن.. تعرف على حكايات الفيلسوف كانط

كتب حمادة إبراهيم مقالا حول كتاب "كانط انسانًا" ونشر المقال في مجلة إبداع عام 2001. ويقول حمادة إبراهيم في مقاله:" كتاب إيمانويل كانط.. إنسانا" يتألف من ثلاث دراسات وضعها بعض أصحاب كانط وتلاميذه، نشر عام 1804 م الكتاب عثر عليه في المكتبة الوطنية في باريس هذا الكتاب يضم مجموعة من الحقائق أو الحكايات حول حياة كانط الخاصة، بعيدا عن أضواء الجامعة، وعن جلال الفلسفة. الفيلسوف إيمانويل كانط ويضيف:" الكتاب يرفع النقاب عن كانط الإنسان فنجده غريب الطباع ينفر من الناس، ويتجنب العرق شديد الحرص على أن يمتد به العمر أطول من أترابه، بل كان يتمنى أن يبدأ حياته من جديد. يبتهج كلما اقترب من الثمانين، ويسعد كلما علم أنه عاش أطول من فلان من المعمرين أمثاله، ويتأكد بذلك من كشف الوفيات الذي كان حريصًا على أن يطلع عليه بنفسه وبصورة دورية في مركز شرطة الحي. كان كانط متوسط الطول معتدل القامة غير أن كتفه الأيمن كان أعلى من الأيسر كانت عيناه زرقاوين جميلتين، إلا أن اليسرى كانت لا تؤدى وظيفتها على الإطلاق. كان في حياته المديدة يرى أن من المهم أن يؤدى الإنسان بانتظام بعض التدريبات الرياضية. فكان يمشي كل يوم مهما كانت حالة الجو. وكان في شبابه يسير مسافات طويلة في صحبة أحد الأصدقاء أو بعض الطلاب بعد الانتهاء من المحاضرات، أما في شيخوخته، فقد كان يفضل التنزه بمفرده، لأنه كان يرى أن السير مع الكلام في ذات الوقت مجهد للصحة. وكان يتجنب العرق الذي لم يكن يطيقه، وفي أخريات حياته ولكي يتجنب السعال والعطس كان يرى أن المشى يجعل الإنسان يحافظ على فمه مغلقا، مما يجعله يتنفس من أنفه، وكان يعاني من آلام في صدره ولكنه لم يكن يعيرها أي اهتمام إذا جلس يحاضر أو يكتب. ويواصل:" كان كانط لا يعطى الحياة المادية من القيمة أكثر مما يجب صحيح أنه كان يشعر بالسعادة لبلوغه من العمر ما لم يكن يعتقد أنه سيبلغه، وكان يعتبر ذلك نتيجة فن كبير في الحياة، وكان كانط يردد على الملا أنه يتوق إلى أن يبدأ حياته من جديد. وكان يتمنى أن يعيش دون أن يشعر بألم قدر المستطاع، وأن يموت أيضا دون عذاب بالسكتة القلبية أثناء نومه. ومن ثم كان اهتمامه الشديد بجسمه وبحالته الصحية، ومن ثم أيضًا كانت مناقشاته الطويلة حول أفضل الطرق للمحافظة على الصحة واهتمامه الشديد بما يحققه الطب في مجال العلاجات والتقدم الذي تحرزه الكيمياء وينعكس على الطب. كان كانط ينام كل ليلة سبع ساعات، وكان يرى أن هذا القدر من الراحة فيها الكافية. الراحة فيه الكفاية، فلم يكن يسمح لنفسه بالنوم أثناء النهار وكان ينهض من فراشه في تمام الخامسة صباحًا، ومن التعليمات التي كان خادمه يتقيد بها حرفيا الا يتهاون في إيقاظ سيده في الموعد المحدد مهما حاول كانط الاستمرار في النوم. وقد حدث يوما، خلال خدمة دامت ثلاثين عاما، أن طلب كانط» من خادمه هذا أن يتركه ينام نصف ساعة أخرى زيادة على المدة المحددة، فما كان من الخادم إلا أن رفض في إصرار قائلًا: "أبدا! ابدا". حياة الفيلسوف إيمانويل كانط ويكمل:" ظل كانط زمنا طويلًا يتناول غداءه في مطعم كان يجد فيه صحبة لطيفة، غير أنه هجر هذا لمطعم إلى مطعم آخر لأنه وقع ضحية شخص كان يزعجه برواية حكايات تافهة بطريقة تثير الأعصاب، ثم غير المطعم الجديد لأن بعض السخفاء كانوا يلاحقونه ويقرؤون عليه إنتاجهم الأدبي. ومما يروى