logo
#

أحدث الأخبار مع #لطهحسين

عن تجربتي في «جنة الشوك»!
عن تجربتي في «جنة الشوك»!

الوطن

time٠٤-٠٥-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الوطن

عن تجربتي في «جنة الشوك»!

يقول حكماء «حراس الكلمة» إن الصحافة هي «سلاح من لا سلاح له» وإن «القلم أمضى من السيف»، لما للكلمة من قوة وتأثير على ديمومة الإبداع والتفاعل الإنساني، وذلك إيماناً من حراسها بأن الكلمة الحرة يجب ألا تذهب سدى، وإلا ستغيب بلا رجعة عن وعي الشعوب وضمائرهم. والصحافة، كما يصفها أحد هؤلاء الحكماء، هي «تاريخ في لحظة تكوّنه». ولا يمكن تنصيبها كسلطة رابعة للمجتمع، كما يتباهى أصحاب المهنة، إلا إذا تبنّت خطّاً مستقلاً في الرأي والموقف، لتكتسب صفة تمثيل «الرأي الآخر»، والمحافظة على موقعها كمصدر أساسي من مصادر التاريخ وشاهداً عليه. والصحافة بالنسبة لي، أو لنقل هواية الكتابة الصحفية، لم تخطر لي على بال إلا في ذلك اليوم الصيفي الكئيب من أغسطس 2000، عندما هزّ البحرين هول حادثة طيران الخليج القادمة من القاهرة. كنت حينها على مفترق طرق حياتي المهنية، بعد أن تركت وظيفتي في إحدى كبريات الشركات الوطنية. ولربما كان الحزن على الأرواح المفقودة، والرغبة في الانضمام، ولو بأضعف الإيمان، إلى جهود احتواء تبعات تلك الكارثة وآلامها البشرية، هو ما دفعني إلى البحث عن متنفس يستوعب ما يختلج القلب والخاطر، تفاعلًا مع واقعة لم نعهدها من قبل. ومع مرور الوقت، بدأت الكتابة الصحفية تجذبني إلى ساحتها، وكانت جريدة «الأيام» أول ميادين التجربة الفتية، والمحظوظة بإطراء الأب وتشجيعه لمحاولات الابنة الحالمة بتتبع خطى قلمه الشهير بـ «صداه» الواسع في التأثير، والمتسبب، أيضاً، في «تصديع» رؤوس من اختلف معهم في الرأي أو عارضهم في الموقف. وليس سهلاً أن تُترك هكذا وحدك، تتقاذفك أمواج الصحافة الهائجة بسجالات محترفيها واستعلاء متمرّسيها على متطفليها. لذلك، لم تطل إقامتي في رحاب صاحبة الجلالة، فانتقلت إلى مسيرة عمل جديدة، لم تخلُ من ممارسة الكتابة، وإن كانت بصيغ مختلفة، ولكن لها كل الفضل في إنضاج وتهذيب القلم وإبقائه على صلة مع «جنة الشوك». ولأن للصحافة سحرها الخاص على النفس، بحكم ظروف النشأة، فقد أسرتني المدرسة المقالية لطه حسين «الصحفي»، صاحب كتاب وعمود «جنة الشوك» في الصحف المصرية، المتألقة بذائقته الأدبية ونزعته الإصلاحية، لا سيما قناعته بأنها فن حضاري ذو وظيفة اجتماعية مباشرة لقيادة الفكر وتكوين الرأي. ولأن فنون الكتابة الصحفية تتنوع وتتطور بتفاعلها «الذكي» مع جماهيرها، ولا يمكن الاكتفاء بلون واحد من ألوانها أو مرجع وحيد من مراجعها، فلا يزال القلم يتدرب ويتحرى مزاج المهنة وأسرارها. وأجدني ممتنة لصحيفة «الوطن» على استضافتها لنا على هذه المساحة الأسبوعية، التي نعتبرها محطة جديدة لاختمار التجربة وتطورها. وإذا كان لي من عتب على الصحافة، فإن عتبي يكمن في غياب من يتبنى القلم الوليد أو يقدم له النصح لوجه الله! وقد يكون عتبي هذا في غير محله، وإنني أبالغ في ظني بأن الهاوي بحاجة إلى محترف يرشده لتجاوز وعورة الطريق. لا أعرف! لكن ما أعرفه يقيناً هو أن الصحافة، كمهنة وككيان مسؤول عن حماية منبت الكلمة، باقية ما بقيت الكلمة. ولا بد من تأمين التدفق العذب لأنهار الصحافة وفنونها وأصولها، والبناء على أجمل تجاربها. ولتأمين استمرارية ذلك التدفق، ماذا لو درسنا فكرة إنشاء أكاديمية خاصة للصحافة في البحرين، تستلهم توجهها من حقبتها الذهبية على يد روادها الكبار، الذين أعلوا صوت التوسط، ولم يقل أداؤهم عن نظرائهم في العالم العربي؟ لنتعلم من ثراء وتنوع سيرتهم الصحفية: كيف حافظوا على حرية النص رغم غياب عصا القانون؟ وكيف حوّلوا الصحافة إلى صناعة لإنتاج الفكر وتنشيط الرأي؟ وكيف تجنبوا تحويلها إلى تجارة كاسدة أو منبع للإثارة؟ وكيف استقروا على قاعدة الصحافة هي أول محطة لأي تجديد وتنوير وطني؟ وأترك الفكرة في ملعب «حراس الكلمة».. وكل عام والصحافة منبراً للتنوير. * عضو مؤسس دارة محمد جابر الأنصاري للفكر والثقافة

