منذ 16 ساعات
ماذا نعرف عن مصير اليورانيوم المخصب لدى إيران بعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية؟
بعدما شنت الولايات المتحدة الأمريكية ضربات جوية على منشآت نووية إيرانية في فوردو ونطنز وأصفهان ليل السبت الأحد 22 يونيو/حزيران، حامت تكهنات عديدة حول البرنامج النووي الإيراني، خاصة وأن الأمر يتعلق بأكثر من 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة ستين بالمئة، وهي كمية تفصلها مراحل قليلة على أن تصبح قابلة للاستخدام في تصنيع القنابل الذرية.
أقرت الولايات المتحدة بأنها "لا تعرف مكان وجود" هذه المواد الاستراتيجية عالية الأهمية لمستقبل سلاح نووي إيراني محتمل، كما أكدت صحيفة نيويورك تايمز. فيما نفذت إسرائيل الإثنين 23 يونيو/حزيران ضربات جديدة في منطقة موقع فوردو بهدف إلحاق الضرر بالطرق المؤدية للموقع لمنع الإيرانيين من نقل المواد اللازمة لمواصلة خططهم النووية في مواقع أخرى.
408.6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب توارت عن الأنظار
من جانبهم، أكد الإيرانيون حتى قبل القصف الأمريكي أنهم وضعوا مخزونهم من اليورانيوم عالي التخصيب في مأمن. وحتى لو كان من المستحيل تأكيد هذا الادعاء أو نفيه، فقد أقر رافاييل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية (الهيئة المكلفة تحديدا بمراقبة البرنامج النووي الإيراني)، بأنه يشاطر أيضا الرأي القائل بأن هذا المخزون قد تم نقله، وفقا لصحيفة نيويورك تايمز التي استجوبته حول هذا الموضوع.
إذا كانت هذه الكمية الضخمة من اليورانيوم المخصب بنسبة ستين بالمئة تمثل رهانا بهذا الأهمية، فذلك راجع بالأساس إلى "العملية الطويلة والمعقدة جدا للانتقال من حالة اليورانيوم الطبيعي إلى اليورانيوم المخصب بنسبة ستين بالمئة، لكن الخطوة الأخيرة للوصول إلى نسبة تخصيب تناهز تسعين بالمئة تتم بسرعة أكبر ويمكن إنجازها في خمسة إلى ستة أيام للحصول على مواد كافية لصنع قنبلة واحدة إذا ما اتُخذ القرار السياسي حيال ذلك"، توضح لودوفيكا كاستيلي، خبيرة الشؤون النووية بالشرق الأوسط لدى معهد الشؤون الدولية الإيطالي، وهو المركز الإيطالي للبحوث والدراسات الاستراتيجية.
لذلك، من الأهمية بمكان مراقبة هذه الاحتياطيات من اليورانيوم أو تدميرها لمن يريد إحباط الطموحات الإيرانية في أن تصبح قادرة على امتلاك أسلحة نووية. توضح لودوفيكا كاستيلي قائلة: "حتى وقت قريب، كان الأرجح أن هذه الـ408.6 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب كانت مخزنة في عدة أنفاق بالقرب من مركز تحويل اليورانيوم في أصفهان، ولا يبدو أنها تضررت رغم القصف الإسرائيلي والأمريكي".
مع ذلك، يبدو أن إيران أرادت تحصين احتياطاتها أكثر وربما نقلتها إلى عدة "مواقع سرية"، كما كشفت صحيفة فايننشال تايمز. قرار يطرح مشكلة في حد ذاته لأنه إذا تأكد توزيع مخزون اليورانيوم في عدة أماكن سرية، "فسيصبح من الصعب جدا مراقبة هذه الاحتياطيات، ناهيك عن التحقق منها في إطار آليات الرقابة الدولية"، تحذر خبيرة معهد الشؤون الدولية الإيطالي.
مخزون إيران من اليورانيوم المخصب يكفي لتصنيع تسع قنابل ذرية
خطر مهم بقدر ما تسمح هذه المخزونات لإيران، نظريا، بالحصول على ما يكفي من "اليورانيوم عسكري الجودة لتصنيع حوالي تسعة أسلحة نووية في منشأة تخصيب مثل فوردو"، تشير لودوفيكا كاستيلي.
صحيح أن فوردو ونطنز، الموقعين الرئيسيين لتخصيب اليورانيوم، قد "تعرضا لأضرار جسيمة، وهذه الاحتياطيات لن تخصب نفسها تلقائيا"، يشير هانز جاكوب شندلر، الدبلوماسي الألماني السابق المتواجد في طهران والذي عمل على البرنامج النووي الإيراني، ويدير اليوم مشروع مكافحة التطرف، وهي منظمة غير حكومية لمكافحة الحركات المتطرفة.