عنه أنه حينما كان يعجبه صنف من الطعام كان يطلب من المطعم طريقة صنعه كما أنه لم يكن يميل إلى الأكلات المعقدة. كل ما هناك أنه كان يتمسك بأن يكون اللحم طريًا والخبز والشراب من النوع الجيد، وكان يتأنى في تناول الطعام، ولا يغادر المائدة بمجرد الانتهاء من الأكل. وفي شبابه، كان كانط بعد أن ينتهي من إلقاء محاضراته، يذهب إلى المقهى في أغلب الأحيان قبل وجبة الغداء، وكان يحتسى قدحا من الشاي، ويتطرق إلى الكلام في أحداث اليوم، ثم يلعب دور (بيلياردو)، وفي المساء كان يحب أن يلعب الورق لأنه كان يعتقد أن في ذلك تنشيطا للذهن. ويواصل:" بعد عام ١٧٩٨م لم يعد كانط يحب أن يتناول الطعام وحده في بيته فكان يدعو إليه بعض الأصدقاء، وكان يستمر على مائدة الطعام من الواحدة حتى الرابعة أو الخامسة، وبعد أن ينصرف المدعوون كان يقوم بنفسه بترتيب المواعين والسكاكين والشوك وغيرها من أدوات الطعام ثم يقوم بنزهة على الأقدام دون أن يتناول قهوة أو شايا. وكان يأوي إلى فراشه في العاشرة مساء، وفي أخريات حياته كان يبدأ النوم في التاسعة. كان كانط لا يتمسك باتباع آخر طرز (مودة) في ملابسه، ولكنه كان يردد دائمًا أن من الواجب الا يهمل الإنسان في موضوع الثياب، كما ينبغي الاعتناء باختيار الألوان الملائمة، وكان يدعو إلى الاقتداء بالوان شجيرات تظهر في فصل الربيع صفراء الأزهار فكان يحبذ ارتداء زي كستنائي اللون مع صديرية صفراء. وحينما كان تقليد حمل السيف القصير سائدا، كان كانط يتبع ذلك العرف وحينما اختفت هذه الظاهرة زهد كانط في تلك العادة المربكة، وكان يعتني بزينته، اللهم إلا ما يتعلق بالقبعات أو بمعنى أصح بالقبعة، فقد ظلت إحداها تلازمه زهاء العشرين عامًا، وقد بيعت هذه القبعة بعد موته في مزاد علني بثمن مرتفع. ويؤكد أحد مؤلفى هذا الكتاب أنه رأى كانط وتحدث إليه في ست بيوت عاش فيها على التوالي في مدينة كونيغسبرج، فكان الفيلسوف دائما ينشد الهدوء والسكون، وقد غير مسكنه أكثر من مرة بسبب ذلك، فقد ترك مسكنا قريبًا من الميناء بسبب ضوضاء البواخر وعربات النقل التي لم يكن يطيقها كما زهد في مسكن آخر بسبب كما جار له كان يقتنى ديكا كان صياحه يزعج الفيلسوف في لحظات تأمله وكان قد حاول مرارا أن يشترى هذا الديك بأي ثمن ليرتاح من إزعاجه، إلا أنه لم يتمكن من إقناع الجار الذي كان يتعجب كيف أن ديكا بسيطا يمكن أن يزعج فيلسوفا عظيما. ويستطرد:" وقد حدث ذات مرة، وهو يتنقل من مسكن إلى آخر بحثًا عن الهدوء والسكون، أن توغل في البحث حتى عثر على مسكن في جهة نائية غير أنه ما لبث أن اكتشف أن هناك سجنا على مقربة من السكن، وكان المساجين في لحظات صفوهم يغنون بأصوات عالية ويحدثون من الهرج والمرج ما يكفى ليقض مضجع الفيلسوف ويمنعه من الاستغراق في تأملاته فلجأ إلى صديق له ذي نفوذ توسط له عند الشرطة لوضع حد لهذا الهرج والمرج، ولكن ذلك لم يتحقق بالصورة التي أرادها، غير أنهم أجبروا المساجين على إغلاق نوافذ زنزاناتهم حينما يريدون الغناء. وبختتم:" ولكن متاعب كانط من الجيران لم تقف عند هذا الحد، فقد كان دائب الشكوى لأصدقائه من بعض الصبية الذين كانوا يلقون الحجارة على حديقة منزله، وحينما رفع الأمر إلى الشرطة أبلغوه أنهم لا يستطيعون منع الصبية طالما أن أحدا من المنزل لم يصب بجراح فغضب «كانط، وصاح قائلًا: «إذن انتم لا تستطيعون معاقبتهم إلا بعد أن أصاب أو أقتل!».