نورة الكفيفة في "ملمس الضوء" تكسر رتابة حياتها بالصور الإلكترونية
نورة الكفيفة في "ملمس الضوء" تكسر رتابة حياتها بالصور الإلكترونية

Independent عربية

time٠٢-٠٤-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

نورة الكفيفة في "ملمس الضوء" تكسر رتابة حياتها بالصور الإلكترونية

تشير رواية "ملمس الضوء" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية هذا العام إلى جهد كبير بذلته المؤلفة في كتابة سردية روائية تمتد أحداثها نحو 100 عام حافلة بالتحولات التي انعكست على حياة الأفراد وخياراتهم. خاضت النجار اختباراً صعباً بالتطرق إلى عالم المكفوفين، واختارت بطلة تنتمي إلى هذا العالم الذي تمت معالجته في نماذج أدبية بارزة في الأدبين العربي والعالمي، ومنها: "الأيام " لطه حسين و"العمى" لساراماغو و"الموسيقى الأعمى" للروسي فلاديمير كورولينكو، التي ترجمها المبدع سامي الدروبي. التحدي هنا يتعلق بالارتباط الوثيق بين حاسة الإبصار وجميع عمليات الإدراك، ومن ثم احتاجت الرواية إلى نوع من البحث والمعايشة اليومية. خط الماضي الرواية الإماراتية (منشورات المتوسط) تقع الأحداث في خطين متوازيين، الأول مرتبط بالحاضر الذي تعيشه نورة، وهي فتاة أصيبت بالعمى الوراثي، وتعيش مع جدها بعد انفصال والديها وتعتمد بصورة تامة على مساعدتها المنزلية الفيليبينية إيفلين، التي تساعدها على التعامل مع محيطها داخل المنزل وخارجه. تمثل جلسات نورة مع الجد إلى جانب هواية الاستماع للكتب الصوتية، نافذتها الوحيدة على العالم الذي تقودها إليه الحواس الأخرى. لكن فجأة يظهر في حياتها من جديد سيف، وهو قريب لها تعرفه منذ الطفولة، يتصل بها بحثاً عن صور فوتوغرافية قديمة في أرشيف الجد، يرغب في استعمالها داخل عمل فني بعدما عرف بوجود جد آخر من بين أفراد العائلة، كان يهوى التصوير. أما الخط الثاني في الرواية فهو خط الماضي بحيث تقود الصور التي لدى الجد، إلى تناول سيرة علي جدها الأكبر، الذي يفقد والده ثم أخاه عبود، في حريق. ثم نتابع ظروف زواج أمه بعد سفره إلى البحرين برفقة صديقه مطر، للعمل لدى الإنجليز هناك، في شركة النفط، وكيف اكتشف هناك الكاميرا الفوتوغرافية للمرة الأولى، برفقة يوسف الإنجليزي الذي علمه تصوير ما يريده الرائي. ويستعرض ظروف انتقاله للعمل لدى الحاج ناصر بن سالم الطواشي الذي أحب ابنته سارة وتزوجها من بعد طلاقها. وهكذا تنطلق الرواية من معالجة المناطق المعتمة في تاريخ عائلة نورة إلى المجهول في تاريخ الخليج العربي وتسلط الضوء على مساره التحديثي. الروائية نادية نجار (صفحة الكاتبة - فيسبوك) تكتشف نورة من خلال سيف أحد التطبيقات الإلكترونية "سيينغ أل" لمساعدتها على قراءة الصور من خلال هاتفها النقال، ومن ثم تستنطق الماضي عبر تلك الصور وتستعرضها أمامنا كأننا أمام آلة عرض للشرائح المصورة. ومن ثم يقترن التعرف على سيف، بإعادة التعرف على العالم وإدراكه من خلال الصور، والدور الذي تؤديه في حفظ الزمن وتثبيته. فهي تدرك سيف من الرائحة ومن الإمكانات التي أتاحها ولا تكتشف إصابته بالبهاق لأنها لا تدركها ووحدها لم تسأله عنها. وقد ورث سيف الشغف بالتصوير عن جدهما المشترك، لكنه علمها أن "كلنا عميان". تقنيات متعددة تذكر التقنيات التي اتبعتها النجار باستعمال ضمائر سرد متعددة بما ذكره أفلاطون في كتابه "الجمهورية" عن حاسة الإبصار، إذ قارن بينها وبين الحواس كافة، وكيف أنها على عكس الحواس الأخرى، تحتاج إلى شيء أساس آخر حتى تكتمل عملياتها، وأن هذا الشيء هو الضوء. وانطلاقاً من هذا الارتباط صاغت الروائية تفاصيل عالمها كأنما هي استعادة سردية لعبارة أرسطو "لا تفكر الروح أبداً من دون الصور". في كتابه المهم "عصر الصورة" يشرح الأكاديمي المصري الراحل الدكتور شاكر عبدالحميد الدلالات المرتبطة بمصطلح الصورة، وكيف أنه مشتق من كلمة لاتينية، تشير كلها إلى معنى إعادة إنتاج، وإلى ما يظهر على نحو خفي، وبخاصة إذا ما كان غريباً أو غير متوقع كالأشباح. وهناك كذلك معانٍ عامة تجسد الخصائص المرتبطة بالصور المرئية، وكذلك الجوانب العقلية التي تشتمل على الوصف الحي أو الاستعارة، الرأي والتصور والطابع الذي يتركه الشخص أو المؤسسة. والثابت كذلك أن الصور ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعناصر الأحلام والتخييل ، فالخيال هو القدرة العقلية النشيطة على تكوين الصور والتصورات الجديدة. ومن ثم فإن الوصول إلى الصور وإدراك ما تمثله من علامات داخل الرواية، هو وسيلة لبناء تصورات جديدة عن الماضي الذي نجهله. يؤمن الجد في الرواية أن صاحب الصورة يرى الصورة، لكن صاحب البصيرة يرى ما وراء الصورة، لذلك تؤدي الرواية دوراً في عمليات تفكيك الذاكرة وإعادة تركيبها سواء على لسان نورة تارة، وعلى لسان جدها سالم الذي لا يزال يسمي الصور بـ"العكوس". ظل الماضي يترك الماضي ظله على جميع أبطال العمل وشخوصه، فنورة، تمثل حالة مرضية وراثية جينية نشأت بسبب زواج الأقارب، كما أن انفصال أبيها عن أمها وزواجه من ضرة، زاد من أزماتها بعدما أصبحت تعيش مع أمها المنفصلة عنها عاطفياً، داخل بيت الجد سالم والجدة نورة، التي ورثت البطلة اسمها أيضاً. وزاد هذا الإرث من مفارقات حياتها مفارقة أخرى، تتعلق بالتضاد بين النور والظلام الذي يرافقها. يخبرها الجد كذلك عن جدتها أم أمها، وكانت جميلة تشبهها وهي شامية لم تكن تبصر أيضاً، اسمها ماري حنا تقول نورة: "أورثتني جمالاً لا يمكن أن أراه". يشيع في الرواية أيضاً أكثر من متلازمة للفقدان، فعلي فقد شقيقه عبود، في حريق اشتعل في السوق وأورثهم الفقر وقاده إلى الغربة. وفقد الجد ابنه سعيد خال البطلة، وهو الضابط القوي الذي أثقلت النياشين كتفيه، لكنه زهد فيها، وصار يقضي وقته في الحديقة بعدما كسره الفقدان. يمتد الفقدان من فقد الأفراد إلى فقد الوطن في حال الطبيب السوري زاهر الذي يتابع حال نورة، والذي جاء لزيارة ابنته في الشارقة، لكنه فوجئ بفقدان