وتنوه لودوفيكا كاستيلي إلى أن "هذا لا يعني أن القدرات النووية الإيرانية قد اختُزلت إلى العدم". تشير المختصة إلى وجود "مجمع مهم تحت أراضي قريب من نطنز يبدو سليما، كما يشمل خط إنتاج أجهزة طرد مركزي قد أُعيد تخصيصه في عام 2022". ناهيك عن وجود موقع آخر على وشك الافتتاح ليس بعيدا عن أصفهان، والذي كانت إيران قد كشفت عنه للوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أيام قليلة من بدء القصف الإسرائيلي.
"السؤال الكبير الآن هو معرفة كم من الوقت قد تحتاج إيران لتحويل هذه الاحتياطيات المخصبة بنسبة ستين بالمئة إلى يورانيوم عسكري الجودة، لتصنع منه فيما بعد أسلحة نووية"، يتساءل هانز جاكوب شندلر.
قبل اشتعال الحرب بين إسرائيل وإيران، كان الخبراء يقدرون أنه بمجرد اتخاذ القرار في طهران، سيتطلب الأمر "ثلاثة أسابيع للحصول في فوردو على ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة تسعين بالمئة لتصنيع تسعة أسلحة نووية"، تؤكد لودوفيكا كاستيلي.
لكن هذه التقديرات كان يجب أن تؤخذ بحذر حتى قبل القصف لأن "أجهزة الطرد المركزي حساسة جدا، وبما أنها تعمل وفق مبدأ تسلسلي، فإن مشكلة واحدة في إحداها تستوجب توقيف كل شيء"، حسب هانز جاكوب شندلر
02:09
" لا يمكن تدمير المعرفة بالقصف"
كانت الغارات المكثفة على المنشآت النووية في إيران من شأنها أن تتسبب في عواقب وخيمة خاصة خلال عملية نقل مخزونات اليورانيوم نحو مواقع التخصيب. فإذا كان "اليورانيوم في حالته الغازية، المستخدم في أجهزة الطرد المركزي، فلا بد من نقله في حاويات خاصة تحت ضغط عال، وهو أمر معقد من الناحية اللوجستية"، توضح الخبيرة لودوفيكا كاستيلي. وتضيف أن هذا الغاز "سام وخطير للغاية، وأي حادث بسيط أثناء النقل قد يؤدي إلى كارثة كيميائية".
وفي سياق آخر، فإن هذه الأنشطة لا يمكن أن تمر مرور الكرام في ظل المراقبة المكثفة التي تفرضها الولايات المتحدة وإسرائيل على إيران، وفقا لما أشار إليه خبراء تحدثوا إلى قناة فرانس24. ولهذا، لا يبدو أن لدى طهران مصلحة في الوقت الحالي في إخراج هذه المخزونات من مخابئها.
وعلى المدى القريب أو المتوسط، من المرجح أن تؤدي الحرب الجارية إلى إبطاء البرنامج النووي الإيراني. ويرى ريتشارد نيفيو، وهو محلل أمريكي سابق عمل على الملف النووي الإيراني خلال إدارتي باراك أوباما وجو بايدن، أن التأخير قد لا يتعدى بضعة أشهر. لكن الخبير هانس ياكوب شيندلر يرى أن 'التأخير قد يمتد لعدة سنوات، لأننا في هذه المرحلة ما زلنا في طور التخمين، إذ لا نعرف بعد مدى الأضرار التي لحقت بالمواقع النووية."
لكن، وكما قال كولين باول، وزير الخارجية الأمريكي السابق في عام 2008 بشأن البرنامج النووي الإيراني: "لا يمكن تدمير المعرفة بالقنابل". بمعنى آخر، مع مرور الوقت وتوافر المال والإرادة، تستطيع إيران إعادة بناء ما تحتاجه لاستئناف برنامجها النووي انطلاقا من مخزونها البالغ 408.6 كيلوغرامات من اليورانيوم. "فهناك دوما عدد أكبر من العلماء مقارنة بمن تم اغتيالهم على يد إسرائيل"، كما يشير الخبير هانز ياكوب شندلر.
ويرى شندلر أن هذا هو أحد المخاطر الجوهرية في النهج الحربي الذي تتبناه كل من إسرائيل والولايات المتحدة: "ما لم يحدث تغيير سياسي جذري داخل إيران يؤدي إلى دمجها في محيطها الإقليمي، فإن ما سيحدث، في حال سقوط النظام، هوأن الجهة التي ستتولى السلطة لاحقا ستسعى بكل الوسائل لامتلاك السلاح النووي كوسيلة للردع وستقوم بذلك سرا، من دون إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية".