logo
#

أحدث الأخبار مع #كورناي

يوم هاجم النقاد والجمهور العمل الأكبر في تاريخ المسرح الفرنسي
يوم هاجم النقاد والجمهور العمل الأكبر في تاريخ المسرح الفرنسي

Independent عربية

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

يوم هاجم النقاد والجمهور العمل الأكبر في تاريخ المسرح الفرنسي

حدث ذلك في واحد من الأيام الأولى من عام 1637 الذي يعد عادة عام الذروة في تاريخ المسرح البورجوازي الفرنسي، وتحديداً في صالة مسرح "جو دي بوم" في حي الماريه، حيث قدم المسرحي بيار كورناي، سيد ذلك المسرح من دون منازع حتى ذلك الحين، واحدة من أولى مسرحياته الكبرى "السيد". ولم يكن الحدث باهراً على أية حال، بالنسبة إلى تلك المسرحية حتى وإن كانت ستصبح خلال الأزمنة التالية واحدة من أشهر نتاجات المسرح التاريخي الفرنسي ويحفظها الطلاب الفرنسيون عن ظهر قلب، سواء شاءوا ذلك أم أبوه، إذ فرضت عليهم كجزء من دراستهم. فعند تقديم "السيد" في عروضها الأولى وقد عرفها كاتبها نفسه بأنها "تراجي - كوميديا"، هوجمت من قبل المعنيين بالمسرح وأيضاً من قبل الجمهور العريض، الذي عدها أول الأمر في الأقل، مروقاً في عالم القوانين المسرحية وخروجاً عن مبادئ أرسطو بالنسبة إلى الوحدات الثلاث: وحدة الزمان ووحدة المكان ووحدة الحدث (أو الحبكة). صحيح أن كورناي رد الصاع صاعين واندلعت على الفور في الحياة المسرحية الفرنسية معركة سميت "معركة السيد" كانت أكثر قسوة وإثارة للعواطف مما كان يحدث على الخشبة التي تقدم المسرحية نفسها، غير أن الوقت لم يكن قد حان بعد لإنزال كورناي عن عرشه بوصفه سيد المسرح الفرنسي الجاد، مقابل موليير الذي كان سيد المسرح الهزلي، لأن ذلك لن يحدث قبل 37 عاماً أخرى حين حل المؤلف الشاب جان راسين مكانه على ذلك العرش وكان كورناي قد بلغ الـ68 من عمره. أعوام مجد مثير ونعرف طبعاً أن العقود الفاصلة بين "معركة السيد" وظهور راسين المدوي شهدت انتصاراًت كبيرة لمسرحياًت أخرى لكورناي تمكن فيها من أن ينصر مسرحيته الكبرى التأسيسية لكن تحت حماية الوزير الأول ريشيليو صاحب السلطة المطلقة في شؤون البلاد والعباد في المرحلة الأخيرة من حياة وحكم الملك الشمس لويس الـ14 الذي يدين له تاريخ المسرح الفرنسي بتلك الحقبة الزاوية من ازدهاره، تماماً كما يدين لمسرحية "السيد" بذلك التجديد المسرحي الهائل الذي كان شعاره الأساس التخلص من القواعد الرسمية ومنافسة شكسبير الذي كان يجدد بدوره في المسرح الإليزابيثي الإنجليزي سابقاً بعقود عدة ما يحدث في فرنسا، في لندن غير البعيدة. ومرة أخرى لا بد من أن نشير هنا إلى أن مسرحية "السيد" كانت آية ذلك كله. ولعل أهم ما يمكن قوله عن هذه المسرحية إنها تتناول أحداثاً تاريخية وبطلاً لا يقل عنها تاريخية، عاشا أيام الفتح العربي لإسبانيا وقيام الحضارة الأندلسية في الطرف الجنوبي الغربي من أوروبا عند الجنوب الفرنسي وشبه الجزيرة الأيبيرية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعلى رغم تلك الأحداث التاريخية البالغة الجدية، آثر كورناي أن يعد مسرحيته تراجيدية وكوميدية في الوقت نفسه، وفي بعد انتهازي يحاول أن يستفيد من شغف جمهور المسرح بالتاريخ من ناحية، وإصراره على التعلق بكوميديا ديل أرتي الإيطالية من ناحية ثانية. ولعل تلك الازدواجية كانت العنصر الثاني الذي فتح المعركة ضد "السيد" منذ تلك العروض الأولى حتى تدخل ريشيليو الذي شاء هنا أن يكون منصفاً كما سنرى بعد سطور. "قاتل الأب الوسيم" لا يمكننا بالطبع أن نرسم هنا ولو صورة مبدئية اللحظة التي اندلعت فيها المعركة لكن في وسعنا في الأقل أن نختصر مجرياتها بتلك العبارة التي دونها ناقد من تلك المرحلة يدعى جورج فوريست في تعليق له على المسرحية جاء فيه "يا إلهي كم هو وسيم قاتل بابا". ومن الواضح أن العبارة لم ترد في المسرحية غير أن الناقد يعبر فيها عن أعلى درجات السخرية من موقف شيمين بطلة المسرحية من خلال نظرتها إلى السيد بعدما قتل أباها - وهذا القتل هو كما يعرف كل الذين شاهدوا المسرحية أو قرأوها، محور الأحداث إن كانت هناك أحداث في هذه المسرحية على أية حال - ففي