وطنه وضياع ذكرياته هناك . عوضت الروائية فقدان حاسة الإبصار بالمساحة التي تحتلها الحواس الأخرى وبالذات حاسة الشم، إذ تحتل الروائح في النص مساحة هائلة وتستعمل كمدخل لإدراك الأشخاص والعالم، كما أنها تلتصق بالذاكرة إلى الأبد. في رحلتها مع الصور تبحث نورة عن "روائح لها حكايات". الحلول التقنية تلجأ الكاتبة إلى حلول في تقسيم إلى أبواب بدلاً من الفصول، وهي بذلك تستعيد تقنية كانت شائعة في كتب التراث المرتبط بالحواس. لذلك جاءت الرواية في أربعة أبواب هي: باب الصوت وباب الرائحة وباب اللمس وباب المذاق، وتوزعت في نسيجها فصول العمل الذي اتسم باللغة البسيطة المتدفقة بحيوية. تعي الكاتبة الدور الذي تؤديه الأنثروبولوجيا التاريخية في سبك السردية الروائية، وتفسح المجال للتعرف على كثير من العادات والتقاليد ومختلف المعتقدات الشعبية، ومختلف أشكال التراث المادي واللامادي التي تغني شخصياتها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) من جهة أخرى تقارب الرواية بدرجة عالية من الحساسية الجمالية تجربة الحداثة في المجتمعات الخليجية، وتنظر إلى تلك المجتمعات كحزمة واحدة عاشت مسيرة متشابهة في التحول، وارتبطت بتحولات الوسائط التكنولوجية التي أسهمت في اتساع المجال العام. فرحلة علي من خور دبي إلى البحرين كانت في جوهرها رحلة اكتشاف الذات، فقد تحرر هناك من الشعور بالغيرة على والدته التي أجبرها شقيقه على الزواج من صديق له. واجه أيضاً صدمة اكتشاف ما لدى الآخر من إمكانات، فالعمل في شركة بابكو النفطية في الثلاثينيات، ساعده على إدراك اتساع العالم ولمس قوة الآلة والتعرف على الراديو والصحف والمجلات والهواتف، وما أتاحه أمامه المجتمع التعددي كما كتب في رسائله إلى أمه. تذكر رسائل علي بالصدمة التي واجهها حراجي القط، بطل الشاعر الشعبي المصري عبدالرحمن الأبنودي، في الرسائل التي كتبها لزوجته فاطمة أحمد عبدالغفار، من موقع بناء السد العالي في حقبة الستينيات. وكلها لحظات تشهد على تغيرنا كما كان يردد المصور الإنجليزي أمام بطل الرواية قبل أن يرحل إلى وجهة أخرى. تقترن رحلة إدراك الذات بمعاني التسامح والتعايش والتعددية الثقافية والدينية التي تجلت في زواج الجد من ماري حنا الشامية المسيحية. تظهر ماري كطيف في حين أنها كانت شخصية واعدة لأي روائي، لكن نادية النجار تجاهلت هذا الوعد مما حرمها من شخصية ثرية واجهت تحديات عديدة، كان من المأمول استثمارها، خصوصاً أنها تستعمل أوراقها من خلال ما يستدعيه الجد أمام حفيدته التي تلعب لعبة "الكتابة والمحو" في أوراق جدتها التي وصلتها بعد قرن كامل. وعلى رغم ما حملت الرواية من خبرات جمالية ومعرفة سردية عميقة، فإنها ازدحمت بكثير من الشخصيات الثانوية التي لم يتم التأسيس لها أو الاستفادة منها داخل النسيج الروائي. وهذا ما أثر أحياناً في إيقاع الرواية وتدفق أحداثها المتناغم مع ما قالته بطلتها في وصف حالتها "فتاة ضريرة توحدت مع الرتابة".

