أحدث الأخبار مع #كريشنامينون


أخبارنا
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- أخبارنا
رمزي الغزوي : خطابات طويلة في زمن الاختصار
أخبارنا : أن تتكلم يعني أن تعلن أنك موجود. أن ترفع صوتك، لا لتقاطع، بل لأنك ببساطة لم تعد تطيق الصمت. الخطابة، في جوهرها، ليست فن الإلقاء. هي لحظة صدق. مقاومة بالكلمات. نوع من الوقوف الذي لا تتيحه الكراسي المريحة. في عالم تزداد فيه الأصوات، وتقلّ فيه المعاني، يظل مشهد السيناتور الأمريكي كوري بوكر قبل أيام واقفا محتجا على سياسات ترمب في مجلس الشيوخ 25 ساعة، يظل المشهد علامة فارقة. لم يكن يستعرض بلاغته. لم يكن يُجرّب صبر المستمعين. كان يعلن أن هناك شيئا لا يجب أن يمرّ بصمت. هل كانت كلماته تغيّر شيئا؟ ربما لا. لكنها كانت تذكّر. بالطبع هذا النوع من الخطابات المعروفة باسم talk-a-thon ليس من الممارسات اليومية في مجلس الشيوخ، لكنه يمثل تقليدا نادرا يستخدمه المشرعون أحيانا لتسليط الضوء على قضايا مصيرية، أو لتأخير تمرير قوانين مثيرة للجدل. الدبلوماسي والسياسي الهندي كريشنا مينون فعلها أيضا. خطب في الأمم المتحدة لساعات طويلة، سقط من الإعياء، ثم نهض وأكمل. لم يكن صوتا بل كان جسدا يقاتل من أجل أن يبقى الحديث مستمرا. الخطابة هنا ليست فنا فقط، بل حيلة نجاة. تأخير للكوارث عبر الإطالة المتعمدة. الكلمة كانت درعا مؤقتا لجبهة أخرى لا يراها الحاضرون. وكاسترو؟ كان خطابه مهرجانا للغضب والعزف على أوتار الثورة. تحدّث أربع ساعات ونصف كأنه لا يعرف أن أحدا لن يغيّر قراره بسبب كلمة. لكنه يعرف ويؤمن أن الكلمة تزرع قلقا، والقلق بداية التغيير. الخطابة لا تغيّر العالم وحدها. لكنها تغيّر الذين يريدون تغييره. ونحن أين أصواتنا؟ من يقف ليتكلم لا في ندوة مغلقة، بل في وجه السائد؟ في مؤتمر دولي قبل سنوات، وقفت فتاة فلسطينية تتحدث عن الاحتلال، لا بنبرة الشكوى، بل بجرأة المحاكم. لم يكن خطابها طويلا. لكنه بقي عالقا في الذاكرة، لأنها لم تطلب الإذن لتتكلم. تكلمت وكأنها لا تعرف أن أحدا قد لا يصغي. في زمن الاختصار، يصبح الكلام الكثيف فعلا مريبا. من يحتمل الحقيقة عندما تقال في أربع ساعات؟ أو عشر؟ من يملك الوقت ليستمع، أصلا؟ لكن السؤال الحقيقي ليس عن المدة، بل عن النية. هل نملك شيئا نقوله؟ هل نؤمن بما يكفي لنظل واقفين، نتكلم دون أن نُقاطع أنفسنا؟ ومتى نكتشف أن الصمت أيضا، حين يُفرض، هو خطاب من نوع آخر؟

الدستور
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الدستور
خطابات طويلة في زمن الاختصار
أن تتكلم يعني أن تعلن أنك موجود. أن ترفع صوتك، لا لتقاطع، بل لأنك ببساطة لم تعد تطيق الصمت. الخطابة، في جوهرها، ليست فن الإلقاء. هي لحظة صدق. مقاومة بالكلمات. نوع من الوقوف الذي لا تتيحه الكراسي المريحة.في عالم تزداد فيه الأصوات، وتقلّ فيه المعاني، يظل مشهد السيناتور الأمريكي كوري بوكر قبل أيام واقفا محتجا على سياسات ترمب في مجلس الشيوخ 25 ساعة، يظل المشهد علامة فارقة. لم يكن يستعرض بلاغته. لم يكن يُجرّب صبر المستمعين. كان يعلن أن هناك شيئا لا يجب أن يمرّ بصمت. هل كانت كلماته تغيّر شيئا؟ ربما لا. لكنها كانت تذكّر.بالطبع هذا النوع من الخطابات المعروفة باسم talk-a-thon ليس من الممارسات اليومية في مجلس الشيوخ، لكنه يمثل تقليدا نادرا يستخدمه المشرعون أحيانا لتسليط الضوء على قضايا مصيرية، أو لتأخير تمرير قوانين مثيرة للجدل.الدبلوماسي والسياسي الهندي كريشنا مينون فعلها أيضا. خطب في الأمم المتحدة لساعات طويلة، سقط من الإعياء، ثم نهض وأكمل. لم يكن صوتا بل كان جسدا يقاتل من أجل أن يبقى الحديث مستمرا. الخطابة هنا ليست فنا فقط، بل حيلة نجاة. تأخير للكوارث عبر الإطالة المتعمدة. الكلمة كانت درعا مؤقتا لجبهة أخرى لا يراها الحاضرون.وكاسترو؟ كان خطابه مهرجانا للغضب والعزف على أوتار الثورة. تحدّث أربع ساعات ونصف كأنه لا يعرف أن أحدا لن يغيّر قراره بسبب كلمة. لكنه يعرف ويؤمن أن الكلمة تزرع قلقا، والقلق بداية التغيير. الخطابة لا تغيّر العالم وحدها. لكنها تغيّر الذين يريدون تغييره.ونحن أين أصواتنا؟ من يقف ليتكلم لا في ندوة مغلقة، بل في وجه السائد؟ في مؤتمر دولي قبل سنوات، وقفت فتاة فلسطينية تتحدث عن الاحتلال، لا بنبرة الشكوى، بل بجرأة المحاكم. لم يكن خطابها طويلا. لكنه بقي عالقا في الذاكرة، لأنها لم تطلب الإذن لتتكلم. تكلمت وكأنها لا تعرف أن أحدا قد لا يصغي.في زمن الاختصار، يصبح الكلام الكثيف فعلا مريبا. من يحتمل الحقيقة عندما تقال في أربع ساعات؟ أو عشر؟ من يملك الوقت ليستمع، أصلا؟ لكن السؤال الحقيقي ليس عن المدة، بل عن النية.هل نملك شيئا نقوله؟ هل نؤمن بما يكفي لنظل واقفين، نتكلم دون أن نُقاطع أنفسنا؟ ومتى نكتشف أن الصمت أيضا، حين يُفرض، هو خطاب من نوع آخر؟