المسرحية يحدث أن "السيد" بطل النضال ضد الفاتحين العرب يقتل دون أن يدرك ذلك، والد شيرين الوطني مثله، فتكون النتيجة أن الصبية الحسناء تقع في حيرة من أمرها بين القاتل والقتيل، بين الحبيب والوالد... ومن هنا سخرية الناقد الفرنسي من ذلك الموقف الذي يريد أن يقول لنا إنه موقف مفتعل وربما مأخوذ بشكل أو بآخر من حكاية هاملت الشكسبيري وحبيبته أوليفيا وقتل والدها على يد حبيبها الذي بدوره لم يكن مدركاً لهوية ضحيته حين أجهز عليه. المهم على أية حال هنا، هو أن موقف الناقد لم يكن سوى القشة التي قصمت ظهر البعير وسط جملة من مآخذ لا بد من أن نقول هنا، وعلى ضوء تاريخ الحكاية برمتها، أن كورناي سيكون المنتصر فيها راسماً للمسرح التاريخي قواعد جديدة أكثر أهمية مما كان سائداً من قبل ومن هنا ما يردده المعنيون دائماً من أن ما بعد كورناي في المسرح الفرنسي الجاد، لن يكون على شاكلة ما كان قبله. يوم انتهت سطوته والحال أن المكانة التي احتلها كورناي خلال تلك الحقبة من التاريخ والمسرح الفرنسيين والتي لمعت فيها بصورة خاصة ثلاثة أسماء لا تزال حتى اليوم من أكبر الأسماء في تاريخ المسرح العالمي، راسين وموليير إلى جانب كورناي، تعود إلى الرعاية والانفتاح اللذين مارسهما السياسي الكبير في بلاط لويس الـ14 آنذاك، الكاردينال ريشيليو حتى من دون أن يكون محباً للفنون بصورة خاصة، بل كان من الساعين إلى نهوض الطبقات الأرستقراطية وفنونها كما فنون البورجوازات المدينية الصاعدة. ولقد ولد كورناي نفسه عام 1606، ابناً لأسرة موسرة تنتمي إلى البورجوازية المهيمنة في مدينة روان في الغرب الفرنسي، وتعلم ليصبح محامياً ويدخل سلك القضاء. غير أن الظروف شاءت له أن يجد نفسه مندمجاً مع رفاق منضمين إلى فرقة مسرحية باريسية كانت حينها تقوم بجولة في منطقته. وبالصدفة كان هو من دون هدف محدد قد كتب مسرحية وقعت مخطوطتها بين أيدي مسؤولي الفرقة، وإذ حدث أن مسؤولاً في الفرقة أعجب بالمسرحية، تبنتها الفرقة وتبنت كاتبها لتقديمها في العاصمة ويكون النجاح حليفها. وهكذا سرعان ما بات المحامي الشاب كاتباً رسمياً لمسرحيات الفرقة كما لغير تلك الفرقة، إذ راحت مسرحياته تتداول وتثير إعجاباً. وهو كان في عمر الـ31 حين كتب "السيد" وقدمتها الفرقة محققة بها نجاحاً هائلاً فاقمه السجالات التي دارت من حولها، إذ بدت المسرحية كدعوة إلى التجديد فيما عارضها التقليديون المتمسكون بالقواعد الأرسطية. الكاردينال حكماً حققت المسرحية نجاحها الأكبر أولاً بفضل اللغة الشاعرية أو المنتمية إلى ما كان يمكننا أن نصفه بشاعرية الحياة اليومية التي سيؤدي إعجاب الجمهور العريض بها - إعجاب لا يزال كبيراً حتى اليوم حيث يندر أن يجهلها أو يجهل سطوراً كثيرة منها طلاب المدارس الفرنسية الذين تفرض قراءتها عليهم، فيتعلقون بتلك السطور كما أسلفنا - سيؤدي ذلك الإعجاب إلى استثارة غيرة وحسد أهل المسرح الذين استكثروه على دخيل طارئ، فكان أن تمسكوا بأرسطو ليحاربوا كورناي باسمه. غير أن ريشيليو الذي كان على أية حال يرتبط بصداقة مع والد كورناي سيكون لهم بالمرصاد وقد لاحظ أن لجوءهم إلى القواعد الأرسطية لم يكن على مثل تلك البراءة "الفنية"، حتى وإن اقتنع بأن كورناي قد خرق القواعد حقاً. وكان يحلو له بين خلصائه أن يستطرد في تعداد ضروب خرق الكاتب الشاب. ومن هنا ودفعاً لأي التباس اتخذ ريشيليو قراره في النهاية بأن يكون القول الفصل للأكاديمية الفرنسية التي كان هو نفسه قد أسسها قبل ظهور مسرحية "السيد" بعامين. ولقد أصدرت الأكاديمية قرارها واضحاً: نعم لقد خرق بيار كورناي القواعد في مسرحيته "السيد". صحيح أن القرار كان ملزماً لكن ريشيليو وقف من الأمر موقفاً حيادياً مما أجبر كورناي على الرضوخ حزيناً. ولقد أسفر حزنه عن توقفه عن الكتابة ما لا يقل عن عامين، بيد أن صمته وحزنه وعدم وجود أية مسرحية جديدة له طوال تلك الفترة أسفر كل هذا عن إعادة نظر كثر في القضية برمتها، وأصبح كورناي بالتالي "ضحية" أحاق الظلم بها ما جعله طوال العقود التالية بطلاً شعبياً من طراز نادر!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store