ضجيج الكتاب العرب
ضجيج الكتاب العرب

Independent عربية

time١٩-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • Independent عربية

ضجيج الكتاب العرب

حين نتأمل بهدوء تاريخ الكتاب الإبداعي والفكري في العالم العربي والمغاربي ونقف عند ما جرى لبعض النصوص الفاصلة من سحل ومنع وقص جراء رقابة المؤسسات الرسمية أو الغوغاء على حد سواء، ندرك بأن من يحرك عملية المنع في غالب الأحيان هم أشباه المثقفين الذين تقتلهم الغيرة أو الخوف من المنافسة الشريفة، فيجيشون الغوغاء التي يقرأون نيابة عنها ويفكرون بدلاً منها لخلق ما يسمى بالفتنة، يكشف هذا السلوك المتأصل في حقلنا الثقافي منذ قرون وبجلاء شقاء العقل الإبداعي ومحنة المثقف في العالم العربي والإسلامي بشكل عام. نحتفل هذه الأيام بمرور قرن على صدور كتاب "في الشعر الجاهلي" لطه حسين الذي صدر اعام 1926، ومعه نُذكر ونتذكر تلك النقاشات التي صاحبت صدور هذا الكتاب المفصلي في تاريخ جرأة العقل العربي المعاصر، ونستعيد كيف خرج الحوار الفكري والأدبي من دائرة مناقشة الأفكار إلى دائرة الاتهام والقذف والمطالبة بالقصاص لمؤلف الكتاب، ومثل هذا السلوك حدث أيضاً مع كتاب "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" للتونسي الطاهر الحداد كتبه عام 1929، ومع كتاب "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبدالرازق الذي صدر عام 1925، ومع كتاب "نقد الوعي الديني" لصادق جلال العظم الذي صدر عام 1969، ليبين هذا السلوك القمعي الممارس على النخب التجديدية من قبل التيار السلفي السياسي والفكري والديني بأن العقل العربي عقل إلغائي، عقل نقلي، عقل واحدي، عقل الخلافة، أو هكذا يراد له أن يكون. والأمر لم يتوقف عند جيل طه حسين من رجالات النهضة الثانية في الأدب والنقد والفكر ولكنه استمر حتى اليوم، ولم يتوقف عند محاكمة كتب الفكر والفلسفة بل مس جميع كتب الإبداع والفنون أي تلك التي تشتغل على الخيال، من رواية وشعر وسينما وموسيقى ورسم ليصل إلى فن اللباس، ولاستكمال بعض من صورة شقاء العقل المبدع العربي ومحنة المبدعين علينا أن نُذكر بما عانته بعض النصوص المركزية في تجربة الكتابة الإبداعية وعلى رأسها رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ، وهي الرواية التي نوهت بها لجنة جائزة "نوبل" للآداب في تقريرها في حفل تتويج الروائي بهذه الجائزة عام 1988، كتبت الرواية في الخمسينيات، صدرت للمرة الأولى في كتاب عام 1962 بعد أن كانت قد نشرت مسلسلة في "صحيفة الأهرام"، ولأجلها وعنها جرى تكفير صاحبها والمطالبة برأسه، وهو ما حدث بالفعل في أكتوبر (تشرين الأول) 1989 إذ نجا الكاتب بأعجوبة من محاولة اغتيال إرهابية خرج منها مشلولاً، ويشهد منفذ العملية بأنه قام بهذا الفعل ضد الكاتب لأنه كافر. وعلى مسافة زمنية غير بعيدة نذكر ونُذكر بالتظاهرات التي خرجت من "جامعة الأزهر" للتنديد برواية "وليمة لأعشاب البحر" وبمؤلفها الروائي السوري حيدر حيدر، ويظل الاتهام نفسه هو المس بالذات الإلهية، والمطالبة نفسها: رأس الكاتب، وكأن هؤلاء هم حماة "الله" تبارك وتعالى على الأرض، وكأن الله تبارك وتعالى، أوكل إليهم حراسته كما يُحرس ملك أو خليفة أو ديكتاتور، ومن الروايات أيضاً التي عرفت تضييقاً ومنعاً لمدة طويلة، ولا تزال ممنوعة في بعض الدول العربية، هي رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري. وكما الإبداع الأدبي لم يفلت من سلطة الرقيب المؤسساتي أو الغوغائي أو هما معاً، أو بإيعاز من أحدهما للآخر، لم تنجُ الموسيقى العربية من هذه الملاحقات والمضايقات والتكفير، ونذكر هنا ما عاشه الفنان عبدالحليم حافظ من ملاحقات من قبل المحافظين السلفيين حين غنى قصيدة "لست أدري" لإيليا أبو ماضي، وما تعرض له الفنان مرسيل خليفة حين أدى قصيدة "أنا يوسف يا أبي" لمحمود درويش. سلوك غريب ومتواصل يمارس ضد حرية الإبداع عند العرب والمسلمين، من قديم الزمن إلى يوم الناس هذا، يبدأ هذا المنع بتحريك آلة الرقابة من قبل فئة من الكتاب ضد واحد منهم ثم ينتقل الضجيج إلى مربع أهل سلطة الدين لتشعل هذه الأخيرة النار في الغوغاء لتصل إلى أهل السياسة وذوي القرار المؤسساتي، وهكذا تكتمل دائرة الخناق على الكاتب المقصود. كلما شارك في النقاش حول الإبداع أطراف متعددة تحترم الاختلاف وتدافع عنه، نقاش مؤسس على قاعدة أساس أولية هي القراءة والفهم، القراءة الحرة لا القراءة بنية مسبقة، كان الواقع الفكري والإبداعي بصحة جيدة، في مثل هذا الجو الذي تسود فيه القراءة المتعددة تختفي مظاهر التكفير والاغتيالات وأحكام التخوين. هذه الحال من الرقابة الغبية الممارسة من قبل ترسانة الأجهزة الأيديولوجية المتمثلة أساساً في الإعلام والمدرسة والدين الوظيفي المؤسساتي المتطرف، خلفت كثيراً من التشوهات الفكرية والسياسية والدينية في مجتمعاتنا العربية والمغاربية، لقد وجد المواطن العربي والمغاربي نفسه يعيش في مجتمع يهيمن فيه وعليه العقل الديني النقلي السلفي الذي قضى على العقل الديني المتسامح الذي يؤمن بالعيش المشترك، أو يهيمن فيه العقل العاطفي الواقع ضحية قراءات أدبية مراهقة أو فكرية تمثلها كتب تهريجة تسمى "التنمية البشرية"، أو روايات وردية، أو تحت سلطة العقل الشوفيني الضيق الذي يعتقد بأن العالم ينتهي عند حدود وطنه ولغته، أو تحت هيمنة عقل الإمامة الذي يروج لتأليه الخليفة أو الديكتاتور. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في الأوساط الأوروبية الثقافية والإعلامية والجامعية، حين تكون هناك ضجة إيجابية أو سلبية حول كتاب صدر حديثاً برؤية جمالية وفكرية خارجة عن "المعتاد"، خارجة عن "التقليد"، تنتج من ذلك فوراً ظاهرة سيسيو-ثقافية تتميز بارتفاع منسوب القراءة لهذا "الوافد الجديد"، إذ يزداد الفضول الثقافي، وتتوسع قاعدة القراء وتتكرس جراء ذلك علاقة جديدة ما بين أجيال القراءة وما بين أجيال الكتاب، وما بين أجيال الناشرين والمكتبيين، وأمام هذه الحال الديناميكية تتوسع استقلالية الحقل الأدبي ويرتفع سقف حرية الخيال كقوة اجتماعية وسياسية وأخلاقية فاعلة ومُغيرة، ويدفع هذا النقاش