جدل الدين والتنوير فى كتاب جديد
جدل الدين والتنوير فى كتاب جديد

بوابة الأهرام

time١١-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • بوابة الأهرام

جدل الدين والتنوير فى كتاب جديد

يسعدنى أن أشارك القراء الأعزاء هذا الحديث حول كتاب الأستاذ صلاح سالم بعنوان «جدل الدين والتنوير: مسارات العقلنة وآفاق الأنسنة» وهو من أهم الكتب الصادرة 2025 عن مكتبة الإسكندرية. لقد ارتبط مفهوم التنوير ارتباطًا كبيرًا بمفهوم العقل، منذ أن أعلن ايمانويل كانط (1724-1804) فى مقاله الشهير حول التنوير (نُشر عام 1784) أن التنوير هو خروج عن دائرة القصور العقلي. وكان يقصد من ذلك أن يخرج الإنسان من دائرة العجز، وأن يلج إلى دائرة الحرية التى تمكنه من أن يستخدم عقله فى فهم الكون الذى يحيط به فهمًا موضوعيًا، وأن يكون قادرًا على أن يخاطر بفتح آفاق متجددة أمام إمكانات فهم الحقائق المحيطة به فى العالم الطبيعى والاجتماعي. لقد أصبح التنوير فى هذا الفهم لصيقًا بالتفكير العقلى الذى لا يركن الى الأساليب التقليدية فى فهم العالم بما فيها الفهم الديني. ولم تكن النزعة العقلانية التنويرية التى قادها كانط هى المصدر الوحيد للتفكير العقلى فى الحضارة الغربية. فقد كان هذا التفكير موجودًا ومبثوثًا فى بنية الحضارة منذ أن تبنت هذه الحضارة أفكار أرسطو بتأثير من ابن رشد، ومنذ أن تأكدت النزعة العقلانية عندما أعلن ديكارت مقولته الشهيرة «أنا أفكر إذن أنا موجود» التى اعتبرت الانسان القادر على التفكير مركزًا للوجود. ولكن استحضار كانط هنا يؤشر على بدايات ربط هذه النزعة العقلانية بمشروع التنوير، الذى يعنى فى دلالته العميقة نقض كل أشكال الظلام التى تقيد العقل وتُكبل قدراته على فهم العالم. ولم تكن هذه النزعة العقلانية تستهدف الدين أو تقلل من شأنه، ولكن الصدام بينهما كان حتميًا بسبب الاستخدام السياسى والاجتماعى للدين فى فرض سيطرة على البشر وعلى أساليب تفكيرهم. لقد فرضت الكنيسة سلطة دينية على البشر وعلى أساليب تفكيرهم وتوجهاتهم فى الحياة. ولقد كان من الطبيعى أن يصطدم هذا التيار العقلانى مع التصورات المتشددة فى فهم الدين وفى استخداماته السياسية. ولقد تجلى هذا الصدام بقوة عندما اشتد عود هذا التيار العقلاني، وامتدت آثاره إلى تكوين أسس عقلانية لبناء الدولة وتأسيس عقدها الاجتماعى كما تضافر مع التيارات العلمية التى كانت قد بزغت فى بدايات القرن السادس عشر، والتفكير العلمى الموضوعى الذى لا يركن إلى أى صياغات ميتافيزيقية. ولقد بلغ هذا الصدام أشده عندما أصبح من الصعب على الفهم الدينى أن يستوعب أفكارًا جديدة استطاع العقل أن يصل اليها وأن يتحقق منها بأساليب علمية. ومن ذلك تقديم فهم جديد للكون وحركة الأرض فى علاقتها بالمحيط الكونى فيما عُرف بثورة كوبرنيكوس (1473-1543)، والجرأة على فهم النصوص الدينية على أسس تأويلية تختلف عن الفهم السائد فى الدوائر الدينية، كما حدث فى فهم سبينوزا (1632-1677) لبعض نصوص العهد القديم. بل كان من الطبيعى أن يتسرب هذا التيار العقلانى إلى الدراسات اللاهوتية نفسها، فيجعلها قادرة على إفراز تفسيرات مغايرة تناهض سيطرة الكهنوت الدينى على عقول البشر. ولقد كانت الثورة الإصلاحية التى قادها مارتن لوثر(1483-1546)، سببًا فى إحداث انقسام كبير داخل الفكر اللاهوتى انعكس فى صراعات دينية عميقة، ورغم أن هذا الصراع كان صراعًا دينيًا خالصًا، إلا أنه كان فى جوهره صراع بين تفسيرات عقلية للدين فى مقابل التفسيرات الغيبية الميتافيزيقية. فقد كان اللاهوت الذى أفرزته أفكار لوثر لاهوتًا عقلانيًا يتوافق بشدة مع دعوات التنوير العقلانية. وإذا كان الجدال بين الدين والعقل الذى تشكل فى الفضاء الواقعى قد عكس صورًا من العنف والإقصاء، فإنه كان هادئًا ومنيًرا داخل الخطاب الفلسفي. لقد كان من الطبيعى أن يجادل الفلاسفة حول مشكلة الدين طالما أن جدالهم يُبنى على العقل. ولقد أسهم هذا الجدال فى بلورة كثير من القضايا، والإجابة على الأسئلة التى يطرحها العقل حول الدين، ومن ذلك مثلًا: هل هناك تعارض بين العقل والإيمان؟ إلى أى مدى يمكن أن يسهم الإيمان فى إدراك جوانب من الوجود لا يمكن أن يدركها العقل؟ وما طبيعة الإيمان المُؤسس على العقل؟ وهل هذا الإيمان صحيحًا فى مقابل نظيره المُؤسس على الحاجة الإنسانية إلى معرفة الله؟ وما دور الدين فى بناء الحياة؟ هل يمكن أن يكون الدين جزءًا من تكوين الخطاب السياسي؟ أم الأفضل أن يكون علاقة شخصية بين الانسان وعالمه الإيمانى الخاص؟ وأسئلة أخرى كثيرة ساهم الفكر الفلسفى والاجتماعى فى بلورتها ومشاكلتها، ليقدم لنا زادًا فلسفيًا على درجة عالية من الثراء. يحاول الكتاب الذى بين أيدينا، وعبر صفحات تربو على الخمسمائة صفحة أن يعرض للجدل الفكرى عن العقل والدين، وأن يبحر بنا فى رحلة طويلة من البحث والتدقيق والـتأمل وطرح الأفكار والمناقشة العميقة لكى يكتشف طبيعة الجدل بين الدين والعقل، بين القول فى العقلنة والقول فى الأنسنة، أو بعبارة أسهل بين السعى نحو صياغة الوجود بطريقة عقلانية مجردة لا وجه للتعاطف فيها، والسعى نحو البحث عن الروح وعن جوهر الوجود الإنسانى العميق. وقد لجأ الكاتب فى مسعاه المنهجى الى التحليل الرأسى التاريخى تارة، والى التحليل الأفقى المقارن تارة أخري. فهو يصعد بنا رأسيًا عبر المسار التاريخى ليتعمق فى بحث مذاهب فلسفية ثلاثة ظهرت متتالية إلى حد ما، وهي: المذهب المثالى الذاتي، والمذهب المثالى التجريبي، والمذهب التجريبى الحسي. ولا يكتفى بهذا الصعود التاريخى الرأسي، بل يسعى إلى أن يتبع هذا الجدل بشكل أفقى عبر البحث فى تقاليد تنويرية ثلاثة كبرى هي: التقليد الأنجلوسكسوني، والتقليد اللاتيني، والتقليد الألماني، مع توضيح التشابهات والاختلافات بينها. ولقد استغرق البحث عبر هذا التصاعد الرأسي، والمسح الأفقى ثلاثة عشر فصلًا، فيما يربو على خمسمائة صفحة؛ فجاء الكتاب سفرًا متميزًا فى البحث الفلسفى الذى لا يخلو قط من قدرة على التفلسف وطرح الأفكار الجديدة. لقد أضاف كاتبنا بهذا الكتاب إضافة جوهرية إلى المكتبة العربية، توضع فوق إضافاته السابقة التى تعبر عن مسيرة فكرية رصينة ومطمئنة تضع صاحبها فى مقدمة الصفوف فى المجال العام الثقافى العربي.

الحلقة الخامسة والعشرون: بين كانط وشحرور!
الحلقة الخامسة والعشرون: بين كانط وشحرور!

الشروق

time٢٩-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشروق

الحلقة الخامسة والعشرون: بين كانط وشحرور!

تُعَدُّ جلُّ مساهمات الحداثيين العرب ارتدادًا عن الحداثة الغربية التي أحدثت ثورة ضخمة في عالم الفلسفة مع إيمانويل كانط Immanuel Kant، أحد أعظم فلاسفة الأنوار، بل ومن أبرز الفلاسفة على الإطلاق.. لقد طرح كانط فكرة بسيطة، لكنها كانت ثورة عارمة في ذلك الوقت؛ ذلك أن الفلاسفة قبل كانط كانوا غارقين في الميتافيزيقا، وكانت الفلسفة ميتافيزيقية بامتياز. فلما جاء كانط، طرح فكرة بسيطة، وهي أننا نستطيع أن نفكر في الميتافيزيقا، لكننا لا نستطيع أن نعرفها، ولذلك أصبح التفكير في الأمور الميتافيزيقية كله عبثًا؛ لأننا لا نملك القدرة العقلية ولا الأدوات التي تمكّننا من معرفة الموضوع. لقد شكك كانط في المعرفة التي تأتي عن طريق الحواس فكيف بمعرفة عالم ما بعد الحواس؟! نستطيع أن نفكر في الغيب، لكننا لا نستطيع أن نعرفه. وهو ما يتوافق تمامًا مع النظرة الإسلامية التي تقول إننا لا يمكن أن نعرف الغيب وتفاصيله. نؤمن به، ولكننا لا نعرفه إلا عن طريق الوحي الذي يخبرنا بما فيه. فمحاولة هؤلاء الحداثيين مناقشة الجانب الغيبي في الوحي والدخول في تفاصيله كما يفعل شحرور باسم القراءة المعاصرة تعد ارتدادًا عن إحدى البديهيات التي جاءت بها فلسفة الأنوار، ومحاولة لإغراق الناس في نقاشات لا تنتهي وتنتمي إلى الميتافيزيقا القروسطية، بدل المضي في درب الحداثة الذي يقوم على حل مشاكل الناس والتقدم بهم إلى الأمام. فالحداثة العربية هي حداثة رجعية ردّية قروسطية، سلفية في طرحها، وغير نهضوية في راهنها. لو أنكر منكرٌ الغيبَ جملةً باسم المادية والحداثة، لوجدنا لذلك مسوغًا، لكن أن يغوص في تفاصيله باسم الحداثة التي لا تؤمن بالماورائيات، فهو تناقض منهجي، وجمع بين الماء والنار. فعلينا أن نفرق بين من يريد إعادة قراءة النصوص، ومن يريد هدم النصوص. فكثيرًا ما يهدم بعض الناس النصوص وهم يظنون أنهم يعيدون قراءتها. وأول الهدم أن تُرفع العناوين دون المضامين، وأن يُدعى إلى إعادة القراءة دون منهجية واضحة. وأول الهدم أيضًا أن يُبدأ بهدم المناهج القديمة التي قرأت النصوص، باسم إرادة التغيير أو الرغبة فيه، أو لمجرد كونها قديمة. فالصحيح القديم يبقى صحيحًا ولو مرت عليه آلاف السنين؛ فنظرية فيثاغورس في الرياضيات لا تزال صحيحة رغم مرور آلاف السنين، أما شطحات الحداثيين العرب، فهي كلام سخيف لا قيمة له، رغم أنه لم يمر عليه سوى سنوات معدودات. وصح فطوركم يا أهل القرآن!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store