حول هذا الإنتاج غير المعتاد إلى ارتفاع في اقتصاد سوق الكتاب، ويحقق الكاتب سلطة معنوية ورمزية، أما عند العرب والمغاربيين فالرواية التي تُحدث ضجة أو تكسيراً في "النمط التقليدي" هي نص "ملعون"، يحارب من على كثير من الجبهات، الجبهة الأيديولوجية وكأن الرواية بيان بروباغندا، وعلى الجبهة السياسية وكأن الكاتب عضو في حزب سياسي محدد وأن الرواية تفصيل أو تفسير أو لسان حال هذا الحزب أو ذاك، وعلى الجبهة الدينية وكأن الكاتب فقيه يفتي أو إمام يؤم المؤمنين في الصلاة، في العالم العربي والمغاربي الثقافي والأدبي يكثر الكلام أو بالأحرى الثرثرة على الرصيف وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ثرثرة مليئة بالقذف والشتم والتكفير والتخوين والتهويد وما إلى ذلك من مفاسد الكلام من دون العودة للنص، حين نقف على هذا الكم الهائل من الشتائم والقذف ضد هذا الكاتب أو هذا الكتاب نعتقد بأن هؤلاء جميعاً قرأوا الكتاب المقصود وهم يناقشونه من الداخل، ولكن حين ترى حجم المبيعات تتأكد بأن العربي والمغاربي، لا يزال كائناً شفوياً، لا يقرأ ولكنه يتكلم، لا يقرأ ولكن يطالب بحقه في النقد والرأي والاختلاف ولو من فراغ، ولو نقلاً عن "راديو تروتوار". في أوروبا والعالم الغربي بشكل عام، هذا الحديث لا يعني مطلقاً بأن هذا الغرب مثالي ونزيه بل إن له أمراضه الأخرى والكثيرة، في هذا الغرب تتابع الجامعة، مثلاً، وبكثير من الحرص النقدي النظري والسوسيولوجي، الظواهر الجديدة في الأدب سلباً وإيجاباً، ونذكر هنا على سبيل المثال ما يحدث هذه الأيام من متابعات نقدية نظرية وميدانية وتفكيرات جادة حول الظاهرة الأدبية السردية الجديدة المسماة "نيو رومانس"New romance أو "دارك رومانس" La dark romance والتي تشكل انقلاباً في التقاليد الاجتماعية والسياسية والسيكولوجية واللغوية والجمالية للأدب الروائي في أوروبا. تحمل هذه الضجة الإبداعية انقلاباً على الكتابة الروائية على مستوى اللغة والبناء السردي وعلى مستوى المضامين المطروحة والمتعلقة أساساً بالعنف والحب والجنس والمخدرات والعاطفة، فالمجتمع الثقافي والأدبي والجامعي والإعلامي الجاد يتابع عن كثب هذا التحول في الكتابة السردية، ويثير القضايا التي تتولد عن استهلاك هذا الأدب الذي يقبل عليه الشباب بكثير من الرغبة والشهوة والغرابة، والأمر نفسه كان قد حدث مع ظهور الرواية الجديدة وانتشارها الكثيف في الستينيات والسبعينيات، إذ كرس النقد الجامعي والثقافي العام والإعلامي كثيراً من المجهودات لفهم هذه الظاهرة التي جاءت على قاعدة "أن البطل في هذه الرواية هي الكتابة نفسها"، أما الجامعة في البلدان العربية والمغاربية بشكل عام فإنها تعيش حال "بيات شتوي طويل ممتد على كل الفصول" وقطيعة، بل إنها تدير ظهرها لمثل هذه الظواهر الأدبية الجديدة، بل أكثر من ذلك فهي تحرك جيوشاً ضدها بمنع الطلبة الباحثين من الجيل الجديد الاشتغال على كل كاتب يخرج عن مقاييس الكتابة التقليدية الباردة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store